Skip to main content

Full text of "المؤنس فی أخبار إفریقیة و تونس"

See other formats


اومس 


أخمبا ر افريهية 
رق 


مهد بن انك القاسم العبتيالقيروات 


المعبوة 6 
بإين اي دينتار 
دار امثيرة هلك موسسّة سعئّدان 


بسانتت الك تكن 


«٠ 

| ع 1 
1ك 
7 


اخبّارإفريفية وتونيش 





اك 
ري كسا 





اخبّارإفريقية وتونيسش 


تأليت 
الفتفيه النجيه أ عبداللهالشيخ 
يحمد بن الى القامم العبنيالقيروائ 
اللعروف 
بإين أ دينتار 
رحمهماالله تعالى 





تمعدارىي 
شبكة كتب الشيعة ١‏ 
. وح د 


00 #عافوال 1 ع 





دار المسيرة 


التبعلطة واناباة1 والنظر 





أ©5.22ع226001ق1طد5 


رابط بديل > 52.52©64غ>211 


حقوق الطبع محفوظة بالكامل 
لدار المسيرة ‏ لبان 


الطبعة الثالثة 
103 


طبع من الكتاب 3800 نحت رقم 0550 
طبع في بيروت 


دار المسيرة 


لبان بيروت - هائفب: #6045875 ماهم 
تلكس: 15 5١9097‏ مسيرة- قاكس: 9600361 ضاب: 50696/ "1 


مقدمة الساشر 


كتاب «المؤنس في أخبار إفريقية وتونس», كتاب من الكتب الهامة. 
يلقي الضوء على جزء من تاريخ هذه المنطقة من وطننا العربي منذ الفتح 
الإسلامي؛. ويؤرخ لتاريخ إنشاء مدينة تونس كما يقول المؤرخ إبن 
الشماع. أنها أسست بعد العام الثمانين للهجرة. 


في هذا الكتاب تسمية وإفريقية». لا يقصد بها قارة إفريقيا. وإنما 
يقصد بها القيروان» في حين أن بعض المؤرخين وأهل السير يجعلون 
«إفريقية» إقليما مستقلا وله حدود ولهم اختلاف فيه. كذلك يذهب البعض 
إلى إطلاق هذه التسمية على هذا الإقليم لأنه المكن الذي فرق بين 
الشرق والغرب. ويمتد هذا الإقليم من مدينة برقة في ليبيا مارا بتونس 
والجزائر إلى وادي درعا على المحيط الأطلسي . 


الأفارقة . 


وعلى العموم. ومهما كان هذا التحديد. فإن كتاب «المؤنس» 


إن 


يتعرض لحقبة من تاريخ هذه البلادء بعضها تم سرده بالنقل كما يقول 
مؤلف الكتاب محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني» المشهور بإسم إبن 
أبي دينار عمن مبقوه من المؤرخين» وبعضها جمع جمعاً على لسان 
السقاة الذين يحفظون التاريخ والوقائع . 

وإذا كان هذا الكتاب الذي قمنا بإعادة نشرهء فيه الكثير من 
المفردات والعيارات العامية بلهجة بلد منشاً المؤلف. إلا أن الطبعة الثانية 
للكتاب التى نقلنا عنها ورد بهامش أحد صفحات التعريف بالمؤلف: حر 
أن مصحح المطبعة التونسية صحح الكثير في الكتاب وأصلح عربيته» لأن 
النسخ الخطية التي وقعت أيديهم عليها كثيرة اللحن . إلا أن الهام 
إيضاحه أننا عندما قررنا إعادة نشر الكتاب لأهميته. لم نتمكن من 
الحصول على أية نسخة خطية أو مطبوعة غير تلك التي نقلنا عنها حتى 
نقوم بتحقيق الكتاب, إلا أننا أعدنا جمع الكتاب ميلم ما يمكن 
تصحيحه ووضعنا الشيء القليل من الهوامش, املين أن نتمكن في وقت 
لاحق. الحصول على نسخ من الكتاب غير النسخة التي نقلنا عنهاء والتي 
كانت قد نشرتها «مطبعة النهضة:» بتونس سنة 1350 هجرية, أي قبل واحد 
وستون عاماً. هذا فى حين أن الطبعة الأولى للكتاب صدرت في عام 1286 
هجرية. ولم نتمكن من الحصول عليها أيضاً. 

ودار المسيرة التي دأبت دائماً بالبحث عن كل قديم جديد لجيلنا 
وللأجيال القادمة. لتعريف القارىء الكريم بقضايا تاريخه وترائه العربي 
الأصيل. وجدت أن من الهام والضروري نشر الكتاب من جديد. واعدة 
القارىء العزيز أنها ستسعى بكل إمكانياتها للحصول في وقت لاحق على 
نسخ أخرى لإعادة تحقيق الكتاب وإخراجه بالحلة التي ترضى عنها 
ويرضى عنها جمهورها من القراء. 

الناشر 
19م 
1/ صفر/1411ه 





التعريف بابن أبي دينار وبكتاب المؤنس 
كما جاء فى الطبعة الأولى 


مؤلف هذا الكتاب. محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني» المشهور 
بابن أبي دينار - كذا يؤخذ من ديباجة كتابه المؤنس ‏ كان في طبقة 
الذين اخذوا عن الشيخ محمد فتاتة. ولكن لم يأخذ عنه. وإتما أخذ عن 
ابنه الشيخ أحمد مسائل». واستفاد منه. قال في أواخر الفصل الأول من 
خاتمة «المؤنس» أثناء الكلام على الشيخ فتاتة ما نصه: وإن كنت حرمت 
أن أغترف من بحرهء ولم يساعدني الحال أن التقط من دررهء ولقد 
أصابنى رذاذ من وابله.ء وذلك أن نجله السعيد النجيب الشاب الأنجد 
الشيخ أبا العباس أحمد بن الشيخ المذكور له عندي يد. أفادني بمسائل 
فتى ذهني بها واسئفدت به زاد الله في حسناته ا١ه.‏ وأخذ عن الأستاذ 
محمد المعروف بابن الشيخ. من علماء عصره على ما يؤخذ من قوله 
أواخر الفصل الثالث من الخائمة. عند الكلام على علماء الحاضرة: 
ومنهم شيخنا وصديقنا الشيخ الفقيه الحبر النبيه الوجيه الشيخ الأمجد أبو 
عبد الله محمد عرف بابن الشيخ الخ. وأخذ أيضاً عن الشيخ أبي الحسن 
علي بن عبد الواحد الأنصاري على ما يؤخذ من قوله في تاليف له في 


37 


الأدب: ولما اجتمعنا بالعالم الجليل الذي فاق بنظمه الرائق سبريه 
والخليل. فرد الزمان. وواحد الأقران العالم الراوية ذي التاليف العجيبة 
والتقاليد الغريبة. شيخنا أبي الحسن علي بن عبد الواحد الأنصاري الخ . 


والذي يستفاد مما وصل إلينا من مؤلفاته وما وقفنا عليه من نظمه 
ونثره أنه كان ضعيقاً في العربية وصناعة الإعراب2©7. ويبعد غاية البعد أن 
يكون كل ما وقع في مؤلفاته من اللحن الكثير تحريف الناسخين. 

ولعله باشر التدريس. وأقرأ الشفاء للقاضي عياضص. قال في تاليفه 
في الأدب الذي سبق النقل عنه. إذ تكلم على ما امتحن به القاضي رحمه 
الله وأجزل مثوبته: وقد تعرضنا لذلك في تخلص ذوي المودة والصفا لختم 
أواخر الشفاء. 


وكان والي قضاء سوسة, ثم نقل عنه إلى قضاء القيروانء صرح بهذا 
في تأليفه الأدبي. وأنه كان قاضيا بالقيروان على عهد مراد باي ابن الأمير 
حموده باشا. ويؤخذ من تأليفه هذا أنه سكن حاضرة تونس. ولا نعلم أنه 
سكنها قبل ولايته القضاء بسوسة والقيروان -أم بعدهما. قال رحمه الله: 
وكنت اجتمعت مع الصاحب الجليل. آخر كل صديق وخليل. فخر الزمان. 
ورئيس الأقران. الشيخ الكبير أبي الحسن علي ثابت رحمه الله بدار 
القاضي فضل الله «افندي0 قاضي الحضرة العلية قبل سكناي بها الخ . ولم 
نقف على تاريخ وفاته. وغاية ما استفدناه أنه أدرك الخمس الأول من 
العقد العاشر من القرن الحادي عشرء إذ ذكر أنه فرغ من كتابه المؤنس 
ليلة النصف من شعبان المبارك سنة اثنتين وتسعين وألف. 


(شعره ونثره) ترى في أواخر كتابه هذا نبذة من شعره. ومعظمه من 
لآن النسخ الخطية التي وقعت بأيدينا كثيرة اللحن ومنها النسخة التي بالجامع تحت 
عدد 44605 ولعلها التي طبع عليها الطبعة الأولى . 


مم 


الشعر الوسط. وفي كتابه الأدبي نبذ آخخر منه. فمن ذلك قوله عند مفارقته 

القيروان وفيه التورية: 

حنيني وشوقي للديار وأهلها ولكن قضا المقدور يؤذن بالصرف 
وأما نثره فدونك نموذجاً منه: قطعة من رسالة له بعث بها إلى مفتي 

بلده الشيخ عبد الحفيظ الغرياني أوردها برمتها في كتابه الأدبي : 


وبدءاً فإن من كرم غريزة الرجل حنينه إلى وطنه. وتذكار أهل محته 
وسكته. ولكن لما أن خلت الديار. وتزاحمت الأغيار. 'ولم يبق صديق 
قائم بحق الصحبة. ولا أنيس تشكو له ألم. الكربة. وبقيت مع من بقيت 
كما قال لبيد. 


ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب 


فاشمازت22(7 النفس من اذ كون إلى الجهال. وتنكر الوقت يشعر 
بتنكر الحال. وقلما سكنت النفس عن السؤال عن أحوالكم . وطالما 
تشوقت إلى تذكار فعالكم وخصالكم . والدهر لم يصف من كدر. والأمور 
تجري بحسب القضاء والقدر. فعقم شكلي عن الإنتاج . وتعطل لساني 
عن المجادلة واللجاج . وكلما عملت7© لتحرك عامل الحزم والجزم انقلب 
إلى السكون. فقلت عند هذه المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون اه. 

«مؤلفاته» المؤنس في أخبار إفريقية وتونس. وهو الكتاب الذي أعدنا 
طبعه اليومء بعد أن كان طبع في مطبعة الدولة التونسية سنة 1785 رتبه 
على سبعة أبواب وخاتمه. واعتمد فيه ما كتبه ابن الشماع. الذي وقف 
سير قلمه في تاريخه في أثناء دولة الأمير أبي عمرو وعثمان بن محمد بن 


)١(‏ قوله فاشمازت جواب لما ولا محل للفاء. 
)١(‏ كذا ولعل الصواب أعملت. 


عبد العزيز آل حفص. المتبوىء أريكة الملك التونسي في صفر عام 
8 وزاد عليه ونبه على هذا بقوله في أوائل الفصل الأول من الخاتمة: 
وقصره ابن الشماع» في أماكن كثيرة ونبهت على بعضها. ثم أضاف إليه ما 
زاده الزركشي على قلته. قال رحمه الله أثناء الكلام على دولة هذا الأمير: 
وهنا انتهى ابن الشماع وزاد الزركشي نبذة» ولنأت بها مختصرة كما 
اختصرنا ابن الشماع اهء وأما ما جمعه بعد هذاء فهو مما تلقاه بالرواية؛, 
والسندء وصرح بهذا في ديباجة الكتاب. إذ قال: فجمعت ما كان متفرقاً 
بالرواية والسندء وجعلته مقام تبريد اشتعال الكبد بموت الولد7'» 


ومن أفضل ما امتاز به هذا التأليف. ما في الفصول الأربعة من 
خاتمته, من بيان نظم البلاد السياسة والعلمية وعوائد أهلها. 

«تخلص ذوي المودة والصفا لختم أواخر الشفاءه هذا التأليف ذكره 
صاحب التاريخ رحمه الله أثناء كتاب له في الأدب. ويظهر أنه كتابه على 
أواخر الشفاء على ما جرت به العادة من أفراد أواخر الكتب بالكتابة عليها. 

«رضاب العقيق ف في الروض الأنيق. في مجارات الأخوان وأحوال 
الصاحب والصديق» 0 هذا الكتاب في تأليفه الأدبي أيضاً في مواضع 
متفرفة منه . 

«كتاب الأدب» توجد نسخة منه بالمكتبة الأحمدية في جامع الزيتونة 
تحت عدد 4٠١‏ أوله: نحمدك اللهم أن شرفتنا بشرف الأدب. ومنحتنا 
مما لديك بالفهم والتصرف بالإعراب في لسان العرب. قال في ديباجته: 
هذا وقد طلب مني من حل مني محل الروح من الجسد. وصرت منه 
بمنزلة الوالد من الولد. بعض الألماع من الأدبيات؛ فكتبت له هذه الرسالة. 
بمنزلة الجزئيات من الكليات اه. وقد أودعه نبذا من شعره وشعر غيره 
وطرفا أدبية شتى . 


)١(‏ راجع: صفحة ١‏ من هذا الكتاب. 


1١ 





مقدمة المؤلف 


الحمد لله الذي لا يبدأ أحد في كتاب إلا باسمه ليصل إلى التمام . 
ولا يدون ديواناً إلا ويشحنة بالشناء عليه بما له على العباد من الفضل 
والإنعام. ولا يؤرخ تاريخاً إلا ليعلم من عجائب مخلوقاته وغرائب 
مصنوعاته ما تعجز عنه العقول وتقصر عنه الأفهام . الملك الذي بيده مقادير 
الأمور مدى الدهور والأعوام . الذي اخترع العالم بحكدمته وأبرزه للوجود 
بقدرته تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام. أحمده حمد من أقر 
بربوبيته» وأعترف بوحدانيته من غير شك ولا إيهام. وأشكره شكر من وهبه 
جزيلا من فضله فطلب منه المزيد بالشكر لقوله أشكروني أزدكم من الخير 
والإنعام . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنفرد بالتصرف في 

ملكه وملكوته بالعدل والإكرام . وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي 
جاء بالصدق وقطع دعوة الملحد بلاغة من كلام العزيز العلام . وهاجر من 
أعز البقاع إلى أعز البقاع. فأقام الدين وأظهر شرائع الإسلام. ويوم هجرته 
صار تاريخاً لمن تمسك بشريعته بين الأنام يق صلاة 0 يتضوع من 
نشرها مسك الختام , وعلى آله الطاهرين الطيبين الذين أثنى عليهم الملك 


1١ 


العلام. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا 
من جميع الآثام. وعلى أصحابه الذين فتحوا مشارق الأرض ومغاربها 
وهدموا صوامع الشرك وقتلوا عباد الأصنام . وأعلنو بكلمة التوحيد» فأنار 
الهدى وانقطع الباطل وارتفع البخضام. صلاةً وسلاماً أدخرهما ليوم العرض 
والزحام . يوم تبيض وجوه وتسودٌ وجوه تكون لي نجاة من النار ومثوبة بالفوز 
في دار السلام ورضي. الله عن التابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم 
الدين السادة الفضلاء الأعلام. ما ترنم الطير على أيكه ورقت على منابر 
الأصابع خطباء الأقلام . 


وبعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة الملك الغفار. محمد بن أبي 


القاسم الرعيني القيرواني المشهور بإبن أبي دينار, عامله الله بلطفهء وأسبل 
عليه ستائر حلمه وعطفه » بمله وكرمه , أمين . 


قال بعض أهل العلم: إن في علم التاريخ عبرة لمن اعتبر. وتذكرة 
لمن يتذكر. لأنه ينبيء عن صنع الله في القرون الخالية وكيف تصرفت 
قدرته بإرادته في الأمم الماضية. وحكمته تعالى جارية في مخلوقاته بعدله 
وإحسانه بحسب إرادته على مر الدهور والأزمان. وهو سبحانه وتعالى كل 
يوم هو في شأن لا يشغله شأن عن شأن. وقال تعالى قل سيروا في الأرض 
على أحد أقوال المفسرين هو النظر في كتب السير والتطلع على أخبار 
الماضين من البشر. فمن أمعن النظر في أخبار الماضين رأى ما يعجب منه 
العجب. وإن تأمل سير الملوك سرح طرفه بمراة الزمان في مروج الذهب. 
وإن شنف سمعه بأخبار الزمان. أغنته أزهار حدائقها عن قلائد المرجان. 
وعلم أن الدر المشرق في أخبار أهل المشرق وإن استغرب فالمغرب» 
عن أحوال أهل المغرب. فإن اختصر فالمختصر في أخبار البشر. 
والحديث شجون. والعشق جنون. والجنون فلون. وكل حزب بما 
لديهم فرحون. ولهذا كثفرت كتب السير في غالب المعمور من الأرض إلا 
إن كل أمة يستمد بعضها من بعض. والبلاد متفاوتة على قدر مراتبها. 
والعقول مختلفة فيما يتجمعه من عجائبها وغرائبها. 


ين 


الحامل على التأليف 


إلا إن مدينتنا الخضراء العلية» وعروس البلاد الإفريقية. تونس 
حرسها الله تعالى لم يتقيد لجمع أخبارها مصنف. وإذا تأمل المتامل إلى 
معتاها وترتييهاء وجدها أحق بالتصنيف من غيرها إذا كان المتأمل منصفاً لا 
متعسفاً. لأنها عروس بلاد المغرب ونزهة الإقليم الإفريقي ودار الخلفاء من 
بني أبي حفص. وهي أشهر من نار على علم وخبرها روته الثقاة بالنقل 
والنص. ونمت محاسنها وإن كانت غير ناقصة بالدولة العثمانية. وعظم 
صيتها بين حبائبها لما نشرت عليها الأعلام الخاقانية. إلا إنه تقدم لابن 
الهنتاتي مجموع لطيف أخبر فيه عن أحوال القوم. وأنفق من بضائع بني 
أببي حفص ما تيسر له ولكنه غالى في السوم. وما ذاك إلا لأنه لم ينظر إلى 
حلية تونس في هذا الزمان. ولم ينظر إلى معناها ومغناها الذي له شأن 
وأي شأن. ولو أدرك زماننا لطغى يقلمه وألقى العصا. ولو شاهد حسنها 
في حلل الهنا'لقال: هذا مما لا يعد ولا يحصى . 


ولما تمت محاسنها أصابها سهم من نظر المعيان9© . فلم تخطىء رميته 
حتى رأيئا مصارع العشاق في حرب الأخوين ومقاتل الفرسان. وكانت قبل 
اليوم في ذروة الشرف. وأهلها في نعيم مقيم في الدعة والترف. إلى أن 
قدر الله علينا بخطوب وأي خطوب. وقابلها الزمان بعد التبسم بوجه 
قطوب. فتكدرت أحوال أهل البلد. وأصبح كل إنسان يقول نفسي نفسي 
ولا يسأل أحد عن أحد. وقد كنت أتمنى أن أجد من فيه نباهة ليجمع ما 
حدث في زماننا من الوقائع العجيبة. ويضيفه إلى ما جمعه ابن الشماع 
في تلك المدة البعيدة إلى هذه المدة القريبة. كم تشوقت إلى هذا الجمع 
بنفسي » وملت إليه بحسي وحدسي » إلى أن قدر الله علي بفرقة الأحباب 
وموت الأولاد. وذهبت بما تقطع منه كبدي وكبد غيري من أهل البلاد. 
فكان هذا هو الباعث لي في هذا التقفييد. واستشرت ماموناً في مشورته 


)١(‏ المعيان: .هنا المقصود بها صاحب النظرة. أو الذي يقال عنه أنه يصيب بالعين. 


1 


فرسم لى برأيه الرشيد. فجمعت ما كان متفرقاً بالرواية والسند. وجعلته 
مقام تبريد اشتعال الكبد بموت الولد. وجعلت أتسلى به عن حزنيء لأني 
في غمرات امتلا القلب منها وقال قطني07©. ورحم الله ابن الوردي حيث 
قال: 
لي مهجة في النازعات وعبرة في المرسلات وفكرة في هل أتى 
وإلا فكيف لي أن أكون من فرسان هذا الميدان. ولست من أبناء 
الخضراء على الحقيقة حتى يحصل لي هذا الشأن. ورحم الله الأحنف 
حيث قال: 
فسد الزمان فسدت غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤدد 
ولكن لي العذر وقد تطفلت على «وائد الكرام وإساءتي مغفورة عند 
العلماء من أهل لد" بان كنت معدوداً من العوام . وإلا فكيف لي أن 
نصيب 3-5 9 خائض في غياهب الجهالة »> وسارح في مروج اللهو 
والبطالة. فصرت كحاطب ليل أو جامع سي 5 سيل. وطلع صباح الشيب فبدت 
أية النهار مبصرة فمحت أية الليل. وفقد الشباب والأحباب. أعظم 
المصاب. قال بعضهم: 
شيئأن لو بكت الدماء عليهما عبناي حتى تؤذنا بذهاب 
لم يبلغ المعشار من حقيهما فقد الشيساب وفرقة الأحباب 
وها أنا استهدفت للرامي . وأبرزت مرامي . وقدمت ما أورده اين 
الشماع ليكون البناء على أساس. وأجمع إلى كلامه ما أنقله عن غيره وما 
رويته عن غير واحد من الناس. وإذا ذكرت شيئاً مما ثبت عندهء أذيل عليه 
)١(‏ قطني قد تكون في الأساس قنطي أي يأسي. وإنما كما هي واردة معناها ثوب 
القطن. والأرجح هي قنطي . 
(1) الحضرة: المقصود بها تونس. 


14 


بنكت من كلام الغير وكل أحد ينفق ما عنده. وأبذل جهدي بقدر الطاقة 
عسى أن يحصل لي نصيب. وأجتهد فيما أردته إن شاء الله وما كل مجتهد 
مصيب. فإن ظفرت بشيء مما رمته وبلغت المنى كنت ابن ظفر على 
الحقيقة ونظمت في سلك نجباء الأبناء. ومن الله استمد الإعانة والطول. 
لاني عاجز ولا قوة لي ولا حول. وأسأله التوفيق في القول والح . والنجاة 
من الخطأ والزلل. إن شاء الله تعالى. وسميته «المؤنس في أخبار إفريقية 
وتونس0. ورتبته على سبعة أبواب بعدد أبوابها وخاتمة. 

الباب الأول في التعريف بتونس ‏ الباب الثاني في التعريف 
بإفريقية ‏ الباب الثالث كيف فتحتها الجيوش الإسلامية ‏ الباب الرابع كيف 
استولى عليها الخلفاء العبيدية- الباب الخامس في الأمراء 
الصنهاجية - الباب السادس في الدولة الحفصية ‏ الباب السابع في الدولة 
العثمانية - والخاتمة تتضمن أحداثاً ظهرت في الديار التونسية. ومآثر تفخر 
بها بين جيرانها الإفريقية. وما تميزت به في البلاد المغربية. 


16 





(فيك (لروث 


في التعريف بتونس 


قال ابن الشماع: مدينة تونس هي إسلامية أحدئت بعد الثمانين من 
الهجرة» وكان أبو جعفر المنصور العباسي. إذا قدم عليه رسول صاحب 
القيروان يقول له: ما فعلت إحدى القيروانين؟ يعني تونس تعظيماً لها. 

وهي اليوم قاعدة البلاد الإفريقية. وام بلادها» وحضرة السلاطين من 
الخلفاء الحفصيينء. ومهاجر أهل الأقطار من الأندلس والمغرب وغيرهما. 
فكثر خلقهاء واتسع بشرهاء ورغب الناس في سكناهاء وأحدثوا بها 
المباني والكروم وبينها وبين قرطاجنة عشرة أميال. وبين تونس ومرساها 
بحيرة يقال: إنها كانت كثيرة الجنات والمياه والزرع. طيبة الفواكه فغلب 
عليها ماء البحر اه. قلت: عرف بها صاحب الجغرافية حيث قال: ومديئة 
تونس في الجزء الثاني من الإقليم الثالث. ومدينة تونس في ذاتها قديمة 
اسمها في التواريخ «ترشيش: ولما افتتحها المسلمون وأحدثوا البناء بها 
سموها تونس . 

ومدينة تونس في جون خارج عن البحرء وهي على بحيرة محتفرة 
وعرضها أكثر من طولهاء وذلك أن طولها ستة أميال وعرضها ثمانية أميال, 


317 


ولها فم يتصل بالبحر وهو المسمى فم الوادي. وذلك أن هذه البحيرة لم 
تكن قبل» وإنما حفر في البحر حفير انتهي به إلى مدينة تونس. ومن فم 
هذه البحيرة إلى مدينة قرطاجنة ثلاثة أميال ونصف. قلت: الذي ذكره 
صاحب الجغرافية أنها قديمة لا شك فيه لقول غيره. وذكر سبب فتحها 
وكذلك حفر البحيرة يدل أنه كان في زمن الإسلام» لأنه قبل الإسلام كانت 
قرطاجنة حائلة بينها وبين البحر والبحر بعيد عنها جداء وإنما أحدث البحر 
خراب قرطاجنة. وما ذكره ابن الشماع أنها كانت بساتين ومزارع تشهد لها 
الآبار التي في وسطهاء وربما وقع فيها صيادو السمك أحياناء ويتجنبون 
مواضعها ولهم بها خبرة. 


قال ابن الشماع: ولمدينة تونس سور يدور بهاء وأن دورها أربعة 
وعشرون ألف ذراع. قلت: ولم يذكر الباني لسورها حيث كانت عنده 
إسلاميةء والجاري على ألسنة أهلها أن بناءه كان على يد الشيخ سيدي 
محرز. والشيخ المذكور كان في أول الماثة الرابعة, إلا أن يكون الشيخ 
جدده بعد المحنة. التي وقعت عليها من أبي يزيد الخارجي. وذلك في 
سنة ست عشرة وثلئمائه. لأنه نهب إفريقية ومدينة تونس. ونهب منها نحو 
اثني عشر ألف خابية زيتاء غير الأموال والعبيد والأمتعة والدواب والنساء 
والأطفال وغير ذلك. وسيأتي خبر أبي يزيد بعد إن شاء الله تعالى. وكذلك 
القصبة لم يذكر بناءها. وقال عند ذكر المولى عبد الواحد أنه سكن 
بقصبتها عند حلوله بتونس. وهذا يدل على أن قصبتها متقدمة عن زمن بني 
حفص. قلت: ولعلها من بناء بني الأغلب كما سياأتي. والعمال كانوا 
يسكنون بهاء وأبناء خراسان كانوا بهاء لما خرجوا عن طاعة بني باديس. 
والغالب على ظني أنها القصبة القديمة» وأما هذه فهي بناء بني حفص كما 
سيأتي إن شاء الله تعالى ‏ 


حاضرة تونس أسماؤها وجامعها وشيء من آثارها 
قال ابن الشماع : وجامع تونس مليح الصنعة, حسن الموضع . مطل 


148 


على البحرء بناه عبيد الله بن الحبحاب. ودار الصناعة سنة أريع عشرة 
وماثة. وأنفذ إليها البحر. قلت: عبيد الله الحبحاب كان عامل لهشام بن 
عبد الملك بن مروان على مصرء وأرسله إلى إفريقية سنة عشر ومائة. 
فلما وصل القيروان أخرج المستنير من السجن. وأرسله إلى تونس والياً 
عليها. ولعله لم يدخل إلى تونس» وتقدمه البكري حيث قال: ومدينة 
تونس دورها أربعة وعشرون ألف ذراع وذكر بناء عبيد الله بن الحبحاب. 


قال: ومدينة تونس اسمها في الأوائل «ترشيش» ويقال لبحرها: بحر 
رادس ومرساها مرسى رادس. وأن حسان بن النعمان افتتحهاء وذكر غيره: 
أن زهير بن قيس البلوي افتتحها. قلت: وقع التناقض بين قوله من بناء 
بني أميةء وبين قوله افتتحها حسان, وقول غيره افتتحها زهير. وزهير كان 
سنة سبع وستين» وحسان سنة سبع وسبعين» والبناء سنة ثمانين: إلا أن 
يكون الفتح أولاً ثم استقر بها قدم المسلمين واستوطنوهاء واتخذوا بها 
المنازل والديارء وكان نزولهم بها في سنة ثمانين. فلذلك نسبت إلى بني 
أميةء ولم يكن قبل ذلك ينزلها أحد من المسلمين. وابن الشماع أدرى 
ببلده. وقال البكري: وبمديئة تونس بحيرة دورها أربعة وعشرون ميلاء 
وهي في سفح جبل يعرف بجبل أم عمروء وفي بحيرتها جزيرة مقدار 
ميلين تسمى: شكلي» تنبت الكلخ. وبها آثار قصر حرب. قلت: في 
زماننا هذا بها قصر مشيد. والذي حكاه البكري وغيره عمر بعد ذلك في 
حدود الأربعين والتسعمائة على أيدي النصارى. وبنوا قيهامخضارا يما 
إلى أن أخذه من أيديهم العسكر العثماني. وسيأتي ان شاء لله تعالى» 
وخرب وما تبقى منه إلا اثاره. وجدد في زمان الحاج مصطفى داي بعد 
السبعين والألف. وهو إلى يومنا هذا غير عامر. 


قال ابن الشماع : وتونس دار فقه وعلمء وعلى عشرة أميال منها غرباً 
وادي مجردة. ويقال: إن من شرب منه قسا قلبه. وسميت تونس لان 
المسلمين لما فتحوا إفريقية. كانوا ينزلون بإزاء صومعة «ترشيش» ويتأنسون 
براهب هناك فيقولون: هذه الصومعة تونس. فلزمها هذا الأسم. قلت ذكر 


165 


غيره: إن العرب كانوا يسمعون أصوات الرهبان طول الليل في صوامعهم. 
فيتأنسون بهم فقالوا هذه البقعة ونس . وقال ابن الشباط وجدوا زيتونة 
منفردة في موضع المسجدء فقالوا هذه تونس وسمي المسجد بجامع 
الزيتونة . 


وذكر غيره أنهم لما نزلوا بإزاء صومعة ترنس الراهب؛ الذي نسبت 
إليه الصومعةء فقالوا صومعة تونس أطعمهم دشيش الحنطة. فصار عادة 
لأهل البلد في رأس كل سئةء حتى كاد أن اه 
وأنهم رأوا مكاناً محرقاً عنه بالشوك. فسألوا الراهب عن سيبه» فأخبرهم 
أنه يرى في بعض الليالي نوراً ساطعاً من تلك البقعة قال: - فعلمت أن 
سيكون لها شأنى فصتتها من القذارات وبول الكلاب - فصلوا في تلك 
البقعة» وهي موضع المحراب. واتخذوا هناك مصلاهم. قلت: إن صح 
هذا فالشرف سابق لهذه البقعة» بحيث صلى بها الصدر الأول من 
المسلمين والفضلاء من المتأخرين: وأم بالناس فيها عدة أعلام ونجباء 
كرام وهي بقعة مباركة يستجاب فيها الدعاء إلى يومنا هذا ولله الحمد. 


وقال البكري: يدور بتونس خندق حصين, ولها خمسة أبواب. وقال 
ابن الشباط: لها في زمائنا عشرة أبواب» بعضها في البلد وبعضها في 
القصبة. قلت: وفي زماننا لها سبعة أبواب. ولم يبق في القصبة إلا باب 
عدر وهو مغلق في هذا الوقت. وذكر غير واحد أن لها خمسة أسماء. 
ترشيش. وتونس وقيل تانس . والحضراء. والخضراء. والدرجة العليا. 
فترشيش اسمها في القديم وتونس حادث لها واشتقاقه من التأنيس. 
والحضراء لأنها حضرة السلاطين من بني حفص. والخضراء لكثرة زيتونها. 
والزيتون لا يزال أخضر طول الزمان وهو الشجرة المباركة. أو لآأن خيراتها 
كثيرة عن غيرها وسعة أرزاقها. وقد يقال لمن هم في سعة من الرزق خضر 
المرابع» فلذلك عبر عنها بالخضراء. والدرجة العليا قيل: لأن بها الجامع 
الاعظم وقيل: لارتفاعها عن غيرها من البلدان. وارتفاع مسيتها في كل 


أوان . 


3٠ 


ولقد أخبرني من أثق به أن السلطان أحمد صاحب مراكش.» لما 
أرسل جيشه صحبة محمود باشا مملوكه إلى بلد السودان وفتحها إلى تنبكتو 
وأخذ على أهلها البيعة لأستاذه. وكان بها إذ ذاك الأستاذ العالم العلامة 
الشيخ أبو العباس أحمد عرف بابا رحمه الله. سال الناس لمن بايعواء 
فأخبروه لسلطان مراكش فقال: لست أعلم في إقليم الغرب سلطاناً إلا 
صاحب مدينة تونس حرسها الله تعالى. أنظر أيها المتأمل كيف ثبت عند 
هذا العلامة خبر تونس وسلطانهاء مع قرب بلاده من مراكش وبعدها عن 
تونس »2 والشيخ أحمد صاحب اطلاع وهو من أكابر علماء وقته. وما ذاك 
إلا لفخامة ذكرها وعلو قدرها زادها الله علوا. 


ولنرجع إلى قول ابن الشباط قال: وجامع تونس رفيع البناء.. مطل 
على البحر. ينظر الجالس فيه إلى جميع جواره. ويرقى إلى الجامع من 
و و ا عشرة درجة. قلت: ابن الشباط محقق فيما 

ينقله ولم يذكر من الباني لهذا الجامع ء إلا ما ذكره غيره» وهو أن عبيد الله 
بن الحبحاب هو الباني له كما مر انف ولعل عبيد الله هو الذي أمسسه. 


وذكر ابن ناجي أن زيادة الله بن الأغلب ب بنى جامع الزيتونة وسور 
تونسى وقصبتهاء فهي من بناء بني الأغلب. قلت: ولعل البناء الضخم هو 
من بناء الأغالبة» ويشهد لذلك ما هو مكتوب في القبة التي فوق المحراب 
اسم أمير الؤمنين المستمين بالله العباسي سنة خخمسين ومائتين» وزيد فيه 
على بنائه الأول. كما زيد فيه في أيام أبي حفص والله أعلم . 

وقال ابن الشباط: وبتونس أسواق كثيرة» ومتاجر عجيبة» وفنادق 
كبيرة رفيعة وها عتسنة: غكن بنيماما؛ قلت: في وقتنا هذا بها أربعون 
حمافاً: قال: وعضادات أبوابهي دورها كلها رخام يديع وهي دار علم 
وفقه ولي منها قضاء إفريقية جماعة كثيرة. 

ويصنم بتونس أنية للماء من الخزف شديد البياض في نهاية الرقة تكاد 
تشفء. ليس يعلم لها نظير في سائر الأقطار. ومدينة تونس من أشرف 


"١ 


مدائن إفريقية وأطيبها ثمرة وأنفسها فاكهة. وبها من أجناس الحوت الذي 
لا يكون مثله في غيرها. قلت: رحم الله ابن الشباط وغيره لو شاهدوا ما 
في هذا الوقت من خيراتها وكثرة بساتينها وجناتها لأعجزهم الوصف. ورأوا 
من الفواكه ما ليس له حد ولا طرف» وشهادة لله أنه يوجد فيها ما لا يوجد 
فى غيرها كثرة وحسناء بحيث لا يدخل تحت حصرء وإذا افتخر المصريون 
بمصرهم قلنا لهم: هذه أخت مصر. وناهيك أن في فصل الخريف يدخل 
إليها كل يوم أزيد من ألف حمل من العنب. هذا خلاف ما يباع مع العنب 
من تين وبطيخ وغيرهما من الفواكه الرطبة واليابسة. 

ولقد أخبرني بعض خدمة المحتسب في سنة إحدى وستين وألف أنه 
حصر ما بيع للخمارات من العنب فكان مقداره سين ٠‏ ألف حمل حلاف 
ما بيع في أسواقها. وقس على هذا القدر وفيه كفاية. وأما الخزف فهو أقل 
شيء في الفخر وهمم أهل الحضرة أعلى من ذلك. 

وقال صاحب اقتباس الأنوار: وتونس من بلاد إفريقية بينها وبين 
القيروان أربع مراحل. وهي مما بناه بنو أميةء والمديئة القديمة الرومية 
اسمها قرطاجنة» وينسب إلى تونس جماعة من العلماء منهم: أبو الحسن 
علي بن زياد التونسي سمع من مالك الموطأ وتفقه عليه وتفقه به سحئوت 
وعاش بعد مالك نحوا من خمس سنين. وقبره بداره داخل بياب المئارة. 


وقال ابن الشماع: ومنهم الشيخ الإمام العابد سيدي محرز بن 
خلف, وقبره بداره داخلٍ باب السويقة. وبقبلي مدينة تونس جبل يعرف 
بجبل التوبة لا ينبت شيك وهو المسمى بجبل الجلاز, وفي أعلاه قصر 
مبني مشرف على البحر. قلت: القصر الذي ذكر هو مقام الشيخ العارف 
بالله سيدي ابي الحسن الشاذلي متقدم على ابن الشماع بزمانء أو لعل 
المقام لن يشتهر إلا من بعده. قال: وشرقي القصر غار منحني الباب 
يسمى بالمعشوق. وبالقرب منه عين جارية. قلت: لم يبق' له أثر إلا أن 
يكون المغارة التي تنسب للشلالي أيضاً في زماننا هذاء والغار الذي 
أدركناه قبل اليوم تحت الجبل وبه عين ماء يقال لها الحمام وخرب» واليوم 


يف 


في موضعه ماجل وهو على الطريق على شاطيء البحيرة. قال: وجامع 
تونس يرقى إليه من ناحية المشرق على ائنتي عشرة درجة. وقد تقدم هذا 
النقل عن غيره بزيادة إيضاح. وقال ابن الشباط: ومحاسن تونس ومبانيها 
في عصره مما يقصر عنه الوصف وانشد لبعض الشعراء يمدحها 


فتونس تونس من جاءها وتدركه حسرة حيث سار 
فلو حل عنها لأرض العراق لحن إليها حنين الحوار 
يحن إليها ويشتاقها اشتيا ‏ اق الفرزدق فقد النوار 

والنوار امرأة الفرزدق الشاعر المشهور وله فيها عدة قصائد فى محبته 
إياها . 1 

وذكر البلاذري أن زهير بن قيس افتنحها. وقأل البكري افتتحها 
حسان بن النعمان. وقاتل النصارى بفحصها فاذعنوا له وسألوه أن لا يدخل 
عليهم وبضع الخراج عليهم. ويقوموا له بما يحمله وأصحابهء فأجابهم إلى 
ذلك وكانت لهم سفن فاحتملوا فيها أموالهم وأهليهم ليلا وأسلموا المديئة. 
فدخلها حسان فحرق وخرب وبنى فيها مسجدا وخلف فيها طائفة من 
المؤمنين . 

قال: وأغارت الروم من البحر على من بفي فيها من المسلمين» 
فقتلوا وسبوا وغلمواء ولم يكن للمسلمين شيء يحصنهم من عدوهم. 
ووصل الخبر إلى حسان. فرحل إلى تونس وأرسل أربعين رجلا من 
أشراف العرب إلى عبد الملك بن مروان؛. وكتب إليه بما نال المسلمين 
من البلاء. فلما بلغ ذلك عبد الملك عظم عليه الأمر. وكان إذ ذاك 
التابعون متوافرين وفيهم اثنان من الصحابة : أنس بن مالك وزيد بن ثابث» 
فقالا للمسلمين: من رابط يوماً برادس فله الجئة. وقالا لعبد الملك: أدرك 
هذه البلاد وانصر أهلها ليكون لك ثوابها فإنها من البلاد المقدسة. فكتب 
عبد الملك إلى أخيه عبد العزيزء وهو وال 9 مصرء. أن يتوجه لتونس 
ألف قبطي بأهله وولده وأن يحملهم من مصر ويحسن عونهم حتى يصلوا 
إلى ترشيش وهي تونس» وكتب إلى حسان بن النعمان يأمره أن يبني لهم 


وف 


دار صناعة تكون قوة وعدة للمسلمين إلى آخر الدهرء وأن يصنع بها 
المراكب ويغير منها على سواحل الروم. فوصل القبط إلى حسان وهو مقيم 
بتونس فأجرى البحر من مرسى رادس إلى دار الصناعة وجعل فيها 
المراكب الكثيرة وأمر القبط بعمارتها. 

قال ابن الشباط: وقد تقدم عبيد الله بن الحيحاب هو الذي بنى دار 
الصناعة. فلعل من روى ذلك يريد أن عبيد الله جددها وزادها تحصيئاء 
فلم تزل تونس معدورة من يومئذ يغزو منها المسلمون بلاد الروم ويكثرون 
فيهم النكاية والإذاية. وذكر البكري: أن حسان هو الذي خرق البحر من 
مرسى رادس إلى دار الصناعة. وقال غيره: أن الوليد بن عبد الملك بن 
مروان لما علم أن الروم أغاروا على تونس وبلغ ذلك من المسلمين كل 
مبلغ وأن علماء المشرق كتبوا إلى أهل إفريقية من رابط عنا يوما برادس 
حججنا عنه حجة» وعظم قدر رادس عند العلماء وزاد فضلهاء وأن حسان 
بعث إلى الوليد يعلمه بإذابة الرومء فكتب الوليد إلى عمه عبد العزيز بن 
مروان: وهو وال على مصر وإفريقية أن يوجه ألف قبطي وألف قبطية 
ويحملهم إلى بلاد إفريقية » وأمره أن يخرق البحر إلى تونس . 


وذكر غيرهما أن الذي خرق البحر إلى تونس هو موسى بن نصيرء 
وجعل دار الصناعة بتونس. وجر المجرى إثنا عشر ميلا حتى أقحمه دار 
الصناعة: فصارت ميناء للمراكب» وأمر بصناعة مائة مركب وغزا بها بلاد 
الروم» وعقد لولده عبد الله عليهاء وأمره بالانصراف إلى صقلية وكانت أول 
غزوة غزيت في بحر إفريقية. فسار عبد الله إلى صقلية فافتتح فيها وأصاب 
ما لا تدرى قيمتهء ثم انصرف قافلا سالماء وكانت تسمى غزوة الأشراف. 
وعقد بعد ولده لبعض أصحابه على مراكب أخرء فوصل سرقوسة وملكها. 
والله أعلم بحقيقة ذلك. 

وحاصل الأمر أن تونس ليست محتاجة إلى تعريف وذكرها طبق 
الوجود. فهي كما قيل في المثل طابق الإسم المسمى. لأنها تؤنس 
الغريب, وقلما يوجد غريب دخلها إلا وحصلت له بها علاقة ولا يفارقها 


>34 


إلا وهو متحسر عليهاء ومن قطن بها حنت عليه وحن لها إن فارقها وعزْتُ 
عليه. وذكرها غير واحد من العلماء وأثنى عليها بمحاسن كثيرة لا تعد ولا 
تحصى . وزمزم الحداة بذكرها في المسجد الحرام والمسجد الأقصى . 

وكيف يصح في الأذهان سشيء: إذا احتاج النهار إلى دليل وهي 
حرسها الله واسطة البلاد الإفريقية» كما أن إفريقية واسطة البلاد الغربية, 
فهي بمنزلة ألرأس من الجسدء بل بمنزلة العين من الراس. 

وإذا ثبت ما قلته وتقرر ما نقلته. فالذي صح عندي أنها قديمة من 
بناء الأوائل» والذي ذكر فتحها هو أقرب من غيره. وأن حسان هو الذي 
فتحها ويئى بها مسجداً وعبيد الله بن الحبحاب زاد في ضخامته. كما أن 
زيادة الله بن الأغلب زاد فيه وضخمه؛ وكملت ضخامته في أيام بني 
حفصء. كما سيأنتي بعد إن شاء الله تعالى . 


وحسان بن النعمان هو الذي فتسح قرطاجنةٍ وقطم عنهم القناة 
المجلوب عليها الماء. وفتح ونس واتخذ بها مسجداً وهو 6 الام 
وسمي بجامع الزيتونة كما مر في أول الكتاب . 


وتونس لا شك أنها قديمة البناء» وكانت معاصرة لقرطاجئة. واسمها 
«ترشيش» وقيل هذا الإسم علم لها من قديم الزمان الذي هو تونس. 
وسألت بعض النصارى ممن لهم علم بالتاريخ فقال: اسمها تنس في كتبنا 
وهذا الاسم باللسان الإغريقي معناه تقدم. وأوقفني على كتاب عنده في 
التاريخ , وكلتا المدينتين فيه مصورتان تونس وقرطاجنة والحناية ووادي 
مجردة وتونس أصغر يع من قرطاجنة . وسألته عن تاريخها فقال أزيد 
من ألفي عام. والنصارى لهم اهتمام بهذا العلم والبلاد كانت لهم. 
وصاحب الدار أدرى بالذي فيها ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. وأما من 
قال بناها بنو أهية في حدود الشمانين والذي بنى الجامع ودار الصناعة عبد 
الله بن الحبحااب سنة أربع عشرة وماية فبعيدء إذ كيف يمكن أن يقال: 
مكئوا نيف وثلاثين سنة بغير مسجدء وهؤلاء القوم كانوا في صدر الإسلامء 


زف 


إلا أن يكون تأسيس المسجد في الأول والبناء الضخم في الآخر وبهذا 
يرتفع الإشكال بحول الله . 

وأما السور فمن باء بني الأغلب والقصبة أيضأء وكانت عمال إفريقية 
سكناهم القيروان. وأول من سكن تونس من العمال الأغالبة. قال ابن 
ناجي رحمه الله: واتخذ بنو الأغلب تونس لمتنزهاتهم وبنوا الجامع 
الأعظم. قلت: ومات بتونس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الأغلب 
سنة ست بعد التسعين والمائتين مقتولء قتله بعض خدمته باتفاق مع ابنه 
زيادة الله واستقل بالملك بعده. 


وبالجملة فإن مدينة تونس لها حظ وافر. وحسن باهر. حازت 
قصبات السبق في البلاد الغربية. وعظم شأنها بين جيرانها وحبائبها 
الإفريقية. ولا سيما في هذه الدولة التركية. والسلطنة الخاقائية. خلد الله 
أيامها. وسير بالعدل أحكامها. وكثرت خيراتها. وعصرت فيها الأسواق 
والدور. وبنيت فيها المنازه والقصور. وظهر فيها كل حسن غريب. وهاجر 
إليها البعيد والقريب. وطابق الإسم المسمى كما يقال تؤنس الغريب. إلا 
إنها في هذا الزمان أصيبت بالمحن. وقام بها سوق الخوف من بعد الأمن 
من شدة ألفتن. عسى الله أن يجعل بعد عسر يسرا. وأهلها ولله الحمد 
لهم أخلاق رضية ونفوس أبية. وعقل ثاقب. ورأي صايب. وعلو شأن. 
وحدة أذهان. وعلمازها مميزون عن من سواهم بالذكاء والنباهة حتى إن 
الواحد منهم إذا لازم الاشتغال يحصل له في سنة ما لا يحصل لغيره في 
عدة سنين. ورزقها الله تعالى سرا تميزت به بين البلدان. وأعظم ب 
جامعها الأعظم كأنه بين المساجد مسجد سليمان. وذكرها العبدلي في 
رحلته وأثنى على أهلها خيراً. كر علتايا نا حي لعل رلا ١‏ مر 
قال سماعك بالمعيدي ومن كابر في النقل فلينظر الأصل. وكان العلامة 
الشيخ أبو عبد الله محمد بن مصطفى الأزهري نزيل تونس رحمه الله لما 
استوطن هذه الديار التونسية وتأنس بها وحضر عند أهلها وأمرائها يقول: لو 
سئلت عن ثلاث لأجبت بلا ولو قطع رأسي لو قيل لي: هل رأيت أعلم 


>35 


من الشيخ إبراهيم اللقاني؟ لقلت لا. ولو فيل لي: هل رأيت أسر من 
جامع الزيتونة؟ لقلت لا. والسؤال الثالث يأتي في محله إن شاء الله 
تعالى . ولقد غالى بعض العلماء في مدح تونس وحريمها حتى قال من لم 
يتزوج بتونسية ليس بمحصن وفي هذا القدر كفاية. لمن له خبرة ودراية. 
ولو تتبعنا محاسنها لطال بنا الكلام وخرجنا عن الشرط. ولما مد القلم 
لسانه في هذا المحل حكمنا عليه بالقط. وعسى أن نصل إلى ما هو أهم. 
وننتقل من الخصوصية إلى الأعم . وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو 
رب العرش العظيم . 


>77 





ديت لهاي 


إفريقية عر بلاد المغرب وعند أهل العلم إن أطلق اسم إفريقية فإنما 
يعنون به بلد القيروان ٠‏ وأما أهل السير فيجعلونه إفليماً مستقلا وله حدود 
ولهم اختلاف فيه. وإفريقية أوسط بلاد المغرب وخير الأمور أوسطها. وقيل 
إنما سميت بإفريقيا لأنها فرقت بين المشرق والمغرب ولا يفرق بين الاثنين 
إلا أحسنهما. وقيل سميت إفريقية باسم أهلها وهم الأفارقة. والأفارقة من 
ولد فاروق بن مصرايم . وقال آخرون: الأفارقة من ذرية قوط بن حام بن 
نوح عليه السلام. سموا باسم البلاد وقيل إن إفريقش بن ابرهة بن ذي 
القرنين لما غزا بلاد المغرب. ودوخ البلاد بنى مدينة سميت باسمه فقالوا 
إفريقية وسموا أهلها الأفارقة» ذكره المقريزي. وقيل اسمه إفريقين بن قيس 
ابن صفي الخميري, افتتحها وقتل ملكها واسمه جرجير فسميت بهء ويومئذ 
قال لأهلها ما أكثر بربرتكم فسموا بربرء قاله ابن خلكان. وقيل كان 
اسمه إفريقس بالسين المهملة فعربتها العرب بالشين المعجمة. ونقل 
ابن الشباط عن بعضهم أنه كان يقول اسمها إبريقية من البريق. لأن 
سماءها خال من السحب. قلت: وهذا القول بعيد لآن إفريقيا كثيرة 
السحب حتى قال بعضهم: إن القيروان لا تخلو من السحب في غالب 


14 


السنة. ويعبر عن فحص القيروان بمزاق لأن السحب تتمزق منه حتى: قال 
بعضهم: تنشأ السحابة بالقيروان وتمطر بصقيلة وغالب بلاد إفريقيا كثيرة 
البرث والأمطار وغالب الأوقات لا تخلو من السحب. 


وسمعت بعض الفقهاء يقول معنى قوله تعالى «أولم يروا انا نسوق 
الماء إلى الأرض الجرز»”'' يعني الأرض المخرشفة على أحد التأويل ولا 
يوجد في غالب المعمور أكثر خرشفا من إفريقية والله اعلم . 

وإفريقية إفليم عظيم جمع المحاسن الجميلة. والفوائد الجليلة. 
والمدن العظيمة. والمزارع الكريمة. والمياه العذبة. والفواكه اليابسة 
والرطبة. والمباني المنيفة. والمعادن الشريقة. والمسارح المعدة للضرع. 
والآثار البديعة للزرع. وجميع ما يحتاج إليه وتقبل النفوس عليه . 

وجعلوا حدود المغرب من سيب بحر النيل بالمشرق إلى ساحل 
البحر المحيط من ناحية المغرب. وحد إفريقية بالطول من برقة إلى 
طنجة. وعرضها من البحر الشامى إلى الرمال التى أول بلاد السودانء قاله 
غير واحد. ١‏ 1 

قلت في زماننا هذا لا يعبر بإفريقية إلا من وادي الطين إلى بلد 
باجه ‏ 

وقال ابن الشباط: وأوصاف إفريقية أشهر من أن تذكر. أو يخاف 
عليها من أن تجحد وتنكر. ولم يزل بها على مر الزمان من العلماء 
والكتاب وذوي البراعة في المعارف والآداب, من تزدان بأوصافه الأقطار. 
وتشرق بأنوار كلامه الأسطار. وذكر أحاديث شريفة في فضل المغرب 
وفضل إفريقية. وتقدمه ابن الدباغ في ذلك وأورد أحاديث وردت في فضل 
المنستير ورادس. وقال ابن ناجي : لا شك أن الأحاديث التي في المنستير 
ورادس موضوعة. وها أنا أورد من تلك الأحاديث ما ثبتت صحته على وجه 
التبرك. ذكر ابن الشباط: قال في كتاب مسلم : حدثنا يحي بن بحي قال: 


)١(‏ الآية لالاء سورة السجدة. 


لوا 


حدئنا هشام عن داوود بن أبي هند عن أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص 
قال: قال رسول الله ي: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم 
الساعة». وفي كتاب الطبقات في علماء إفريقية» حدثني فرات بن محمد 
قال: حدثنا عبد الله بن أبي حسان اليحصبي عن عبد الرحمن بن زياد عن 
أبي عبد الرحمن الحلبي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله وَل قال: 
«لياتين أناس من أمتي من إفريقية يوم القيامة وجوههم أفضل نورا من نور 
القمر ليلة البدره». وذكروا عدة أحاديث وردت في إفريقية وأن المنستير باب 
من أبواب الجنة. ولا شك أن لها فضلا وشاناً والله اعلم . 


وحكى بعض المؤرخين عن عبد الرحمن بن :زياد بن أنعم أنه قال 

كانت إفريقية من طنجة إلى طرابلس ظلا واحداً وقرى متصلة ا 
فأخرجت جميع ذلك الكاهنة وذلك لما هزءىت حسان بن النعمان الغساني 
بعد ما فتح قرطاجنة وتونس وهزم البرير هزيمة شنيعة وفروا أمامه إلى 
برقة» ورجع إلى القيروان فسأل: هل بقي أحد ممن له شوكة قوية من 
البربر؟ فقيل له: امرأة ساحرة يقال لها الكاهنة وهي بجبل أوراس في عدد 
عظيم. فسار إليها والتقى معها فاقتتلوا أشد قتال فقتل من العرب خلق كثير 
وانهزم حسان وتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس وأسرت من 
أصحابه ثمانين رجلا وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان. وكتب حسان 
إلى عبد الملك يخبره بما لقي المسلمون, فوافاه الجواب يأمره بالمقام حيث 
أدركه كتاب أمير المؤمنين. فأدركه وهو في عمل برقة. فأقام هتالك خمسة 
أعوام بموضع يقال له قصور حسان وبه سمي إلى الآن. وملكت الكاهنة 
إفريقية خمس سين منذ انصرف حسان عنهاء وقالت للبربر: إن العرب 
يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نطلب منها المزارع 
ولا نرى لكم إلا خراب إفريقية حتى ييأسوا منهاء وأرسلت قومها إلى كل 
ناحية لقطع الشجر والزيتون فخربت البلاد بأسرها وهدمت الحصون وكانت 
كلها قرى متصلة. 


وفي تواريخ النصارى أنه كان لملك إفريقية وهو صاحب قرطاجنة 


لضا 


مائة ألف جفن بين حصن ومدينة يحكم عليهاء وأنه لما غزا إلى رومة 
المدائن أخذ من كل بلدة رجلا وديناراً وسار إليها على ناحية المغرب 
على بحر الزتاق من ناحية الأندلسية وإفرنجة. وأناخ على رومة وحاصرها 
حصاراً شديداً وبعث صاحب رومة عسكره ه في البحر إلى قرطاجنة وأناخ 
عليها ووقع القتال بينهم على وادي مجردة وكان بينهم قتال شديدء وكان 
الخيالة من أهل قرطاجنة ثمانين ألفا غير الرجالة» فعند ذلك رحل صاحب 
قرطاجنة عن رومة ورجع إلى بلاده» ومن ذلك الوقت بقيت الأفارقة في 
الأندلسية وملكوها مئات من السنين والله أعلم . 

وقال الملشوني: لم يدخل إفريقية نبي قط وأول من دخلها بالإيمان 
حواري عيسى عليه السلام. قلت: الحواري الذي دخلها اسمه متى 
العشار وقتل بقرطاجنة وهو أول من كتب الإنجيل بلسان العبراني بعد رفع 
المسيح بتسعم سنين. وقال غيره: بل دخلها نبي الله خالد بن سنان 
العبسي وكان في زمن الفترة ولكن لم يدخلها بدعوة. وهو مدفون في 
المغرب في بلد بسكره. وأنكر بعض الفقهاء ذلك وصححه أخرون. 
والشيخ التواتي ممن اثبته أنه هو. ورأيت بخط والدي رحمة الله عليه قال: 
حضرت الشيخ المذكور وهو متوجه لزيارة نبي الله خالد بن سنان 
العبسي. وله كتاب صنفه الشيخ وثبت عنده صحته. وهو في تلك البلاد 
يسمونه خالد النبي ويزورونه ويتبركون بمقامه ول . 

ومن مدن إفريقية - برقة- وطرابلس ‏ وغدامس - وفزان - وأوجله - 
وودان ‏ وكوار ‏ وقفصة ‏ وقسطيلية - وقابس - وجربه ‏ وتيهرت - وباجة - 
والأربس - وشقبنارية - وصبرة - وسبيطلة - وباغاية - ولميس - وأذنة - ودرعة - 
ومجانة - وسوسة ‏ وبنزرت - وزغوان ‏ وجلولا - وقرطاجنة - وتونس - . 

وكل هذه وقع عليها الفتح. وإنما كانت دار الملك أولاً في قديم 
الزمان بقرطاجنة لما كانت بيد الأفارقة الإغريقيين» إلى أن دخلت عليهم 
البربر من بلاد المشرق بعد ما قتل ملكهم جالوت وتفرقوا في البلاد» 
فانحاز أكثرهم إلى إفريقية والمغربء واستوطنوا البلاد 0 ووعرها. 


يفنا 


إلى أن ظهر فيهم دين النصرانيةء فتغلبت الروم على سواحل البلاد 
وصارت البربر لهم ذمة. 


وكانت قرطاجنة أعظم مدن المغرب وهي قديمة البناء. قال بعضهم: 
إنها بنيت في زمن داوود عليه السلام وإن بين بنائها وبناء رومة اثنتين 
وسبعين سنة. ولم يذكر ما السابق منهما. قلت: هذا بعيد جداً إلا أن 
يكون بناءها الثاني أو الثاث لقول أحد المفسرين أن الذي كان يأخذ كل 
سفينة غصبا هو صاحب قرطاجنة . . وموسى كان قبل داوود عليهما السلام 
بزمان طويل. وذكر أن 'مجمع البحرين برادس والجدار بالمحمدية وهي 
طنبدة وأهل تلمسان أيضاً يسمون بلادهم بالجدار إلى الآن والله اعلم. 


ويشهد لقدمها ما روته الثقاة عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم قال:* 
كنت وأنا غلام مع عمي بقرطاجنة نتمشى في آثارها ونعتبر بعجائبها. فإذا 
بقبر مكتوب عليه بالحميرية: ‏ أنا عبد الله بن الأواسي رسول رسول الله 
صالح . وفي رواية بعضهم - شعيب بعثني إلى أهل هذه القرية ادعوهم إلى 
الله تعالى أتيتهم ضحى فقتلوني ظلما حسيبهم الله. وذكر بعض المؤرخين 
أن موسى بن نصير لما فتح الأندلسية ذكر له بها شيخ كبير فدعا به فإذا 
الشيخ وقعت حاجباه على عينيه فقال له: أخبرني كم أتى عليك من 
السئين؟ قال: خمسمائة عام. فسأله عن أشياء فأجابه إلى أن قال له: أين 
بلدك؟ قال قرطاجنة: قال له: كم عمرت بها؟ قال: ثلائمائة عام وبهذه 
البلاد مائتي عام. فسأله عن خبر بناء قرطاجنة فقال: بقية من قوم عاد 
الذين أهلكهم الله بالريح العقيم فعمروها ما شاء الله ثم خربت وبقيت ألف 
سنة خراباء حتى أتى النمرود بن لاوذ بن النمرود الجبار فبناها على البناء 
الأول» ثم احتاج إلى الماء العذب فبعث إلى أبيه وكان أبوه بالشام والعراق 
وعمه على السند والهند. فأرسل إليه أبوه المهندسين والفعلة. فهندسوا له 
الماء حتى أوصلوه إلى المدينة ومكثوا يرتادون الماء أربعين سنة. ولما 
حفروا أساسه وجدوا حجرأ مكتوباً عليه بالخط الأول سبب خراب هذه 
المدينة إذا ظهر فيها الملح . فبيئما نحن ذات يوم عند غدير بدار الصناعة 


رذنأ 


بقرطاجنة, إذ نحن بالملح منعقد على الحجر. فعند ذلك رحلت إلى هنا 
ومن كان على مثل رأبي في ذلك. وسأله عن عمر الملك فقال: عمر 
سبعمائة عام والله أعلم,. 1 

وهذه الحناية من أعجوبة الدنياء وإذا افتخر المصريون بالأهرام. 

تفتخر أهل إفريقية بهذه الحناية على مصرء لأن أصل الماء منبعث من عين 
جنقارو واليوم اسمها الحميدية» وهي وراء زغوان بمسافة بعيدة. وجلبوا ماء 
زغوان معها وكلما وجدوا في طريقهم ماء جلبوه من اليمين والشمال عدة فراسخ » 
وكانت من أولها إلى اخرها محفوفة بالبساتين والمياه جارية بينها. وفي 
تواريخ النصارى أن طول مسافة الحناية من منبعثها إلى المدينة ستون ميلا 
على الإستقامة. وبتعريجها وعطفاتها ثلثماثة ميل ونيف وثلائون ميلاء وأنها 
كملت في ثلائمائة سنة وأربع سنين. قلت: لا يستغرب طول هذه المدة 
لأن هذا البناء من أغرب الأبنية» وإذا كان طولها ثلثمائة ميل ونيف وثلاثين 
ميلا الايد ار مو كر يا مع هذا الإتقان الذي بها 
وطول أعمار القرم. ومن شاهدها حكم بعقله بصحة ذلك. 


وعند النصارى كان بقرطاجنة ثلاثة أسوار دائرة بها والبحر يضرب في 
سورهاء وهي من أعجب بلاد الله وكان تكسيرها أربعة عشر ألف ذراع. 
وهي من أعظم بلاد إفريقية. 

وقال البكري: لو دخلها الداعل أيام عمره لرأى كل يوم أعجوية. 
وبها قصر يعرف بالمعلقة مفرط في العلو. فيه طبقات كثيرة مطل على 
البحر. قلت لم يبق مما ذكر إلا 7 الاسم. وبقيت خرائب بها يسمونها 
المعلقة إلى الآن. قال: وبها قصر يسمى الطياطر» فيه دار الملعب وقصر 
يقال له ترمس. فيه سوارئ من رخام مفرطة في الطول. يتربع على رأس 
السارية عشرة رجال؛ وبينهم سفرة وسبعة مواجيل تعرف بمواجيل 
الشياطين. فيها ماء لا يدرى من أين دخلها. قلت: المواجيل موجودة 
ليومنا هذا. قال: وداخل المدينة ميناء عر اسفن بشرعهاء وهي اليوم. 
ملاحة عليها قصر ورباط يعرف ببرج أبي سليمان. قلت: الملاحة التي 


"4 


ذكرها وبرج أبي سليمان؛ هي الآن البلد التي عمرها الأندلس. وبرج أبي 
سليمان بها معروف. وملاحة أخرى قريبة من أوهام المرسى والله أعلم 
أيهما كانت. قال: وبها قصران من رخام يعرفان بالأختين» فيهما ماء 
مجلوب من قبل الجوف لا يعرف من أين منبعثه. قلت: هووالله أعلم الماء 
الذي عليه آبار سكرة مجلوب من الجوف من تحت الجبل الذي خلف 
جعفرء وفيه أيضاً ماء مجلوب من تحت الملاحة التي بهاء لأنهم وجدوا 
أرض سكرة كثيرة المياه والغالب عليها الرمل. فحصروا الماء بتحكيم البئاء 
العظيم وجعلوه متصلا بعضه ببعض وأداروا بالبناء كالحلقة لجمع الماء فيها 
وانحصارهء ولها منفذ إلى قرطاجنة. وأخبرني بعض من اطلع عليها أنه 
رأى المنفذ الجاري ورأى بعض بنيانها من ناحية الجوف. والذي من ناحية 
قمرت من تحت الملاحة. ويقول من لا خبرة له إن هذا الماء بقصد 
بساتين سكرة وهذا شيء لا يفي بعضه ثمن سكرة أضعاف مرات. وإنما 
هذا من عمل الملوك لأمر مهم. وكذلك الحناية لما أحيا بعضها المولى 
المستنصر الحفصي وجلب الماء عليها إلى بساتينه يأبي فهر ويعبر عنه اليوم 
بالبطوم, عجز عن بنائها بالحجر. وجعل أقواسها طابية: وهي أقواس يسيرة 
وجلب الماء إلى البركة التي هنالك وهي باقية إلى الآن هذا مع ضخامة 
ملكه وعلو سلطته وارتفاع صيته. لم يستطع إصلاح بعض ما فسد منها ولا 
قدر على ردها كما كانت أول مرة. وبقية الحناية وآثارها باقية إلى يومنا 
وهي تدل على أمر عجيب. 


وأما آثار المدينة فلم يبق منها إلا بقية خراب يعبر عنها بالمعلقة؛ 
فيها أماكن كان يستقر بها الماء. واثار يراها من يركب البحرء وبقية البنيان 
ظاهرة من تحت الماء وهي ممتدة في البحر بين القبلة والمشرق. ولا شك 
أن البحر الذي في حلق الوادي اليوم لم يكن قبل هذا الوقت. وإنما 
حدث بعد ما خربت قرطاجنة. وإذا كانت المعلقة قصرا من قصورها وبرج 
أبي سليمان متصل بها ومحسوب منهاء بل كما قالوا: إنه من البناء الذي 
في وسطهاء تكون مسافتها أزيد من ائنتي عشر ميلا والله أعلم. وسمعت 
من يذكر أن باب جهم من بعض أبوابهاء وهي متصلة إلى الجبل الذي 


و* 


بإزاء بلد سليمان المسماة به في زمننا هذا. وفي سليمان المذكورة قصر أبي 
سليمان السابق ذكره. وبه داموس لم يعلم أحد منتهى طرفه. فسبحان 
المتصرف في البلاد والعباد. وسبحان من أيد دين الإسلام وعصابته بالنصر 
على أهل العناد. وتمزيقهم في كل واد. 

وفتح الله تعالى هذه' المملكة العظيمة على يد حسان بن النعمان. 
في خلافة عبد الملك بن مروان. في سنة تسع وسبعين من الهجرة ودخل 
إلى إفريقية في جيش لم يدخل بمثله أحد قبله ومقداره أربعون الفا. ولما 
نزل على قرطاجنة وبها خلق عظيم التقى الفريقان والتحم الحرب وقتل 
حسان شجعانهم وأبطالهم: فاجتمع رأيهم على الهرب وكانت لهم مراكب 
معدة فارتحل الملك ومن قدر معه ليلا, فمنهم من هرب إلى الأندلس 
ومنهم من هرب إلى جزيرة صقلية. ولما علم أهل بواديها بهروب الملك 
تحصنوا بها فقاتلهم حسان وحاصرهم إلى أن دخلها بالسيف وأرسل إلى 
من حولها وأمرهم بهدمها وكسر القناة المجلوب عليها الماء؛ وذلك من قبل 
أن ينفذ البحر إلى تونس. وإنما حدث من بعد ولله عاقبة الأمور. وإنما 
أطلت الكلام عليها لأنها بديعة الآثار قريبة من هذه الدار وأنارها تنبيء عن 
أخباره والله يعلم وانتم لا تعلمون. 


أضا 


لبك (لثالن 


في فتح جيوش المسلمين إفريقية وذكر كل أمير دخل إليها. في 
زمن الصحابة وفي زمن التابعين وفي زمن الخلفاء. ومن بعدهم 
إلى أن ينتهي بنا الغرض إن شاء الله تعالى . 


إعلم أن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم. فتح في أيامهم 
جل بلاد المشرق. ولما فتح عمرو بن العاص مديئة مصر والإسكندرية. 
بعث عقبة بن نافع إلى برقة وزويلة وما جاورهما من البلاد» فصارت تحت ذمة 
الإسلام. وسار عمرو بن العاص فغرا مدينة طرابلس ففتحهء وافتتح جبال 
نفوسه وكانوا على دين النصرانية. كل هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي 
الله تعالى عنه في سنة ثلاث وعشرين. وفي إقامة عمرو بن الناصض على 
طرابلس بعث بشر بن أرطات» ففتح ودان وجبال تمرس.ه ولم يتجاوز 
عمروبن العاص إلى إقليم إفريقية ورجع إلى مصر قافلا رضي الله تعالى 


عله . 
الخبر عن قدوم عبد الله بن أي سرج 


وفي خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أقر كل 
عامل كان لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكان لا يعزل أحدا إلا عن 


إيذنا 


شكاية. فأقر عمرو بن العاص على مصرء وكان عبد الله بن سعد بن أبي 
سرح من جند مصر. تأمره عثمان على الجند وسرحه إلى إفريقية» وكان 
أخا عثمان من الرضاعة وسرح معه عبد الله بن نافع بن عبد القيس»2 وعبد 
الله بن نافع بن الحصين» فساروا حتى وصلوا إفريقية وأوغلوا فيها ونازل 
قابس في طريقه ورحل عنهاء وبث سراياه في إفريقية وكان معهم من 
الجند عشرون ألفا إلى أن وصلوا سبيطلة. وكان الملك إذ ذاك جرجير وهو 
أعظم ملك بأفريقية. وقيل إنه كان عاملاً لهرقل وخلع طاعة هرقل واستقل 
بالملك وضرب الدينار باسمه. أي باسم جرجير وكان سلطانه من برقة إلى 
طنجة ودار ملكه سبيطلة. وكانت بين عبد الله بن أبي سرح وبين جرجير 
مراسلات. فأبى جرجير عنها وتأهب للحرب» وجعل ابنته على ديدبان 
عال واقسم بدينه لا يقتل أحد أمير العرب إلا زوجه ابنته. وبلغ الخبر إلى 
عبد الله بن أبي سرحء فأقسم بالذي جاء به محمد لا يقتل أحد جرجيراً إلا 
نفله ابئته. والتحم القتال وكان عسكر جرجير ماثة ألف وعشرون ألفا. 
فنصر الله المسلمين وقتل جرجير. قتله عبد الله بن الزبير وأخذ ابنئة 
جرجير. وقاتل المسلمون المشركين وهزموهم إلى أن دخلوا مدينتهم. فنزل 
عليها المسلمون وحاصروهم بها وفتحها الله عليهم وذلك في سنة سبع 
وعشرين, وأصابوا فيها ما لا يحصى من ذهب وفضة. وبعث بالفتح إلى 
أمير المؤمئين عثمان بن عفان وكان رسوله ابن الزبيرء فيقال إنه بلغ المديئة 
في خمسة وعشرين يوما وبث عبد الله بن أبي سرح سرايا فبلغت خيله 
قصور قفصة فذلت الروم بإفريقية والتجأ أكثرهم إلى الحصون وداخلهم 
الرعب, وبعثوا إلى عبد الله يطلبون الصلح», وبذلوا له ثلاثمائة قنطار من 
وقبض المال ثم انصرف عن إفريقية بعد إقامة سئة وشهرين» وكر راجعا' 
إلى مصر بعد ما أذعلت له بلاد إفريقية كلها وقسم الغنائم على الجند. 
وقيل إنه بعث عبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن نافع بن عبد 
القيس من فورهما ذلك إلى الإفرنجة والاندلسية فأتياها من قبل البحر 
- وغنما ما شاء الله . وقيل لما رجع عبد الله إلى مصر استعمل على عمله 


نينا 


عبد الله بن نافع بن عبد القيس. وهذا قول من قال : إن الأندلس كان 
فتحها في زمن عثمان وأكثر الناس من المؤرخين يقولون في زمن الوليد بن 
عبد الملك» وهو الصحيح أو لعل الفتح مرتان قاله غير واحد والله أعلم . 
الخبر عن قدوم معاوية بن حديج إلى إفريقية 
وفيه خلاف بين المؤرخين 

قيل إنه غزا إفريقية في سنة أربع وثلاثين قبل مقتل عثمان رضي الله 
تعالى عنه وله ثلاث غزوات الأولى سنة أربع وثلاثين والثانية سنة أربعين 
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولا ولده الحسن» إلا إن معاوية بن 
حديج كان سنة خمسين» وكان معاوية بن أبي سفيان إذ ذاك خليفة. وسنة 
أربعين كان الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه والله أعلم . 


وفي سنة خمس وأربعين في زمن معاوية بن أبي سفيان أرسل معاوية 
ابن أبي حديج إلى إفريقية في عشرة آلاف مقائل» وكان معه عبد الله بن 
عمر بن الخطاب. وعبد الله بن الزبير بن العوام. وعبد الملك بن مروان. 
ويحي بن أبي الحكم بن العاص» وعدة أشراف من قريشء ففتح مدينة 
سوسة وكان أرسل إليها عبد الله بن الزبير وقاتل النصارى الذين بها 
وظهرت منه شجاعة قوية على باب سوسة » بحيث إنه صلى صلاة العصر والعدو 
قريب منه ولم يكترث به ورجع إلى معاوية بن حديج وأرسل ابن حديج 
عبد الملك بن مروان إلى جلولاء فحاصرها أياماً إوقتل من أهلها عددا 
كيرا وفتحت عنوة وسبوا الذرية وأصابوا مغنما كثيرء وقسم معاوية الفيء 

بين المسلمين. والله أعلم هل كانت في سنة أربعين وثلاثين أو خمس 
وأربعين . 

وبين جلولا والقيروان أربعة وعشرون ميلاء وبقرب جلولا منتزه لبني 
عبيد يعرف بسردانيةء» ليس بإفريقية أجمل منه وكانت كثيرة الثمار وأكثر 
رياحينها الياسمين والورد وبها قصب السكر. 


إن 


قال ابن ناجي: كان يدخل إلى القيروان أربعون حملا ورداً جدونيا 
في اليوم وبوردها يضرب المثل. 

وأرسل معاوية بن حديج جيشاً في البحر في مائتي مركب إلى صقلية 
ففتحوها وسبوا وغنموا وأقاموا هرا وانصرفوا بغنائ ثم كثيرة. وبعث معاوية 
الخدسس لو يقارن أ فد 


وفي سنة إحدى وأربعين فتح بنزرت وكأن معه عبد الملك بن مروان 
فشذ عن الجيش فمر بامرأة من العجم فقرته وأكرمته. فشكر لها ذلك ولما 
ولي الخلافة كتب إلى عامله بإفريقية أن يحسن لها ولأهل بيتها. 

وبنزرت قديدة البناء وهي أجمل بلاد على ساحل البحر. قلت 
وسمعت من يقول معنى قوله تعالى «وثمود الذين جابوا الصخر بالواده2"0 
هي بنزرت. وسمعت هن يقول في قوله عز وجل8 وسئلهم عن القرية التي 
كانت حاضرة البحر»(”© هي بنزرت. وسمعت من يقول: كان الحاكم بها 
يهودياً في الزمن السابق ولما ضعف أمرهم وصاروا تحت الذمة عاملهم 
المسلمون الذين تملكوهم بأن جعلوا سوقهم يوم السبتء نكاية لهم عن ما 
سيق من أذاهم حتى لا يتصرفوا معهم في معايشهم يوم السبت والله أعلم 
بحقيقة ذلك , 

وبعث معاوية بن حديج رويفع بن ثابت الانصاري إن جربة 
ففتحهاء وهي جزيرة في البحر تقرب من قابس وبينها وبين البر مجار. 
وفيها بساتين كثيرة وزيتون كثير. وقيل إن رويفع بن ثابت كان عامل 
لمعاوية بن حديج على طرابلس سنة ست وأربعين» فغزا إفريقيا من 
طرابلس سنة سبع وأربعين وفتح جربة والله أعلم. 


ورجع معاوية بن حديج إلى مصر. فلما وصل مصر عزله معاوية بن 


)١(‏ الآبة 9؛ سورة الفجر. 
(0) الآية 17 سورة الأعراف. 


أبي سفيان عن إفريقية وأقره على مصرء ووجه معاوية عقبة بن نافع 
الفهري إلى إفريقية في عشرة الاف من المسلمين؛ وقاتل من بها من 
النصارى والبربر حتى أفناهم واتخذ قيروانا للعسكر وهي القيروان التي في 
زماننا هذا. وسبب بنائها مذكور في غير هذا المكان مبسوط بزيادة بيان» 
واخمتط بها الجامع الأعظم وصلى فيه وكان عقبة رضي الله تعالى عنه 
مستجاب الدعوة. وقيل إن غزوته هذه كانت سنئة اثنتين وأربعين والله 
أعلم . وفي سنة إحدى وخمسين عزل معاوية بن أبي سفيان عقبة عن 
إفريقية» وولى مسلمة بن مخلد على مصر وإفريقية 


الخبر عن ولاية مسلمة بن مخلد الأنصاري 


فلما وصل إلى مصر بعث هولى له اسمه دينار. ويكنى بأبي المهاجر 
إلى إفريقية فلما وصل إليها كره أن ينزل في بلد اختطه عقبة» فبعد عن 
القيروان وبنى مدينة وأخلى القيروان وأمر الناس بعمارة بلدة واسمها 
بيكروان» فلما سمع عقبة بذلك حنق عليه ودعا الله تعالى أن يمكنه من 
أبي المهاجر فاستجاب الله دعاءه وسيأتي بعد. 


وفي ولاية أبي المهاجر فتحت جزيرة شريك. قلت: جزيرة شريك 
هي الجزيرة المعلومة في زماننا هذا التي بها حمام الأنف وبناها الأندلس» 
مثل سليمان وتركي وغيرهماء وإليها ينسب باب الجزيرة في يومنا والله 
أعلم . 

وجزيرة شريك كانت عامرة في ذلك الوقت» وبها مدن وقصور كثيرة 
وخيرات ومزارع حسلة 0 وهي بين مدينة سوسة ووطلديئة تونس. وسميت 
جزيرة شريك نسبة إلى شريك العبسي الذي كان والياً عليهاء وبعث إليها 
أبو المهاجر حنش بن عبد الله الصنعاني » فافتتحها وغدم منها وقتل أهلها 
وسبى سبيا عظيما. 


ورجع عقبة إلى المشرق. فشكى إلى معاوية ما فعله أبو المهاجر به 
فوعده بالرجوع إلى عمله. 


4١ 


وتوفي معاوية رضي الله تعالى عنه. واستخلف ولده يزيد بعده, 
فولى عفبة بن نافع إفريقية في سنة اثنتين وستين من قبل يزيد بن معاوية؛ 
فثار عقبة عقا على أبي المهاجر. فلما بلغ إفريقية أوثقه بالحديدء وأمر 
بتخريب مدينته التي بناهاء وأعاد الناس إلى القيروان وعمروهاء وأجمع 
عقبة على الغزو في سبيل الله. واستخلف زهير بن قيس البلوي على 
القيروان» ومضى في عسكر عظيم حتى نزل مدينة باغاية؛ وهي قريبة من 
جبل أوراس والجبل مطل عليهاء وكان قد لجأ إليها جمع من البربر 
والنصارى فقاتلهم عقبة قتالاً شديداً وهزم الروم والبربر وغنم منهم خيلا لم 
يروا أحسن منها. ولجأ جلهم إلى الحصن وارتحل عنهم إلى مدينة 
لميس. وهي إذ ذاك من أعظم هدائن الروم: فقاتلهم أشد قتال وهزمهم 
إلى باب الحصن. ولميس قريبة من بلد قسمطينة وبينهما مرحلتان. وأكثر 
أشجارها التين والعنب والخوخ والجوز. 


وفتحت في أيام عقبة غدامس أيضاً ولكن في ولايته الأولى سنة 
اثنتين وأربعينء فقتل وسبى وبلغ في غزوته إلى بلد السودان وعامة بلاد 
البربر وفتح فزان وفتح ودان وقفصة وقسطيلية فتحاً ثانياً لأنها فتحت قبله 
وارتدوا فأعادهم بغزوته هذه حتى أذعنوا له . وكذلك نفطة ونفيوس وقابس 
والحامة . ولما غزا فزان خرج إليه ملكهم فصالحه على ثلاثمائة عبد وستين 
عبدل وغزا قصور كوار وفرض على أهلها ثلالمائة عبد وستين عبداًء 
وهنالك أدركه هو وأصحابه العطش فصلى ركعتين وسأل الله سبحانه وتعالى 
الماء.ء فجعل فرسه يبحث برجليه حتى طلع الماء وهو الذي يقال له أعين 
الفرس إلى زماننا هذا. وضايق على أهل كوار ورحل عنهم وأخذهم بغتة 
بعد ما رحل عنهم واطمأنواء فأباح ما في مدينتهم وسبى نساءهم وذراريهم 
ثم انصرف إلى زويله. ثم رجع إلى معسكرهء فأقام فيه عدة أشهر وسار 
بعد ذلك إلى قفصة وقسطيلية. وذكروا أن باني سور قفصة غلام النمرود. 


ثم توجه إلى المغرب ففتح مدينة سبتة ومدينة طنجة. وسبتة مدينة 
على بحر الزقاق من ناحية المغربء. وكان صاحبها إليان وهو الذي أعان 


يف 


طارق بن زياد على دخول بلاد الأندلس. وهي مديئة قديمة من بناء الأول 
وهي في زماننا في يد أعداء الدين أعادها الله للإسلام. فصالحه صاحبها 
وأفره على بلاده وسار إلى طنجة وقتل رجالها وسبى من فيهاء وهي طنجة 
البيضاء. وكانت دار ملك لملوك المغرب. وقيل إنه كان لملك من ملوكها 
في عسكره ثلاثون فيلاء وهي آخر حدود إفريقية في المغرب وبينها وبين 
القيروان الف ميلء وهي اليوم في يد الكفرة أعادها الله تعالى للإسلام» 
وما ذلك إلا من أصل الفتن التي كانت بين ملوك المغرب الأشراف,» الذين 
كانوا بمدينة مراكش حرسها الله. وملكوا العرايش والمعمورة والبريجة 
ووهران وعدة أماكن بالمغرب, أعادها الله تعالى للإسلام وذلك بعد الآلف 
من الهجرة. 


ووصل عقبة إلى السوس الأدنى والسوس الأقصى. ومن طنجة إلى 
تاجرا مدينة السوس الأدنى عشرون يومأء وليس في بلادهم شجر ولا نخل 
ولا زيتون. وعندهم القمح والشعير والأغنام ولباسهم الصوف. ومن تاجرا 
إلى طرفلة مدينة السوس الأقصى مسيرة شهرين. وليس وراء طرفلة أنيس 
في المغرب إلى منتهى بحر الرمل. ومن طرفلة إلى غانة ثلائة أشهر والله 
أعلم . 

قال: وقاتل عقبة أهل السوس وسبى منهم سبياً كثيراً وفتح مدينة 
يعلى وسبى منها سبيا لم ير مثله حسناً. وكانت الجارية منه تباع بألف 
وأكثر من ذلك أي من الدنائير. وفتح درعة وهي مديئة عظيمة لها وادي يجري 
بالماء وعليه أسواق بعدد أيام الجمعة؛ كل يوم سوق وربما كان سوقان في 
اليوم الواحد في أماكن متفرقة وذلك لكثرة أهلها وطول عمارتها. وفتح 
مدينة نفيس وكانت حصينة؛ وإليها التجأ كثير من البربر والنصارى 
لحصانتهاء فحاصرهم عقبة وقاتلهم حتى فتحها وأصاب غنائم كثيرة. 
ووصل إلى درعة من بلاد السوس الأقصى ودخل إلى بلاد لمتونة في 
الصحراء. وفر الناس أمامه لا يقوم بين يديه أحد ولا يعارضه. إلى أن بلغ 
إلى البحر المحيط ‏ قال: فأدخل فيه قوائم فرسه وقال: ‏ وعليكم 


4 


السلام - فقال له أصحابه: وعلى من تسلم يا ولي الله؟ فقال: على قوم 
يونس ولولا البحر لأريتكم إياهم. ثم قال: ‏ اللهم إنك تعلم أني إنما 
أطلب السبب الذي طلبه وليك ذو القرنين ألا يعبد إلا الله ثم كر راجعاً 
وتخلى الناس عن طريقه خوفاً من جيوشه وقد دوخ البلاد وليس بإفريقية 
من يخالفه. 

ووصل إلى مدينة طبنة وكان ملكهم كسيلةء فتقدمت جيوش عقبة 
وبقي في نفر يسير من أصحابه إلى أن بلغ تهوده ويادس» فعفلوا أبوابهم 
دونه وشتموه من أعلى أسوارهم . ودعاهم إلى الله فلم يجيبوا وبعثوا إلى 
كسيلة وكان ممن أسلم على يد أبي المهاجر لما فتح تلمسان. ثم صار 
في سكعي تصنت يد عله ركان ني قدا لامجاي فأمر كسيلة 
وعسن: يدلج الكل ويجتع ايعان نقها ا ا 
رجل من العرب فقال: إن البربري يتوعدكم. وقال أبو المهاجر لعقبة: إن 
الرجل قريب عهد بالإسلام فلا تهنه فلم يلتفت إليه عقبة. 


ولما أرسل له الروم امكنته الفرصة فقال أبو المهاجر لعقبة: عاجله 
قبل أن يجتمع إليه أمره فزحف إليه عقبة ففر أمامه ووافاه بمقبرة من تهودة 
فنزل عقبة وصلى ركعتين وأطلق أبا المهاججرء. وقال له عقبة: الحق 
بالمسلين فقم بأمرهم وأنا اغتنم الشهادة: فقال أبو المهاجر: وأنا اغتنمها 
أيضاً فكسروا أغماد سيوفهما ومن معهما من المسلمين والتحم القتال 
بينهم فتكاثر العدو فقتل عقبة وأبو المهاجر ومن كان معهما ولم يفلت إلا 
القليل. 


واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من الروم والبربر واشتعلت 
إفريقية ناراء وزحف كسيلة إلى القيروان فلما سمع زهير حرض الناس 
على لقائه.» فامتنعوا منه وأقبل كسيلة إلى القيروان بعساكر البربرء 
فخرج أهل القيروان هاربين منه ولم يبق بالقيروان إلا الذراري والضعفاءء 


لق 


فبعثوا إلى كسيلة وطلبوا منه الأمان فأمنهم ودخل كسيلة القيروان وفر زهير 
بمن معه إلى برقة وأقام بها إلى أن مات يزيد بن معاوية بن أبي سفيان 
وتولى ولد معاوية الأصغر ومات. واجتمع الناس بالشام على مروان بن 
الحكم وتوفي سنة خمس وستين» وقام بالأمر بعده ولده عبد الملك بن 
مروان. فلما اشتد سلطانه سألوه أن ينظر في أحوال إفريقية وتخليصها من 
يد كسيلة فقال: ما أرى لها إلا زهيرا لدينه وورعه وهو أعرف الناس بسيرة 
عقبة. فبعث إلى زهير وأمده بالجيوش والأموال وأرسله إلى إفريقية» قلما 
ترادفت عليه الجموع أقبل إلى إفريقية في جيش عظيمء وذلك في سنة 
سبع وستين وقيل نسع وستين من الهجرة والله أعلم بحقيقة ذلك 


الخبر عن إمارة زهير بن قيس البلوي 


ولما قدم زهير إلى إفريقية وسمم به كسيلة رحل عن القيروان ونزل 
على لميس وقيل ممس. ولما بلغ زهيرا خبره لم يدخل إلى القيروان وأقام 
على بابها ثلاث. وارتحل رابع يوم حتى أشرف على كسيلة فنزل الناس 
وباتوا على مصافهم, ولما أصبح صلى بالناس ثم زحف بهم والتحم الحرب. 
فقتل من البربر خلق كثيرة وفر كسيلة وقفل إلى مميس. ومضى المسلمون 
في طلب البربر يقتلونهم كيف شاؤواء ورجع زهير إلى القيروان.؛ فخافه 
جميع هن بإفريقية وتحصنوا بمعاقلهم ولم تقم لهم شوكة بعد ذلك, وفتح 
تونس على أحد أقوال بعض المؤرخين كما سبق. وقيل إن حسان بن 
النعمان افتتحها وقد مر في أول الكتاب. وقيل أن زهيرا كانت ولايته من 
قبل عبد العزيز بن مروان وعبد العزيز على مصر من قبل عبد الملك 
أخيه. ثم إن زهيرا رأى بإفريقية ملكا عظيما فكره الإقامة بها لرفاهية 
عيشهاء وقال: إنما جئت للجهاد وأخاف أن تميل بي الدنياء وكان من 
الزاهدين' العابدين» فكر قافلاً إلى المشرق فلما انتهى إلى برقة أمر العسكر 
بالمسير على الطريق, وأخذ هو في عصابة قليلة على طريق البحر فوجد. 
أقواما من التصارى أخذوا جملة من المسلمين أسارى فاستغاث به 
المسلمون» فوقعم بمن معه فاستشهد رحمة الله عليه ومن معه. ولما انتهى 


546 


الخبر إلى عبد الملك بن مروان عظم عليه ذلك وكانت مصيبته به مثل 
مصيبة عقبة رحمهما الله واستغاث المسلمون لعبد الملك وسألوه أن ينظر 
فى أمر إفريقية فاتفق رأيه على حسان بن النعمان الغساني. وكان حسان 
بمصر في عسكر عظيم عدة لما يحدث. ١‏ 


وفتحت في أيام زهير بن قيس باجة وشقبنارية» وهي اليوم تسمى 
الكاف والأربص وهي قرية قريبة منها ومدينة تونس وقرطاجنة على 
الاختلاف في هذين البلدين والله أعلم , 
الخبر عن ولاية حسان بن النعمان الغساني 

فكتب إليه عبد الملك يأمره بالتوجه إلى إفريقية وأطلق يده على 
أموال مصر يعطي منها ما شاء لمن يرد عليه من الناس. فوصل إفريقية في 
أربعين ألفاً ولم يدخل إفريقية أعظم منه قبله» وذلك في سنة سبع وسبعين 
وقيل في سنة ست وسبعين وقيل تسع وسبعين. فلما بلغ القيروان سأل عن 
أعظم ملك بإفريقية فقيل له صاحب قرطاجنة» وكانت مدينة عظيمة تضرب 
أمواج البحر سورها وبينها وبين تونس إثنى عشر ميلاء وبين تونس 
والقيروان مائة ميل. وقد سبق التعريف بها ولكن جئت بها هنا لإتمام 
الفائدة . 

وأعجب ما بقرطاجنة دار الملعب ويسمونه التياتر وقد بنيت أقواساً 
على سواري وعليها مثلها. وصور في حيطانها جميع الحيوان وأصحاب 
الصنائع . وفيه صور الرياح فصورة الصبا وجه مستبشر وصورة الدبور وجه 
عبوس. ورخام قرطاجنة لو اجتمع أهل إفريقية على نقله لم يمكنهم ذلك 
لكثرته. قلت لم يبق بها في زماننا من الرخام شيء. 

وضبط ابن الشباط قرطاجنة بفتح القاف وسكون الراء المهملة 
وبعدها طاء مهملة وفتح الجيم وتشديد النون وتاء مؤنثة وقيل بكسر 
الجيم. وقال: سمعت من يقول قرطاجنة بفتح الجيم وكانت دار الملك 
بإفريقية . فبعث إليها الخيل وضايق بها وقطع القناة التى جلب عليها الماء. 


1 


وكان البحر لم يطرق إلى تونس وإنما خرق بعد ذلك . وهدم المدينة وشتت أهلها 
واستقام أمره. 

ثم إن حساناً بلغه أن النصارى تجمعوا له وساعدتهم البرابرة. فسار 
إليهم وهزمهم إلى برقة ورجع إلى القيروان فاستراح بهاء وسأل هل بقي 
أحد إذا قتل خافت البربر والنصارى» فقيل له: امرأة يقال لها الكاهنة وهي 
بجبل أوراس. تخافها النصارى والبربر. فتوجه إلى لقائها وعلمت الكاهنة 
بأمره فقدمت إليه في عسكر عظيم من البربر والروم. فالتقى الجمعان 
واقتتلوا قتالاً شديداً ففر حسان منهزماً وقتل من العرب خلق كثير وأسرت 

من أصحاب حسان ثمانين رجلا واتبعت حساناً حتى خرج من عمل 

قابس ونزل في برقة بمكان يعرف به إلى اليوم يقال له قصور حسان. وقد 
سبق في أول الكتاب بما فيه كفاية ومكث .هنالك خخمسة أعوام إلى أن جاءه 
كتاب عبد الملك بن مروان وأمده عبد الملك بالمال والرجال وكر راجعاً 
إلى إفريقية . 

فلما سمعت به الكاهنة بعثت إلى عمال إفريقية كلها وقطعت 
أشجارها وخرجت بساتيتهاء علماً بأن العرب لا يطلبون إلا المدن وإذا 
أخلت المدن لم يكن لهم إرب في إفريقية. واسم الكاهنة دهمية بنت ينفاق 
وهي من عظماء البرير الذين ملكوا إفريقية» وكما سبق في أول الكتاب 
أنها كانت ظلاً واحداً من طرابلس إلى طنئجة. وكانت الكاهنة أطلقت من 
أسرته من العرب إلا واحداً اسمه خالد فاخت بينه وبين ولديها وقالت لهم 
إني مقتوله. وكانها تنظر إلى رأسها يركض به إلى ناحية المشرق» ثم 
أمرت ابنيها وخالداً أن يمضوا إلى حسان ويستأمنوه. فتوجهوا إلى 0 
وأعلموه بالخير. 

ثم تقدم حسان حتى التقى بها واقنتلا قتالاً عظيماً حتى ظن الئاس 
أنه الفناء» فاتهزمت الكاهنة وتبعها حسان وقتلها بمكان يعرف ببثر الكاهنة 
وقيل في طبرقة. وبعث برأسها إلى عبد الملك. 

وعقد لولدي الكاهنة على اثنى عشر ألفاً من البربر الذين أسلموا 


4 


وبعثهم إلى المغرب يجاهدون في سبيل الله. ولم يبق له بإفريقية منازع . 
فرجع إلى القيروان وقد دانت له البلاد وذلك في سنة أربع وثمائين. وكتب 
الخراج على النصارى وعلى من تمسك بدين النصارى من البربرء وتقدم 
أن زهيراً افتتح تونس». نقله ابن الشباط عن البلاذري وعن البكري أن 
حساناً افتتحها. قال ابن الشباط : ولعل الفتح كان مرتين والله ألم السيق 
في أول الكتاب أن حساناً هو الذي خرق البحر إلى تونس وأنه بعث إلى 
عبد الملك بن مروان يخبره بحال تونس» حتى بعث له القبط كما مر آنفاً 
ومهد قواعد إفريقية إلى أن عزل بموسى27"© بن نصير والله أعلم . 
الخبر عن إمارة موسى بن نصير القرشي 

من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد ما عزل عنها حساناء 
وقيل إنه استعفى منها وأن الوليد أراده إلى إفريقية فامتنع منها وحلف عنهاء 
فكتب الوليد إلى عمه عبد العزيز أن يبعث موسى بن نصير إلى إفريقية» 
وقطع إفريقية عن عمه عبد العزيز وأرسل إليها موسى بن نصيرء فقدم 
لإقريقية سنة ثمان وثمانين فوجد البلاد خالية لاختلاف أيدي البربر عليهاء 
ولما سمعوا به قروا أمامه إلى المغرب فتبعهم يقتل ويسبي ولا يدفعه أحد. 
حتى بلغ السوس الأدنى فاستأمته البربر فأمنهم وولى عليهم والياً واستعمل 
على بلاد طنجة طارق بن زياد مولاه وترك معه سبعة عشر ألف فارس من 
العرب والبربرء ثم رجع إلى إفريقية ففتح مجانة. وقيل كان فتحها على يد 
بشر بن أرطاة استعمله موسى بن نصير وبعث بخمسها إلى الوليدء وفتح 
زغوان وكان بها عدة قرى وبها من البربر عالم عظيم فغزاها موسى بن 
نصير وفل جمعهم وسبى منهم سبيا عظيماء فبلغ سبيهم عشرة آلاف وهو 
أول سبي دخل القيروان في ولاية موسى بن نصيرء وغزا هوارة وزناتة 
وصنهاجه. وقيل إن موسى كانت أول ولايته من قبل عبد الملك بن مروان 
سنة ثمان وسبعين ولم يزل أيام الوليد بن عبد الملك. فتوالت عليه 
فتوحات موسى بن نصير فعظمت منزلته عند الوليد. وقيل إن موسى هو 
)١(‏ بموسى: ويقصد بها في عهد موسى . 


144 


الذي خرق البحر إلى تونس. وبنى دار الصناعة وصنع بها ماثئة مركب وغزا 
صقلية. وبعث ولده مروان إلى السوس الأقصى في خمسة آلاف فارس 
ففتم منه ما لا يبلغ الحصر. قيل إن السبي بلغ أربعين ألفاً. وبلغ موسى 
إلى نما لااييلقه غيره :إلى الجر المحيط» وراى عجائب يفصن عنتها الرصات 
وهي مدونة في غير هذا الموضع يطول شرحها لمن تتبعها ورأى ما لم يره 
غيره. 


وبعث إلى الأندلس طريقاً مولاه ولقبه أبو زرعة في سنة إحدى 
وتسعين, وبلغ إلى جزيرة طريف وبه سميت إلى الآن. 

وفي سنة اثنتين وتسعين بعث مولاه طارقا إلى الأندلس. وكان عامله 
على طنجة وأعانه على الدخول إليها إليان صاحب طنجة وقيل صاحب 
سبتة وقيل إليان وصل إلى القيروان مستنجداً بموسى بن نصير لأمر حدث 
عنده من قبل ردريق ملك الأندلس وهون على موسى فتح بلاد الأندلس» 
وأن موسى كتب إلى طارق يأمره بالمسير إلى الأندلس. وكانت دار الملك 
بها مدينة طليطلة. وركب طارق في البحر ونزل في جبل الطار هكذا اسمه 
في زمائنا هذاء وإنما اسمه جبل طارق لأنه سمي به وأعانه إليان صاحب 
الجزيرة الخضراء من عمل طنجة وشرحه يطول ذكر ذلك صاحب كتاب 
المغرب. وفي الاكتفاء لابن الكردبوس» والطبري وصاحب المختصر وغير 
واحد من أهل السير والعمدة عليهم . 


ولما حل طارق بجبل طارق وسمع به ردريق ملك الأندلس حشد 
جيشه وجمع جموعه وأتى إلى طارق فالتقى معه وكانت أيام القتال بينهم 
ثمانية أيام فهزم الله الكافرين ومنح النصر للمسلمين. وكان مع طارق اثنى 
عشر ألفا وعسكر الروم شيء عظيم وأصاب المسلمون من السبي ما لا حد 
له من الذهب والفضة والجوهر. حتى إن الرجل منهم إذا ضلعت دابته 
وجد في حافرها مسمارا من ذهب أو فضة أو حصبات من جوهر وهذا 
شيء لم يسمع بمثله. وفتح اشبيلية وقرمونة وشذونة ومورور واستجه وقرطبة 
وطليطلة وباجة وماردة وسرقسطة وأكثر بلاد الأندلس. 


لك 


ولما سمع موسى بن نصير بهذا الفتح أحب أن يكون شريكاً معد 
فاستخلف ابنه عبد الله على إفريقية وشخص بنفسه. وذلك في سنة ثلاث 
وتسعين, وكان في عشرة آلاف فارس. فسار على غير الطريق التي سلك 
عليها طارق وفتح في طريقه عدة مدن أخر. وغزا موسى من طليطلة إلى 
الجلالقة فطلبوا الأمان من موسى. وسار على سرقسطة مسيرة عشرين يوما 
وبين سرقسطة وقرطبة مسيرة شهر. وكانت إقامته بالاندلس عشرين شهراً. 
وخرج عن الأندلس وقدم إلى الوليد كتاباً يقول فيه: - يا أمير .المؤمنين إنه 
الحشر وليس بالفتح - وأقبل بمائة عجلة وثلاثين عجلة مملؤة بالذهب 
والفضة واللؤلؤ وايات لا يعلم قيمتها إلا الله ومن ابناء الملوك والأسرى ما 
يقرب من ثمانين ألف أسيرء والمائدة التي كانت لسليمان بن داوود عليه 
السلام وأتى إفريقية سنة أربع وتسعين واستخلف ولده عبد الله على إفريقية 
وعلى الأندلس ولد عبد العزيز. وأقبل يجر الدنيا خلفه ووصل إلى مصر 
سنة خمس وتسعين ورحل إلى الشام فوجد الوليد في شكايته التي مات 
فيها. 

وبعث إليه سليمان أخوه يأمره أن لا يدخل في أيام الوليد لأنه كان 
ولي العهد فخالفه موسى ودخل دمشق والوليد في مرضه. فلما ولي 
سليمان الخلافة حقد على موسى بن نصير وصادره بمائتي ألف دينار(؟» 
روخم ليان وبع عرس لماخاك لللنه الئدة بعر قا الت فى مضائزة» 
في أحياء العرب وقاسى كربا حتى إن خادمه هم بالهروب عنه لما قلق منه. 

قلما رأى موسى ذلك دعا الله أن يقبضه. فأصبح ميت رحمة الله تعالى 
عليه وكان مجاب الدعوة. فسبحان المعز المذل بعد ما ملك ما لم يملكه 
غيره وحاز نصف المعمور من الدنيا لم يمت حتى احتاج إلى السؤال في 
أقرب مدة ومات في مصادرته رحمة الله عليه. وإنما أطلت الكلام هنا لأن 
غالب أهل بلدنا ليس لهم اعتناء بالأخبارء فإذا نظر أحد في هذه الأوراق 
علم أن إفريقية لها صيت في كل زمانء وأن هذه البلاد كلها فحت على 


)١(‏ بل أضعاف أضعافها انظر الإمامة والسياسة لابن قتيبة. 


02 


يد عمال إفريقية. وكانت دار الإمارة بالقيروان. ومنها فتحت صقلية أيضاً 
في آخر المائة الثالثة كما سيأتي إن شاء الله تعالى . 


وموسى بن تصير هذا سِ التابعين يروي عن تميم الداري رضي الله 
تعالى عنه. وكان عاقلا كريماً شجاعاً لم يهزم له جيش قط ذكره ابن 
خلكان وأثنى عليه بزيادة ثناء. ونقل عبن الليث بن سعد أنه قال: بلغ 
الخمس وستين الف رأس في غزوة إفريقية على يد موسى بن تصير وأنه 
وجه ولده عبد الله فأتاه بمائة ألف رأس من السباياء ووجه ولده مروان إلى 
ناحية أخرى فأتاه بمثلها. 

وقال الصدفي لم يسمع بمثل سبايا موسى بن نصير في الإسلام؛ 
واستصحب عند قدومه إلى الوليد سبعة وعشرين تاج(©, مكللة بالدر 
والياقوت؛ تيجان ملوك الأندلس اليونانيين» ومن الرقيق ثلاثون ألف رأس 
وقيل إن الوليد بن عبد الملك هو الذي نقم عليه وأقامه في الشمس يوماً 
كاملا حتى خر مغشياً عليه. والأصح أنه صادره سليمان بن عبد الملك 
وحج معه في سنة تسع وتسعين وقيل سبع وتسعين ومات في الطريق بوادي 
القرى والله أعلم. ذكره المسعودي وابن خلكان وغالب المؤرخين بأبسط 
من هذا. وكانت ولايته بإفريقية ست عشرة سنة ومات وله من العمر ثلاث 
وسبعون سئة . 

ولما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة ست وتسعين, عزل عبد 
العزيز بن موسى بن نصير عن الأندلس. ٠وقيل‏ عبد العريز دلم! كان أخا 
موسى بن نصير. وبعث إليها الشيخ ابن مالك. وكانت ولاية عبد العزيز 
على الأندلس سنة. وبعث إلى إفريقية عبد الله بن كريز وأقام بإفريقية إلى 
أيام أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه. وعبد الله بن 
كريز هذا هو القائل: كنت عامل إفريقية في أيام عمر بن بد العزيز فشكوت 
إليه الهوام والعقارب التي بإفريقية فكتب إلي وما على أحدكم إذا أمسى أن 


(1) في بعض النسخ سبعة تيجان. 


إلى 


يقول: «وما لنا ألا نتوكل. على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما 
أذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون2'276 قلت: وعلى رأس المائة الأولى دانت 
له جميع إفريقة من برقة إلى السوس الأقصى», ولم تقم بعد قائمة للنصارى 
والبربر الذين بها. فمنهم من دخل في الإسلام ومنهم من ضربت عليه 
الجزية. وكانت بها عدة قرى عامرة بالكفر إلى بعد الماثة الرابعة. وكانت 
الأساقفة تأتي من الإسكندرية من قبل البطريك الذي بها إلى نصارى 
إفريقية والآن طهر الله تعالى هذه البلاد من دنس الشرك ولله الحمد. 
وكانت الولاة في الزمن الأول سكناهم القيروان يبعثون بعمالهم إلى أقصى 
المغرب. 

وفي أيام عمر بن عبد العزيز عزل عبد الله بن كريز الذي كان عامل 
لسليمان بن عبد الملك وبعث إلى الأندلس حذيفة بن الأحوص. وبعث 
لإفريقية محمد بن زيد الأنصارى فأقام بها إلى ولاية يزيد بن عبد الملك 
ين مروان, فعزله يزيد بن عبد الملك بن مروان وبعث إلى إفريقية يزيد بن 
أبي مسلم. الذي كان وزير الحجاج بن يوسف الثقفي. وكان سجنه سليمان 
بن عبد الملك بن مروان وبقي في السجن أيام سليمان وأيام عمر بن عبد 
العزيز. فلما استخلف يزيد بن عبد الملك أطلقه من السجن وبعثه إلى 
إفريقية والياً عليهاء فلما قدم إفريقية واجتمع بمحمد بن يزيد الأنصاري 
قال له يزيد: الحمد لله الذي مكني منك والله لو حال القضاء بيني 
وبينك لسبقته إليك. وقيل كان بيده عنقود من العنب وأنه قال: والله لو 
سبقني ملك الموت عن أكل هذا العنقود لسبقته إليك. وأمر بتقييده وحطه 
في النطع فبيئما هم في المحاورة إذ أقيمت صلاة المغرب» فقام يزيد ليصلي 
بالناس فلما سجد طعنه رجل فقتله وأشار إلى محمد بن يزيد أن سر في 
أمن الله قال محمد: فسرث وأنا متعجب من صنع الله. ذكره ابن خخلكان 
بأبسط من هذا. وذكره صاحب الفرج بعد الشدة. وقيل سبب قتل يزيد بن 
ابي مسلم انه أراد أن يسير في الناس بسيرة الحجاج فدسوا عليه من 
قتله. وقيل إن الذي قتله من الخوارج . 


)١(‏ الآية 217 سورة إبراهيم. 


يكل 


وقيل إن أهل إفريقية كتبوا إلى أمير المؤمئين يزيد بن عبد 
- أنا لم نخلع لك طاعة وإنما عاملك سار فينا بالجور 
فقتلناه . فرد عليهم محمد بن يزيد الأنصاري وصرفه بيشر بن صفوان 
الكلبي. وبعث إلى الأندلس عقبة عقبة بن الحجاج وأقام بشر بن صفوان 
الكلبي بإفريقية إن ننه عيمس رمال : فقفل من إفريقية بهدية عظيمة إلى 
يزيد بن عبد الملك فبلغه في الطريق وفاة يزيد فأقبل بهديته إلى هشام بن 
عبد الملك فرده إلى عمله بإفريقية فلم يزل بها إلى أن مات في سنة تسع 
ومائة. واستخلف بشر على إفريقية ابن قرط الكلبي فعاث بها. 
ولما بلغ خبره إلى هشام عزله وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن 
القيسي » وذلك في صفر سنة عشر وماثة فلما قدم عبيدة إلى إفريقية بعث 
المستنير بن الحارث غازياً إلى صقلية فأصابتهم ريح فاغرقتهم وسلم 
المركب الذي به المستنير والقته الريح إلى طرابلس. فكتب عبيدة إلى 
عامله بطرابلس يأمره بإمساك المستنير وأن يشد وثاقه ويرسله إليه؛ ففعل به. 
ذلك وأرسله إلى القيروان فلما وصل إلى عبيدة جلده وطيف به في 
القيروان وألقاه في السجن. وإنما انتقم من المستنير لأنه أقام بأرض الروم 
حتى دخل الشتاء واشتدت عليه أمواج البحر حتى عطبت المراكب» ولم 
يزل فتخيزسا إلى ولاية عبيد الله بن الحبحاب فأطلقه ابن الحبحاب وينثه 
إلى تونس كما مر في أول الكتاب وسيأتي بقية خبره إن شاء الله. 
قلت وهذا ينافي ما تقدم من أن عبيد الله بن الحبحاب هو الذي بنى 
دار الصناعة بتونس - ودار الصناعة عبارة عن المكان الذي ينشأ به المراكب 
لان المراكب غزت بحر تونس من قبل أن يتولى عليها ابن الحبحاب بزمن 
طويل - ويؤيد قول من قال: إن الذي بنى دار الصناعة هو حسان بن 
امار ع إن موسى بن نصير هو أول من غزا في بحر تونس أو 


غيره. وابن الشماع صح عنده أن الباني لدار الصناعة عبيد الله بن 
0 والعقل والنقل يشهدان بخلاف ذلك والله أعلم وسياتي بمايد 
إيضاح . 


ولم يزل عبيدة بن عبد الرحمن القيسي إلى سنة عشر ومائة فقفل 


0. 


إلى المشرق وقدم على هشام من إفريقية ومعه هدايا كثيرة . وكان في ما 
قدم به من العبيد والإماء والجواري المتخيرة سبعمائة جارية وغير ذلك من 
الخصيان والخيل والدواب والأواني من الفضة والذهب. فقدم على هشام 
بهداياه واستعفاه فأعفاه, وكان خلف على إفريقية عقبة بن قدامة التجيبى . 


الخبر عن ولاية ابن الحجبحاب 


فكتب هشام إلى عبيد الله بن الحبحاب وكان عامله على مصر فأمره 
بالمسير إلى إفريقية وولاه إياها وذلك في ربيع الآخر سنة عشر ومائة. 
فاستخلف ولده على مصر وقدم إلى إفريقية فاستخرج المستنير مر من السجن 
وولاه تونس. وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع إلى السوس 
وأرض السودان فغنم مغنماً لم ير مثله واصاب ذهياً 0 وكان في ما 
أصاب جاريتان من جنس تسميه البربر أجان ليس لكل واحدة منهما إلا 
دي واحد. ووجه خالد بن أبي حبيب الفهري إلى البربر يطنجة ومعه 
وجرء أهل إفريقية من قريش ومن الأنصار. فقتل خالد ومن معه ولم ينج 
منهم أحد فسميت غزوة الأشراف. وقفل عبيد الله بن الحبحاب إلى هشام 
في جمادي الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائة. ذكره صاحب كتاب الاكتفاء 
ابن الكردبوس . 


ونقل ابن الشباط أن عبيد الله بن الحبحاب أرسل حبيب بن أبي 
عبيدة في البحر غازياً إلى صقلية في سنة اثنتين وعشرين ومائلة. فظفر ظفراً 
لم ير مثله ونزل على سرقوسة وهي أعظم مدنهم بصقلية. فقاتلهم 5 
حتى ضرب بابها بالسيف فأثر فيه فهابته النصارى فأذعنوا بأداء الجز 
فأخحل ها منهم ورجع سالماً إلى عبيد الله بن الحبحاب. وكان ابن ا 
رئيساً نبيلا حلياك وكاتباً بليغاً حافظاً لأيام العرب وهو الذي بنى 
الجامع بتونس ود.ر الصناعة سنة أربع عشرة ومائة كما تقدم , كذا نقل ابن 
الشباط وذى عن غيره أن ولايته كانت سنة عشرة ومائة» وقفل إلى المشرق 
في جمادي الاولى سنة ثلاث وعشرين ومائة والله أعلم . 


نف 


الخبر عن ولاية كلثوم بن عياض القيسي 

قال صاءحب الاكتفاء: وفي جمادى الثانية من سنة ثلاث وعشرين 
وماثة وجه هشام بن عبد الملك كلثوم بن عياض القيسي إلى إفريقية فلما قدمها 
غزا إلى طنجة فقتله البربر هنالك ولم يذكر وفاته وإنما ذكر ذلك إجمالاً لا 

تفصيلا, ولم أطلم لع على خبره في غيره ولعل صاحب تاريخ القيروان ذكره 
باستر من هذاء وإني متشوق إلى رؤية هذا التاريخ ولم أتصل به ولعل ما 
ذكرته في هذا المجموع هو موجود في تاريخ القيروان بزيادة إيضاح وما 
جمعت هذا القدر اليسير إلا من غيره ولي العذر فيما جمعته من تشتت 
البال وترادف المحن والأهوال ومن ضيق الوقت وكثرة المقت وقلة الاطلاع 
وقصر الباع وقلة المساعد وكثرة الناقد والله المستعان ولا حول ولاقوة إلا بالله . 


الخبر عن ولابة 7 صفوان 

قال ابن الكردبوس: ولما سمع هشام بن عبد الملك بوقاة كلثوم بن 
عياض أرسل إلى إفريقية حنظلة بن صفوان في صفر سنة أربع وعشرين 
ومائة فأقام بها بها إلى أيام مروان بن محمد. 

وفي أيام عشام بن عبد الملك عزل عقبة بن الحجاج عن الأندلس 
وولى مكانه الحسام بن ضرار الكلبي. فأقام والياً بالأندلس تسعة أعوام وهو 
الذي جْهْر إليها من أهل الشام عشرة آلاف رجل وهزم بهم ابن يفرن 
الزناتي إذ كان قام بها عليه فظفر به وصلبه وصلب عن يمينه كلياً وعن 
يساره خنزيراً وخلفه قرداً وأمامه ديا وأسكن أهل دمشق البيرة وأهل فلسطين 
شذونة وأهل الأردن وشقة وأهل قنسرين حيان وأهل مصر باجة وأهل 
حمص إشبيلية وبهم سميت إشبيلية حمص. ومات بها في أيام هشام فرلى 
عوضه الهيثم بن الكلبي وما ذكرت هذه النبذه إلا لأبين أن الأندلس كانت 
من تحت أيدي ولاة إفريقية ومنها فتحت والمزية لإفريقية عما سواها من 
بلاد المغرب وكل بلد بالمغرب كانت تحت أيدي البلاد الإفريقية» ولم 
تزل الولاة تتردد إليها من أيام الفتح من قبل الخلفاء الأمويين إلى أيام 
هشام بن عبد الملك 


ولما توفي هشام سنة خمس وعشرين ومائة في ربيع الآخر وكانت 
خلافته تسمع عشرة سيئة وسبعة أشهر وعشرة أيام قام بالأمر بعده الوليد بن 
يزيد بن عبد الملك في اليوم الثاني من موت هشام . وكان يحب اللهو 
والصيد وأظهر الملاهي وانهمك في شرب الخمر وجاهر بالكبائر وعم 
الجور في أيامه حتى كاد يقال فيه جبار بني أمية ومثالبه مذكورة في غير 
موضع. وقام عليه يحبى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي 
طالب رضوان الله عليهم فبعث إليه الوليد جيشاً فقشل يحبى في تلك 
الحروب وجيء برأسه إلى الوليد وصلبت جثة يزيد ولم يزل مصلوباً إلى 
أيام أبي مسلم. 

والوليد هو الذي قرأ في المصحف قوله تعالى «واستفتحوا وخاب 
كل جبار عنيد(22 فنصبه للنشاب وجعل يقول: 


تهددني بجبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيد 
إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني اللوليد 

ادم ول اساي علطلة القار اوداز عليه أبن اكع ار الوا 
فلم يترك له عيناً ولا أثراً وقطع رأسه وحمله إلى دمشق وكانت خلافته سنة 


وشهرين؛ وقام بالأمر بعد الوليد المذكور ابن عمه يزيد. 
الخبر عن ولابة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن هروان 

بويم بعد موت ابن عمه الوليد في جمادي الآخرة سنة ست وعشرين 
ومائة ويسمى يزيد الناقص. وقام عليه مروان بن * محمد بن مروان بن 


الحكم غضباً لما فعله يزيد بالوليد. ولما دخل د مشق فر يزيد فظفر به 
وح جا لط ا وقام بالأمر بعده 


أخوه إبراهيم . 
الخبر عن ولابة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان 
بويع في اليوم الذي مات فيه أخوه. فلم تطل أيامه ولم يكن له في 
)١(‏ الآية 1 سورة إبراهيم . 


ك. 


دولته إقبال. فكانوا تارة يسمونه بأمير المؤمنين وتارة بالأمير فقطء وقام عليه 
مروان بن محمد وسار إليه في سبعين ألفاً. وبعث إبراهيم إليه لمان ير بن 
ونام في مائة ألف فاقتتلوا بغوطة دمشق فظهر عليهم مروان وقتل منهم 
خلقاً كثيراً ودخل دمشق . وخلع إبراهيم نفسه وكانت خلافته شهرين وبعد 
شهرين من خلعه قتله مروان بن محمد واستقل بالأمر بعده. 


الخبر عن ولاية مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أخي 
عبد الملك بن مروان 

بويع في صفر سنة سبع وعشرين ومائة ولقيه مروان الحمار ومروان 
الجعدي. ولما ولي الخلافة نبش قبر الوليد وأخرجه وصلبه وعزل عبد 
الملك بن قطن عن ادن وقدم عليها ثوابة سن نعيم الأنصاري فاقام 
والياً بالأندلس أربع سنين إلى أن ظهرت الدولة العباسية فبقي الأمر 
بالاندلس سدى» رافق رأيهم على أن يقدموا يوسف بن عيد الرحمن 
الفهري » فأقام والياً عشر سنين إلى أن دخل إليها عبد الرحمن بن معاوية 
بن هشام بن عبد الملك بن مروان كما سيأتي إن شاء الله. 


ولنرجعم إلى ذكر مروان الجعدي. وفي أيام خلافته خالفت عليه 
حمص ففتحها وهدم سورها ولم يزل في تشتيت من أمره واضطراب 
النواحي وهو في ذلك يقيم الحج إلى سنة ثلائين ومائة. وقام أبو مسلم 
الخراساني بدعوة بني العباس صنة تسع وعشرين ومائة. وكانت حروب 
كثيرة بينهم. وفر مروان بن محمد وتبعه جيش بني العباس إلى قرية من 
قرى الصعيد يقال لها أبو صبر ‏ سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وكانت خخلافته 
خمس سنين هعشرة أشهر وبه انقرضت دولة بني أمية من المشرق وظهرت 
دولة بني العيامى. وكانت أيام بني أمية ألف شهر. 

ولما دانت؛ ثبني العباس بلاد المشرق قتلوا من وجدوه من بني أمية 
إلا من استخفى, منهم أو من كان دخل إلى بلاد المغرب. ومن لقي 
دخلوا المغرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان 


يفن 


بن الحكم . دحل بلاد الأندلس سئة تسع وثلاثين ومائة» فوجد أحوال 
الأندلس غير مجتمعة ولم تصل إليهم ولاة من قبل الخليفة والناس فرق 
بين هاشم وأمية فاجتمع إلى عبد الرحمن كل من كانت في باطنه حرارة أو 
موجدة عن يوسف بن عمر الفهريء فانضاف إلى عبد الرحمن وقاسى بها 
عبد الرحمن خطوبا. وله بها وقائع مشهورة إلى أن دانت له البلاد. وقاتل 
الفهري وهزمه وقتله وملك مدينة قرطبة ودانت له البلاد وبقى ملكا ثلاثا 
وثلاثين سنة وتداولتها بنوه من بعده. ولم يخطب أحد منهم لبن العباس» 
ولم يدخل تحت طاعتهم إلى أيام عبد الرحمن الذي تلقب بالناصر لدين 
الله. وتسمى بأمير المؤمنين لما ظهرت بنو عبيد في إفريقية وتسموا بأمراء 
المؤمنين؛ تسمى عبد الرحمن بأمير المؤمنين. وقيل إن من تقدمه من آباله 
كان يخطب لبني العباس وعبد الرحمن هذا الذي تلقب بالناصر هو ابن 
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد 
الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي. توفي 
سنة خمسين وثلاثمائة. وكانت إمارته خمسين سنة ونصف سئة وعمره 
ثلاث وسبعون سنة. ولما مضت من إمارته سبع وعشرون سنة ورأى ضعف 
الخلافة بالعراق وظهور العلويين بإفريقية تسمى بأمير المؤمنين. 

وتولى بعده ابنه الحكم وتلقب بالمستنصر وتوفي سنة ست وستين» 
وكانت إمارته خمس عشرة سنة وخمسة أشهر وعمره ثلاث وستون سنة وسبعة 
أشهر. وعهد إلى ولده هشام وعمره: عشرة أعوام وتلقب بالمؤيد وهو الذي 
حجبه محمد بن عبد الله بن أبي عامر الملقب بالمنصور واستحكم على 
أمر المؤيد هشام وأمال إليه الجند. ولم يبق للمؤيد إلا الخطبة والسكة 
فدانت له ملوك الشرك وأنزلهم من صياصيهم وحكم على ملوكهم وجعلهم 
عمالا له ودخلوا في طاعبّه . 

وكان حازماً عاقلا وأكثر الغزوات في بلاد الكفرة حتى أذلهم الله 
على يده وجعلهم ينقلون التراب من أقصى بلادهم إلى قرطبة وبنى بها 
الجامع وفعل بهم ما لم يفعله غيره ممن تقدمه. وكان يقال في حقه أنجب 
مولود ولد في الإسلام. ونقل ما في خزائن بيت المال وجعله تحت يده 


مم 


وكان خراج الأندلس حصر في زمن عبد الرحمن الناصر فبلغ خمسة آلاف 
ألف دينار» فكان يجعل ثلثه في بيت المال والثلث للجند والثلث الباقي 
لبنائه وصلاته للشعراء والعلماء وغير ذلك. وما أطلت في هذا الفصل إلا 
لكون الأندلسية أصل افجاحها من هذه البلاد ومتنت بناء الحكاية ليتصل 
بعضها ببعض وريما لم يخل هذا الموضع من فائدة وإن كانت في غير هذا 
أبسط من هذاء وليعلم الواقف على هذه النبذة أن إفريقية لها الشرف 
السابق بين بلاد المغربء, لأن الأندلسية فتحت منها في زمن الجاهلية وفي 
زمن الإسلام وكذلك الصقلية فتحت منها. وكانت عمالها من تحت عمال 
إفريقية متات من الأعوام . 


وكانت دار ملك بني الأغلب القيروان ثم قامت بها بنو عبيد الفواطم 
ثم تملكت عليها ملوك صنهاجة. وكان لهم ضخامة ملك وهم عمال 
للفواطم عندما رحلوا إلى بلاد المشرق. وكان حكم بنى الأغلب ومن كان 
قبلهم من الأمراء ومن كان بعدهم من صنهاجة إلى حد السوس من بلاد 
المغرس. إلا ما خرج عن أيدي بني الأغلب عند تمكن الأدارسة من بلاد 
المغرب . 


وكان أولهم إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن 
أبي طالب كرم اله وجهه. وذلك بعد السبعين والمائة في أيام المهدي أمير 
المؤمنينالعباسي , وإدريس بن إدريس هذا هو الذي بنى مدينة فاسء وبقية 
أخبارهم تأتي بعد إن شاء الله تعالى عند ذكر الخلفاء الذين كانوا بالمغرب 
وملوك لمتونة» وبني عبد المؤمن الذين يقال لهم دولة الموحدين لكي يرتبط 
النظام بدولة بي حفص ومن بعدهم إن شاء الله من الأمراء الذين كان 
استيلاؤهم بتونس» وكيف تنقل الأمر من حال إلى حال والله هو المتصرف 
فى البلاد والعباد لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون. 


ولما آل الغرض إلى هنا نذكر الآن من دخل إفريقية من أمراء بني 
العباس ونسرد أسماؤهم على الولاء من غير إطناب إلا ما تمس الحاجة بنا 
إليهء والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. 


فى 


ذكر الولاة من قبل العبابسة 


ولما كان قيام بني العباس بالمشرق وتشتت جمع بني أمية وكثرت 
الفتن بإفريقية واشتغل بنو العباس بتمهيد البلاد في المشرق وهاجت فتن 
الخوارج بالمغرب» قام أبو الخطاب رأس الخوارج بإفريقية وكثر ضررهم 
واشتدت شوكتهمء فأرسل أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعب بن عقبة 
الخزاعي سنة أربع وأربعين . 

وقال ابن نباتة: الذي بعث محمد بن الأشعث أمير المؤمنين عبد الله 
السفاح سنة ثلاث وثلاثين ومائة والقول الأول أصح. فحارب الخوارج 
وقتل أبا الخطاب وشرد الصفوية وبددهم وينى سور القيروان من الطوب 
سعته عشرة أذرع وذلك في ربيع الأول من السنة المذكورة وكمل في رجب 
الفرد الأصب سنة ست وأربعين وهو أول قائد للمسودة؛ والمسودة كناية 
لبني العباس لأن شعارهم السواد. وكانوا يلبسون السواد وكانت أعلامهم 
سوداء لأنهم خرجوا طالبين لدم الحسين وزيد رضي الله تعالى عنهما 
فجعلوا شعارهم السواد. 


عمر بن حفص بن أبي صفرة 

فمنهم عمر بن حفص من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخو المهلب بن 
أبي صفرة المشهور لنباهته ذكره ولقبه هزار مرد. معناه ألف رجل بالفارسية 
لعغة فارس» وما لقب بهذا إلا لشجاعته , كان يقوم مقام ألف فارس في 
الحرب وكان بطل شجاعاً أولاه المنصور أمير المؤمنين واسمه عبد الله 
المنصور أخو أمير المؤمنين عبد الله السفاح ولي الخلافة سنة ست وثلائين 
ومائة 'وكنيته أبو جعفرء وكان مقدماً لعمر بن حفص ولاه ولايات منها 
البصرة والسند وغيرهما وسيره إلى إفريقية سئة إحدى وخمسين وماثة ومعه 
خمسمائة فارس» واجتمع إليه وجوه أهل القيروان فواصلهم وأحسن إليهم 
وأقام الأمور المستقيمة ثلاث سنين وأشهرأ. ثم سار إلى الزاب وبنى مدينة 
طبنة وذلك بعد أن ورد عليه كتاب المنصور,» م الخوارج بإفريقية . 


و5 


الأمير يزيد بن حاتم بن أي صفرة 


ومنهم الأمير يزيد بن حاتم بن أبي قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة 
دخل إفريقية سنة خمس وخمسين ومائة من قبل المنصور وكان معه 
خمسون ألفا من العسكرء فقتل الخوارج الذين قتلوا عمر بن حفص 
المتقدم ذكره. ومهد البلاد ودانت له العصاة ودخل القيروان لعشر بقين من 
جمادي الأخيرة من السنة المذكورة ورتب أمر القيروان وجعل كل صناعة 
في مكانهاء وكان جواداً مشهوراً وحكى عنه سحنون أنه كان يقول والله 
الذي لا إله إلا هو ما هبت شيئاً قط كهيبة رجل واحد يزعم أني ظلمته وأنا 
أعلم أنه لا راحم له إلا الله يقول: بيني وبينك الله. وهدم جامع القيروان 
ما عدا المحراب وبناه واشترى العمود الأخضر بمال جزيل. وكان جواداً 
سرياً يعد من الكرماء. ولما رحل عن العراق كان في صحبته يزيد السلمي 
عامل مصر فكان يزيد بن حاتم ينفق على الجيش من عنده وهذا غاية 
الكرم. وقصده جماعة من الشعراء فأحسن إليهم وقصده مروان بن أبي 
حفصة الشاعر فأنشده هذين البيتين: 


إليك قصرنا النصف من صلواتنا ‏ مسيرة شهر ثم شهر تواصله 

فأمر للجند يعطاياهم وقال: من أحبني يعطي هذا الشاعر درهماً . 
فحصل له خمسون ألف درهم وزاده من عنده خمسين ألفاً فرجع الشاعر 
بمائة ألف درهم في بيتين. 

قلت: أنظر أيها المتأمل إلى نفاذ سوق الأدب في ذلك العصر وقلة 
نفاذه في زماننا هذاء حتى إن الشاعر في هذا الزمان ربما جهد جهده في 
قدح إنسان ويود أن يحصل له من الممدوح السماع فضكك عن الجائر فلا 
يحصل على شيء وكفى بمن يبخل بسمعه والأمر لله. 


وكانت ولاية يزيد خعمس عشرة سنةء ومات بالقيروان سنة سبعين. 


5١ 


واستخلف ولده من بعده. فعزله أمير المؤمئين هارون الرشيد بأخيه روح بن 
حاتم. رحم الله تعالى الجميع . 
الأمير روح بن حاتم 
والأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن ابي صفرة الأزدي 
أخو يزيد بن حاتم المقدم ذكره كان عالي الهمة والي الولايات الكبار 
لخمسة من الخلفاء ‏ السفاح ‏ والمنصور- والمهدي - والهادي ‏ والرشيد - 
ودخل إفريقية سنة إحدى وسبعين بعد موت أخيه يزيد وأقام بها أربع 
ومن الاتفاق الغريب أنه كان والياً على السند وأخوه يزيد على 
المغرب. فلما مات أخوه يزيد كان الناس يقولون ما أبعد قبري هذين 
الأخوين أحدهما بإفريقية والآخر بالسند.. فاتفق أن الرشيد عزله عن ولاية 
السند وبعثه إلى إفريقية فمات بها في شهر رمضان سنة أربع وسبعين ومائة 
ودفن مع أخيه في قبر واحد وله عاقبة الأمور. 


وفي أيامه ظهرت دولة الأدارسة بالمغرب. وبويع الإمام إدريس بن 
عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب بمديئة وليلى يوم 
الجمعة الرابع من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وماثة. واستفحل أمره 
بتلك البلاد وسيأتي بقية من خبره إن شاء الله تعالى. 
الأمير هرثمة الهاشمي 

ومنهم الأمير هرئمة بن أعين الهاشمي. ولاه أمير المؤمئين هارون 
الرشيد إفريقية سنة تسع وسبعين» وقدم إلى إفريقية يوم الخميس لثلاث 
علون من ربيع الآخر من السئة المذكورة» وأقام بها إلى سنة ثمانين. 
وفيها بنى بلد المنستير قاله ابن خلكان. ونقل ابن الشباط أنه بنى القصر 
الكبير بالمنستير سنة ثمانين على يد زكريا بن قادم. وبنئى سور مدينة 
طرابلس وأمن الئاس في أيامه. وقفل إلى المشرق في رمضان سنة إحدى 
وثمانين ومائة بعد ما كتب إلى الرشيد يستعفيه عن الولاية لما رأه من 


"2 


الخلاف فاعفاه الرشيد. وكتب إليه بالقدوم إلى المشرق وعاش إلى أيام 
أمير المؤمنين المأمون وكان يعتمد عليه في الأمور العظام. وفي سنة مائتين 
حقد عليه وحبسه ثم أرسل إليه من قتله في السجن رحمه الله. وكان من 
أكبر قواد المأمون ممن عاضد طاهر الحسين في محاربة الأمين. 


إبراهيم بن الأغلب 


ومنهم إبراهيم بن الأغلب كان سنة أربع وثمانين ومائة من قبل 
هارون الرشيد. وقيل خمس وثمانين وهو الذي بى مدينة القصر على ثلاثة 
أميال من القيروان. وهدم دار الإمارة التي كانت بالقيروان قبلي الجامع, 
وانتقل إلى القصر وجعله دار الإمارة وعمرت بإزائه مدينة القصر وصار بها 
أسواق وحمامات وفنادق وجامع وذلك في سئة أربع وثمانين ومائة ومات 
سنة خمسر وثمانين وماثة . 
زيادة الله بن إبر اعييم بن الأغذب 

ومنهم زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب» استقل بالأمر في سنة إحدى 
ومائتين وأقام في الولاية إلى سنة ثلاث وعشرين ومائتين. 

وقام عليه منصور الطبنذي وحاصره اثنتي عشرة سنة ونسبه أهل 
القيروان إلى الجور وآخر الأمر انتصر على الطبنذي وهزمه. وكان الطبنذي 
قام مع جماعة من الجند وملك مديئنة القيروان وإفريقيةء» وكانت بينهما 
وقعات وفي آخر الأمر انهزم منصور الطبنذي وفتح الله عز وجل لزيادة الله 
وعاد إليه ملك إفريقية وهو الذي سور مدينة القيروان وحضر الجامع بها 
وانفق عليه ستة وثمانين ألف دينار بعدما هدمه ما عدا المحراب. وبنى سور 
مدينة صوسة أيضاً . 

وفي أيامه بعث إلى صقلية أسد بن الفرات وكان قاضيه بالقيروان 
ومعه من الجيش نحو عشرة آلاف. فركب البحر من سوسه وسار إلى صقلية 
والتقى بصاحبها بلاطة. ويقال إنه كان في ماثة ألف وخمسين الفأ فهزم 


3 


الله الكافرين وغنم المسلمون أموالهم وبددوا شملهم واستفتحوا من صقلية 
مواضع كثيرة. وتوفي اسد بن الفرات وهو محاصر لسرقوسة في ربيع الآخر 
سنة ثلاث عسرة ومائتين ودفن هنالك. وسكنها المسلمون واستوطنوها ما 
شاء الله وتداولت عليها الولاة من قبل القيروانيين. وكان محمد بن عبد الله 
ابن الأغلب والياأ على صقلية سنة ثمان عشرة ومائتين ومات سئة سبع 
وثلاثين» وفتح فيها فتوحات عظيمة, وكان مقامه في بليوم لم يخرج منها 
وإنما يبعث سراياه ومدة إمارته تسع عشرة سنة إلى أن أخذها منهم العدوى 
وذلك بعد الأربعين وخمسمائة؛ وسياتي بقية خبرهم فيما بعد إن شاء الله. 
وتوفي زيادة الله سنة ثلاث وعشرين ومائتين رحمة الله عليه. 


الأغلب من إبر اهيم بسن الأغلب 

ومنهم أبو عقال اسمه الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أخو زيادة الله 
المتقدم ذكره» وتوفي أبو عقال سنة ست وعشرين ومائتين رحمة الله عليه . 
أحمد بن إبراهيم بن الأغلب 


ومنهم أبو العباس أحمد بن إبراهيم. وكان في زمانه سحنون بن 
سعيد » وفي أيامه منع سحنون أهل الأهواء من المسجد الجامع . وكانوا 
قبل ذلك يجتمعون فيه ويتظاهرون بمذاهبهم مثل: الإباضية والصفرية 

وكان عامله بصقلية ابن عمه محمد بن عبد الله بن الاغلب المتقدم 
ذكره. ومات بها سنة سبع وثلاثين وماثة . 

وتران نهد الاين بز لمكتل بن يقرت نين اقوارة بوسيان بعد إن 
شاء الله تعالى . 
محمد بن إبراهيم بن محمد بن الأغلب 

ومنهم محمد بن إبراهيم بن محمد بن الاغلب» وكان في سنة 


"4 


أربعين ومائتين. وفي أيامه عصى أهل تونس عليه فغار عليهم وسبى منهم 
خلقاً كثيراً وله واقعة مشهورة مع الإمام سحنون في رد المسبيات وفع 
بعض أمرائه من التصرف فيهن واستخرجهن من داره. وبعث الأمير محمد 
إلى سحنون في ردهن فأقسم لا يردهن ما دام قاضيا إلا أن يرفع يده عن 
القضاء فكف عنه., رحم الله الجميع . 

وفي أيامه فتح العباس بن الفضل بن يعقوب بن فزارة مدينة بانة من 
صقلية وبنى بها تدا وصلى فيه الجمعة وهي دار الملك عنتدهم وكان 
الملك قبل ذلك يسكن سرقوسة» وتوفي بها سئة بيع وأربعين وماثتين 9 
وتولى بعده ولده عبد الله بن العباس أميراً على الجزيرة. 
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الأغلب 

ومنهم إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الأغلب. قام بالأمر بعد أبيه 
ومات في سنة تسمع وأربعين ومائثتين . 
زيادة الله بن الأغلب 

ومنهم زيادة الله بن محمد بن ن إبراهيم بن الأغلب» قام بالأمر بعد 
أخيه وكانت ولايته عاماً وستة أشهر وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائتين. 
أبو عبد الله بن الأغلب 

ومنهم ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم 
ابن الأغلب. تولى بعد عمه زيادة الله سنة إحدى وخمسين ومائتين في 
جمادي الأولى.» وكانت إمارته عشر سنين وخمسة أشهر ومات سنة إحدى 
وستين ومائتين 

وكان عامله على صقلية خفاجة بن سفيان أرسله من إفريقية فغزا فيها 
عدة غزوات» وفتح فتوحات عظيمة ولم يزل بها إلى أن اغتاله رجل من 
عسكره فمتله وفر إلى العدو وأقام الناس ابنه محمد بن خفاجة وارسل إليه 
الأمير محمد فأقره على عمله. ولم يزل إلى سنة سبع وخمسين ومائتين 


56 


فقتله .خدمه الخصيان واستعمل بعده الأمير محمد الأغلبي على الجزيرة 
أحمد بن يعقوب. ومات الأمير محمد سنة إحدى وستين ومائتين. 


ومنهم الأمير أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن 
الأغلب, قام بالأمر بعد أبيه وهو الذي بنى جامع القيروان وجامع تونس 
وله واقعة مشهورة. 
إبراهيم بن أحمد بن الأغلب 

ومنهم الأمير إبراهيم بن أحمد بن محمد الذي بلى مديلة رقادة 
وانتقل إليهاء وابتدا بناءها سنة ثلاث وستين ومائتين فكملت سنة أربع 
وستين وسكنها واتخذها داراً لملكه. وكان يكثر الإقامة بتونس وكان ذا فطنة 
عظيمة وصاحب 0 وطالت مدته وكانت ولايته سنة إحدى وستين 
ومائتين» وبعث ١‏ ىن صقلية الحسن ب بن العباس عامل عليها فبعث الحسن 
سراياه وفتح 0 مشهورة ودانت له البلاد وصلح حالها في أيامه , وانتقل 
من إفريقية إلى صقلية بعد ما استخلف ولده أبا العياس أحمد وجاهد في 
الله حق جهاده: وفتح الفتوحات العظيمة وتوفي بالدرب وحمل إلى 
القيروان سنة تسع وثمانين ومائتين وتصدق بجميع ماله رحمة الله تعالى 
عليه. وكانت إمارته ثماني وعشرين سنة. وفي أيامه ظهر أبو عبد الله 
الشيعي بأرض كتامة يدعو إلى آل البيت وسيأتي بقية خبره. 
أبو العباس أحمد بن إبراهيم 

ومنهم الأمير أبو العياس أحمد بن إبراهيم المتقدم ذكره. استخلقه 
أبوه على إفريقية عند مسيره إلى صقلية وأقام بها بعد وفاة والده إلى أن 
توفي سنة ثمان وثمانين ومثتين وقام بالأمر بعذه ولده عبد الله بن أحمد. 
عبد الله بن أحمد بن الأغلب 

ومنهم الأمير عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد. 


55 


وكان حسن السيرة كثير العدل صاحب معروف وإحسان, انتقل إليه الأمر 
بعد أبيه سئة ثمان وثمانين وكانت إقامته بتونس وقيل سنة تسع وثمانين 
ومات بتونس سئة خمس وتسعين مقتولاء قتله ثلاثة من الصقالبة باتفاق من 
ابنه زيادة الله لأنه سجنه بسبب شربه الخمر فاتفق معهم على قتل أبيه فقتلوه 
وأحضروا رأسه بين يدي زيادة الله ولده وهو في السجن فلما تولى زيادة 
الله أمر بقتلهم. فقتلوا وهو الذي كان أمر بذلك. 


زيادة الله بن عبد الله بن الأغلب 


ومنهم الأمير زيادة الله بن عبد الله بن أحمد. استقل بالأمر بعد أبيه 
ولما تم له الأمر انعكف على لذاته ولازم ال وأهمل أحوال الرعية 
والمملكة وقتل من أعمامه وأهل بيته من قدر عليه» وفي أيامه استفحل أمر 
أبي عبد الله الشيعي القائم بدعوة الفاطميين بالمغرب . وأرسل زيادة الله 
عسكراً مع أبن عمه مق وقدره أربعون الفا فهزمهم 8 عبد الله 
الشيعي . 1 رأى زيادة الله هزيمة عسكره وضعفه عن مقاومته جمع ما 
قدر عليه من الأموال وخرج عن ملكه فاراً إلى المشرق» وذلك في خخلافة 
المقتدر بالله العباسي. فوصل إلى مصر وبها التوشري عاملاً عليها. فكتب 
إلى المقتدر يخبره بزيادة الله ثم سار زنيادة الله إلى أن بلغ الرقة فوافاه كتاب 
أمير المؤمنين بالعود إلى بلاده لقتال الشيعة ويأمر عامل مصر أن يمده بما 
يحتاج إليه من المال والرجال. فرجع إلى مصر فماطله العامل بها وزيادة 
الله في أثناء ذلك منعكف على لذاته واستماع الملاهي وشرب الخمر. 
فلما طال مقامه تفرق جمعه وفرت عنه أصحابه وتتابعت به الأمراض فتوجه 
إلى بيت المقدس لقصد الإقامة بها قمات بالرملة ودفن ب بها ولم يبق 
بالمغرب من بني الاغلب أحد. 


وكانت مدة ملكهم ماثة وائنتي عشرة سنة تقريباً. فسبحان من لا 
يزول ملكه ولا يفنى دوامه وتتصرف في العباد أحكامه يفعل في ملكه ما 
يشاء وهو على كل شيء قديرء» ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . 


لا 





مر ع 
مركي يدك 


اليك (لرزبع 


فى ذكر الدولة العبيدية 
وابتداء أمرهم والقائم لإصلاح دولتهم 


فأولهم أبو عبد الله الشيعي . وآاسمة الحسين ب 00 
زكريا من أهل صنعاء وقيل من أهل الكوفة, اخحذ أسرار الدعوة عن ابن بن 
حوشب وأرسله إلى المغرب. فقدم إلى مكة أيام الحج واجتمع بجماعة 
من المغاربة من أهل كتامة. وكان عندهم طرف من ذكر آل البيت فجلس 
إليه وسألوه عن قصذده فأظهر لهم أنه يريد مصر لقصد التعليم فاستصحبوه 
معهم إلى مصر. 


ولما ان رحيلهم أخذ يودعهم وقد عز عليهم فراقه فسألوه الصحبة 
معهم إلى بلادهم. إذا كان قصده التعليم والثواب فأجابهم لما طلبوه وقفل 
معهم إلى المغرب ولم يظهر لهم مراده وفي ائناء ذلك يسألهم عن خبر 
بلادهم وعشائرهم إلى أن أحاط بها خبرة. ولما وصلوا إلى بلادهم تنافسوا 
فيه وعند من تكون إقامته إلى أن كادت أن تكون بينهم فتنة. فعند ذلك 
سألهم عن فج الأخيار ولم يكن سألهم عنه قبل ذلك فعجبوا منه وقال: إذا 


"5 


جئناه نأتي كل قبيلة منكم في مكانها فرضوا بذلك وكان اسمه عندهم أبا 
عبد الله المشرفي وقدم المغرب منتصف ربيع الأول سنة ثمانين ومائتين 
وأتاه البربر من كل مكان وذلك في زمن إبراهيم بن أحمد الأغلبي . فلما 
سمع به استصغر أمره. 


ثم مضى أبو عبد الله إلى تيهرت فملكها وأتته وفود البربر من كل 
فج. ولا زال في زيادة من أمره إلى أيام زيادة الله الأحول فبعث إليه عدة 
بعوث فهزمهم أبو عبد الله ولما رأى زيادة الله أيا عبد الله يتزايد أمره فر بأهله 
وماله إلى المشرق كما تقدم . 


ولما اتصل الخبر بأبي عبد الله أن زيادة الله هرب وكان إذ ذاك في 
بلد سبيبة رحل عنها وقدم بين يديه عروبة بن يوسف بن أبي خنزير في 
ألف فارس. فأرسلهم إلى رقادة وأمرهم أن لا يتعرضوا لأحد بمكروه. فلما 
سمع أهل القيروان بذلك خرجوا إلى أبي عبد الله وهتأوه بالفتح ودخل 
رقادة يوم السبت أول رجب سنة ثلاث وتسعين ومئتين. 

ولما حضرته الجمعة كتب كتاباً لخطيب رقادة وخطيب القيروان بما 
يقولان. ونقش على السكة من وجه ‏ بلغت حجة الله - وعلى الوجه 
الآخر- تفرقفت أعداء الله ولما استقام له الأمر ومهد البلاد واجتمع 
بأخيه أبي العباس استتخلفه وخرج من رقادة في أول رمضان من سنة ست 
وتسعين وتوجه إلى سجلماسة فاهتز له المغرب وخافته زناته وقبائل العرب 
والبربر والمخالفون له فطلبوا منه أمانا. 


ولما قرب سجلماسة سمع به اليسع بن مدرار وكان عاملا لبني 
الأغلب وكان زيادة الله كاتبه يخبره بخبر المهدي وهو إذ ذاك في بلده 
فبعث إلى المهدي وسأله عن حاله فانكر وكان وصل إلى بلاده في زي 
التجار فتجاوز عنهء ولما بلغه الخبر عن أبي عبد الله الشيعي أمسك 
المهدي وسجنه فلما سمع أبو عبد الله بإمساكه للمهدي كاتب اليسع 
وتلطف إليه فلم يغن عنه شيئا وخرج إليه اليسع فقابله ساعة من نهار 


7و 


وانهزم فدخل أبو عبد الله البلد واستخرج المهدي وولده من السجن وقرب 
إليهما مراكب رائعة, فركبا ومشى أبو عبد الله ووجوه القبائل بين يدي 
المهدي وأبو عبد الله يبكي من الفرح ويقول هذا مولاي ومولاكم وأنزله في 
فسطاط أعد له ورحل أبو عبد الله في طلب اليسع فظفر به وقتله بعد ما 
طيف في العسكر وضرب بالسياط. وأقام المهدي في سجلماسة أربعين 
يوم ثم نهض إلى إفريقية وكان دخوله إليها في أزيد من مائتي ألف فارس 
وراجل. وكان وصول المهدي إلى رقادة يوم الخميس لعشر بقين من ربيع 
الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين ونزل بقصر من قصورها وفرق باقيها والدور 
على جميع الأجناد. 

وكتب إلى جميع البلاد فأخذ البيعة وأمر الخطباء أن يذكروا اسمه 
على المنابرء واستبد بالأمر ودون الدواوين وهو أول من تسمى بأمير 

وفيى هذه السنة زالت دولة بني مدرار من سجلماسة الذين آخرهم 
اليسع بعد مائتين وستين سنة ودولة بني رستم من تيهرت بعد ثلاثين ومائة 
سنة ودولة بني الأغلب بعد مائة واثنتي عشرة سنة. والله يرث الأرض ومن 
عليها وهو خير الوارئين. 


الخبر عن خلافة الإمام المهدي 


هو أبو محمد عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن 
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. نقله 
ابن خلكان عن صاحب تاريخ القيروان. وقال ابن خلكان: وجدت في 
نسبه اختلافاً . قلت: وللئناس مذاهب في نسبهم والله سبحانه وتعالى أعلم 
ومولده بسلمي بسلمية وقيلٍ ببغداد سنة ستين ومائتين» واستقلٍ بالأمر سنة سبع 
وتسعين وكان جميلاً مهيباً جسيماً عالماً بكل فن» عارقاً بالسياسة والتدبير 
للمملكة ولما تم له الأمر باشر الأمور بنفسه وبعث العمال وجبى الأموال 


الا 


واستعمل على صقلية أبا عبد الله الحسن بن أحمد بن محمد بن زكري 
الشيعي . 

ولما استبد بالأمر داخل أيا العباس الحسد وأخذ في تغيير قلوب أهمل 
الدولة وظهر الخبر والمهدي مسر لذلك إلى أن فشا بين الناس فنقم 
المهدي على أبي عبد الله وعلى أخيه أبي العباس فقتلهما سنة ثمان 
وتسعين ومائتين. وكان أبوعبد الله الشيعي يلبس الخشن من ثياب الصوف 
وياكل الخشن من الطعام ويظهر الزهد والورع وهو الذي بنى أساس بيت 
الفواطم في مملكة المغرب, وكان كالباحث عن حتفه بظلفه. 

واستقام الأمر للمهدي وعهد إلى ولده أبي القاسم محمد. ونفذت 
الكتب عنه بولي عهد المسلمين وعصت عليه صقلية فبعث إليها اسطولا 
وفتحها وبعث إليها عاملاً من قبله. 

وخالفت عليه ملرابلس فبعث إليها جيشاً ففتحها وأغرم أهلها ثلائمائة 
ألف وأربعين ألف ديئار. 

وفي سنة ثلائمائة خرج بنفسه إلى تونس وقرطاجنة يرتاد لنفسه موضعاً يمنعه 
لأن عنده خبراً برجل يخرج على دولته فوقع اختياره على المهدية فبناها 
وحصنها ولما مد الخيط على أول حجر من أساس البلد أمر رامياً فرمى 
بالقوس فانتهى السهم إلى موضع المصلى فقال ‏ إلي هذا الموضع أي 
موضع السهم يبلغ صاحب الحمار- يعني أبا يزيد الخارجي . وأمر بقياس 
مسافة الرمية فبلغت مائتي وثلاث وثلاثين ذراعاً فقال: ‏ هذا مقدار ما تقيم 
المهدية في أيدينا. 

وبعث ولده ولي العهد إلى مصر فملك الإسكندرية والفيوم وحاربه عامل 
مصر فهزمه ورجم إلى المغرب ثم رجع أيضاً سنة سبع وثلاثمائة إلى 
المشرق فوقع الوباء في عسكره فكر راجعا إلى المغرب. وفي سنة خمس 
عشرة خرج ولي العهد إلى المغرب وبلغ إلى تيهرت وأمر بيناء مدينة 
وسماها المحمدية وهي المسيلة: وأمر عامله أن يخزن من الأقوات بها 
ويستكثر منه . 


نف 


ولما دانت له العباد وصفت البلاد عاجله حمامه ودنت أيامه وتوني 
للنصف من ربيع الأول سنة ائنتين وعشرين وثلائثمائة عن ثلاث وستين 
سنة. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة رحمة الله عليه ودفن بالمهدية 
وبلغت دعوته من برقة إلى المغرب. 

وفي أيامه انقرضت الفواطم الأدارسة عن المغرب ولم تكن لهم قوة 
بعد ذلك وبانت أعماله بفاس وأعمالها إلا مدينة سبتة كانت لبني أمية. 
وملك مدينة فاس سنة خمس وثلاثمائة على يد قائده مصالة وبايعه صاحبها 
وسيأتي إن شاء الله تعالى . 


الخبر عن خلافة القائم بأمر الله أببي القاسم نزار 


تولى بعهد من أبيه فقام واتبع سيرته وجهز أسطولاً وأمر عليه علي بن 
إسحاق فسبى مدينة جنوة وبعث هيسور الفتى في عسكر ضحم إلى 
المغرب فبلغ إلى مدينة فاس. 

وفي أيامه ظهر أبو يزيد بن كيداد الخارجي. ولنذكر طرفاً من 
أخباره: هو أبو يزيد مخلد بن كيداد مولده ببلد السودان وأصل أبيه من 
مدينة توزرء وهو زناتي الأصل وأتى به أبوه إلى المغرب فتعلم القران 
العظيم وخالط جماعة من النكار فتعلم مذهبهم الخبيث. 

وكان يعلم أولاد المسلمين وكانوا يتصدقون عليه . ومذهيه تكفير أهل 
فكان يلبس جبة صوف وعلى رأسه قلنسوة صوف وفي عنقة سبحة وكان 
وذلك في أيام المهدي. ولم يزل على ذلك إلى أن اشتدت شكيمته 
وفويت شوكته فنشر غاراته في بلاد البربر. 

وفي أيام القائم عظم أمره وأفسد البلاد وحاصر باغاية وقسطيلية وفتح 
مجانة» وهنالك أهدي له حمار أشهب كان يركبه وبه دخل إفريقية ونهب 


7 


بلد الأربض فر الناس إلى جامعها فقتلهم فيه وافتض أصحابه فيه الابكار 
وفعل بهم ما لا يفعله مسلم. وأرسل القائم جيشاً مع بشر الفتى لحراسة 
بلاد باجة فسمع به أبو يزيد فرحل إليه وجعل كل ما على مكان أفسده 
وسبى حريمه والتقى مع بشر فهزمه بشر أولا وعاود معه القتال ثانياً فهزم 
بشرأ وفر بشر إلى مدينة تونس ودخل أبو يزيد باجة بالسيف وأباحهائلاثا 
وحرق ديارها وسبى حريمها وعبث بالأطفال الرضع وفعل بأهلها العجائب 
فحافته جميع القبائل وأتوه طوعاً وكرهاً. وعمل الأخبية والبنود وبعث جيشاً إلى 
بشر وهو بتونس فخرج إليه بشر بالتونسيين وهزمه. ووقعت قتنة بتونس 
كاب اهل تونس أبا يزيد فامنعهم وولى عليهم رجلا منهم ونزل أبو يزيد 
بفحص أبي صالح . 

قلت هو الفحص المعلوم في زماننا قريب من بلد زغوان وإفتتل مع 
الفتى بشر على هرقلة فانهزم عسكر أبي يزيد مرة أخرى وقتل منه أربعة 
آلاف رجل وأسر خمسمائة فانفذهم إلى المهدية فقتلوا هناك. ورجم أبو 
يزيد فجمع جموعاً أخر وانصرف إلى الحريرية بقرب القيروان فاقتتل سِ 
طلائع الكتاميين فهزمهم إلى رقادة. ونزل أبو يزيد على أربعة أميال من 
القيروان ومن الغد نزل في شرقي رقادة في مائة ألف بين فارس 0 
وزحف إلى القيروان فاقتتل مع أهلها فهزمهم. وأتى أبو يزيد إلى ماجل 
باب تونس من القيروان وركن يبنوده. ودخلت البربر إلى القيروان فنهبوا 
وأفسدوا. ونزل بعد ذلك في رفادة وخرج شيوخ القيروان وطلبوا منه الأمان 
فقال: ‏ هلا طلبتم قبل اليوم - فاعتذروا له فماطلهم وعسكره مع ذلك 
ينهبون في البلاد ويقتلون. فسألوه ثانياً وقالوا له: قد خحربت 
القيروان - فقال لهم: - وما عسى أن يكون خريت مكة وبيت المقدس 
مرتين - ثم أمنهم بعد ذلك وأتاه الخبر أن عسكراً قادم من نحو القائم 
فنادى في القيروان: - من تخلف عن الجهاد معي حل دمه وماله - فتفر 
معه خلق كثير والتقى مع .عسكر القائم بعد ذلك فكادت الهزيمة أن تقع 
على أبي يزيد ثم انتصر وملك الأخبية والفازات وهزم عسكر القائم حتى 
بلغ المنهزمين المهدية فوجلت قلوب الناس إذ ذاك وانتقلوا من الربض إلى 


374 


المدينة. وأقام أبو يزيد في مقيطنته ثمانية وستين يوم وهو يبعث سراياه إلى 
جميع بلاد إفريقية والحصون التي بها على البحر وأخذ جميع ما فيها من 
أقوات وسلاح . 

وبعث جيشاً إلى بلد سوسة فدخلها بالسيف وحرق المنازل وسبى 
النساء ومثل بالناس بقطم الأيدي والأعضاء وشق فروج النساء وبقر بطونهن 
وفعل بأهل سوسة ما لا يفعله أعداء الدين ولم يبق بإفريقية منزل عامر. 
وفرت الناس إلى القيروان حفاة عراة ومات أكثر أهل إفريقية جوعاً وعطشاً 
ونهب مدينة تونس وأخذ منها اثني عشر ألف خابية زيتاً غير الأموال والعبيد 
وقد مر خبرها في أول الكتاب. ونهب من غيرها من البلاد ما لا يحصى 
وحمل ذلك البربر إلى بلادهم لآن عامة جنده بربر. وكتب إلى قبائل البربر 
يحثهم على الجهاد إلى المهدية. 

وفي سنة ثلاثة وثلاثين وثلاثمائة أمر القائم بحفر خندق على أرباض 
المهدية. وانفذ الكتب إلى صنهاجة وكتامة يستفزهم إلى المهدية 
ويحرضهم على قتال أبي يزيد. ورحل أبو يزيد ونزل قريباً من المهدية 
ونهب ما حولها وخرج إليه جيش القائم واقتتلوا معه فهزمهم وسار أبو يزيد 
إلى الخندق المحدق بخاصته واقجل مع الحراس الذين هنالك فهزمهم. 


واقتحم أبو يزيد ومن معه البحر إلى أن وصل الماء صدور الدواب 
وجاوز السور وبلغ إلى مصلى العيد ولم يبق بينه وبين المهدية إلا رمية 
سهم وأصحابه في زويلة ينهبون ويقتلون ثم قوبت نفوس المهدية وتحاموا 
واقسلوا قتالاً شديداً فأزالوا أبا يزيد وأصحابه عن البلد ورجع أبو يزيد إلى 
مقيطنته وأمر بحفر خندق على عسكره وائته جميع القبائل من طرابلس 
وقابس ونفوسة والزاب وأقاصي المغرب. 

وحاصر المهدية أشد حصار ومنع الداخل والخارج وزحف إليها مرة 
أخرى وكان بينهما حرب شديدة مات فيها وجوه عسكر القائم.» وزحف إليها 
مرة ثالثة فكان بينهما الفناء الأعظم فانتصر فيه عسكرٍ القائم وانهزم أبو يزيد 
وقتل من أصحابه خلق كثير ورجع إلى موضعه مخزيا. 


7*6 


وزحف إليها المرة الرابعة فكان بين الفريقين القتال الشديد. واشتد 
القائم خزائن الطعام المدخرة عنده من عهد أبيه ففرقها في جنده وعبيده. 
وعظم البلاء على الرعية حتى أكلوا الميتة والدواب والكلاب. وفر غالب 
أهل البدو حتى لم يبق مع القائم إلا جنده. والبربر كل من وجدوه في 
الطريق شقوا بطنه لعل يكون فيها ذهب وفعلوا بهم من المنكرات ما لا 
يحل. 

وكتب القائم إلى كتامه واستفزهم وفي أثئناء ذلك تفرقت عساكر أبي 
يزيد لاشتغالهم بالنهب ولم يبق معه إلا اليسير فعلم القائم بذلك فتأهب 
للخروج لأبي يزيد فخرج عسكره والتقى مع أبي يزيدء فتناوشوا الحرب 
ساعة ورجع كل إلى موضعة واتصلت بينهما عدة وقائم والحرب ثارة وتارة. 

ودخلت سنة اربع وثلاثين وثلائماثة وقع فيها اختلاف في عسكر أبي 
يزيد فتفرقت جموعه ولم يبق معه إلا ثلاثون رجلاء فرجع إلى القيروان 
وأسلم ما كان معه. فخرج الناس من المهدية ونهبوا ما خلفه فصلحت 
حالهم ورخصت أسعارهم وأخذوا جمصيع ما خلف من طعام وأمتعة وأخصية 
وفازات وغير ذلك. 


ولما وصل أبو يزيد القيروان نزل بالقصر ولم يخرج إليه من أهل 
اليلد أحد والصبيان يسخرون به ويضحكون منة , وبلغ القائم خبره فبعث 
عمالاً إلى البلاد وأخرجوا عمال أبي يزيد وتسامعت الناس أنه هزم . لم 
تقوى عزمه مرة أخرى وأتته البرابر من كل فج فبعث عسكراً إلى تونس 
فدخلها بالسيف يوم السبت لعشر خلون من صفر سنة ة أربع وثلاثين وثلاثمائة 
وانتهبوها وسبوا النساء والأطفال وقتلوا الرجال وهدموا المساجد. ولجأ كثير 
من الناس إلى البحر فماتوا غرقا ودخل غيرهم قناة قرطاجنة فماتوا جوعا. 


وبعث القائم عسكراً إلى تونس فالتقى بعسكر أبي يزيد عند وادي 
مليان فاقسلوا فانهزم عسكر القائم ولجأ إلى جبل الرصاص وأعادوا القتال 
ثانياً فانهزم أصحاب أبي يزيد ورجم عسكر القائم إلى تونس فنهب وقتل 


لها 


من بها من التكار الخوارج وأخذ لهم نحو ثلاثة آلاف جمل من الطعام» 
وذلك يوم الإثنين لخمس خلون من ربيع الأول من السنة المذكورة ورجع 
إلى المهدية. ولما سمع أبو يزيد بهذا الخبر جمع جيشأً عظيماً وزحف به 
إن تونس فقل سخا اها ين اهلها وأجرق جا في مها وترحة: .داب 
ففعل بها كذلك. 

وكان بإفريقية من السبي والهرج ما لا يوصف. ولما وصل سبي 
تونس إلى القيروان وثبٍ الناس فانتزعوا السبي من أيدي البرابر. وانتدب 
حمعا آخر فاجتمع له عدة أقوام ورحل إلى سوسة وحاصرها في جمادي 
الأخيرة سئة أربع وثلاثين ومعه من البربر سبعة وثمانون الفا. 

وأقام على سوسة إلى أن فوض القائم الأمر إلى ولده المنصور وجعله 
ولي عهده في شهر رمضان سنة أربع وثلانين وثلاثمائة. وفي شوال من 
السنة المذكورة توفي القائم بأمر الله وتولى ولده المنصور الخلافة. 
الخبر عن خلافة المنصور بالله 

أبو الطاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم نزار بن الإمام 
المهدي, بويع بعد وفاة أبيه سئة ة أربع وثلاثين وثلائمائة» ولما توني والدم 
كتم موته وبذل المال للجند وكان شجاعاً قوي الجاش فصيحاً مفوهاً 
يرتجل الخطبة. ولما استوثق له الأمر جد في قتال أبي يزيد وخرج في 
طلبه فأزاله عن مدينة سوسة بعد عدة واقعات وانهزم أبو يزيد إلى القيروان 
فمنعه أهلها من الدخول. وقتلوا من دخل إليهم من أصحابه والتحق به 
المنصور إلى القيروان وكانت بينهما عدة وقائع والحرب سجال. واخره 
انتصر المنصور بالله وهزم أبا يزيد إلى المع وأسره بعد عدة وقائع 
جرت بينهما هتالك ومات أبو بزيد بعد أسره بأربعة ايا آخر المحرم سنة 
ست وثلاثين وثلاثمائة فلما مات سلخ جلده وملأه قطنا وبعث بالبشائ ئر إلى 
جميع عماله وقفل إلى إفريقية» ولما وصل القيروان خرج إليه الناس وهناوه 
بالفتح وأظهر لهم أبا يزيد ووضع على كتفه قرداً. وطيف به في الناس ثم 
حمل إلى المهدية وصلب على السور إلى أن نسفته الرياح . 


يف 


وبنى المنصور مديئة المنصورية بإزاء القيروان تفاؤلاً بهذا النصر 
ورجع إلى المهدية وأقام بها إلى أن مهدها ورجع إلى قصره بالمنصورية 
ولم يظهر وفاة أبيه إلا بعد ظفره بأبي يزيد وهناك تسمى بأمير المؤمنين. 


وفي أيامه أطاع زيري بن مناد وخدم بني عبيد هو وبئوه من بعده. 
وفي سنة ست وثلاثين بعث المنصور إسماعيل بن الحسن بن علي بن 
الحسين عامل على صقلية ودامت ولايته إلى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة 


وبقيت في عقبه . 


وفي سنة أربعين بعث المنصور أسطولاً عظيماً إلى صقلية لأنه سمع 
بملك الروم عازماً على الحركة إليها وتوفي رحمه الله يوم الجمعة آخر 
شوال سنة إحدي وأربعين وثلاثمائة وعمره أربعون سنة وولايته سبع سنين 
وثمانية عشر يوماً وكان أكد بالعهد لولده أبي تميم معد ودفن بصبرة في 
قصره رمه الله تعالى . 

وكانت له مواقف مشهورة مع أبي يزيد وباشر القتال فيها بنفسه. 
وكادت تكون الدائرة عليه مراراً شتى لولا لطف الله به وثبات جأشه وكان 
أبو يزيد قد استولى على جميع بلاد إفريقية حتى لم يبق للقائم أبيه ولا له 
إلا المهدية. ولما مات أبوه وأبويزيد محاصر له أخفى موت أبيه وهو يدبر 
الأمورء ولم يظهر موت أبيه إلا بعد ظفره بأبي يزيد الخبيث. وكانت أيام 
أبي يزيد أزيد من ثلاثين سنة دمر فيها غالب الإقليم الإفريقي. 


والمنصور رحمه الله تعالى أربى عن أبيه وجده في الصبر وقوة 
الجاش والتخلق بالأدب. قال أبو ‏ جعفر الموروردي : خرجت مع المنصور 
وم هم أن يزيد فايزنة ويك غيب ردان مقط عن يبد لبتتجد 
وناولته إياه وتفاءلت له وانشدته. 


فالقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عيناً بالإياب المسافر 
فقال: ‏ ألا قلت ما هو أحسن من هذا وأصدق فألقى موسى عصاه 


>78 


فإذا هى تلقف ما يأفكون ‏ فقلت: أنت ابن بنت رسول الله يقِقِ قلت ما 
عندك من العلم وأنا قلت ما عندي . 

وكان موته من أرق أصابه فعالجه طبيبه إسحاق بن سليمان 
الإسرائيلي ونهاه عن دخول الحمام فلم يقبل منه. ودخل الحمام فييست 
الحرارة الغريزية ولازمه السهر والطبيب ملازم على معالجته والسهر باق 
على حاله فلما اشتد أمره سأل عن طبيب غيره فأتوه به فشكا إليه حاله وقلة 
النوم فعالجه بما ينام به فمات رحمه الله. 
الخبر عن ولاية المعر لدين الله 

أبو تميم معد بن المنصور بالله أبي الطاهر إسماعيل بن القائم بأمر 
الله أبي القاسم محمد بن المهدي عبيد الله مولده بالمهدية سنة تسع 
عشرة وثلاثمائة» وبويع بعهد من أبيه في حياته وجددت له البيعة بعد وفاة 
أبيه في شوال وقيل في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثلائمائة: فدبر 
الأمور وساسها وأجراها على أحسن أحكامها وفي يوم الأحد سابع ذي 
الحجة جلس على سرير ملكه ودخل إليه الخاص والعام وسلموا عليه 
بالخلافة وله من العمر اثنتان وعشرون سنة. 

وكان المعز عالماً فاضلاً جواداً سمحاً شجاعاً جارياً على منهاج أبيه 
من حسن السيرة وإنصاف الرعية. وفي سنة ائنتين وأربعين وثلاثمائة رحل 
المعز إلى المغرب وصعد إلى جبل أوراس وجالت فيه خيوله. وقاتل من به 
من العصاة حتى أطاعوا له وعقد إلى مولاه قيصر بولاية المغرب كله. 
وعلى أشير زيري بن مناد الصنهاجي, وعلى المسيلة وأعمالها جعفر بن 
على بن حمدون المعروف بابن الأندلسي. وعلى باغاية وأعمالها نصير 
الصقلي. وعلى فاس أحمد بن يكرء وعلنى سجلماسه محمد بن واسول» 
وقد عصى فيما بعد وتلقب بالشاكر للهء وعلى قابس بن عطاء الله 
الكتامي » وعلى مدينة سرت باسيل الصقلي ء» وعلى اجدابية ابن كافي 
الكتامي, وعلى برقة وأعمالها أفلح الناسب. وعلى خراج إفريقية صولة 
الكتامي » واستوفت له أمور البلاد كلها وهاداه ملك الروم . 


74 


وفي سنة حمس وأربعين وثلاثمائة ارتفعت رتبة جوهر الكاتب وصار 
في رتبة الوزارة وجعل مظفر الصقلي على أعنة الخيل وتحت يده من 
رقادة إلى أعمال مصر يديرها ويجبي أموالها. 


وفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة في صفر بعث عسكرأ ضخماً وولى 
عليه غلافه جوهر المذكور وكان جوهر رجا حازماً وأمره أن يأخذ من كل 
بلدة عدداً معروفاء فخرج جوهر بأمم لا تحصى فدخحل مدينة أفكان فنهبها 
وأمر بهدمها وسار إلى مدينة فاس وحاصرها فلم يفتحها ورحل إلى 
سلجماسه وأسر صاحبها محمدا وكان قد خطب لنفسه وتسمى بالشاكر 
لله ثم مضى لا يدافعه أحد إلى أن بلغ إلى البحر المحيط وأمر بصيدٍ 
السمك وجعله في قماقم بالماء وأرسله إلى مولاه المعز وكتب إليه كتاباً 
وجعل فيه من ضريع البحر. ورجع إلى فاس فنزل وفتحها وحاصرهاء 
وأخذ صاحبها وقيده وجعله مع صاحب سجلماسة وجعل لهما قفصين من 
خشب وجعل كل واحد في قفص وحملهما على الجمال وققل إلى إفريقية 
بعد ما دوخ المغرب وخطب لمولاه ف في سائر بلاد المغرب ما عدا سبته. 
وكانت غيبته ثلائين شهراً وفضل 9 المنصورية فطيف بصاحب فاس 


واستوت للمعز البلاد ودانت له العباد ولم يبق بلد إلا اجتمعت فيه 
دعوته ودخل تحت طاعته الفواطم الذين في أقصى المغرب وبعث إلى 
صقلية الحسن بن عمار بن علي بن الحسين وتوفي بها سنة ثلاث 


وخمسين وثلالمائة» وبعث المعز إلى ولده أحمد بن الحسين بولاية 


وفي سنة أربع وخمسين خرج المعز لتر على البلاد ومتنزهاً 
وبلغ إلى تونس وقرطاجنة ورأى عجائبهاء ثم ارتحل إلى غيرها وأقام 
ثمانين يوم في غيبته ثم رجع إلى صر قلت: وهي المعبر عنها 
بصبرة في زماننا هذا. 


وفي سنة خمس وخمسين وثلاثماثة أمر بحفر الآبار في طريق مصر 
المذكورة جاءه الخبر بوفاة كافور صاحب مصرء وفيها وجه مولاه جوهر إلى 
المغرب في عسكر عظيم فمهد البلاد وحشد سائر الأجناد وقبائل كتامة 
وجبى ما على البربرء ورجع إلى مولاه سنة ثمان وخمسين وثلاثماثئة وخرج 
المعز بنفسه إلى المهدية وأخرج من قصور أبيه خمسمائة حمل دنانير 
ورجع إلى قصره ولما كان في يوم السبت لأربعم عشرة خلون من ربيع 
الأول سنة ثمان وخمسين وثلائمائة رحل القائد جوهر في عسكر عظيم من 
البربر وكتامة والزويليين والجند بعد ما وسع المعر عليهم بالأرزاق والعطايا 
وأنفق فيهم مالا جزيلا وأعطى من ألف دينار إلى عشرين ديناراً حتى عمهم 
كلهم بالعطاء. 

وسار القائد جوهر في عدد يقصر عنه الوصف ومعه ألف حمل من 
المال. وأما الخيل والعدد والسلاح فلا تحصى . ودخل جوهر إلى مصر يوم 
الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقين من شعبان من السنة المذكورة وصعد المنبر 
لعشر بقين من شعبان ودعا لمولاء المعز. 


وفي النصف من رمضان وصلت النجب بالبشارة إلى المعز وصورة 
الفتح فعمه السرور وصار في كل وقت تصل إليه كتب القائد جوهر يحثه 
على الرحيل إلى مصر وأن الشام والحجاز تحت طاعته وقامت له الدعوة 
في تلك البلاد. 


وفي سنة ستين وثلاثمائة وصل جعفر بن القائد جوهر بهدية من عند 
أبيهء وفيها من أواني الذهب والفضة والعماريات والسروج المحلاة وأحمال 
الأمتعة وصنوف الثياب وطرائف المشرق وذخائر الملوك ما لا يوصفء 
ومعه القواد الذين حكم عليهم جوهر عند تملكه مصر فاقبل عليهم المعز 
وعفا عنهم وجلس لهم في زي عجيب وجعل التاج على رأسه ودخلوا عليه 
فسلم عليهم ولاطفهم وأكرمهم غاية الإكرام . 


41 


وفي شوال سنة إحدى وستين عزم على المسير إلى مصر ورحل من 
المنصورية وأقام بسردانية ولحقه عماله وأهل بيته وجمع ما كان له في 
قصوره. وكان مقامه بسردانية أربعة أشهر وسردانية قريبة من القيروان 
وكانت قصورهم وبساتينهم بها. 


وفي أول صفر رحل منها وأطلق النار في زربها ولما حاذى صبرة 
قال: ‏ سلام عليكم من مودع لا يرد أبداً. وخلف على إفريقية بلكين بن 
زيري الصنهاجي وكتب له بولاية المغرب كله وسيأتي خبره بعد إن شاء الله 
تعالى : وكان بلكين فارقه من عمل قابس. 

ورحل المعز من قابس يوم الأربعاء عاشر ربيع الأول من السنة 
المذكورة ودخل طرابلس يوم الأربعاء الرابع والعشرين من الشهرء ورحل 
عنها يوم السبت لثلاث عشرة بقين من ربيع الثاني, فوصل إلى سرت في 
الرابع من جمادي الأرلى ورحل عنها ونزل بقصره الذي بني له باجدابية . 
ورحل من أجدابية هنزل بقصره المعروف بالمعزية في برقة. وظل في سيره 
منها إلى أن ودسل الإسكئدرية فنزل تحت منارها وأتاه أهلها فسلموا عليه 
ولما دخل عليه قاضي الإسكندرية سلم عليه ولم يسلم على ولي عهده 
فقال له المعز: يا قاضي هل حججت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له: 
هل سلمت على الشيخين؟ قال: لاء فقال له: ولماذا؟ قال: شغلني 
السلام على رسول الله يو كما شغلني السلام على أمير المؤمنين حين لم 
أسلم على ولي عهده. فأعجب المعز منه. وسأله مرة أخرى فقال له هل 
رأيت خليفة قط؟ قال: واحداً يا أمير المؤمنين فقال له: ومن هو؟ قال: 
أنت. والباقون ملوك. فسر بكلامه ودخل الإسكندرية ومشى في منازلها 
ودخل الحمام بها. 

ثم رحل عنها ووصل إلى مصر يوم السبت لليلتين مضتا من شهر 
رمضان. وأقام هناك ثلاثا وأخذ العسكر في التعدية بأثقالهم وأنزل الناس 
في مصر والقاهرة وغالب العسكر في الفازات والمضارب بين مصر 
والقاهرة . 


مم 


والقاهرة هي التي بناها القائد جوهر لأجل العسكر لما ضاقت بهم 
مصر فسميت باسم استاذه المعز فيقال القاهرة المعزية وهي التي فيها 
القلعة والجامع الأزهر ومصر في ذلك الوقت هي مصر العتيقة الآن ويقال 
لها الفسطاط بنيت في زمن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهء وأما 
مصر فرعون فيقال لها منف( والله أعلم . 

ويوم الثلاثاء لخمس خلون من رمضان سنة 0 وستين وثلاثمائة عبر 
المعز النيل ودخل القاهرة ولم يدخل مصرء وتلقاه القائد جوهر عند اللجسر 
الثاني فترجل عند لقائه وقبل الأرض بين يديه ولما دخل القاهرة دخل 
القصر الذي كان معدا لهى فدخل مجلساً وخر ساجداً لله تعالى ثم صلى 
ركعتين وفي العشر الأخيرة من المحرم سنة أربع وستين عزل المعز القائد 
جوهر عن دواوين مصر وجباية أموالها وكان في المعز عدل وانصاف وكان 
ينظر في النجوم . 

والمعز لدين الله هو آخر الخلفاء العبيديين بالمغرب وأول الخلفاء 
منهم بمصر. وأسكن الجند بالقاهرة واقتسموا منازلها وسكنت كل طائفة 
بمكان معروف بهاء فيقال حارة زويلة إلى يومنا هذا ينسب إليها باب زويلة 
من أجل الزويليين سكنوا هناك. وحارة كتامة والبرقية وعدة حارات بها باقية 
إلى اليوم باسمائها. 


وستين وثلاثماثئة وعمره خمس وأربعون سنة وقيل ست وأربعون. وكانت 
خلافته ثلاثا وعشرين سنة وخمسة أشهر وأيام مقامه بمصر -نتان وتسعة 
أشهرء وبقيتها ببلاد المغرب. 

وسبب 'موته أن ملك الروم أرسل إليه رسولاً عدة مرات وتردد إليه 
بإفريقية ومصر فخلا به بعض الأيام وكان اسمه نكولة. فقال له المعز لدين 
الله أتذكر إذا اتيتتي وأنا بالمهدية فقلت لك لتدخحلن علي بمصر وأنا ملك 
عليها قال: نعم. فقال له وأنا أقول لك الآن لتدخلن علي ببغداد وأنا 
)١(‏ منف: والمقصود بها ممفيس. 


مم 


خليفة, فقال الرسول: إن آمنتني نفسي ولم تغضب أقول لك ما عندي» 
فقال له: قل ما عندك وأنت آمن قال: بعثني إليك الملك ذاك العام 
فوصلت إلى صقلية فلقيني غلامك بجيشه فرأيت منه العجب. ثم جئت 
المهدية فما كدت أصل إليك من كثرة أجنادك وخدمك وكثرة أصحابك 
فكدت أموت. ووصلت إلى قصرك فرأيت نورا غطى بصري ثم دخلت 
قلت لي أنك تعرج إلى السماء لتحققت ذلك ثم جئت إليك الآن فما 
رأيت من ذلك شيئا ولما أشرفت على مديئتك هذه كانت في عيني سوداء 
مظلمة ثم دخلت عليك في قصرك فما وجدت عليك مهابة مثل ذلك العام 
فقلت إن ذلك كان مقبلاً وإنه الآن بضد ما كان عليه. فأطرق المعز رأسه 
وخرج الرسول من عنده وأخعذت المعز الحمى لشدة ما وجد وثقل مرضه 
واتصل به حتى مات رحمة الله عليه» وعهد لولده أبي منصور نزار المتلقب 
بالعزيز بالله . 
الخبر عن خلافة العزيز بالله 
الطاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن المهدي عبيدالله.. 
مولده يوم الخميس رابع عشر المحرم سلة ة أربع وأربعين وثلالمائة بالمهدية, ٠‏ 
وولي الأمر بعد وفاة أبيه في ربيع الآخر سنة خمس وستين » وكان شجاعاً 
حسن العهد أديياً فاضلاٌ خطب له بمصر والشام وإفريقية وفتح حمص 
وحماه وحلب والموصل وخطب له باليمن. وكان استناب بالشام يهودياً إسمه 
ميشما واستكتب عيسى بن نسطور النصراني فاعتزر بهما النصارى 
واليهود. 


فكتب أهل مصر قصة وجعلوها في يد تمثال من قراطيس 
وفيها: - بالذي أعر اليهود بميشما والنصارى بعيسى وأذل المسلمين بك 
إلا ما كشفت ظلامتي ‏ فلما رأى الرقعة أمر بأخذها وقرأها فعلم ما أريد 


414 


بذلك فقبض عليهما وأخذ من ابن نسطور ثلاثمائة ألف ديئار ومن اليهود 
شيئا كثيرا. 

وصعد المنبر يوم فرأى ورقة مكتوباً فيها: 
بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة 
إن كان ما تدعيه حقا بين لنا كاتب البطاقة 

لأن العزيز كان يدعي علم الغيب وذلك أنه كانت له عجائز يسرقن 
الأخبار من الدور ويأتينه بهاء فكان يقابل الناس ويقول: ما بال أحدكم قال 
كذا وفعل كذاء فيتوهم السامع ويظن أن ذلك عن سر أعطيه ويزعم هو 
أنه يعلم المغيبات ولا يعلم الغيب إلا الله. 

وكان خليفته بإفريقية خليفة أبيه بلكين ووزيره يعقوب بن كلس كان 
يهودياً وأسلم وكان من عجائب الدهرء وخبره مشهور في غير ما موضع 
ولولا الاختصار لذكرنا جميع أخباره. وكتب العزيز بالله إلى الحكم صاحب 
الأندلس كتابا فيه فأجابه الحاكم قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك هجوناك, 
يعني به أنه دعي في نفسه وقيل أن الحكاية بالعكس والله أعلم بذلك. 
ومات بمدينة بلبيس من أمراض لحقت به كالنقرس والقولئج وله من العمر 
اثنتان وأربعون سنة في ثامن عشر من رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة رحمة الله 


تعالى عليه . 
الخبر عن خلافة الحاكم بآمر الله 


أبو علي منصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله بن المنصور بالله 
ابن القائم بأمر الله بن المهدي عبيد الله مولده ثالث ربيع الأول سنة خمس 
وسبعين وثلاثمالة» وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه سئة ست وثمانين وثلاثمائة 
وعمره عشر سنين وقيل إحدى عشرةء أخذ له البيعة برجوان خادم أبيه 
وكان خصياً أبيض اللون وهو الذي دبر دولة الحاكم بأمر الله وبالغ في 
النصيحة له وقتله الحاكم بعد ذلك وبرجوان له بمصر حارة مشهورة إلى 
يومنا هذا يقال لها حارة برجوان. 


8م 


0 متناقفض الأخلاق يأمر بالشيء ثم ينهي عنهء وأخباره في 
ذلك شهيرة وكان سفاكاً للدماء قتل عدداً كثيراً من أهل دولته ومات في ذي 
القعدة سنة إحدى عشرة وأربعمائة وعمره سبع وثلاثون سنة» وأيام خلافته 
خمس وعشرون سئة. وقيل إن أخته دبرت في قتله لأمور ظهرت منه. 
فأمرت من اغتاله وكان ينفرد بنفسه ويركب حمارة ويطوف في الأسواق 
ويقيم الحسبة بنفسه. فاتفق ركوب الحاكم إلي جبل جلوان. وكان قد 
كمن له فيه من قتله هناك واتوا به إلى أخته سرأ فدفتته وكان بعض شيعته 

من المغاربة يزعمون أنه يعود فكانوا إذا رأوا سحابة فى الجو سجدوا لها 
0 منهم أنه في السحاب. وقيل إنه أراد أن يدعي الألوهية تعالى الله 
عما يقول الظالمون علو كبيراً وأخذت أخته البيعة إلى ولده أبي هاشم 
علي الظاهر لإعزاز دين الله . 
الخبر عن خلافة الظاهر لإعزاز دين الله 

أبو هاشم علي بن الحاكم بأمر الله أبي منصور بن العزيز بالله أبي 
منصور نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد بن المنصور بالله أبي الظاهر 
إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن المهدي عبيد الله 
مولده في رمضان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة؛ بويع له بو عيد النحر سنة 
عشر وأربعمائة وكان جميل السيرة حسن السياسة منصفاً للرعية يحب 
الدعة والراحة. 

وفي أيامه طمع من طمع في أطراف بلاده وتضعضعت دولته ومات 
في منتصف شعبان سلة ست وعشرين وأربعمائة»»وأيام خلافته خمس عشرة 
سنة وتسعة أشهر وأيام سس عمره ثلاث وثلائين سنة» وقام بالأمر بعده ولده 
المستنصر بالله أبو تميم 


الخبر عن خلافة المستنصر بالله 


أبو تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم بأمر الله مولده 
بالقاهرة المعزية سنة عشرين وأربعماثة, بويع بعد وفاة أبيه في شعبان سنة 


كم 


سبع وعشرين وأربعمائة وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من 
أجداده . 

منها الغلاء الذي وقع في أيامه حتى أكل الناس بعضهم بعضاً. 
ومنها أنه خطب له ببغداد سنة ولم تكن لغيره قبل وذلك سئة خمس 
وثلاثين ومنها قيام الطليحي باليمن وخطب له على منابيرها. ومنها أنه لم 
تزل دعوتهم بالمغرب من أول أمرهم إلى أيامه قطعها المعز بن باديس 
الصنهاجي وسيأتي خبره. وخطب له بالكوفة وواسط والموصل. ومنها أنه 
ولي وهو ابن سبع سنين وأقام في الخلافة ستين سنة وهذا شيء لم يبلغه 
أحد من أهل بيته ولا من بني العباس. 

وأقام الغلاء في أيامه سبع سئين حتىقى توجهت أمه وبناته لبغداد من 
شدة الجوعء وبيع الرغيف الواحد بخمسين ديناراء وكان في هذه الشدة 
يركب وحده وحاشيته مترجلون وربما استعار دابة يركبها صاحب المظلة من 
عند كاتب الأشياء ابن هبة الله وقاسى شدائد واستوزر بدر الجمالي 
وحسنت أحواله فيما بعد. وكانت وفاته في ثامن عشر ذي الحجة سئة سبع 
وثمانين وأربعمائة وعمره ثمان وستون سنة وهو أطول العبيديين مدة وأقام 
بالأمر من بعده ولده المستعلي بالله . 
الخبر عن خلافة المستعلي بلله 

أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله بن الظاهر لإعزاز دين الله بن 
الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله بن المعز لدين الله بن المنصور بالله أبي 
الظاهر بن القائم بن المهدي عبيد الله. مولده في المحرم سنة تسع وستين 
وأربعمائة بالقاهرة. ولي الأمر بعد أبيه سئة سبع وثمانين وأربعمائة وله من 
العمر إحدى وعشرين سنة وفي أيامه أخذ الإفرنج انطاكية والمعرة والقدس 
ووهنت دولتهم ولم يكن له مع الأفضل ابن أمير الجيوش حكم. وانقطعت 
دعوتهم من بلاد الشام وتقب عليها الأتراك ومات في صفر سنة مس 


وتسعين وبلغ عمره تسعاً وعشرين سلة» وكانت خملافته ثماني سنين وأياماً 
واستخلف بعده ولده أبو علي . 


/عم 


الخير عن خلافة الآمر بأحكام الله 


أبو على منصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر 
بالله أبي تميم معد بن الطاهر لإعزاز دين الله أبي هاشم علي بن الحاكم 
بأمر الله ابي علي منصور بن العزيز بالله أبي منصور نزار بن المعز لدين 
الله أبي تميم معد بن المنصور بالله أبي الطاهر إسماعيل بن القائم يأمر 
الله أبي القاسم المهدي أبي محمد عبيد الله ومولده م ل ل 
تسعين وأربعمائة» بويع له بالخلافة سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين 
وهو ابن خمس سنين ولم يقدر على الركوب وحده لصغر سنه ودبر دولته 
الأفضل بن أمير الجيوش. 

ولما اشتد الآمر بأحكام الله قتل أمير الجيوش المتقدم ذكرهء 
والأفضل هذا لقبه شاهنشاه واسمه أبو القاسم بن أمير الجيوش بدر الجمالي 
الأرمني » قتل سنة خمس عشرة وخمسمائة. 

والآمر هذا كان قبيح السيرة ظلم النامس وأخذ أموالهم وسفك الدماء 
وارتكب القبائح. وفي أيامه ملك العدو كثيراً من بلاده ومات سنة أربع 
وعشرين ا صفر ولم يكن أعرق منه نسباً في خلافة العبيديين.ٍ 
لانه العاشر في الخلفاء على نسق واحد أبأ عن جدء وتوفي قتيلا أيضاً 
وتولى الخلافة بعده ابن عمه الحافظ لدين الله . 


الخبر عن خلافة الحافظ لدين الله 


ل و ا و ل لل ا الل 
لإعزاز دين الله بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن 
المهدي. مولده سنة سبع وستين وأربعمائة وتولى يوم قتل ابن عمه في 
صفر سنة أربع وعشرين وخمسمائة وغلب على أمره أبو علي أحمد بن 
الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش الجمالي» وبقي الحافظ صورة معه من 
تحت حكمه وحبسه. وآخر الحال دس الحافظ على الوزير فقتله واحد من 
الخاصة فبادر الأجناد إلى الحافظ وأخرجوه من السجن وبايعوه مرة أخرى. 


44 


وكان الحافظ ملازمه مرض ض القولئج فصنع له شيرماه الديلمي طبل طبل القولنج » 
وكان مركياً من المعادن السبعة والكواكب السبعة في اشرافها فإذا ضرب به 
صاحب القولنج خرج منه ريح متابعة فيستريح. وهذا الطبل وجده صلاح 
الدين في خزائنهم عند تملكه الديار المصرية. 

ومات الحافظ في جمادي الأولى سنة أربع وأربعين وخمسمائة. 
فكانت خلافته عشرين سنة وله من العمر بضع وسبعون سنة وتولى بعده 
ولده إسماعيل بوصية من أبيه وتلقب بالظافر بالله . 


الخبر عن خلافة الظافر بالله 

أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله 9 المينبؤة عبد المجيد 
د القائم , 0 إن الميدك عبيد الله لدع منتتصف ربيع 0 سئة سبع 
وعشرين وخمسمائة: بويع بالأمر بعد أبيه وقتل ف نصف المحرم سنة تسع 
واربعين لأشياء أضربنا عنها لأجل الاختصار وهي مشهورة في كتب 
التواريخ » وبويع ولده أبو القاسم عيسى ولقب بالفائز بنصر الله . 
الخبر عن خلافة الفائذ بنصر الله 

أبو القاسم عيسى بن الظافر بالله بن الحافظ لدين الله بن المستنصر بن 
الظلاهر بن الحاكم ب بن العزيز بن المعز بن المتعيور بن القائم ب بن المهدي 
عبيد الله بويع باللخلافة يوم قتل والده ف في المحرم سنة تسع وأربعين 
وخمسمائة وله من العمر خمس سنين ولما أراد الوزير مبايعته أدخل الجند 
وقال هذا ابن مولاكم فبايعوه . 

وكان الرزير هو الذي قتل أباه فلما رآه الأجناد ضجوا بالبكاء في 
وجه الفائز وكان على كتف الوزيرء ففزع الطفل من ذلك وصار يعتريه 
وهو ابن عشر سئين» فكانت خلافته خمس سنين رحمة الله تعالى عليه. 


44 


الخبر عن خلافة العاضد لدين الله 

أبو محمد عبد الله العاضد بن يوسف بن الحافظ لدين الله بن 
المستنصر بالله بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن 
القائم بن المهدي عبيد الله مولده سنة ست وأربعين وخمسماثة» بويع بعد 
وفاة الفائر بنصر الله في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة؛. واستولى 
على وزارتة الملك الصالح طلايع بن رزيك فكان العاضد كالمحجور 
عليه. وكان رافضياً خبيثا . 


وفي أيامه دخل شاور بالغز من الشام وقتل طلايع ومات قتيلا في 
أثناء ذلك شاور على يد أسد الدين شيركوه أرسله نور الدين إلى مصر 
وبعده. تولى الوزارة ابن أخيه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب 
ابن شادي » وتمكن من المملكة وبقي معه العاضد صورة إلى أن خلعة. 


وخطب في حياته لبني العباسء والخليفة العباسي في ذلك الوقت 
الإمام المستضيء ء بأمر الله في بغداد وذلك في حياة العاضد. وكان مريضاً 
فلم يعلم بشيء من ذلك» ومات يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمسمائة. 
وانقرضت دولتهم من سائر البلاد فسبحان من لا يفنى ملكه. 

قال ابن خلكان: سمعت من أهل الديار المصرية أن العبيديين في 
أول أمرهم قالوا لبعض الكتاب اكتب لنا ألقاباً تصلح للخلفاء حتى إذا ما 
تولى أحد خليفة لقب شيم منهاء فكتب لهم ورقة فيها عدة ألقاب آخرهم 
العاضد فكان هذا العاضد آخر خلفائهم. وكانت أيامهم مائتي سنة وستين 
سنة. منها في مصر مائتا سنة وثمان سنين. وائنتان وخمسون سنة ة بالمغرب» 
وعدد خلفائهم أربعة عشر خليفة أولهم المهدي وآخرهم العاضد. 

وما أطلنا الكلام عليهم إلا لارتباط أخبارهم وإتمام الفائدة» وإنما 
غرضنا أن نذكر من ملك إفريقية لا غير. ولما كان أول ملكهم بإفريقية 
وكان ظهورهم بالخلافة منها ورحلوا عنها للديار المصريةء جذبتنا مسافة 


4 


الأخبار عنهم إلى نهاية أيامهم. ولولا خيفة التطويل لأتينا من أخبارهم بما 
فيه الغرض وأخبارهم مطولة في غير هذا. 


ومنهم من صحح نسبهم وأثبته. ومنهم من قدح فيه ورفضهم ولا 
الذي بعد هذا في محله إن شاء الله تعالى . ْ 


علد 


5 





(فيب فس 


في الأمراء الصنهاجية 


هذا الباب نذكر فيه ملوك صنهاجة؛ وإن كانوا في الحقيقة عمالاً 
لبنئي عبيدء فإنهم بلغوا درجة الملوك وكانت لهم ضخامة وصيت وغالب 
أهل تونس لا يتحققون ولايتهم. وأنا أستغفر الله أقول: إن أيامهم ودولتهم 
أقوى من دولة بني حفص إلا إن بني حفص خطب لهم بأمراء المؤمنين 
ولم يخطب لصنهاجة بهذا الاسم وزادت أيامهم على مايتي سنة 
واستقلوا بالأمر في إفريقية حين سار المعز لدين الله إلى مصر فاستعمل 
على عمله أبا الفتوح يوسف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي . 


وصنهاجة قبيلة من البربرء وقيل صنهاجة فخذ من ولد عبد شمس 
ابن وائل بن حمير وأن الملك إفريقيش بن واثل بن حمير. وقيل إفريفش بن 
أبرهة بن ذي القرنين لما ملك حميراوغزا المغرب وبنى مدينة إفريقية خحلف 
فيها من قبائل حمير وزعمائها صنهاجة. وقدمهم على البربر ليدبروا أمرهم 
ويأخذوا خراجهم وقيل صنهاجة أبو صنهاجة بن حصين بن سب لصلبه, 
وقيل هم فخذ من هوارة»: وهوارة فخذ من حمير وصنهاجة تنقسم على 


بذ 


سبعين قبيلة. منهم لمتونة الذين ملكوا بلاد المغرب وسيأتي من أخبارهم 
شيء إن شاء الله تعالى. وفي هذا القدر كفاية. 


وأول اتصال زيري بالمنصور لما دخل المغرب في طلب أبي يزيد 
الخارجي » ودخل بلاد صنهاجة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.» هناك وافاه 
زيري بعساكره وأهل بيته ودخل في طاعته فخلع عليه ووصله بصلة ونصب 
له فازة وقلده سيفاً وعقد له على أهل بيته ومن ن اتصل به من أهل صنهاجة 
والبربر وعظم شأنى وحضر مع المعز لدين الله عند دخوله المغرب سئة 
اثنتين وأربعين وثلاثمائة, واستعمله على أشير وما والاها وكان حازماً شجاعاً 
شديد الباس, وحضر مع جوهر لما دخل المغرب في سنة ست وأربعين 
0 على فاس» وجوهر محاصر لهاء فكان زيري سبباً لفتحهاء فزادت 

تبته في الدولة وزاده جوهر ولاية تيهرت فضمها إلى عمله واتسعت ولايته» 
0 بينه وبين جعفر بن علي المنعوت بالأندلسي وكان عامل على المسسلة 
ضغائن في النفوس بسبب الولايات. 


وجعفر هذا أبوه الذي بنى المسيلة وانضاف إلى جعفر عمل الزاب 
من بلاد المغرب. وكان طائعاً للدولة العبيدية ويخطب لهم في بلاده وكان 
يعد من الملوك. 


ولما عزم المعز لدين الله على التوجه إلى الديار المصرية» شاع 
بين الناس. ان المع يريد أ يمتخلف يوسف بن زيري: .على جميع:.بلاد 
إفريقية» فعظم ذلك على جعفر بن الأندلسي, واتفق أن المعز أرسل إلى 
جعفر يأمره بالقدوم إليه» وكرر ذلك مراراً فاظهر جعفر أنه قاصد له فخرج 
من المسيلة وفر إلى زناتة فقبلوه وملكوه ه على أنفسهم . ٠»‏ فخلع طاعة المعز. 
فلما بلغ الخبر إلى زيري بادر بالخروج إلى جعفر في عدد من صنهاجة 
فالتقى معه. وكانت وقعة عظيمة فكبا بزيري فرسه فقتل ومات قدامه خلق 
عظيم. وبعث جعفر بن علي أخاه يحيى إلى الأندلس والخليفة بها 
الحاكم الأموي يبشره بقتل زيري . 


54 


ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بدم أبيه أضمرت 
الغدر لجعفر وعزموا على إمساكه فلما أحس بذلك فر إلى الأندلس بأهله 
وأولاده. فقبله الحاكم وأجرى عليه الوظائف السنية وبقي عنده في أعلى 
مكان مدة ثم نقم عليه الحاكم ونكبه ثم أفرج عليه بعد ذلك وعاد إلى 
رتبته» ولم يزل هنالك إلى أيام الوزير أبي عامر فقتله سنة سبع وستين 
وثلاثمائة وبعث برأسه إلى بلكين. وكان زيري المذكور حسن السياسة 
والتدبير في الرعية والتشديد على البرابر ما رأى الناس مثل أيامه في 
المغرب» وأقام على حسن السيرة سنأ وعشرين سنة. 


ولما مات كما ذكرنا وبلغ الخبر إلى ولده بلكين وهو بأشير وكان هو 
المقدم عند معدى. يعظمه على جميع أخوته» جمع جمع أهل بيته وعبيده واختار 
من جنده من أحب ب وخرج طالباً لثار أبيه. فأدرك زناتة وكانت له فيهم 
فتكات فقتلهم قت ذريعا وسبى نساءهم وأطفالهم وأجلاهم من البلاد. 
فبلغ الخبر إلى معد فسره ما فعل وأرسل إليه يأمره برد السبى والقدوم 
عليه فقدم على المعز بعد ما اسدتخلف على عمله من بي م يثق به ومهد قواعد 
بلاده ونفذت كتيبه إلى عماله من يوسف بن زيري خليفة السلطان. ولم 
يترك في المغرب عند أحد من البرابرة فرساً ولا جملاء ولم يترك إلا من 
يحرث ويحخصدء وقدم إلى المنصورية وقد شاع بين الناس أنه المستخلف 
في إفريقية فهادته على قدر مراتبهم وكثر أموالهم وزادت مكانته. 
ولما وصل إلى المعز جلس له في الإيوان وأدخل عليه فقبله أحسن 
قبول وتحدث معه وشكر أفعاله وقلده سيفه وخلع عليه خلعة من لباسه وقاد 
بين يديه أربعين فرساً بسروج الذهب المثقلة وأربعين تختاً بالثياب الفاخرة 


وخلع على جميع أصحابه وأكرمهم غاية الإكرام . 


ومن هنا نذكر توليته وبليه من بعده. وما قدمنا هذه النبذة إلا توطئة 
لخبرهم وليعلم الناظر في هذه الأوراق مبتدأ أمرهم إلى أن يأتى على 
آخرهم , إن شاء الله تعالى لا رب غيره ولا خير إلا خيره. 


لك 


الخبر عن ولاية الأمبر بلكين 


هو يوسف بن زيري الصنهاجي أبو الفتوح بلكين» فوض له الأمر 
بإفريقية والمغرب كافة. ما عدا طرابلس وصقلية لم يدخلا في علمهء 
وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة سنة إحدى وستين وثلاثماثة 

عند رحيل المعز لدين الله إلى المشرق. وكتب له سجلاً وأمر الناس 
بالسمع له والطاعة وسار معه إلى قابس وكل يوم يوصيه ويؤكد عليه ولما 
أراد وداعه قال له: ويا يوسف إن نسيت ما أوصتيك به فلا تنس ثلاثاً: لا 
ترفع الجبايا عن البادية ولا ترفع السيف عن البرابرة ولا تول أحداً من أهل 
بيتك فإنهم يرون أنهم أحق بهذا الآمر منك. وأوصيك خيراً بأهل 
الحاضرة». وودعه وانصرف راجعاً إلى المنصورية. فدخلها يوم الخميس 
لإحدى عشرة خلت من ربيع الأول سنة اثنتين وستين وثلاثمائة» فنزل 
بقصر السلطان بصبرة وخرج إليه أهل القيروان فهناوه وأظهروا السرور 
بقدومه » وأقام هنالك شهرين وبعث العمال والولاة إلى جميع البلاد, 
ونفذت أوامره في إفريقية والمغرب. 


ولما مهد الأمور بإفريقية رحل إلى المغرب في شعبان سنة ثلاث 
وستين وثلاثمائة. وفيها عصى أهل تيهرت فنزل عليها وظفر بأهلهاء فسبى 
الذرية ونهب الأموال» وبلغه الخبر عن زئاتة أنهم نزلوا على مسا 
وملكوها فرحل إليهم ففروا أمامه وفتح تلمسان. وبعث إليه المعز كتاباً 
يأمره ألا يتباعد عن إفريقية ولا يتوغل في الدخول إلى المغرب. 

وفي أيام إمارته قام بالمغرب زيري بن عطية الزناتي: فملك فاس 
وسجلماسة وما جاورهما وخطب فيهما لبني أمية» فسار إليهما بلكين 
بعساكر ضخمة ففتحها وطرد عمال بني أمية. 


ونازل مديئة سبتة وحاصرها أيامأ ثم رحل عنها وأتى إلى البصرة 
فنهبها. قلت: البصرة التي بالمغرب هي التي يقال لها أصيلة في زمائنا 


هذا. 


45 


وبعث هدية إلى مصر سنة خمس وستين وثلاثمائة فبلغه خبر موت 
المعز وولاية ولده العزيزء فرد الهدية من طرابلس واستانف هدية أخرى 
وسيرها باسم العزيز. فكانت أول هدية قدمت عليه. فكتب العزيز تجديداً 
بولايته على المغرب وبعث له سجلاً ودراهم من السكة التي ضربت باسمه 
لي باسم العزيز بالله صاحب مصر. 


وبعث بلكين إلى العزيز بالله يطلب منه ‏ سرت - وإجدابية - 
وطرابلس ‏ وأن يضيفها إلى عمله فأنعم عليه بهاء. وبعث بلكين إليه 
عماله. وغََا بني غواطه فكانت بينهما حروب انتصر بلكين فيها وسبى 
منهم سباياء لم يدخل لإفريقية أعظم منهاء. وتوغل في المغرب حتى لم 
يبق له به منازع. وهربت زناتة أمامه حتى دخلوا الرمال في الصحراء 
وخالفته أهل سبتة فدافعه منصور بن أبي عامر عنها بأن بعث إليه برأس 
جعفر بن الأندلسي الذي قتل أباه زيري وتقدم ذكره. وكانت مكاتيب معد 
الذي هو المعز بالله تصل إليه من مصر إلى مدينة فاس. 

وفي سنة سبعين وثلاثمائة بعث ولده المنصور إلى القيروان لتجهيز 
مدية إلى مصرء فوصل إلى رقادة وأقام بها مدة وبعث بالهدية. وكانت أول 
هدية خرجت على يده وأول وصوله إلى القيروان لأنه لم يكن دخلها قبل 
ذلك لأن ولادته كانت في أشير وإقامته بها. ولم يدخل إلى إفريقية إلا في 
هذه السنة. ورجع إلى المغرب. 


وفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثماثة» خرج ابن حزون وضرب على 
سجلماسة فنهبهاء فوصل الخبر إلى بلكين. فرحل إليه بلكين فأصابه في 
طريقه قولنج فمات في مكان يقال له واركلان» لسبع بقين من ذي الحجة 
بعد ما أسند وصيته إلى ولده المتصور رحمه الله , 
الخبر عن ولاية المنصور بن بلكين بن زبري 
وأطاعه الخاص والعام وخرجت الأوامر عن أصره» وبعث إلى العمال 


4 


ونفذت كلمته. وكان رجلا عاقلا عفيفاً عن الدماءء يحب الرفق بالأمور. 
فجبلت الناس على محبته. ومهد الأمور بتدبيره» وجلب القلوب بإعطائه 
وتبذيره» ووفدت إليه العمال بالهدايا فقبلهم أحسن قبول وعمهم بالعطاياء 
وخرج من القيروان القضاة والأمناء ووجوه الناس قدر مائتي رجل لتهنئته 
بالملك وتعزيته في أبيهء فوصلوا إليه بأشير فوجدوه خارج البلد بعلى 
جبلهاء فسلموا عليه وقبلوا يده ودعوا له ففرح بهم وأنزلهم منزلا هنا 


وفي ثاني يوم من وصولهم,؛ جلس لهم مجلساً عظيماً ودخلوا عليه 
وهو في زي عجيب من ضخامة الملك. وأوقف حوله الصقالية والأجناد 
وأظهر لهم من أبهة الولاية ما أبهر عقولهم وقال لهم: ‏ يعز علي حركتكم 
في هذا الزمان. إلا أن سروري برؤيتكم أحب إلي من الدنيا وما فيها-. 
وأمر لهم بعشرة الاف دينار ففرقت فيهم. وفي خامس يوم من وصولهم أمر 
بهم فدخلوا عليه فلاطفهم ومما قال لهم: ‏ إن أبي وجدي كانا يأخذان 
الناس بالقهر وأنا لا آخذ أحداً إلا بالإحسان ولا أشكر على هذا الملك إلا 
الله سبحانه وتعالى ‏ . ثم أمر لهم بالانصر اف إلى بلادهم وأولى عبد الله 
الكاتب جميع ا والنظر في جميع أمورها على ما كان عليه في أيام 
أيه . 

وفي سنة أربع وسبعين وصل المنصور إلى رقادة. فتلقاه أهل 
القيروان بأجمعهم فسر بهم ووعدهم وعدا جميل. واتته العمال من كل بلد 
بالهداياء وأهدى إليه عامله على القيروان ما لا يدخل تحت حصر. وأمر 
بتجهيز هدية بعث بها إلى نزار من قبله بعد وفاة أبيه بلكين وكانت قيمتها 
ألف ألف دينار. وصام رمضان برقادة وأمر ببناء مصلى للعيد فيهاء وخرج 
يوم العيد للصلاة في زي عجيب بسرج مكلل بالدر والياقوت, 

وفي آخر ذي الحجة رجع إلى المغرب وصحبته عبد الله الكاتب 
خليفته على القيروان وخلف ولده يوسف بن عبد الله المذكور, وسلم إليه 
أعمال إفريقية قاطبة . 


وفي هذه السنة يعني سلة أربع وسبعين وثلاثمائة ازداد للمنصور ولده 


54 


باديس وكنيته أبو مناد لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول من السنة 
المذكورة وفيها بعث عسكراً مع أخيه يطوفت إلى فاس وسجلماسة لتغلب 
زيري بن عطية الزناتي عليهماء فالتقى العسكران فكانت بينهما مقتلة 
عظيمة وانهزم عسكر المنصور وبلغ أخوه منهزماً إلى أشير: فلم يتعرض 
المنصور بعد ذلك إلى بلد زناته . 

وفي سنة ست وسبعين بئى قصراً له بصبرة فبلغ الإنفاق عليه ثمانمائة 
ألف دينار. وغرس حوله الأشجار من كل ناحية . 

وفي هذه السنة قتل عبد الله الكاتب وولده يوسف وأعطى أعمال 
إفريقية لمولاه يوسف بن أبي محمد. وفيها دخلت عمال المنصور إلى بلد 
كتامة وجبوا منها الأموال ولم تكن قبل ذلك تدخل إليهاء وفيها بعث نزار 
الخليفة بمصر هدية إلى المنصورء وفيها خالف عليه عمه أبو البهار ببلد 
تيهرت فزحف إليه المنصور يعسكره ففر أمامه إلى المغرب فدخل المنصور 
تيهرت فنهبها وطلب أهلها الأمان فأمنهم ورجع إلى أشير. وفي هله السنة 
مات عامل صقلية عبد الله بن محمد بن أبي الحسين. وأوصى ولده 
يوسف من بعده» وأتاه سجل من نزار خليفة مصر بالولاية فصلحت أحوال 
صقلية في أيامه يعني أيام يوسف بن عبد الله. 


وفي سنة إحدى وثمانين وثلائمائة وصل المنصور بن بلكين إلى 
قصره الذي بئاه في صبرة وعيد فيه عيد الأضحى . وخرج للناس يوم العيد 
في زي عجيب من المركوب والملبوس» ورفع عن أهل البادية بقية خراج » 
وكوت مالا عظيماً وعد ذلك من متاقبه. 


وفي شهر ربيع الأول ختن ولده باديس وأهدت له العمال على قدر 
مراتبهم. وأتته هدية من عند ابن الخطاب عامله على زويلة فيها زرافة 
وطرف من أثاث السودان وشيء مستكثر. وقدم إليه عامل طرابلس بهدية 
جليلة فيها مائة حمل من المال سوى الخيل ولطائف المشرق. وفي هذه 
السئة وصل إليه سجل من المشرق بولاية ولده باديس من بعده فسر بذلك» 


15 


وفيها عزل عامله عن الأربض وسير إليها مولاه قيصر فوجد في المخازن 
التي للوالي المعزول ستمائة ألف قفيز من الطعام . 


وفي ذي القعدة خرج متنزهاً إلى سردانية وخرج إليه الشيوخ من أهل 
القيروان وسألوه أن يعيد عندهم فأجابهم إلى ذلك. وفي سنة ثلاث وثمانين 
خرج ولده ولي عهده باديس إلى مدينة أشير ومعه جدته يعلان. 


وفي سنة أربع وثمانين رجع من المغرب إلى المنصورية وكانت أول 
سفرة سافرهاء فخرج إلبه أبوه وهل الدولة وجميع أهل القيروان فسلموا 
عليه وكان يوماً مشهوداً. وأتته من مصر هدية سنية ومعها الفيل فركب 
المنصور يعسكره وتلقاها. ولما كان يوم العيد خرج باديس لصلاة العيد 
والفيل أمامه وركب في موكب عظيم ولم يخرج معه أبوه ذلك اليوم. وأقاما 
بإفريقية ولم يرجعا إلى المغرب. 


وفي سنة ست وثمانين وثلاثماثة توفي المنصور يوم الخميس لغلاث 
خلت من ربيع الأول ودفن في قصره الكبير الخارج عن أصيرة؛ وكانت 
إمارته نحو ثلاث عشرة سنة» وكان رحمه الله كريما جواداً صارماً حازماً 
عاقلا عادلا بين الرعية وأيامه طيبة . 


وفي هذه السئة في شهر رمضان كانت وفقاة نزار خليفة مصرء وتولى 
بعده ولده الحاكم بأمر الله بعد وفاة المنصور بستة أشهر. 


باديس بن المنصور 

ومن الملوك الصنهاجيين باديس بن المنصور بن يوسف بلكين بن 
زيري بن مناد الصنهاجي وكنيته أبو منادء تولى ملك إفريقية بعد وفاة أبيه 
المنصور في ربيع الأول سنة ست وثمانين وثلاثمائة؛ ورحل إلى قصره 
بسردانية في رجاله وعبيده وأنته الوفود بالتعزية في أبيه وتهنثته بالملك. 
واستقامت له الأمور., واحتفل بتجهيز هدية يرسلها إلى خليفة مصر فجاءه 
الخبر بوفاته في شهر رمضان كما ذكرء فبقيت بحالها في رقادة إلى أن 
سيرها باسم الحاكم . 


وفي سنة سبع وثمانين وثلائمائة عقد لعمه حماد بن بلكين على أشير 
والمغرب وجعله عاملاً على تلك البلاد. وفي هذه السئة جاء تسجيل من 
الحاكم بأمر الله إلى باديس ولقبه بنصير الدولة يخيره بوفاة نزار والده 
ويعزيه في والده المنصور. وبعث من أخذ البيعة عن باديس وأهل بيته من 
بني مناد. 

وقلد باديس أمور إفريقية لمحمد بن أبي العربي, ونخرج إلى المهدية 
متنزهأء فقصد سوسة فأقام بها أياماً ولما وصل المهدية لعبت المراكب بين 
يديه ورمى النفاطون بالنفطء وأقام بها أياماً ورجع إلى صبرة. 


وفي يوم العيد سنة سبع وثمانين وثلائماثة خرج في زي لم ير مثله 
لمن تقدمه من آبائه وبين يديه الفيل وزرافتان وجمل أبيض ساطع البياض. 
وأرسل له الحاكم خليفة مصر هدية تشتمل على جوهر نفيس وأثاث 
وطرف من بلاد المشرق توله العقل. فتلقاها باديس ودخلت بين يديه 
لصبرة. وجاءه الخبر أن زيري ب ع عطية الزناتي خرج بالمغرب وقصده إلى 
بلد أشيرء فجهز إليه جيشاً عظيماً وأرسله مع محمد بن أبي العربي عامله 
على إفريقية فالتقى بزيري بن عطية قريباً من تيهرت فكانت بينهما حروب 
انهزم فيها عسكر باديس واحتوى زيري بن عطية على جميع الآثاث 
والأثقال والمال والسلاح. فلما بلغ باديس خبر الهزيمة خرج بنفسه إلى 
قتال زيري بن عطيةء فخرج من رقادة بعساكره وشيعه مشايخ البلد واافقهاء 
وأهل القيروان» وجدّ في سيره إلى أشير وكان زيري محاصر؛ لواءفلما 
بلغه خبر ياديس رحل عنها وظل باديس في طلبه إلى أن أدخله المغرب وكر 
راجعاً إلى أشير. وفي هذه السفرة خالف عليه أعمامه وكانت بينهم وبيله 
حروب انتصر فيها باديس بعد ما كان بينهم الفناء. مات فيها سبعة اللاف 
من زناتة الذين كانوا مع أعمامه ورجع إلى القيروانمنصوراً وبعث برؤوس 
القتلى فطيف بها في المنصورية والقيروان. 

وقام في أيامه فلفل الزناتي» وعاث في جميع أعمال باديس وكانت 
اه مع فلفل وقعات عديدة. وخرج عنه بعض الثوار بطرابلس فخرج بنفسه 


ميل 


إليه» واستنفدذ طرايلس وولى عليها من قبله. وكانت أيامه كثيرة الحروب 
والثوار عليه من أعمامه ومن الزناتيين وكان منصوراً عليهم في أيامه . 

وفي سنة ثلاث وأربعمائة جاءته هدية من الحاكم صاحب مصر 
وسجللات له ولولده المعز. فخرج باديس إلى لقائها وخرج ولده ' المعز ولم 
يكن خرج قبل ذلك ومعه القضاة وأكابر الدولة وترجل لها وقرئت على 
الناس» وفيها إضافة برقة ة إلى ما بيده من الأعمال فأرسل عامله إلى برقة. 


ولم تزل أيام باديس في مكافحة الأعداء ورحل إلى المغرب عدة 
مرات وكان مقداماً جواداً يعطي العطاء الضخم وكان محسناً لأصحابه ويعفو 
عن إساء اتهم . . وخترج إلى المغرب لقتال زناتة فأدركه أجله على مدينة 
المحمدية آخر ليلة من ذي القعدة سنة ست وأربعمائة, فكتم أكابر دولته 
موته وتشاوروا بينهم» فاتفق رأيهم على تولية ولده المعز وكان صغيراً إذ 
ذاك لم يبلغ عشر سنين» فجعلوا باديساً في تابوت ورجعوا به إلى إفريقية 
بعد ما حلفت الأجناد لولده المعز وانقادت له أجناده بعد موته أحسن 
انقياد» وأوصلوه في تابوته إلى المهدية. وكان ولده المعز بها خرجت به 
جدته للنزاهة وجعلتها را لأموالها لما كانت ترى من الفتن في دولة 
ولدها باديس فاستوطنت المهدية. 

وكانت ولاية بني زيري في مدينة أشير وانتقل المنصور بن بلكين 
إلى صبرة ثم ولده باديس كانت غالب أوقاته بصبرة إلا إن أيامه كانت 


أكثرها حروباً. وأول من بويع من بني مناد بمديئة المهدية المعز كما 
سنذكره إن شاء الله تعالى . 


المعز بن باديس 


ومن ملوك صنهاجة المعز بن باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري 
ابن مناد الصنهاجي ٠‏ بويع الإمارة يوم وفاة أبيه أخذت له البيعة على الأجناد 
بمديئة المحمدية لغلاث خلت. من ذي الحجة سئة ست وأريعمائة وعمره إذ 


ولما وصل الخبر بموت باديس خرج عامل القيروان ومعه الفقهاء 
والشيوخ من أهل البلد وأكابر صنهاجة فوصلوا إلى المهدية وعزوا المعز في 
والده وهتأوه بالملك وكانت جدته تباشر الأمور وتصرف الاحوال من رأيها 
فاحسنت لاهل القيروان وأمرتهم. بالرجوع إلى بلادهم. وركب المعز 
بالطبول ونشرت البنود على رأسه وقبل الوفود بأحسن قبول وظهرت عليه 
مخائل الملك وفرح الناس بما رأوا منه من العقل والنجابة وشمائل الكرم 
مع صغر السن. وقابل كل إنسان بما يليق به. 


وفي أول المحرم وصل العسكر الذين كانوا مع أبيه وأتوا به محمولاً 
في تابوت فدفن وجددت له البيعة مع الأجناد. وركب المعز للقائهم 
وعرضت عليه أكابر الدولة وتعرف أحوالهم وأحسن إليهم ورحل من المهدية 
إلى مديئة صبرة فحل بها ونزل بقصره وفرح الناس بقدومه. ولما استقر 
بصبرة خرجت طائفة من القيروان وقتلوا جماعة من الشيعة لأنهم كانوا 
يتجاهرون بمذهبهم الخبيث؛ فقتلت نساؤهم وأولادهم وكانت فتنة بالقيروان 
من أجل النهب والقتل» ولجأت طائفة منهم بالجامع في المهدية فقتلوا فيه. 
وكان لا يرى بالقيروان أحد منهم في الطريق إلا ضرب ضربا عنيفا وربما 
قتل وأحرق. واجتممع منهم قدر ألف وخمسمائة رجل تحت قصر 
المنصورية واستعانوا بالمعز فأمر بالكف عنهم. 

والمعز هذا هو الذي طهر الله تعالى على يديه إفريقية من مذهب 
الشيعة وإن كان من عمالهم. إلا إنه كان يتمذهب بمذهبهم. وحمل الناس 
في أيامه على مذهب الإمام مالك يي الله تعالى عنه وقطع ما عداه. 
وكانت بإفريقية مذاهب الصفرية والشيعة والإباضية والنكارية والمعتزلة, 
ومن مذاهب أهل السنة الحنفية والمالكية فلم يبق في أيامه إلا مذهب 
الإمام مالك . 

والمعز هذا لما اشتدت سلطته خرج عن طاعة بني عبيد وخطب لبني 
العباس كما سيأتي . وخرج عن طاعته عمه حماد بالمغرب وحاصر أشير 
فزحف إليه المعز بعساكر لا تحصى . وكانت بينهما وقعات وحروب انتصر 


1 


بها المعز على عمه. وآخر الحال رجع إلى الطاعة وبعث ولده بكتاب 

يسأن فيه" العفو عما منبق منه فعا ينه وأجرى المعز على ابن عمه حماد 
في إقامته كل يوم ثلاثة آلاف درهم وخمسة وعشرين قفيزاً شعيراً لدوايه 
ودواب أصحابه. وخلم على أصحابه مائة خلعة وأعطاه ثلاثين فرساً بسروج 
الذهب ومن الثياب المثقلات ما لا يدخل تحت حصرء وأنفذه إلى حضرة 
أبيه وفرق عماله في جميع بلاد المغرب. وبعث إليه الحاكم خليفة مصر 
تجديدا بولايته ولقبه بشرف الدولة. 

وفي سنئة ثمان وأربعمائة بعث إليه مولاة صندل. وكان عامل على 
باغايه, هدية فيها ثلاثمائة وخمسة وثلاثون برذوياً بالسروج المحلاة. وعبيداً 
وشيئاً مستكثراً . وأهدى له الحاكم صاحب مصر سيفا أ مكلل بالدر ليس له 
قيمة وكتب إليه د رين لم يكنب عله لأحداع الجداده نت 

وتوفيت جدته سنة إحدى عشرة وأربعماثة. فكفنها بما قيمته مائة 
ألف ديار وعمل ليا تابوتاً من العود الهندي مرصعاً بالجوهر وصفائح 
الذهب وسمر التابوت بمسامير الذهب وزنها ألف مثقال وأدرجت في مائة 
وعشرين ثوباً وذر عليها من المسك والكافور ما لا حد له وقلد التابوت 
إحدى وعشرين سبحة من نفيس الجوهر. وقومت التجار قيمة ما صرف 
عليها فبلغ ما ذكرناه. وحملت إلى المهدية فدفنت بهاء وأمر المعز 
بخمسين ناقة ومائة رأس من البقر وألف شاة فنحرت وانتهبها الناس. وفرق 
في مأتمها على النساء ممشرة الاف دينار. وصنم وليمة لعرسه سنة ثلاث 
عشرة وأربعماثة لم يكن مثلها لأحد في بلاد المغرب. ولما بدأ بالحركه 
للعرس نصبت القباب خارج المدينة ونشر ماهبا من الأثاث والثياب. 
وحمل المهر على عشرة بغال كل بغل عليه عشرة آلاف دينار» وحضر من 
آلات الملاهي ما لا يوصف. وقوم حذاق التجار ما حمل للعروسة فكان 
أزيد من ألف الف دينار. وبنيت له مصانع وقصور لم ير مثلها وصنع إيوانه 
الأعظم وبنى الخورئق تشبيهاً بخورنق النعمان بن المنذر بالعراق. وأيام 
ملكه أربت في الحسن على أيام بني مناد. 

وفي أيامه اشتدت شوكة زناتة من ناحية طرابلس وكانت له معهم 


لا 


حروب وله فيهم فتكات. قلت: والزناتيون هم الذين يثني عليهم عدد من 
العمال ويذكرون كثيراً من جملة أخبارهم عند ما يذكرون سيرة بني هلال 
وما جرى لهم مع خليفة الزناتي . ولأهل طرابلس اهتمام بسيرتهم حتى لا 
00 وكذلك عند عوام أهل مصر لها صيت 
لاستماعها. والمعز كان أكرم أهل بيته بالمال وكان دينا يجتنب سفك الدماء 
إلا في حق وكان رقيق القلب حديد الذهن عارفاً بعدد صنائع من الالحان 
والتوقيعات وعلم الأحجارء وله شعر جيد وهداه ملك الروم بهدية جليلة 
وفتح جزيرة جربة . 


وفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة أظهر الدعوة لبني العباس» وورد 
عليه عهد من الإمام القائم بأمر الله العباسي. وفي سنة أربعين وأربعمائة 
قطع خطبة بني عبيد وقطع بنودهم وأحرقها بالنار. وفي أيام المعز خرج 
غالب البلاد عن طاعته وكثر عليه المخالفون وخالفت سوسة وقفصة 
وباجة وخرج جل البلاد الغربية وفي أيامه كان ظهور لمتونة ببلاد المغرب 
واستولوا على جميعها وسياتي بعضى خخبرهم إن شاء الله تعالى . 


وفي أيامه جاءت العرب من المشرق وسكنوا بإفريقية وسبب دخول 
العرب إلى إفريقية أن المعز بن باديس لما قطع خطبة صاحب مصر وهو 
المستنصر بالله كان يسب بني عبيد سرا إلى أن صرح به على المتابر» 
وكان يكاتب وزير المستنصر ويستميله ويعرض له بالتحريف عليهم وإنما 
يكتب له تلويحا لا تصريحاء وكتب إليه قطعة بخط يده وتمثل فيها ببيت 
من الشعر وهو 
وفيك صاحبت قرماً لا خلاق لهم لولاك ما كنت أدري أنهم خلقوا 


فقال الوزير لبعض أصحابه ألا تعجبون من صبي بربري مغربي 
يحب أن يخدع شيخا عربيا عراقيا ٠‏ وإنما أراد المعز أن يوقع بين الوزير 
وخليفته الشرء ولما خلع طاعة بني عبيد وجاءته الخلع من بغدادء أشار 
الوزير على المستنصر العبيدي بإرسال العرب. فأرسل المستنصر إلى عرب 
الصعيد الذين بمصر وأرسلهم إلى المغرب وأباح لهم من برقة إلى ما 


لل 


بعدها وأعانهم على ذلك بمال وهم: رياح وزغبة وعدي بطون من بني 
عامر بن صعصعة, فلما وصلوا إلى إفريقية عاثوا فيها كيف شاؤوا وملئت 
أيديهم من انهب. فتسامعت بنو عمهم بذلك فطلبوا من الخليفة اللحاق 
بمن تقدمهم فمنعهم من ذلك إلا أن د م 
أضعاف ما أعطاه لبني عمهم وسرحهم ولما وصلوا إلى المغرب كانت لهم 
وقعات مع زناته بإقليم طرابلس وكثر ضررهم وأفسدوا البلاد. 

ولما قربوا من إفريقية خرج المعز في جمع من صنهاجة وزناتة 
فاجتمع له عسكر عظيم فالتقى معهم وكانت بينهم مصاف فخذلته زئاتة 
وانهزمت صنهاجة. حتى لم يبق معه إلا عبيده وكان عدد العبيد عشرين 
الفأ وثبت المعز في تلك الحروب ثباتاً لم يثبته أمير هزم جيشهء وآخر 
الحال انهم ورجع إلى المنصورية؛ وأقبل العرب حتى نزلوا بإزاء القيروان 
وافتتلوا بين رقادة والقيروان ومات بين الفريقين خلق عظيم. ولما رأى 
المعز ما حل به ركن إلى الصلح ورفع الحرب بين العرب وبيئه وأباحهم 
دخول القيروان ليشتروا منها ما يحتاجون إليه وظن أنهم يرجعون إلى 
بلادهم. فلم يغن عنه ذلك وملكوا البلاد بأسرها واقتسموا برايرها وأفسدوا 
حواضرها وكان الخطب جليلاً. فلما رأى المعز كثرة ضررهم وعجزه عن 
دفع أذاهم رحل إلى المهدية وبها حشمه وكان ولده تميم والياً عليها. 
وخرج في رمضان سنة تسع وأربعين وأربعمائة. ونهبت العرب القيروان 
وكان ذلك سبب خرابها وجلاء أهلها عنهاء ولما وصل إلى المهدية تلقاه 
ولده تميم وترجل له وقبل يده وأدخله البلد فسلم الأمر إلى ولده تميم في 
حياته» فقام بأمور الدولة أحسن قيام ‏ وتوفي المعز سنة ثلاث وخمسين 
وأربعمائة, فكانت أيام ولايته تسعاً وأربعين سنة وكان من الكرم على 
جانب عظيم» قيل إنه أهدى لبعض أصحابه في يوم واحد مائة ألف 
وسبعين ألف دينارء إلا إن أيامه.كثرت فيها الفتن وقام كل عامل ببلده 
وخرج عن طاعته. والملك لله وحده. 
تميم بن المعز 

ومن الملوك الصنهاجية تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن 


لحل 


بلكين بن زيري» مولده بالمنصورية سنة ائنتين وعشرين وأربعمائة وولاه 
أبوه المهدية سنة خمس وأربعين واستبد بالملك يوم وفاة أبيه. ودخل إليه 
الناس وهنأوه بما صار إليه وكثرت في أيام تميم الثورات من كل فج. فقام 
عليه أهل تونس وخرجوا عن طاعته فأرسل إليهم جيشأ عظيماً فحاصرها 
سنة وشهرين والقائم بتونس هو ابن خراسان فلما اشتد عليهم الحصار 
صالحوا عسكر تميم على ما رضي به تميم وارتحلوا عنها. وخالفت عليه 
بلد سوسة فحاصرها وفتحها عنوة وحقن دماءهم . وخرج عليه حمو بن 
فلفل البرغواطي ببلد صفاقس فخرج إليه تميم في جمم من البربر والعرب 
مثل زغبة ورياح فكانت بينهم مصاف وانتصر تميم وانهزم البرغواطي . 

وفي أيامه طردت بنو رياح زغبة عن إفريقية وباعت القيروان من 
الناظر بن علاء الناس بن حماد وجاءت بنوقرة من ناحية برقةء ونزلوا بإزاء 
القيروان . 

وفي سنة سبع وستين وأربعماثة اصطلح تميم مع الناظر بن علاء 
الناس وزوجه ابنته وأرسلها إليه في عسكر عظيم وبعث معها من الأموال 
والذخائر ما لا يوصف. وولى ولده مقلدا على طرابلس وتم الصلح بينهما. 
وقام عليه مالك بن علي الصخري ببجمع كثير من العرب ونازل المهدية 
فقاومه تميم حتى رحل عنها خائاً إلى القيروان.» فبعث إليه تميم بعسكر 
كثير فحاصره بها مدة فلما علم مالك أن لا طاقة له فر عن القيروان» 
وحاصر تميم قابس وصفاقس في وقفت واحد وفي غيبته جاءت عمارة 
للمهدية من الجنويز والبلنسيان نحو ثلاثمائة مركب فنهبوا المهدية وزويلة 
وأضرموا النار في البلد ولم يكن بها مدافع لهم لغيبة الجند عن المهدية. 
وكان عدد الروم ثلاثين ألف مقاتل فغنموا ورحلوا عنها 

وفي أيام تميم كانت المجاعة العظمى بإفريقية والوباء الذي لم يسمع 
بمثله» وذلك سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وغالب أوقاته كان مقاوقاً فيها 
لمن ثار عليه وقاسى جروناً مع العرب وبني عمه. وكان رحمه الله ذكياً 
مفرطاً في الذكاء وينظم 0 مدحه ويحب المنادمة والاستماع. 


/ا16 


ومن ندمائه ابن رشيق القيرواني وله فيه المدائح الطنانة» وكان أحلم بني 
مئاد وأعفاهم عن الأمور العظام وأنقدهم للشعرء وله أخبار عجيبة أضربنا 
عنها خوف الإطالة. وفي أيامه استولى عدو الدين على جميع صقلية وكان 
ذلك سئة أربع وثمانين وأربعمائة. أعادها الله للإسلام . 

وحيث التهى بنا مساق الحديث إلى صقلية وإن كنا أتينا بطرف من 
ذكرها فيما تقدم وجب الآن أن نذكر طرفاً منها لزيادة الفائدة, ولكن على 
سبيل الاختصار وليكن المتأمل هنا على بصيرة من أن صقلية كانت تحت 
حكم إفريقية برهة من الزمان. 

فأقول وبالله المستعان قد تقدم في أول الكتاب فتح الجزيرة على يد 
الشيخ البركة أسد بن الفرات من قبل إبراهيم بن الأغلب. في خلافة أمير 
المؤمنين عبد الله المأمون بن الرشيد. وتداولتها العمال من قبل بني 
الأغلب إلى أيام أبي عبيد» أولما كان الخليفة العبيدي وهو المنصور بالله 
ابن القائم بن المهدي متمكنا من البلاد الغربية وتم له الحكم على سائر 
أعمالها. عقد ولاية جزيرة صقلية للحسن بن علي بن أبي الحسن الكلبي 
وذلك سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.ء واستمر الحسن بها حتى مات المنصور 
وتولى ولده المعن وأقبل الحسن إلى إفريقية واستخلف على صقلية ولده 
أحمد سنة ائنتين وأربعين وثلاثمائة.» ووفد على المعز بجماعة من أهل 
صقلية فبايعوا المعز وخلع عليهم وأعاده لك عمله. 

وفي سنة إحدى وخحمسين وثلاثمائة بعث إليه كتاباً يأمره بختن أطفال 
الجزيرة وكسوتهم في اليوم الذي يختن فيه المعز ولده في مستهل ربيع 
الأول من السنة المذكورة. فابتداً الأمير أحمد بختن أولاده وأخوته لم 
الخاص والعام وخلع عليهم ووصلهم من المعز مائة ألف درهم 
وخمسون حملا من الملات ففرقت بين المختونين» وكانت جملتهم 
خمسة عشر ألف طفل. 
وجملته ألف وسبعمائة ونيف وسبعون رأساً. 


١4 


وفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة بعث المعز أسطولاً عظيماً وقدم 
عليه الحسن بن علي والد الأمير أحمد فوصل إلى صقلية وكان بينه وبين 
الروم حرب شديدة انتصر فيها الحسن وقتل من المشركين أزيد من عشرة 
آلاف. وغتم مغنمأ عظيماً ومن جملته سيف منقوش عليه - طالما ضربت 
به بين يدي رسول الله و - فبعث به وبالسبي إلى المعز. 


وتوفي الحسن سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وفيها استقدم المعر 
لدين الله الأمير أحمد من صغلية بماله وولده؛. واستخلف يعيش مولى أبيه 
علي الجزيرة. ولما وصل أحمد إلى إفريقية أرسل المعز علي بن الحسن 
نائياً عن أيه أحمد. وبعث المعز الأمير أحمد مقدماً على أسطول إلى 
مصرء فلما وصل طرابلس اعتل بها ومات بها وبعث المعز إلى الأمير علي 
سجلا بولايته بعد أخيه فمكث ائنتى عشرة سنة ومات في غزوته بالأرض 
الكبيرة بمكان يعرف بالشهيد عرف به لآن مقتله هناك . 


وتولى ولده جابر من غير عهد من الخليفة وكان جابر سيء التدبير 
فعزله الخليفة وبعث مكانه جعفر بن محمد بن الحسين» وبقي والياً عليها 
حتى مات سنة خمس وسبعين وثلاتمائة. 


وتولى أخوه عبد الله وتوفي سنة تسع وسبعين. 


وتولى ولده أبو الفتوح يوسف بن عبد الله. وكان حسن السيرة 
وأصابه فالج قتولى ولده جعفر في حياته وأتاه سجل من الحاكم ولقبه تاج 
الدولة. وأحدث مظالم على أهل صقلية فخرجوا عن طاعته وحاصروه في 
القصر فخرج إليهم أبوه يوسف في محفة. وشرط للناس عزله وسكنهم 
وقدم عليهم أخاه أحمد ولقبه تأييد الدولة, وذلك سنة عشر وأربعماثة وبقي 
إلى سنة سبع وعشرين فخرج عليه أهل الجزيرة وقتلوه. 


وتولى أخوه الحسن ولقبه صمصام الدولة واضطربت الأحوال في 
أيامه» وكثر الثوار فأخرجوا صمصام الدولة وانمرد كل إنسان بيلد فانفرد 


5.4 


القائد عبد الله بن منكوت بمازر وطرابني27: وغيرهما وابن الحواس بقصر 
يانة وجرئنة وغيرهماء والقائد ابن الثمنة بسرقوسة وقطانية» وقامت ينهم 
الفتن فانتصر ابن الثمنة بالإفرنج من مالطة وهو عليهم أمر المسلمين؛ وكان 
أمير النصارى اسمه روجارء فساروا مع ابن الثمنة إلى البلاد التي بأيدي 
المسلمين فحاصروها واستولوا على مواضع كثيرة من الجزيرة» فحينئذ 
فارق الجزيرة جماعة من العلماء وأنوا إلى المعز يستنجدونه فبعث أسطرلاً 
للجزيرة فلم يغنٍ شيئاً وذلك لاضطراب الجزيرة فلم يزل العدو يأخذ 
الجزيرة شيئا فشيئاً ولم ثبت غير قصر يانة وجرئلة » فحاصرها الإفرنج أشد 
حصار حتى أكلوا الميتة» فسلم أهل جرثنة وبقيت يانة ثلاث سنين ثم 
أذعنواء واستغلب روجار على سائر الجزيرة في سنة أربع وثمانين وأربحماثة 
ومات بعلة الخوانيق وعمره ثمانون سنة. وتولى بعده ولدء فأربى عليه في الخزي 
وسلك طريقة ملوك المسلمين من الجناب والحجاب وأسكن الإفرنج في 
الجزيرة مع المسلمين, وأكرم المسلمين وقربهم ومنع من التعدي عليهمء 
وكانت ا مشحونة بالمسلمين والإفرنج وأخذ كثيراً من بلاد الإسلام 
وهو الذي أخحذ المهدية وسوسة وجربة وطرابلس وامتدت يده في البلا 
وملك عدة جزائر في البحر وبلغت بعوثه إلى المشرق وملك انطاكية وكانت 
له فتكات. لعنة الله عليه , 

وجزيرة صقلية من أجل الجزائر التي في البحرء وبها مدن عظيمة 
وأفخر مدائنها مديئة بليرم؛ وهي المديئة العظمى على ساحل البحر محدقة 
بها الجبال.» وهي ثلاثة أسمظة وبها المدينة القديمة المسماة بالخالصة 
كانت مستقر السلطان. وكانت الخالصة في أيام المسلمين دار الصناعة 
لإنشاء المراكب ومكثت في أيدي المسلمين مائتين ونيف وسبعين سئة 
أعادها الله للاسلام. وما ذكرت هذه النبذة إلا لكونها فتحت على يد عمال 
إفريقية ولم تزل تحت الحكم إلى أن قدر الله بردها لأعداء الدين والسبب 
المفضي للهلاك التحاسد والفتن حسم الله هذه المادة عناء لأننا في طرف 
منها عسى الله أن يعافينا وبلطفه يداركنا. 


)١(‏ وفي نسخة بوازر وطرابلس. 


ولنرجع إلى ما كنا فيه من بقية أخبار تميم ب بن المعزء قال ابن 
أيوب : وتوفي تميم بن المعز صاحب إفريقية سنة إحدى وخمسمائة وعمره 
نسع وثمانون سئة ) وأيام ولايته ست وأربعون سنة وعشرة أشهر وعشرون يوم 
وخلف مائة ولد ذكر وسكين بع وتولى ولده يحيى من بعده. 


ومن أمرأء صنهاجة الأمير يحي بن تميم بن المعز بن باديس بن 
المنصور بن يوسف بلكين بن زيري بن منادء تم له الأمر يوم وفاة أبيه 
وعمره حينئذ ثلاث وأزبعون سنة فركب على العادة بأكابر الدولة» وغير 
لباس الحزن وفرق في الناس أموالاً ووعدهم بالجميل ففرح الناس به. ولما 
استوئقت له الأمور عدل في رعيته وجرد عسكراً إلى قلعة أقليبية ففتحها 
وكان أبوه لم يقدر عليها وبعث اسطولاً إلى بلاد الروم فغنمت» وكانت 
عمارته في الببجر كل سنة منصورة » وكان يباشر الأمور بنفسه عارفا بهاء 
وكان وتحيماً بالضعفاء مطالعاً لكتب السير وأخبار الزمان عالماً بالنجوم 
وحكامها وبصناعة الطب وينظم الشعر الجيد حسن الخلق. ودامت ولايته 
ثمان سنين وستة أشهرء وتوفى وعمره النتان وخمسون سنة مات فجأة أول 
ذي الحجة سئة تسع وخمسمائة: وخلف من الذكور ثلاثين ومن البنات 
عشرينء» وكانت أيامه أيام عدل إلا إن ملكه دخلته القهقرى والمُلك لله 
الواحد القهار. 


علي بن يحبى بن تميم 

ومن أمراء صنهاجة الأمير علي بن يحبى بن تميم. تم له الأمر بعد 
أبيه باتفاق من جندهء وكان في صفاقس فارسلوا إليه خفية من أخوته فجام 
إلى المهدية وقدم إلى القصر فتولى تجهيز أبيه ودفنه ودخل الناس عليه 
فهناوه بالملك وزستقام له الأمرء وابتدأ دولته بتجهيز أسطول إلى جربة 
فحاصرها وفتحها ولم تكن طاعت لمن سلف من أجداده مع سعة ملكهم 
وكثرة جيوشهم. وحاصر تونس وضيق عليها فصالحه صاحبها أحمد بن 


1 


خراسان على ما أراد. وبعث جيشاً إلى جبل وسلات فضايق به وفتحه علوة 
وكان أهله إذ ذاك أهل فساد ونفاق. 

وعصى عليه رافع عامله على قابس. وبعث إلى رجال صاحب 
صقلية. فدخل تحت طاعته وطلب منه الإعانة على الأمير علي بن يحبى 
واجتمعت لرافع جموع من العرب. وقصد المهدية وحاصرها فمكر به 
الأمير علي باستجلاب نفوس الأعراب ووعدهم وأعطاهم فخذلوا رافعاء 
فمر إلى القيروان واقنسمت العرب بينهم البلاد وقويت شوكة العرب في 
أيامه وكبرت بيئه وبين صاحب صقلية الوحشة؛ فبعث إليه يهدده بغزوه 
المهدية: فهيأ الأمير على مراكب في البحر واستخدم الأجناد وكثر من 
الرجال وعمر المديئة وأخذ أهبة الحرب؛ ومشت بينهما مراسلات بالتهديد 
من الجانبين وأراد على أن يستنصر بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين» لان 
الأمير علياً علم أنه ليس له طاقة بصاحب صقلية فاخذ بالحذر منه بقية 
حياته إلا إنه وقع بينهما الصلح في الظاهر دون الباطن. 

وفي أيام علي دخل محمد بن تومرت إلى المهدية وغير بها المنكر 
وسيأتي خبره. وتوفي الأمير علي سنة خمس عشرة وخمسمائة من مرض 
أصابهء وفوض الأمر في حياته لولده الحسن وعمره اثنتا عشرة سنة. وبويع 
يوم وفاة والده والله يرث الأرض ومن عليها. 
الحسن بن علي بن يحبى 

ومن أمراء صنهاجة الأمير الحسن بن علي بن يحبى بن تميم بن 
المعز بن باديس. تم له الأمر يوم وفاة والده وقام بتدبير دولته القائد صندل 
مولاه وركب على عادته وطاف البلاد وفرح الناس به وفرق أموالاً في العبيد 
والأجناد وخلع على أصحاب دولته وأكابر أجناده. 

وفي أيام الحسن تحرك صاحب صقلية على أخذ المهدية ومنته نفسه 
أن يستأصل إفريقية. فحشد من جميع البلاد وجمع جيشاً عظيماً وبعث 
بأسطول عظيم إلى المهدية. فلما أحس الحسن بمجيء أهل صقلية أرسل 


1١1 


إلى البلاد واستعد لهم استعداداً كلياً. واجتمعت له مائة ألف رجل وعشرة 
آلاف من الخيل؛ ونزلت طائفة من النصارى من الأحاسى وتحصنوا بقصر 
الديماس. فأنذر المسلمون بهم قأخذوهم. وكان عدد المراكب الواردة من 
صقلية ثلثمائة مركب منها ما هو مشحون بالسلاح والات الحرب ومن 
الخيل ألف فرس وفرسانء وكان غالب المراكب عطبت قبل وصولها من 
شدة هيجان البحرء. فلم يرجع منها إلى صقلية إلا قدر مائة مركب ولم ينج 
من الخيل إلا فرسان. 


وفي أيام الحسن قصد صاحب بجاية أنخذ المهدية لأنه سمع بالأمير 
الحسن أنه صالح الملك روجار الرومي صاحب صقلية ووقعت بينهما 
الهدنة» وكان ذلك لأن الحسن أرسل إليه بهدية وصالحه مخافة من شره. 
فتم الصلح وشرط اللعين عليه شروطاً فقبلهاء فكاتب أهل المهدية يحى 
بن العزيز الحمادي صاحب بجاية وأطمعوه ه بتسليم البلد فوئق بهم وبعث 
إليها جيشاً في البر ومراكب في البحره وبعث مقدم الجيش الفقيه مطرفاً 
فنازلها بر بغرا وجاءته العربان من كل ف ولم يكن له أرب ف في القتل 
لاطماع أهل البلد إياه» وطال الحصار علي أهل المهدية واتصل الخبر 
بروجار صاحب صقلية فبعث أسطولا عظيماً لنصرة الحسن وأمر المقدم 
على الأسطول أن يقف عند أمر الحسن ونهيه. فلما جاء أسطول اللعين 
وانتشر حول المهدية طاح ما بيد صاحب بجاية وأراد النصراني أن يعكس 
مراكب أهل بجاية فمئعه الحسن وأمره بالكف عن القتال لأنه كره سفك 
دماء المسلمين. وفرت مراكب بجاية بالخيبة ورحل الذين كانوا منازلي 
المهدية من البربر بعد إقامتهم عليها سبعين يوماً وذلك سنة تسع وعشرين 
وخمسمائة. ورجع الأسطول إلى صقلية وكتب الحسن كتاباً إلى الملك 
روجار يشكره على فعله وأنه داخل تحت أمره ونسه, فتأكدت بينهما 
المخالصة وعند ذلك استقامت أمور الحسن. 


وفي هذه السنة أرسل عدو الله روجار أسطولاً إلى جزيرة جربة 
مشحوناً برجال المسلمين من أهل صقلية ورجال من الإفرنجيين بعدد وقوة 


1١١ 


عظيمة. ونازل جزيرة جربة وأخذها عنوة بالسيف وفتل رجالها وسبى 
حريمها وباعهم في صقلية» ورجع إليها من سلم ودخل تحت طاعة روجار 
وولى عليها عاملا من قبله وكتب لهم أماناً من عنده وجعلهم خولاً له 
ودانت له بلاد المهدية وجربة وخافته البلاد كلها. 


وتشمخ اللعين بأنفته والحسن في غالب أوقاته يدافعه عن نفسه بالتي 
هي أحسن إلى أن كانت سئة ست وثلاثين وخمسمائة ابتدأت بينهما 
الوحشة بسبب مال استسلفه الحسن من بعض وكلاء اللعين وماطله به. 
فبعث مراكب إلى المهدية وأظهر شره فدافعه بالحسنى وأهدى إليه عدة 
أسارى. فلم تغن عنه شيئاً وأرسل الحسن رسولاً إلى الملك روجار 
ولاطفه. وشرط اللحين شروطاً على الحسن فقبلها ودخل تحت طاعته 
وجعله عاملاً من عماله وهادنه هدنة مكر. 


وفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة نازل اللعين مدينة طرابلس فهزموه 
ولم يتعلق منها بشيء, وفي هذه السنة بعث إلى جيجل فأخذها عنوة 
وسفك دماء أهلها وسبى حريمها وأحرقها بالنار. وهي من عمالة بني حماد 
من ولاة بجاية. وفيها ملك جزيرة قرقئة وسبى أهلها وباعهم في صقلية. 
ومن سلم ورجع لها دخل تحت طاعته وخافته جل البلاد الإفريقية. 


وفي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة أرسل مائتي مركب إلى طرابلسٍ 
وفتحها عنوة وقتل وسبى وعفا عن الباقين وأحسن إليهم وأمن من جاء هاربا 
وأذعنوا لطاعته. ولما ذاع خبر طرابلس خافته جميع البلاد الإفريقية. وكتب 
إن عات قأنمن يتقو إل و لولف بردتم (هدما: انه له زرفي أن 
يكون عاملاً. فكتب له سجلاً بذلك وبعث له ما يتشر: ف به من تشاريف 
النصارى وجبى أموال قابس من تحت طاعته. اقلت أعوذ بالله من 
الخذلان وإلا كيف تعد هذه الطائفة من حزب المسلمين وإنما هي من 
حزب الشيطان لكن حب الدنيا والرياسة الجاتهم إلى هذه الرذائل وحبك 
الشيء يعمي ويصمي . وفي هذه السنة كان القحط بإفريقية حتى فر غالب الناس 
إلى صقلية . 


115 


وفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة استعان معمر بن رشيد بالحسن 
صاحب المهدية وبجمع من الأعراب على يوسف صاحب قابس وعاضده 
محرز بن زيادء» فحاصروا قابس وقتلوا يوسف عاملها واحترى محرز بن زياد 
عليها. وفر القائد عيسى أخو يوسف إلى صقلية وأعلم النصراني أن 
الجن مين اما على .يومف .فاق الي بن دلت الكرن كل هما 
تحت طاعته فعول على غزو المهدية فحشد جيشأً عظيماً وبعئه في مراكب 
مشحونة بالسلاح والات الحرب». فدهموا المهدية على حين غفلة فانذهل 
الناس عندما رأوا الأسطول. قفرت الناس ولم يكن لهم مدافع. وفر 
الحسن دون قتال وحمل أهله ومن ساعده وخلف ذخائر وبعض أهله وتوجه 
إلى المعلقة التي بمقربة من تونس ونزل عند محرز بن زياد فرحب به 
وأكرم مثواه. وأما أهل البلد فتراجعوا عنه. 


وأما المقدم على الاسطول لما دخل المهدية أمر بالكف عن القتل 
والنهب ونادى في الناس بالآمان ومن له مسكن رجع إليه وهدن أهل البلد 
وأحسن لمن رجع واحتوى على ذخائر الحسن وأثائه ما لا يوصف. ولقي 

بعض أولاده وأهله وأمهات أولاده يعني أولاد الحسن فاحسن إليهم 
ا لصقلية وعمر عدو الله المدينتينٍ زويلة والمهدية ودفع للتجار 
رؤوس أموال وأحسن لفقهائهم وجعل قاضياً مرضياً يحكم بين الناس ومهد 
قواعد البلدين وبعث في أثناء ذلك بجيش أحدهما لسوسه والخر 
لصفاقس. أما أهل سوسه فسلموا له البلد دون قتال فاحتوى عليها عدو 
الدين ونهبها وأعاد لها أهلهاء وأما أهل صفاقس فدافع ؛ عن أنفسهم بقدر 
طاقتهم وأخذها العدوعنوة وأخذ ما فيها ورد إليها أهلها وأحسن إليهم وأولى 
عليهم ولاة من قبله. 

وجاءته وفود العرب وأكابرهم فدخلوا في طاعته واستوئق له الحكم 
على أكثر البلاد وجبى خراج رعاياها برفق منه وإحسان واستمال الناس 
وسار فيهم سيرة حسنة بالرفق بهم ونازل قلعة إقليبية فلم يقدر عليها لتجمع 
أكثر العرب فيها. ولم تزل هذه البلاد بيد اللعين إلى أيام أمير المؤمنين 


ه11 


عبد المؤمن بن عليء فاستنقذها من أيديهم سئة خمس وخمسين 
وخمسمائة ورد الأمير الحسن إلى المهدية كما سيأتي إن شاء الله تعالى . 


والأمير الحسن هو آخخر الصنهاجيين من بني مناد. وأول من ملك 
إفريقية بلكين عند رحيل المعز إلى مصر كما سبق في أول الكتاب وإن 
كان زيري ومناد ملكين فإنهما لن يتصرفا في عمل إفريقية . 

وعدد من ملك منهم إفريقية ثمانية آخرهم الحسنء إلا إنه لم يبلغ 
ها بلغ من قبله لأن ملك من تقدم من أجداده من برقه إلى تلمسان وما 
وراء ذلك. وقسمت البلاد بينهم بعد موت المنصور بن بلكين فقام حماد 
ابن بلكين على ابن أخيه باديس وجرت بينهما عدة وقائع . 

واحتوى حماد على البلاد الغربية وصارت بلد بجاية دار ملك بني 
حماد, كما أن بني زيري دار ملكهم أولاً المنصورية ثم انتقلوا إلى 
المهدية في زمن المعز عند دخول العرب وقد تقدم. ومدفنهم في بلد 
المنستير بقصر السيدة» وكان لهم ناموس عظيم وعساكر عديدة وبلغوا رتبة 
السلاطين. قلت وأنا استغقر الله: إن بني حفص لم يبلغوا ما بلغوا وإن 
كان ذكرهم عند الناس أكثر إلا النادر منهم وكون بني حفص خطب لهم 
بأمير المؤمنين ولم يخطب لبني مناد بأمير المؤمنين وكانوا كلهم أهل نجدة 
وشجاعة وإحسان ومعروف. 

والحسن هذا الذي هو آخرهم كان قوي النفس مجتمع الفكر لا 
يتزحزح لعظام الأمور ولا يتضعضع لنوائب الدهور. مستوقد الذهن شجاع 
القلب كريم النفس حسن الفروسية ينظم الشعرء إلا إن أيام ملكهم أخذت 
في الإدبار. وانقطعت كواكب سعودهم وأفلت عن منازلهم الشموس 
والأقمار. وهذه الدنيا لا يدوم نعيمها. ولا ييأس سقيمها. وبهذا جرت 
عادة الله في نخلقه إنما الدهر دول بعد دول لا يُسأل عما يفعل وهم 
يُسألون . 

ولنختم هذا الباب بفائدة وهي أن عبيد الله المهدي لما أراد بناء 


1>. 


المهدية ووضع أول حجر منها أمر أن يرمى بسهم من عند الحجر إلى 
ناحية المغرب فانتهى إلى المصلى فقال المهدي: إلى هاهنا يبلغ صاحب 
الحمار. يعني أبا يزيد الخارجي » وأمر ان با الرمية فكانت مائتين 
ونلا وثلاثين ذراعاً. فقال: هذا عدد ما تقيم بأيديئا والبناء سئة ثلاث 
ثلثمائة وأخذت سنة ثلاث وأربعين 0 فاتفق الحساب كما قال 
الصا 6 


وذلك أن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه قتل سنة إحدى 
وستين ولم يكن لبني فاطمة بعده ملك إلى أيام ظهور بني عبيد واستقرارهم 
في الخلافة. لأنهم يجعلون ابتداء أمرهم بناء المهدية فالمدة التي بين 
مقتل الحسين وابتداء الملك مائتان وأربعون سنة فتكون أيام دولتهم بقدر 
ذلك لأن دولتهم انقرضت بأخذ المهدية وإن بقيت بقية منها بيمصر في تلك 
المدة. لأن العاضد توفي سنة سبع وستين وخمسمائة. فإن المهدي 
لم يخبر بدوام الملك لهم إلا بدوام المهدية وإذا خرجت خرج الملك 
عنهم فكان كذلك لأن المدة الزائدة كان فيها اضطراب فلا يعد. 


ومن ذلك أن المعز لدين الله لما أراد أن يتوجه لمصر قال لبلكين: 
يا يوسف إعلم أن المهدية دار ملكك وصيانة ذريتك وملكك ملتصق بملكنا 
فمتى خرب ملك المهدية خرب ملكناء لأن ملك المهدية خرب بموت 
على والد الحسن فإن الحسن لا يعدونه سلطاناً لانخلاعه من الملك 
وخروجه عن سلطنته كما أنهم لا يعدون من الخلفاء من كان بعد الآمر 
بأحكام اللهء لآن الآمر هو العاشر من الخلفاء على نسق واحد أب عن 
جد. ومن بعده خرجت لابن عمه وكذلك جعل بعض من يتعاطى هذا 
الحساب أن العشرة من الخلفاء الذين هم على نسق واحد يقابلونهم بعشرة 
من صنهاجة على نسق واحد أولهم مناد وآخرهم الحسن» وإن أردت 
فاسقط الثلاثة الذين حكموا بالمغرب وعد من الذي أخذ مصر وهو المعز 
إلى الآمر بأحكام الله تجد سبعة على نسق واحد فقابلهم بسبعة من صنهاجة 
أولهم بلكين لأنه تقدم من قبل المعز على إفريقية 


1١١/ 


وكما أن المعز أول المصريين فيوسف أول من تملك في الإفريقيين 
إلى علي. فيكون العدد سبعة سلاطين وسبعة خلفاء كلهم مستقل غير 
مغلوب عليه. وهذا علم لا يعلمه إلا الله وما ذكرت هذا الكلام إلا لان 
مثله لا يصدر إلا بإلهام من الله أو إخبار عن مصدق وأن نبت هذا الكلام 
عن هؤلاء القوم فهم عندي من أهل بيت النبوة بلا شك والله حسيب من 
طعن في نسبهم بلا دليل ثابت. وهذه الأخبار تكون لهم من الكرامات 
ورأيت كثيراً من التواريخ تثني عليهم بالمحاسن الجميلة والعلوم الجليلة إلا 
ما قل منهم والبعض يخرجهم عن دائرة الإسلام لإظهارهم مذهب الشيعة 
والغلو فيه والتنقص من أصحاب رسول الله وق وأهل البيت يجل قدرهم 
عن الرذائل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . انتهى خبر صنهاجة 
وتتلوه الدولة الحفصية. : 


1١14 


(ثباب (لساوسن 


فى الدولة الحفصية 


فيه فصلان: الفصل الأول في ذكر من تولى من الخلفاء بالمغرب 
ودانت له البلاد» ومن بلغ حرجة الملك ولم يبلغ درجة الخلافة.» ومن بلغ 
درجة الخلافة ولم يتسم بها ومن بلغها وتسمى بها ومن لم يبلغها وتسمى 
بهاء وكيف اتصل الأمر ببي حفص ليكون توطتة لأخبارهم. ويعلم المتأمل 
مبتدأ أمرهم إذا سرح طرفه متتبعا لآثارهم. والفصل الثاني في كيفية 
اتصالهم بالملك وبعض أشياء من أخبارهم وسيرتهم ومحاسنهم. 


حلملا 





(فضل ررك 


من تولى من الخلفاء بالمغرب ودانت له البلاد 


إعلم إيها المتامل أصلح الله أحوال الجميع أنه تقدم ما نقلته وأوردته 
هناء أن إفريقيا لما فتحت في صدر الإسلام كانت دار الإمارة بالقيروان 
ومن هناك تخرج العمال إلى آخر المغرب ومنها فتحت الأندلسية وصقلية. 


ولما كانت سنة خمس وثلاثين وماثة دخل عبد الرحمن بن معاوية بن 
هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي إلى الأندلس فارا من 
بي العباس لما سلبوهم ملكهم. فاستحوذ على بلاد الأندلس واستقل بها 
ودامت في أيدي بني أمية. وخرجت الأندلسية عن طاعة بني العباس فلم 
تكن لعمال إفريقيا عليها يد. 

وقال بعض المؤرخين: بويع أمير المؤمنين هارون الرشيد بإجماع 
الأمة ما عدا -مزيرة الاندلس وذلك لبعدها والبحر حائل بين المملكتين. 

وفي سنة ثمانين ومائة ظهر بنو إدريس في المغرب وبايعهم خلق 
من البربر واستخلفوا هناك وتسموا بأمراء المؤمنين ولكن لم يبلغوا درجة 
الخلافة. ولما ظهر بنو عبيد بالمغرب وقعدوا مقعد الخلافة. نازعوا 


لفن 


الأدارسة في أعمالهم وأنزلوهم منزلة عمالهم. واستحوذوا على أكثر ما 
بأيديهم إلى أن ساروا إلى بلاد المشرق وخلفوا صنهاجة عمالا لهم 
وملكوهم بلاد المغرب» فظهرت زناتة بالمغرب وتمسكوا بدعوة المروانيين» 
وكانت بينهم حروب مات من الفريقين ممن تمسك بالدعوتين خلق لا 
يعلمهم إلا الله تعالى. وخرجت عساكر بني أمية لبر العدوة وأحسنوا إلى 
من تمسك بدعوتهم وميزوا بين عمل هاشم وأمية إلى أول المائة الخامسة 
ضعفت فيها الدولتان. وقام بالمغرب عدة أقوام من المفسدين وقليل من 
المصلحين, فقيض الله سبحانه وتعالى دولة الملثمين صنف من البربر من 
لمتونة ويقال لهم «المرابطين؛ فملكوا بلاد المغرب بأسرها وكانت أيامهم 
مستقيمة إلى أن قام عليهم ابن تومرت المهدي. ولم يتسم أحد من لمتونة 
باسم السلطان إلا يوسف بن تاشفين تسمى بأمير المؤمئين وخطب له بهذا 
الإسم ولبنيه من بعده. وكان له سلطان بالمشرب وبلغ درجة 
الخلافة . 

ولما قام عليه المهدي تسمى بأمير المؤمنين ولما مات 
أوصى بها لعبد المؤمن فورثها وأورثها بنيه وتمت لهم الخلاقة إلى أن 
ظهرت بنو مرين وغلبوا بني عبد المؤمن تسموا بأمراء المؤمنين أيضأ إلى أن 
نزع الله ملكهم على يد الأشراف الذين قاموا عليهم قبل الألف من 
الهجرة. ولما ضعفت دولة بني عبد المؤمن بالمغرب وكثر اضطرابها. 
استقل بنو حفص بإفريقية وتسموا بالخلفاء. ولم يصل أحد منهم إلى رتبتها 
إلا ما قل منهم . وكانوا عمالا لبني عبد المؤمن في السابق » واستقام أمرهم 
بإفريقية ودار ملكهم الحضرة العليا إلى أن وصل إليهم ما وصل لغيرهم 
وأقى عليهم ما أتى على غيرهم, واستولت الدولة الخاقانية على بلادهم. 
وطردوا القوم عن أوطانهم. وأوحشوهم بعد الإيناس. وتلك الأيام تداولها 
بين الناس . 

فاقول: أول من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة بنو أمية المغرب 
كفعلهم بالمشرق. 


وأول من تأمر بالأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد 


يفن 


الملك. فانحاز إليه كل أموي كان هناك. وقصد قرطبة دار الإمارة وقتل 
يوسففا بن عيد الله الفهري بعد وقائع . واستولى على الجزيرة وأطاعته 
الأندلس بأسرها وملكها ثلاث وثلائين سنة. وقاسى بها شدائد إلى أن توفي 
وتولى بعده ولده هشام بن عبد الرحمن فملكها سبع سنين وتوفي ٠‏ وولي 
ابنه الحكم بن هشام فأقام والياً ستا وعشرين سنة ثم توفي. وولي ابنه عبد 
الرحمن بن الحكم وملكها إحدى وثلاثين سنة ثم توفي. وولي ولده محمد 
ابن عبد الرحمن فأقام واليا أربعاً وثلاثين سنة» وفي أيامه انتهى جيش 
السبلمن إلى ماثئة ألف فارسء منهم عشرون الفا بدروع الفضة. وأنشا 
في البحر سبعمائة عراب. ثم توفي وولي عبد الرحمن وتلقب بالناصر لدين 
الله وجلس مجلس الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين, وكان من تقدمه يخطب 
لبني العباس. ولما ظهمر بنو عبيد وخطب لهم بأمير المؤمنين اقتدى بهم 
وأقام واليأً خمسين سنة, منها خمس وعشرون في غزو وحروب وياقيها في 
الخلاعة والراحة؛. وببى الزهراء فكملت في خمس وعشرين سنة. 

وحصر الأمناء ما انفق عليها فوجدوه خمسة وثلاثين مدأ من الدراهم 
القاسمية» سوى ما سخر فيها من الرعية وزوامله وزوامل أصحابه وأجناده 
ثم توفي . وولي ولده الحكم بن عبد الرحمن» فكانت خلافته خمس عشرة 
سنة ثم توفي. وولي ولده هشام بن الحكم وتلقب بالمؤيد وحجب له 
محمد بن أبي عامرء وكان في غاية الذكاء واستمال الجند وسار في الناس 
سيرة حسنة وبعث لكل عمل من يثق به وأحسن للرعايا فكانوا معه على 
كلمة واحدة. وحجر عن هشام وجعل بيت مال ونقل إليه أموال الخلافة, 
ولم يبق لهشام سوى الخطبة والسكة وينفذ الأمور ويظهر للناس أنها تصدر 
عن إذن الخليفة. وسمت همته إلى أن قاد العساكر إلى الروم ونال منهم ما 
لم يله غيره من قبله ولا من بعده وقادهم بنواصيهم وأنزلهم من 
صياصيهم». وجاءته من القسطنطينية ومن رومة الرسل والهدايا وطلبوا 
مسالمته وانزل قوامس قشتالة وجليفة منزلة عماله. وقبلوا سجلاته ودخلوا 
تحت طاعته وأقام على هذه الحالة ثماني وعشرين سنة وتوفي سنة ثلاث 
وتسعين وثلاثمائةء وأخباره دونت فيها عدة دواوين. وقام بالأمر بعده ابنه 


11 


عبد الملك وأقره هشام على ما كان عليه أبوه فأقام سبع سنين ومات وله 
عدة وقائع مع العدو وكان النصر له وسماه الخليقة الحاجب المظفرء وقام 
بالأمر بعده أخوه عبد الرحمن فعامل الأجناد والناس بالكذب وطلب من 
الخليفة أن يجعله ولي عهده ففعل ذلك فلما علم بئو أمية قاموا عليه وقتلوه 
وقتلوا هشاماً الخليفة معه. وقيل إن الخليفة اختفى ولم يظهر بعده. ولما 

سمع أهل الجزيرة ثار كل عامل ببلده فثار زيري بن زيري بناحية غرناطة» 
وعباد القاضى بإشبيلية» وإسماعيل بن ذي النون بطليطلة؛ وابن هود 
بسرقسطة؛ وابن الافطس ببطليوس» وابن صمادح بالميرية؛ وابن مجاهد بدانية. 

هؤلاء مشاهيرهم. وانقطع اسم الخلافة واشتعل الحرب بين الأمراء 
وتفرقت كلمتهم وحارب بعضهم بعضاً وكثرت الفتن وانبسط عدو الدين في 
الجزيرة وبلغ منهم كل مبلغ ما بين قتل وأسرء وآخر الأمر ألقى صاحب 
قشتالة على أهل الجزيرة الجزية فأدوها. وإنما أهلكهم التحاسد واختلاف 
الكلمة وها نحن في طرف من ذلك. حمانا الله من هذه الفتن بكرمه أمين. 
ولما ضعف الطالب والمطلوب من الأندلس وظهر ألفنش إن فردنئد قوي 
عزمه وطمعه في البلاد وضايق على أهلها وكان يغري بعضهم على بعض 
ويعين هذا على هذا ويستاصل أموالهم . وهم مع ذلك منعكفون على 
الانهماك والمحاربة. وتسمى كل واحد منهم بغير اسمه كالمقتدر والمعتضد 
والمتوكل والمؤتمن وغير ذلك. 

وكان ابن عباد أرسل إلى ألفنش رسولاً للمهادنة. فلاطفه الرسول 
بالكلام وأخذ يعتذر عن صاحبه فقال له ألفنش لعنه الله: - كيف يحق لي 
أن أبقي هؤلاء الحمقى يعني رؤساء الاندلس وكل واحد منهم تسمى باسم 
خليفة وهو لا يدفع عن نفسه ضرا ولا نفعاً- . 5 قلت: رحم الله أبن رشيق 
حيث قال: 


مما يبغضني في أرض أندلس سماع مققدر فيها ومعتضد 
ألقاب سلطنة في غير مملكة كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد 


ولم يزالوا في شرهم إلى أن تبدد شملهم . 


1١5 


ويحكى أن بعض رؤساء الأندلس أهدى لألفنش هدية قيمتها ماثة 
ألف دينار فأعوضه عنها قرداً فكان يفتخر بذلك القرد. أعاذنا الله من 
الخذلان. وأول مدينة أخذها عدو الدين طليطلة سنة ثمان وسبعين 
وأربعمائة. ولما ملك طليطلة تسمى لعنه الله بالأمبراطور ومعناه كالخليفة 
عند المسلمين» وأقسم لا يدع إلا من يدخل تحت طاعته. ولما رأى 
رؤساء الأندلس أن لا طاقة لهم بمدافعته. بعثوا إلى أمير المؤمنين يوسف 
ابن تاشفين ودخلوا تحت طاعته» فنصرهم على عدوهم وجلا عنهم ما كانوا 
فيه وسيأتي إن شاء الله تعالى . 


ومن الملوك الذين كانوا بالمغرب وهم الفواطم الذين يقال لهم 
الأدارسة . قاموا بالمغرب وامتدت دولتهم ولكن لم يبلغوا درجة الخلافة , 


فأولهم إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي 
طالب كرم الله وجههء بويع بمدينة وليلى في رمضان سنة اثنتين وسبعين 
ومائة. واستقام له الأمر وكثرت جموعه وذلك في خلاقة هارون الرشيدء 
فيقال إنه بعث إلى عامله بالقيروان إبراهيم بن الأغلب؛ فبعث إلى إدريس 
من اغتاله ومات مهزما وكانت أيامه خمس سنين وستة أشهر. 


وبويع ولده إدريس بن إدريس وكان خلفه في بطن أمه. ولما كبر 
استقل بالأمر وكانت له عدة غزواتء. وهو الذي بنى مدينة فاس وأسسها 
وصارت دار ملك الأدارسة. وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائتين وعمره ثلاثون 


سنة . 


وتولى ابنه محمد بن إدريس بن إدريس» بعد وفاة أبيه وقسم البلاد 
بين أخوته. وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ومائتين» فكانت 
أيامه ثمانية أعوام . 


وقام بالأمر بعده الأمير علي بن محمد بن إدريس بن إدريس» وسنه 
يوم بويع تسعة أعوام بوصية من أبيه لما يعرف فيه من الذكاء فسار بسيرة 


لقالا 


أبيه وجده في إقامة الحق. وتوفي في رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين 
فكانت أيامه ثلاث عشرة سنة. 


وعهد لأخيه يحيبى بن محمد بن إدريس» فسار بسيرة أجداده. 
وكثرت العمارة في أيامه وقصده الناس من الآفاق» وبنى في أيامه جامع 
القرويين بفاس.» ومات من كمد أصابه على حادئة جرت له يطول شرحها. 


وقام بالأمر بعده الأمير علي بن عمر بن إدريس بعد وفاة ابن عمه. 
وقام عليه عبد الرزاق الخارجي فاقتل معه فانتصر عبد الرزاق عليه. وفر 
علي المذكور أمامه» وملك عبد الرزاق مدينة فاس فكتب أهل البلد إلى 
يحبى بن القاسم بن إدريسء فقتل عبد الرزاق واستقل بملك فاس وتم له 


وخلف أبن عمه يحبى 0 ن إدريس بن عمر بن إدريس» وكان أطيبهم 
ذكراً وأقواهم سلطاناً وعدلاً وكرماً حازماً بطلا ذا صلاح ودين» ولم يزل 
على ملكه إلى أيام مصالة قائد الشيعة سنة خمس وثلائمائة» فحاصره 
بفاس بعد المدافعة وصالحه عن مال وبايع لعبيد الله الشيعي . 


وفي سنة قسع وثلاثمائة عاد مصالة للمغرب؛ فسعى يحبى لمصالة 
فأوثقه بالحديد وعذبه وسبى أمواله ونفاه إلى مدينة أصيلاء واستولى على 
فاس ريحان المكناسي ثلاثة أعوام , وقام عليه الحسن بن محمد بن 
القاسم بن إدريس بن إدريس سنة عشر وثلاثمائة» ومات في قتاله ابن أبي 
العافية لما تغلب على مدينة فاس » وخطب لبني مروانء ولما قدم ميسور 
الفتى قائد الشيعة فر ابن أبي العافية وتبعه ميسور بمن معه. وكانت بينهما 
حروب إلى أن قتل ابن أبي العافية» ورجع بنو إدريس إلى غالب بلادهم 
ما عدا فاس وتمسكوا بدعوة الشيعة. 


وتولى القاسم بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب يكنون. 
وتوفي ينه سبع وثلاثين وثلاثمائة. 


وتولى ولده أحمد بن القاسم كنون وكان عالماً فقيهاً. وكان مائلاً 
إلى بني مروان. فقطع دعوة العبيديين» ودخل الأندلس بقصد الجهاد 
فمات هناك سنة ثلاث وأربعين وثلاثماثة . 


وتولى أخوه الحسن بن كنون وهو آخر الأدارسة, ولا زال الأمر لبني 
مروان إلى أيام جوهر لما دخل المغرب فبايع الحسن لبي عبيد. ولما 
رجع جوهر إلى إفريقية نكث ورجع للمروانيين إلى أيام بلكين عاد إلى بني 
عبيد وآخره سلب ملكه ومات شريداً وبه انقرضت دولة الأدارسة من 


المغرب . 


وأيام ملكهم تقرب من مائتي سنة. وبلادهم من سوس الأقصى إلى 
وهران. وقاعدة ملكهم مذيئة فاس وكانوا يكابدون عملكتي هاشم وأمية. 
وتمكنت بعدهم يفرن وزناتة من بلاد المغرب وخطب بها للمروانيين والله 


أعلم بذلك. 


وأما الذين تم لهم الأمر وبلغوا مبلغ الخلقاء هم الذين يقال لهم 
المرايطرن. والماتمون قبيلة امن البرير يقال لها لمترلة» ولمتونة فخ من 
صنهاجة ولد عبد شمس بن واثل بن حميرء خلفهم إفريقش لما دخل 
المغرب فاستوطنوا إفريقية وصنهاجة وكتامة من دهاة البربر. والبربر قبائل لا 
تحصى وأكثرهم صحراويون وبلادهم ني القبلة مسيرة ستة أشهر طولاً 
وأربعة 7 غرضاة ولا يعرفون حرثاً ولا زرعاً ولا 5 وعيشتهم الحم 
ا 


قلت والله أعلم هم الذين يقال لهم التوارق في هذا الزمان 
ويجاهدون السودان. وأول من تملك منهم بالصحراء تيولئان بن تيكلان. ملك 
الصحراء بأسرها ودانت له ملوك السودان وأدوا له الجزية. وكان يركب في 
مائة ألف نجيب,» وكان في أيام عبد الرحمن الداخل. ودامت أيامه وعاش 
أزيد من الثمانين . وتوفي سنة اثنتين وعشرين وماثتين. 


ففثل 


وتولى حفيده الأفرين بن نصير بن فلويومان, فأقام بأمر صنهاجة 
وتوني سنة مي وثمانين فكانت أيامه ا وسكين سنة. 


وقام من بعده بأمر صنهاجة نضيم بن الأثير إلى سنة ست وثلاثمائة, 
فقام عليه أشياخ صنهاجة فقتلوهء وتمزق شملهم ولم يجتمعوا على أحد 
نحو مائة سنة وعشرين سنة» إلى أن قام فيهم أبو عبد الله محمد بن تيفات 
اللمتوني » فاجتمعوا عليه وقدموه. وكان من أهل الدين والفضل والصلاح 
والحج. فأقام ثلاثة أعوام واستشهد بغارةء وهم قبيلة من السودان على دين 
اليهودية, وقدموا بعده صهره يحبى بن إبراهيم الكدالي. فأقام على رئاسته 
إلى سنة سبع وعشرين وأربعمائة فارتحل إلى الحج واستخلف مكانه ولده 
إبراهيم بن يحبى على قبائل صنهاجة يدير حروبهم مع أعدائهم. 


ولما قضى يحى حجه قفل إلى المغرب فاجتاز بالقروان فلفي فيا 
الشيخ الولي أبا عمران موسى بن أبى بي حجاج الفاسي يدرس العلم. فجلس 
إليه وسمع منه قرآه أبو عمران محباً للخير» فسأله عن حاله وعن بلاده 
فأخبره عنها وعن أهلها. فقال: وما ينتحلون من المذاهب؟ فقال: إنهم قوم 
غلب عليهم الجهل. فسأله هل يعرف شيئاً من الكتاب والسنة فلم يجد 
عنده شيئاً. إلا إنه حريص على التعلم صادق النية. فقال له الشيخ: وما 
يمنعك من ذلك؟ فقال: يا سيدي غلب عنا الجهل وليس عندنا من 
يرشدناء ولو وجدنا من يعلمنا السئة والقران لسارعنا إليهء فإن أردت 
الثواب فابعث معي من طلبتك من يعلمنا ولكم الأجر. فانتدب الشيخ 
طلبته فلم يجد أحداً فقال الشيخ : إني أعرف رجلا ببلد نفيس من 
المصامدة تقياً صالحاً لقيني هنا وأخذ عني علوم كثيرة اسمه وهاج بن زلوا 
العظي أكتب إليك كتاباً إليه يبعث معك أحداً من طلبته. عت 0 الح 
كتاباً فسار يحبى بن إبراهيم إلى الشيخ وهاج وناوله كتاب أبي عمران 
فانتدب لذلك رجا من طلبته يعرف بعبد الله بن ياسين الجزولي. وكان من 
حذاق الطلبة ومن أهل الدين والعلم والصلاح. فخرج مع يحبى إلى بلاده 
فلما وصلا تلقتهم قبائل كدالة وفرحوا بهما. 


1١8 


ولما نزل ابن ياسين وحل بساحتهم رأى المنكرات فاشية. وإن 
الرجل منهم يتزوج ما شاء من النساء فانكر عليهم ذلك. وصار يعلمهم 
الكتاب والسنة وينهاهم عن المنكرات. فلما شدد عليهم تبرؤوا منة ونافروه 
ومع ذلك لم يجد عندهم من الدين إلا الشهادتين. فلما رأى عبد الله بن 
ياسين إعراضهم وتتبعهم أهوائهم أراد أن يرتحل عنهم. فقال له يحبى : يا 
سيدي إنما جئت بك لخاصة نفسي وما علي ممن ضل من قومي» ولكن 
إن كنت تريد الآخرة فهذه عندنا جزيرة في البحر إذا حسر الماء عنها دخلنا 
إليها على الأقدام فيها الحلال المحض من الشجر والسمك. ندخل إليها 
ونتعبد فيها إلى الموت فقال له: نعم. فدخلاها ودخل معهما سبعة أنفار 
من كدالة وبنوا بها رابطة. فأقام معه أصحابه يتعبدون» فتسامع الناس يهم 
وبخبرهم وأنهم يطلبون الجنة والنجاة من النار فكثر الواردون عليهم وأخذ 
عبد الله يعلمهم القران وشرائع الإسلام ويرغبهم في ثواب الله إلى أن 
تمكن من قلوبهم فسموا بالمرابطين لملازمتهم رابطة ابن ياسين» فلما 
اجتمع عنده ألف رجل قام فيهم خطيبا ووعظهم وحذرهم عذاب الله وقال 
لهم: الآن يجب عليكم قتال من خالفكم فقالوا له مرنا بما شئت. فقال 
لهم: اخرجوا لقبائلكم وادعوهم إلى التوبة فإن استتابوا وإلا فقاتلوهم 
فخرج بهم إلى قبائلهم وأنذرهم وحذرهم سبعة أيام فلم يرجعوا عن غيهم 
فقاتلوهم. وأول من قاتلوا منهم كدالة فقتل منهم خلق كثير وأسلم الباقون» 
ثم لمتونة وأخذ يغزوهم قبيلة بعد قبيلة إلى أن هداهم الله واجتمعوا على 
الكتاب والسنة وما يجب عليهمء» وقسم فيء القتلى على المرابطين وجعل 
بيت مال على مقتضى الكتاب والسئة» فتسامع به أهل الصحراء وانتشر 
عدله في بلاد السودان. 
وتوفي الأمير يحبى بن إبراهيم الكدالي فقدم عبد الله بن ياسين 
يحبى بن عمر اللمتوني ليقوم بحروبهم وإن ابن ياسين هو الأمير على 
الحقيقة يأمر وينهى ولما قدم ابن ياسين يحيى وكان من أهل الدين 
والصلاح أمره بجهاد العدو. 


ولما كانت سنة سبع وأربعين وأريعمائة بعث فقهاء سجلماسة ودرعة 


1714 


إلى ابن ياسين يشكون إليه جور عاملهم. فغزاهم فوجد عاملها قد استعد له 
فكانت بينهما حروب انتصر فيها المرابطون وغنموا مغنما عظيماً. وقسمت 
الغنائم وأخذ ابن ياسين الخمسء ومهد البلاد وجعل عليها عمالاً وأبطل 
المكوس وغير المتكرات ورجع إلى الصحراء. ومات الأمير يحبى فقدم عليه 
غيد الله بن ياسين أخا الأمير يححى وهو الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني» 
وكان صالحاً متورعا. فغْرًا بلاد المصامدة والسودان ففتتح بلاداً كثيرة . 


وبعث عبد الله بن ياسين العمال إلى ما تحت يده وأمرهم بالكتاب 
والسنة. وغزا بالمرابطين مجوس بني غواطه. وهم قبائل كثيرة على مذهب 
صالح بن طريف لما ادعى النبوة في زمن هشام بن عبد الملك. وشرح 
لهم دينا وشرائع سخيفة لعنه الله تركناها خيفة التطويلء فقتل بين الفريقين 
خلق كثير واستشهد عبد الله بن ياسين في تلك الحروب رحمه الله تعالى 
سنة إحدى وحمسين وأربعمائة. وكان رحمهٍ تعالى شديد الورع لم يأكل 
من لحومهم وإثما يأكل لحم الطيرء وكان ديئاً حبرأ رحمه الله تعالى . 


واستقل بالأمر أبو بكر بن عمر اللمتوني وتمادى في غزوات بني 
غواطة فقتلهم وأستاصلهم . ففروا بين يديه للصحراء وتبعهم إلى أن احتوى 
عليهم وأسلموا إسلاماً جَيدا: وكات أبو بكر ديناً لا يستحل دماء المسلمين 
فخرج إلى الصحراء لقتال من بها من كفار السودان. 
للصحراء وبقي يوسف بن تاشفين بنصف الجيش يمهد البلاد» واستقامت 
أمورهء وذلك سنة ثلاث وخخمسين وأربعماثة, وفتح غالب بلاد المغرب 
وكثرت جيوشه. وتوفي الأمير أبو بكر في الصحراء شهيداً سنة ثمانين 
وأربعمائة . 

واستبد الأمير يوسف بملك المغرب كله ل" ينازعه متازعء ودانت له 
البلادء وكان على جانب عظيم من الدين ولباسه الصوفء, ولم يلتفت إلى 
زخرف الدنياء ولم يأكل إلا الشعير وألبان الإيل ولحمومها مع ما أعطاه الله 


رق 


من الملك. وملك جزيرة الأندلس والسودان والمغرب إلى جزائر بني 

مرزغنة. ولم يجر في بلاده مدة حياته مكس ولا ما هو خارج عن الشرعء 
وخطب له على ألف وتسعمائة منيرء وبنى مدينة مراكش وجعلها مستقراً 
لملكه. 


ولما شاع ذكره فى الوجودء بعث إليه أهل الأندلس لنصرتهم لأن 
عدو الدين تغلب على أهل الجزيرة. وكان رسولهم المعتمد بن عباد. 
فلقيه في أحواز طنجة فشكا إليه بحال أهل الجزيرة وما عليها من الخوف 
والذل. فوعده بالمسير إليهم. وبعث إلى جميع أعماله يرغبهم في الجهاد 
ويستفزهم معهى فاجتمع له نخلق عظيم ودخل إلى الأندلس بجيوش 
المرابطين بقصد الجهاد سنة تسع وسبعين وأربعمائة» وكانت له بها الواقعة 
المشهورة بالزلاقة . 

وكان عدد عسكر ألفنش لعنه الله فيما نقل ثمانين ألف فارس ومائتي 
ألف راجل فلم ينج منهم إلا ألفنش ومعه أربعمائة مثقلون بالجراح. ولم 
يدخل إلى بلد قشتالة إلا في خمسين فارساء وبعث يوسف إلى جميع 
البلاد بهذا الفتح وكان يوم الجمعة ثاني عشر رجب سنة تسع وسبعين 
وأربعمائة» وفيه يقول بعضهم من قصيدة: 


لم تعلم الروم إذ جاءت مصممة يوم العروية أن اليوم للعرب 
والعرب تسمي يوم الجمعة العروبة» وانصرف راجعاً إلى العدوة. 
ودخل إلى الأندلس مرة أخرى في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة 

فتلقاه ابن عباد بألف دابة تحمل الميرة فعاث في بلاد الكفرة وحرق وخرب 

ورجع إلى العدوة, فأقام إلى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. ثم دخل 


الأندلس أيضاً برسم الجهاد فلم يلقه أحد من رؤساء الأندلس وهموا بغدره 
ففطن بهم وكان عاهدهم أن لا يغدر بهم. 


فلما أحس بمكرهم استفتى علماءهم فكلهم أفتاه بخلعهم أي خلع 


لضن 


أمراء الأندلس. وقالوا ليوسف: نحن خصماؤك عند الله لأن هؤلاء لا تجوز 
طاعتهم لما ارتكبوه من الفجور وانتهاك المحارم وضيعوا غالب البلاد. فغار 
عليهم يوسف وخلعهم واحداً بعد واحد وأخذ ابن عباد أسيرا وسجنه في 
أغمات إلى أن مات في السجن» ويحكى أن يوم موته نودي عليه الصلاة 
على الغريب. وروي أن بعض بناته تغزل بالأجر في بيوت بعض خدامهمء 
وابن ابنه يضرم النار في حانوت صائغ بعد ما كان ملكا على إشبيلية 
وقرطبة. ودام ملكهم بها نحو ثمانين سنة» فسبحان من لا يزول ملكه ولا 
يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. 


ولما استوثئق المغرب والأندلس ليوسف بن تاشفين تسمى بأمير 
المسلمين. وضرب الدرهم والدينار باسمه ونقش في الدينار ‏ لا إله إلا 
الله محمد رسول الله وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن 
تاشفين ‏ وفي الوجه الآخر ومن يتبع غير الإسلام دين فلن يقبل منه وهو 
في الآخرة من الخاسرين الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي. ولا زال 
يبعث جيوشه إلى الأندلس متفقداً لأحوالها إلى أن مات سنة خمسمائة 
وعمره مائة سنة رحمه الله تعالى . 


واستقل بالأمر بعده ابنه أمير المؤمنين علي بن يوسف بن تاشفين. 
بويع بمراكش يوم وفاة أبيه أول المحرم سئة خمسمائة.» وتسمى بأمير 
المؤمنين». وملك جميع بلاد المغرب من بجاية إلى السوس الأقصى وبلاد 
القبلة من سجلماسة إلى جبل الذهب من بلاد السودان. وجميع بلاد. 
الأندلس وملك ما لم يملكه أبوه وخطب له على ألفي منبر وثلاثمائة منير. 


وأقام العدل وتولى الجهاد وسار سيرة أبيه وهديهء وفوض أحكام 
البلاد إلى القضاة ودخل الأندلس سنة ثلاث وخمسمالة فأقام شهراً على 
طليطلة. وكان في عسكره مائة ألف فارس. ففتح عدة قلاع ونكى فيها 
الروم وفعل بهم العجائب ورجع إلى المغرب. ودخل إلى الأندلس مرة 
ثانية بجيوش لا تحصى. فنزل على قرطبة وتفقد أحوالها وولى ابن رشد 
القضاء. وغزا عرب الأندلس ففر أمامه الروم وتحصنوا بقلاعهم وقتل وأسر 


م 


منهم خلقاً كثيراً لا يحصى.» ورجع إلى العدوة سنة أربع عشرة وخمسمائة. 


وفي هذه السنة ظهر الإمام المهدي محمد بن تومرت. ونازل مراكش 
وكسر عدة جيوش لعلي بن يوسف. ومن هذه السنة أخذ أمر المرابطين في 
التقهقر. ودامت أيام علي بن يوسف في حروب مع جيش المهدي 4/1 أن 
توفي سنة سبع وثلاثين وخمسماثة. 


وتولى بعده ابنه تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين» بويع بعد 
وفاة والده وجهز الجيوش لقتال عبد المؤمن وكابد في دولته أهوالاً شاقة. 
ولم يصف له الدهر بشيء لأن دولة عبد المؤمن في الإقبال ودولته أخذت 
في الإدبار ولم تكن له أخبار يذكر بهاء كمثل من تقدمه من أهل بيته إلى 
أن توفي رحمه الله وهو في مكافحة أعدائه. 


وهذه الدولة اللمتونية ويقال لها دولة المرابطين ودولة الملثمين أيضاًء 
كانت من أجل الدول بالمغرب»؛ وملكت من البلاد ما ذكرنا وما لم نذكره 
خشية الإطالة» وحسمت دولا كانت قبلها بالمغرب مثل مغراوة وبني يفرن 
ملوك فاس. ودولة القيام بالاندلس» ويقال لهم ملوك الطوائف. كإبن عباد 
وأمثاله: وأحسن أيامهم أيام يوسف بن تاشفين. 


وناهيك أن إمام عصره وهو الشيخ الأكمل صاحب العلوم النفيسة أبو 
حامد الغزالي. كان عزم على دخول المغرب في أيام يوسف بن :اشفين 
فلما وصل الإسكندرية بلغه موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين» فرجع 
إلى المشرق. هذا لما سمع الشيخ عنه من الصلاح رحم الله انجميع 
امين . 

وقيل إنما خرب ملك لمتونة بدعاء الشيخ الغزالي. وذلك في أيام 
علي بن يوسف دخل كتاب إحياء علوم الدين للغزالي إلى المغرب» وظهر 
عند الناس ورأوا فيه تشديداً فهجروه وأنكره علماء لمتونة لأنهم كانوا غير 
عالمين بعلم الأصول فبلغوا في الإنكار فيه إلى أن أفتوا بحرقه وتمزيقه 
حيثما وجدوه. وتطلبوه عند الناس فمن أنكره حلفوه بالأيمان المغلظة 


يفيل 


كالطلاق وغيره» ولما بلغ الشيخ الغزالي ذلك دعا عليهم بأن قال مزق الله 
ملكهم. وكان إذ ذاك في مجلسه محمد بن تومرت فقال: على يدي يا 
سيدي. فقال: وعلى يدك. فكان كذلك وانقرضت دولتهم كعادة الدهر ما 
عز دولة إلا وأعقبها بالقهر. والملك لله وحده لا إلاه غيره ولا معبود سواه. 


ومن الدول التي كانت بالمغرب الدولة الموحدية والخلافة المؤمنية. 
وأصل مبدئها الإمام المهدي وأورثها عبد المؤمن بن علي وبنيه 0 : 
بلغت لبني حفص وأنا أذكر طرفاً من ذلك بعون الله سبحانه وتعالى. ذ 
ع عد ا م ع 
خالد بن ا ا ا ا ا 
رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم 
الله وجهه. وقيل هو دعي في هذا النسب ذكره ابن مطروح , وقال هو رجل 
من المصامدة والله تعالى أعلم. وأول أمره كان متقشفاً مشتغلا بطلب العلم 
فرحل إلى المشرق ولازم أبا حامد الغزالي ثلاث سنين» وحصل عليه علما 

وكان أبو حامد إذا رأى ابن تومرت يقول: لا بد لهذا البربري من 
دولة. فذكر بعض الطلبة لابن تومرت مقالة الشيخ وأخبره أن ذلك عند 
الشيخ في كتاب لهء فلازم ابن تومرت أبا حامد إلى أن أطلعه على ذلك 
فقفل إلى المغرب سنة عشر وخمسمائة» فما اجتاز ببلد إلا وغير فيه المنكر 
ويظهر الزهد في الدنيا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويدرس العلم 
إلى أن وصل إلى إفريقية وإلى المغرب وكان أوحد عصره في علم الكلامء 
وأطلعه ابن تومرت على ما في مراده فبايعه على مؤازرته في الرخاء 
والشدة. فلما وصل إلى فاس قام يدرس العلم في بعض م إلى 
سنة أريع عشرة وخمسمائة. فارتحل عنها إلى مراكش فقصد مسجداً يأوي 
إليه وصار يمشي في الأسواق ويغير المنكر ويكسر المزامير. 


فبلغ ذلك لعلي بن يوسف. فأمر بإحضاره فرأى تقشفه فسأله عن 


اين 


فعله فقال له: ‏ أيها الملك إنما أنا رجل فقير وغيرت منكراً وأنت أولى 
بذلك لقدرتك عليه ووعظه وحذره. فلما سمع الأمير مقالته جمع له 
الفقهاء وأشياخ لمتونة وأمرهم بمناظرتهء فأبكت الجميع وكان الغالب 
عليهم علم الحديث. وليس لهم علم بالأصول والجدل فلما أبكتهم لبسوا 
عليه وقالوا هذا رجل خارجي. فأمره الأمير بالخروج من المدينة» فخرج 
إلى الجبانة وبنى خيمة بين القبور وقعد فيها وأتته الطلبة يقرؤون علي 
وكثر تلاميذه وامتلأت قلوبهم بمحبته. وأعلم الخواص منهم بما يريد 
وأخذ يطعن في دولة المرابطين وأنهم كفرة مجسمون, أنه هو الإمام 
المهدي المنتظر فبايعه على ذلك ألف وخمسمائة رجل. 


فبلغ خبره إلى أمير المسلمين علي بن يوسف. فبعث إليه وقال 
له: ‏ اتق الله في نفسك ألم أنهك عن هذا الجمع؟ - فقال له: أيها الأمير 
أنا امتثلت أمرك وسكنت بين القبور فلا تسمع لأقوال المضلين - فأغلظ له 
في القول وانتهرهء ولما خرج من عنده قال له وزيره ‏ هذا الرجل لم يرد 
بك إلا شرأ اقتله وإلا فخلده في السجن وإن أبقيت عليه ليسمعنك طبلا 
يسمع به في الخافقين» وأظن هذا هو صاحب الدرهم المربع - فبدا لأمير 
المسلمين فيه وأرسل خلفه من يوثقه فسمع بعض تلامذته فأتى حتى قرب من 
المهدي ونادى برفيع صوته فيا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك 276 ففطن 
المهدي وخرج على وجهه إلى أن وصل تينمال في شهر شوال سنة أربع 
عشرة وخمسمائة “فلحق به أصحابه العشرة عبد المؤمن بن علي - وأبو 
محمد البشير ‏ وأبو حفص عمر بن يحبى الهنتاتي وهو جد الحفصيين الذين 
ملكوا تونس فيما بعد وأبو حفص عمر بن على وسليمات بن 
خلوف ‏ وإبراهيم بن إسماعيل الهرجي - وأبو محمد عبد الواحد -وموسى 
ابن تمار_- وأبو يحبى بن مكيث. هؤلاء هم السابقون لدعوتهء فبايعوه على 
الرخاء والشدة وأقاموا بتينمال إلى رجب سنة خمس عشرة وخمسمائة, 
فاجتمع عليه خلق كثير ولما رأى ذلك أظهر أمره وبايعوه ببعة رضى . 


)١(‏ الأية .7٠١‏ سورة القصص. 


يرن 


وأول من بايعه أصحابه العشرةء ثم بايعه أصحاب تينمال ودار 
القبائل فأرسل من أصحابه إلى البلاد القاصية ودعوا الناس لبيعته وذكروا 
لهم فضائله. فدخل الناس ى في طاعته وأتوه من كل فج عميق وأعلمهم أنه 
الإمام المهدي المتتظر وجعل لهم توحيداً بلسان البربرء وسمى الذين 
دخلوا في طاعته الموحدين. ولا زال يخدعهم بمكر. إلى أن تمكن من 
قلربهم فاجتمع عنده أزيد من عشرين الفأ نخطب بهم وندبهم لجهاد 
لمتونة فبايعوه على الموت. فانتخب منهم عشرة آلاف وه إلى مديئة 
أغماة فاتصل الخبر بأمير المسلمين فبعث إليهم جيشا فهزمه أصحاب 
المهدي واأتبعوهم بالسيف إلى أن أدخلوهم مراكش» وأتوا بغشائمهم 
فقسمت بين الموحدين. 

وانتشر خبر المهدي في أجميع بلاد المغرب والأندلس وتمادى في 
قتال من خالفه. وجهز جيشاً أخر فحصروا مراكش ثلاثة أعوام وارتحل 
عنهاء وذلك من سنة ست عشرة إلى سنة تسع عشرة. ولما رجع إلى 
تينمال استراح بها ونعرج إلى أغماة وسائر من خالفه إلى أن دانت له البلاد 
وبعث إلى مراكش جيشاً آخر وقدم عليهم عبد المؤمن بن علي وأبا محمد 
البشيرء وجعل عبد المؤمن إماماً للصلاة فالتقى بهم جيش أمير المسلمين 
علي بن يوسف فهزموه. إلى أن أدخلوه مراكش وغلق الأبواب في وجوههم 
فحاصروه ثلاثة أيام . ورجعوا إلى تينمال فخرج المهدي إلى لقائهم وفرح 
بهم وعرفهم بما يكون لهم من النصر والفتح ومدة ملكهم. وأعلمهم أنه 
يموت في تلك السنة ثم بدأ به مرضه الذي مات فيه وقدم عبد المؤمن 
للصلاة» وتوفي في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وخمسمائة. هذا 
ملخص خبر المهدي ولو تتبعنا خبره لطال الكلام وإنما أتيت بهذا القدر 
ليتمهد الأمر إلى دولة بني حفص. وللناس في أخبار المهدي عدة دواوين 
بين مكثرين ومختصرين ومقلين. 

والمهدي ممن مهد الملك لغيره وباء بإثمه وشره. وكان حصوراً فيما 
قيل عنه وفخذاه ملتصقين إلى ركبتيهء ولا يركب على الدابة إلا متعرضا 
والله أعلم بحقيقة أمره واستخلف بعده عبد المؤمن. 


شل 


الخبر عن خلافة عبد المؤمن بن علي الكوفي الزناتي 

هو أبو محمد عبد المؤمن بن علي الكوفي الزناتي. كان أبوه نجاراً 
يعمل النوافخ . وعبد المؤمن تطلب العلم من صغره ولازم المساجد إلى أن 
اتصل بالمهدي فضمه إليه لما أراد الله سبحانه به. بويع بعد وفاة المهدي 
بيعة خاصة بايعه عشرة من أصحاب المهدي لما يعرفون من سجيته وتقديم 
المهدي له في حياته. وبويع البيعة العامة سنة ست وعشرين وخمسمائة 
ولم يتخلف عنه أحد. 


وفي أيامه انقطعت دولة لمتونة من المغرب. وأول بلاد تادلا خرج 
إليها من تينمال في ثلاثين ألفاً من الموحدين؛. اففتحها وسبى ٠‏ ثم غرا درعة 
ففتحها وبلاد فزان وغباثة ولا زال يفتح بلدا بلداً وقبيلة قبيلة ولم تزل 
الحرب بينه وبين علي بن يوسف إلى أن مات علي وتولى بعده ولده 
تاشفين » فقامت بينهما الحرب وجرت بيتهما وقائع عديدة وسار عبد المؤمن 
وخلف جيشا عنها ورحل إلى وهران. فخرج تاشفين خلفه ليدرك وهرانء 
فمات تاشفين في تلك الخطرة ة وفتح وهران وأحذ تلمسان سنة أربعين 
وخمسمائة. وبعث إلى الأندلس جيشاً ففتحوا ما هنالك وبايعه أهل 
الأندلس وملك مدينة فاس. 

وفي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ملك طنجة وفيها ملك مدينة 
مراكش . 

وقي سنة اثنتين وأربعين وفد إليه أهل إشبيلية بالبيعة وفيهم أبو بكر 
ابن العربي فسأله عبد المؤمن هل رأى المهدي عند الشيخ أبي حا 
الغزالي؟ قال: ما لقيته ولكن سمعت بهء فقال له: فما كان أبو حامد يقول 
فيه؟ قال: كان يقول لا بد لهذا البربري أن يكون له شأن. 


وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة دخل عبد المؤمن سجلماسة وأمن 
أهلها ورجع إلى مراكش. ثم غزا بني غواطة فهزموه ثم كانت الكرة 


وفنا 


عليهم: فأجال عليهم السيف حتى من لم يبلغ الحلم؛ وقام عليه أهل 
سبتة وخلعوا طاعته وذلك برأي القاضي عياض وبايعوا لابن غانية: فتحرك 
عبد المؤمن وقاتل أصحاب ابن غانية وهزمهم. فلما علم أهل سبتة كاتبوا 
عبد المؤمن وطلبوا منه الأمان فأمنهم وعفا عنهم وعن القاضي عياض وأمره 
بسكنى مراكش. وفيها فتحت مكناسة بعد محاصرتها سبعة أعوام ودخلها 
بالسيف. وفيها فتحت قرطبة وأخذها من يد لمتونة ومدينة جيان. وفي 
سنة أربع وأربعين وخمسمائة أخذ مليانة. وفيها فتحت هدينة بجاية ملك 
بني حماد بعد محاصرتهاء ونزل صاحبها بالأمان قأمنه ونقله بأهله إلى 
مراكش . 


قلت: الذي أخذت منه بجاية اسمه بحيى بن العزيزء والذين ملكوا 
بجاية وأولهم حماد بن يوسف بلكين الذي تقدم ذكره عند ذكر صنهاجة. 
وحماد هذا قام على ابن أخيه باديس وكانت بينهم ملاحم واستقل بعد ذلك 
بالبلاد الغربية واتخذ بجاية دار ملك. فبقيت في يد بليه إلى زمن عبد 
المؤمن وأولهم حماد كما ذكرنا ثم ابنه القائد بن حماد ثم ابئه الآخر 
محمد بن حماد ثم يلكين بن محمد بن حماد ثم الناصر بن علاء الناس 
ابن حماد ثم ولده المنصور بن الناصر ثم ولده باديس بن المنصور بن 
الناصر ثم أخوه العزيز بن المنصور ثم ولده يحبى بن العزيزء وهوآخر 
ملوك بني حماد. وانقرضت دولتهم وملك عبد المؤمن جميع ما بأيديهم 
مثل بونة وجزائر بني مزغنة» وهي مدينة الجزائر اليوم» وقسمطيئة وغيرها 
ورجع إلى مراكش . 

وفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بايع له أهل غرناطة . 


وفي سئة ثلاث وخمسين وخمسمائة تحرك أمير المؤمنين عبد المؤمن 
ابن علي من مدينة مراكش وقصد إفريقية بأمم لا تحصى» فوصل الزابم 
وبلاد إفريقية» فقتل من عصى وأمن من استأمن إلى أن وصل مدينة تونس 
فحاصرها ثلاثة أيام وارتحل عنها وترك جيشا محاصرا لهاء وسار إلى 
القيروان ففتحها وفتح سوسة وصفاقسء, وارتحل إلى المهدية فحاصرها 


18 


سبعة أشهر وضايق عليها برأ وبحراً ونصب عليها المجانيق وجعل قتالها 
نوباً ليلا ونهاراً حتى فتحها وقتل خلقاً كثيراً من النصارى الذين كانوا فيها 
ورد إلبها صاحبها الحسن بن علي بن يحبى بن تميم الصنهاجي. الذي 
أخذت منه المهدية. وكان لما فر منها قصد ابن عمه ابن حماد فلم يلق 
عنده مراده وهم بالقبض عليه ففر منه إلى الجزائر واستوطنهاء إلى أيام عبد 
المؤمن لما قصد بلاد المشرق» فاتصل به الحسن وبايعه وسار مغه إلى أن 
أخذ المهدية فرده إليه وخطب له بها. 


وفتح مدينة تونس وخطب له بها وفتح جميع بلاد إفريقية من برقة 
إلى تلمسان» ولم يبق له منازع وفرق عماله وقضاته. وقيل فتح المهدية 
كان سنة خمس وخمسين والله أعلم. وفيها أمر عبد المؤمن بن علي 
بتكسير بلاد إفريقية من برقة إلى السوس الاقصى طولاً وعرضاً بالفراسخ 
والأميال. وأسقط الثلث من التكسير في مقابلة الجبال والأنهار والسباخ وما 
بقي قسط عليه الخراج. وألزم كل قبيلة قسطها من الزرع والورق. وهو 
أول من أحدث ذلك بالمغرب» وارتحل عن إفريقية إلى المغرب وأخذ من 
كل قبيلة من عرب إفريقية ألفا وأدخلهم إلى المغرب بعيالهم . 

وفي سنة ست وخمسين وخمسمائة جاز عبد المؤمن من طنجة إلى 
الأندلس مستشرفاً على أحوال البلاد ورجع إلى مراكش. وفي سنة سبع 
وخمسينٍ وخمسماثة أمر بإنشاء الأساطيل في جميع بلاده وأراد غزو بلاد 
الروم برأ وبحرأًء فاجتمع له قريب من سبعماثة قطعة وأمر يضرب السهام 
في جميع عمله فكان يضرب له منها في كل يوم عشرة قناطير. واستجلب 
الأجناد والمطوعة من سائر عمله يستفزهم للجهاد. فاجتمع له ما لم يجتمع 
لغيره من بلاد إفريقية والمغرب والقبائل. واجتمع له من الموحدين وقبائل 
زناته ومن العرب أزيد من ثلاثمائة ألف فارس. ومن جيوش المطوعة 
ثمانون ألف فارس وماثة راجل فضاقت بهم الأرض. 

.ولما استوفت له الجنود وتطاولت إليه الوفود ابتدأه المرض الذي 
توفي منه في جمادي الأخيرة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وعمره ثلاث 


خرن 


وستون سنة» وأيام خلافته ثلاث وثلاثون سنة وخمسة أشهر. فسبحان 
الحي الدائم الذي لا يموت. ودفن بإزاء المهدي في تينمال. 

وكان رحمه الله فقيهاً فصيحاً عالماً بالجدل والأصول حافظاً لحديث 
النبي 25 مشاركاً في علوم كثيرة الدينية والدنيوية وعلم النجوم واللغة 
والأدب والتاريخ وعلم القراءات». نافد الرأي ذا حزم وسياسة وشجاعة 
وإقدام ميمون الثقيبة ل« يقصد بلدا إلا وفتحه. وكان سخياً كريم الأخلاق 
محباً لأهل العلم مقرباً لهم. وله شعر جيد وامتدحه بعض الشعراء وأظنه 
من بلد بنزرت بقصيدة أولها: 
ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي 

فلما انشد بين يديه هذا البيت أشار إليه بالسكوت وأمر له بألف 
دينار. ولما عاد إليه من الغد أنشده البيت المذكور فأسكته وأمر له بألف 
دينار. ولم يزل ينشده كلما دخل عليه فيأمر له بألف إلى أن أوصله يأربعين 
ألفاً. فحسده بعض الشعراء وقال له: - إلى متى وما يأمنك من تغيير أخلاق 
أمير المؤمنين وقد أوصلك بما فيه غناؤك ‏ فارتحل من فوره إلى يلده. 
وسأل عنه عبد المؤمن فأخير برحيله فقال: - لا حول ولا قوة إلا بالله لقد 
ظن بنا غير ما أردناه ولو طال مقامه لزدناه على ذلك - فقيل له: - لم لم 
تسمع تمام القصيدة؟ ‏ فقال عبد المؤمن: ‏ وما عسى أن يقول بعد قوله 
ما هز عطفيه (البيت). رحم الله هذه النفوس الأبية والأخلاق المرضية ماتوا 
وذكرهم لم يمت. سبحان الحي الدائم الذي لا يموت. 
الخبر عن خلافة يوسف بن عبد المؤمن بن الكوفي الزناتي 

بويع في الحادي عشر من اجمادي الأخيرة سنة ثمان وخمسين 
وخمسماثة بعد وفاة أبيه. وكان عاقلا صالحاً مترفقاً في سفك الدماء حسن 
السياسة. أخخل منهج أبيه وسار بسيرته واستكثر من الجيوش ومهد ا 
وضخم الملك. وكان ملكه من قاصية إفريقية إلى السوس الأقصى إلى بلاد 
القبلة وبلاد الأندلس. تجبى إليه خراجها دون مكس ولا جور فكثئرت 


14 


الأموال وأمنت الطرقات وكان يتفقد أحوال مملكتمٍ لا يتكل على أحد من 
وزرائه. وجاز إلى الأندلس سنة ست وستين متفقداً لأحوالها وأقام بها اريم 
أعوام وعشرة أشهر ورجع إلى مراكش سنة إحدى وسبعين. 

ودخل إفريقية سنة خمس وسبعين لقيام ابن زيري بقفصة. فنزل 
على قفصة وملكها وصلب صاحبها ابن زيري وعاد إلى مراكش. 

وفي سلة تسم وسبعين جاز الجواز الثاني إلى الأندلس ونزل على 
شنتين غربي الأندلس فحاصرها حصاراً قويا واستشهد هناك فحمل إلى 
تينمال ودقن هنالك بجنب قبر أبيه. وتوفي سنة ثمانين وخمسمائة وعمره 
سبع وأربعون سنةء وإقامته في الملك إحدى وعشرون سنة وأشهر وقام 
بالأمر بعده ولده يعقوب. 


الخبر عن خلافة أمير المؤمنين يعقوب 
هو المنصور بالله ابن أمير المؤمثير ن يوسف بن عبد المؤمن بن علي . 

كان يعقوب هذا أجل ملوك الموحدين ذا رأي وحزم ودين محياً للعلماء 
ويحضر جنائزهم» ويزور الصالحين ويتبرك بهم. عالما بالحديث واللغة 
مشاركاً في علوم كثيرة مواظباً على الجهاد. وهو أول من كتب العلامة بيده 
من ملوك الموحدين وعلامته «الحمد لله وحدهه وكانت أيامه زينة الدهر 
والأمن في جميع عمله. حتى إن الظعينة تخرج من برقة إلى اخر 
المغرب ولا يتعرض لها أحد. وبنى المساجد في سائر عمله والمارستانات 
للمرضى وأجرى لهم الأرزاق. وخالفت عليه مدينة قفصة فوصل إليها سنة 
ثلاث وثمانين وفتحها. وغزا عرب إفريقية فهزمهم واستباح أموالهم ونقلهم 
إلى المغرب ورجم إلى مراكش دار ملكه 

وفي سنة خمس وثمانين جاز إلى الأندلس فنازل اشترين وأشبونة 
فنكى فيهما وسبى من النساء والذرية ثلاثة عشر الفأء ورجع إلى العدوة 
ونزل مدينة فاس. فاأتته الأخخبار أن الميورقي قام بإفريقية فرحل عن فاس 
ودخل إفريقية ونزل على تونس فوجد الأحوال ساكنة والميورقي فر أمامه 


1١4١ 


إلى الصحراء حين سمع بقدوم أمير المؤمئين يعقوب المنصور. قلت: ذكر 
ابن الشماع رحمه الله الميورقي ولم يستوفه من حقه وها أنا أذكره هنا لإتمام 
الفائدة : هو علي بن إسحاق بن حمويه الصنهاجي صاحب ميورقة ومنورقة 
ويابسة ثلاث جزر في البحرء توفي أبوه إسحاق سنة ثمانين وخمسمائة 
وخلف أولادا. فعلي هذا ويحبى أخوه خرجا إلى افريقية وصنعا العجائب 
بهاء وأخوهما محمد خدم دولة الموحدين وأخوهم عبد الله وهو أصغرهم 
ملك ميورقة وعصى الناصر بن المنصور فتحرك إليه لما دخل إفريقية سنة 
اثنتين وستمائة. وحاصر الناصر ميورقة فمات عبد الله بن إسحاق في تلك 
الحروب فحمل رأسه إلى مراكش وعلقت جئثته على سور ميورقة ولم تزل 
ميورقة في يد المسلمين إلى سنة سبع وعشرين وستمائة أخذها عدو الدين 
كما أخذ غيرهاء أعادها الله للإسلام بمنه وكرمه. 

وأما على فإنه عاش بإفريقية عند اشتغال أمير المؤمنين يعقوب 
المنصور ببلاد الأندلس» فلما سمع به تحرك إليه في هذه السئة قفر أمامه ولما 
رجع أمير المؤمنين إلى المغرب رجع الميورقي إلى إفريقية وملك المهدية 
وتونس وعسف عماله على تونس وألزم أملها مائة ألف دينار» ولم يزل 
متمادياً على حاله في الفساد حتى تحرك إليه الناصر بن المنصور وكانت له 
وقعات وحروب وسيأني بقية بره عند ذكر الناصر. وكان الميورقي شجاعاً 
مقداماً وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة في زمن بني حفص ذكره غير ابن 
الشماع . 

ولما فر الميورقي إلى الصحراء رجع أمير المؤمنين يعقوب المنصور 
إلى المغرب. بعد ما أسكن أحوال إفريقية ودخل تلمسان وأصابه مرض 
ورحل عنها ودخل فاساً فأقام بها حتى عوفي ورجع إلى مراكش فأقام بها 
إلى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة» وفيها اتصلت به الأخبار أن ألفنش 
عاث في بلاد المسلمين ولم يصده أحد واغتئم الفرصة في غيبته ومرضه. 
أي غيبة الخليفة المنصورء وفعل بالمسلمين الأوابد واستحوذ على أكثر 
معاقلهم. فانتدب المنصور جيوشه من الموحدين والأعزاز والمطوعة 
والمرتزقة وقصد الجواز إلى الأندلس فارسل إليه النصرائي كتاباً يقول 


1١1142 


فيه: ‏ من ملك النصرانية إلى أمير الحنفية أما بعد. فإن كنت عجزت عن 
الحركة علينا وتثاقلت عن الوصول إلينا فابعث إلى مراكب من عندك أجوز 
فيها بجيشي إليك. فإن هزمتني فهدية جاءت إلى بين يديك وأنت أمير 
المؤمنين؛ وإن كانت لي عليك كنت أنا صاحب الملتين والسلام - . فلما 
قرأه أخذته الغيرة الإسلامية ورمى بالكتاب إلى ولده ولي عهده. فأجاب 
على ظهر الكتاب بتوقيع يده «إارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها 
ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون276 فسر المنصور بهذا الجواب ودخل 
الأندلس سنة إحدى وتسعين وخمسمائة, وكانت له على الروم نصرة عظيمة 
قتل فيها منهم ما لا يحصى وكان ألفنش لعنه الله انضم إليه من جميع 
الأجناس حتى قيل: كان معه ثلثمائة ألف ما بين راجل وفارس» فهزمهم 
الله ونصر المسلمين ودخلوا حصن الأراك الذي سميت به الواقعة وأخذوا 
منه ما لا يعلم قدره إلا الله ومن الأسارى أربعة وعشرين ألفأ فمنّ عليهم 
أمير المؤمنين يعقوب المنصور وأطلقهم. واستشهد من المسلمين من كتبت 
له السعادة والذي سبقت له الحسنى وزيادة. ومات فيها الشيخ يحبى بن 
أبي حفص جد الحفصيين؛ وكان من أكبر قراده وزعمائه وكانت تحته أخت 
الخليفة المنصور بالله. وكانت هذه الغزوة العظمى تاسع شعبان من السنة 
المذكورة وهي أعظم غزوة على أيدي الموحدين. وقسم الغنائم وكتب 
بالفتح إلى جميع البلاد وأقام بإشبيلية إلى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة: 
خرج إلى غزوته الثانية وفتح قلعة رياح ووادي الحجارة ومعاقل كثيرة. 

وحاصر طليطلة وأحرق رباطاتهاء ونصب عليها المجانيق ثم ارتحل 
عنها إلى سلمنكة فدخلها بالسيف وقتل رجالها ونساءها ورجع إلى حضرة 
ملكه مراكش» وأخذ البيعة لولده محمد الملقب بالناصر وأجلسه في حياته 
مجلس الخلافة . 

ولما استوئق الأمر لولده دخل المنصور إلى قصره فلزمه وبدا فيه 
المرض الذي مات به في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة خمس 
وتسعين وخمسمائة بقصبة مراكش وقيل إنه تقشف وزهد في الدنيا 


يذل 


وارتحل إلى المشرق ومات هناكء وأهل الشام مقرر هذا الخبر عند عامتهم 
والله أعلم . 

وكان رحمه الله أجل ملوك الموحدين وأبعدهم صيتاً وأحسنهم في 
جميع الأمور. له الهمة العالية والسيرة الحسنة والدين المتين والرأي 
الصائب. ويحكى أنه بعث لبعض عماله لينظر له رجلا لتأديب أولاده. 
فبعث العامل له برجلين وكتب معهما كتاباً يقول فيه: - قد بعثت إليك 
رجلين أحدهما بحر في علمه والآخر بر في دينه ‏ فلما امتحنهمالم يرضياه 
فوقم على ظهر كتاب العامل: ‏ ظهر الفساد في البر والبحر- رحمه الله 
وعفا عنه بمنه وكرمه والبقاء لله لا رب غيره ولا معبود سواه. 


الخبر عن خلافة أمير المؤمئين محمد الناصر 


هو ابن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي» بويع 
في حياة والده وجددت له البيعة يوم الجمعة صبيحة الليلة التي توفي فيها 
والده وتم له الأمر وتعاطى تدبير الأمور بيده وخرج إلى مدينة فاس وبئى 
أسوارها وقصبتها. وجاءته الأخبار أن الميورقي غلب على أكثر بلاد 
إفريقية » وأخيذ المهدية وضيق على أهل توس وألزمهم مائة ألف ديئارء 
وقد مر انفاء فرحل من مراكش سئة ثمان وتسعين, ولما وصل إلى جزائر 
بني مزغنة أمر بإنشاء أساطيل. وأخذ في تجهيز العساكر إلى ميورقة ففتحها 
وقتل صاحبها عبد الله بن إسحاق وفر أخوه يحبى ودخل الصحراء. ووصل 
الناصر إلى إفريقية فأطاعه كل من عصى عليه ما عدا المهدية لأن العامل 
بها من قبل الميورقي. وكان شهما صاحب دهاء فحاصره بها ونصب عليها 
المجانيق. فلما رأى العامل أن لا طاقة له بقتال الناصر ركن إلى الصلح 
فصالحه وعفا عنه وكان فتحها سنة إحدى وستمالة . 


وفيى سنة اثنتين وستماثة أراد الناصر الرجوع إلى المغرب فخلف 
على إفريقية الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي بكر بن أبي حفص ومن 


145 


تونس دار الإمارة إلى يومنا هذاء جعلها الله مدينة إسلام إلى يوم الدين 
أمنين . 

ومن هنا نشرع في ذكر بني حفص. لأن هذه الحوادث التي 
ذكرناهاء إنما هي تمهيد لما سيأتي من أخبار الحضرة العليةء وليعلم 
الناظر في هذا المجموع فخامة البلاد الإفري يفقية, ة» ولكن نأتي بقية أخبار 
الخلفاء لإتمام الفائدة» ونرجع للذي تصدئاه عائدين. ولا بد للذي من 
الصلة والعائد. ولما تمكن الشيخ عبد الواحد من البلاد رحل الناصر إلى 
المغرب فوصل إلى مراكش سنة خمس وستمائة . 


وفي سنة ست جاءته الأخبار من الأندلس أن ألفنش ملك بيونة 
وتغلب عليهاء فكتب الناصر إلى سائر عمله واستفز الناس للجهاد وخرج 
من مراكش سنة سبع وستمائة فوصل إشبيلية واهتزت بلاد الأندلس لخبره» 
فدخل ام وبعث إرساله يطلب من أمير 
المؤمنين أن يصل بين يديه ويحكمه في نفسه وماله. فأذن له في الوصول 
إلى حضرته وكتب إلى جميع عماله أن من اجتاز به الفنش ثلاثاً ويمسك 
من عسكره ألف فارس فمسكت هنالك فقال لعاملها: ‏ كيف يكون مسيري 
وحدي؟ - فقال: - تسير في ذمام أمير المؤمنين ‏ فسار في خدمه ومعه 
زوجته وقدم بين يديه هديتهء وأحضر معه الكتاب الذي كان بعثه البي ككلِدٍ 
لبني الأصفر. وبقي محفوظاً عندهم إلى تلك المدة وأظنه إلى الآن 
موجوداً. ولقد رآه بعض إرسال بني حفص في أيام دولتهم» وأخبر بأنه 
قرأه. وهو باق عندهم ويعترفون ببركته. ولما وصل ألفنش إلى الناصر 
أكرمه وأعطاه علا تاماً وكتب له بذلك ‏ مادامت دولة 
الموحدين ‏ وصرفه إلى بلاده. وارتحل الناصر إلى قشتيلية فحاصرها سئة 
أشهرء ودخل الشتاء وقلت الميسرة وغلت الأسعارء فانتهز عدو الله الفرصة 
وجمع من كل النصرانية جيشاً وكبس به به عسكر المسلمين على حين غفلة 
ففر عسكر الأندلس أولاًء وعادت الكسرة على المسلمين فهزموا واتبعهم 
عدوالله ونادى أن لا أسارى إلا القتل. فلم ينج من المسلمين إلا القليل» 


ل 


وكاد الناصر أن يقع بأيديهم لولا لطف الله به. ومن هذه الكسرة لم ترثع 
للمسلمين بالأندلس راية إلى زمان يعقوب المرينى وهذه الواقعة يسميها 
أهل السير بالعقاب . ْ 

ولما رجع الناصر إلى العدوة ودخل مراكش أخذ البيعة لولده يوسف 
وتلقب بالمنتصرء وانعكف الناصر على لذاته إلى أن توفي سنة عشر 
وستمائة» ومن هنا أخذت دولة الموحدين في الانحلال وقام بالأمر بعده 
ولده يوسف. 
الجر عن خلاقة أمير المؤمنين يبوسف المنتصر 

هو ابن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن 
ابن علي. قام بالأمر.بعد أبيه فقرب الأراذل وأبعد مشائخ الموحدين فكانت 
لا تنفذ أوامرهء وأعمذت دولة الموحدين في في الإدبار وظهرت دولة بني مرين 
في أيامه سنة ثلاث عشرة وستمائة» وبعث المنتصر جيشاً لقتالهم فكان 
الظهور لبني مرين واستباحوا عسكر الموحدين. وكان يميل إلى الراحة 
فكانت لا تنفذ أوامره عند عماله. وكان مغرى بنتاج البقر فدخل ذات يوم 
بين البقر ففصدت إليه بقرة شرودة فضربته في بطنه فمات من ساعته. وكانت 
أيام ملكه عشر سنين وأربعة أشهرء وذلك سنة عشرين وستمائة والملك لله 
وحده. ولما مات اتفق أشياخ الموحدين على مبايعة أبي محمد عبد 
الواحد. 


الخبر عن خلافة أمير المؤمنين أبي محمد عبد الواحد 

هو ابن يوسف بن عبد المؤمن بن علي . بويع الث عشر ذي الحجة 
سنة عشرين وستماثة وهو في سن الشيخوخة, وكان صالحاً متورعاً فاستقام 
له الأمرشهرين ثم اضطربت أحواله وقام عليه أبو محمد العادل وكان في 
مرسيةء فأخذ البيعة لنفسه وكتب إلى أخيه أبي العلى وكان بإشبيلية يدعوه 
إلى بيعتهء فأجابه وبعث إلى أشياخ الموحدين الذين بمراكش والعدوة 
فاستمالهم بعد ما وعدهم بجزيل العطاء فاتفقوا على مبايعته ودخلوا على 


145 


الخليفة عبد الواحد فطالبوه بخلع نفسه وتهددوه بالقتل فأجابهم فأدخلوا 
عليه القاضي والشهود فأشهدهم على خلعه وأنه بايع لأبى محمد العادل. 
وبعد أيام دخلوا عليه فخئقوه ونهبوا قصره وكان أول مخلوع من بني عبد 
المؤمن. وانفتح باب الفتن بين الموحدين وصاروا كالأتراك بالعراق. 
وكانت أيام خلافته ثمانية أشهر وتسعة أيام. وقام بالأمر بعده أبو محمد عبد 
الله ولقنه العادل بأحكام الله. 


الخبر عن خلافة أمير المؤمنين عبد الله 

هو ابن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي ٠‏ بويع 
بمرسية في صفر سنة إحدى وعشرين وستمائة وتم له الأمر في شعبان بعد 

عبد الواحد. ورجع من الأندلس إلى حضرة مراكش وفوض أمر 
الأندلس إلى أخيه أبي العلاء الملقب فيما بعد بالمأمون فأقام على طاعة 
أخيه إلى سنة أربع وعشرين وستمائة فنكث بيعة العادل ودعا الناس لمبايعته 
فأجابوه. وتلقب بالمأمون وكتب إلى أشياخ الموحدين بمراكش واستمالهم 
فأجابوه فدخلوا على العادل وخنقوه بعمامته حتى مات في شوال أربع 
وعشرين وستمائة. وكانت خلافته ثلاث سنين وشهرين وكتبوا بيعتهم إلى 
المامون أبي العلاء إدريس وبعئوا بها على البريد ثم ندموا وخافوا منه لما 
يعرفون من شهامته. فرجعوا وبايعوا يحبى بن الناصر. 

هو ابن محمد الناصر بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن 
ابن علي لقبه المعتصم بالله» بويع في الثاني والعشرين من شوال سنة أربع 
وعشرين وستمائة» وامتنع من مبايعته كثير من الناس لمبايعتهم المامون. 
ووقع لذلك فتن في البلاد واضطربت الأحوال وكثرت المحن وغلت 
الأسعار وكثر الخوف واتصل الخبر أن المأمون بويع له بالاندلس وأنه جاز 
عليه بمراكش فر إلى جبل درن ثم رجع إلى مراكش فاقام سبعة أيام ثم 


/ا1 


هرب ثانياً وكانت بينه وبين المأمون حروب انهزم فيها يحبى ولم يزل 
شريداً إلى أن مات سنة ثلاث وثلائين في أيام الرشيدء وسيأتي خبرهء 
وجدد الموحدون البيعة للمأمون آخر جمادي الأخيرة سنة ست وعشرين 
وستمائة . 
الخبر عن اخلاية أمير المؤمنين المأمون 

هو أبو العلاء إدريس بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن 
ابن علي , كان فصيح اللسان ضابطاً للحديث الشريف حسن الصوت 
والتلاوة عالما بالعربية واللغة والآداب وأيام الناس سالكاً في أمور الدنيا 
والدين. وكان حازماً شجاعاً وهو أول من أدخل النصارى إلى مراكش 
استنصر بهم ودخل معه إثنى عشر ألف نصراني . 

ولما حل بمراكش صعد المنبر وخطب الناس وسب مهديهم وقبح 
مذهبه ومذهب من تبعه ومحا اسمه من الدراهم ومن الخطبة وقال: لا 
ندعوه بالمهدي. أشياء يطول شرحهاء وكتب بذلك إلى الآفاق وقتل أشياخ 
الموحدين لأجل نكثهم البيعة ولم يبق منهم أحد وكانت جملة القتلى أربعة 
الاف وستمائة وكتب لعماله بالا مر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقام عليه 
أخوه بالاندلس وكثرت عليه المحن وتوالت عليه الهموم قمات رحمه الله. 
وكانت أيام خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وفي أيامه استولت الروم على 
جزيرة ميورقة» وبويع ولده عبد الواحد وتلقب بالرشيد. 
الخبر عن خلافة أمير المؤمنين الرشيد. 

هو عبد الواحد بن إدريس بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد 
المؤمن بن علي. بويع أول المحرم سنة ثلاثين وستمائة وعمره أربع عشرة 
سنةء فأقام بمراكش إلى سنة ثلاث وثلاثين فقتل جملة من أشياخ الخلط 
فقاموا عليه وحاربوه فانتصر عليهم بعد ما نهبوا مراكشء وهرب ورجع إلى 
حضرته ولم يزل في شتات إلى أن وافاه حمامه غريقاً في صهريج يوم 
الخميس تاسع جمادي الأخيرة سنة أر بعين وستمائة . وأيام خلافته خمسة 


144 


أعوام وخمسة أشهر وأيام , وكان في زمانه وباء وغلاء مفرط بحيث أنه بلغ 

وفي أيامه استبد أبو زكرياء يحبى بالإمارة في مدينة تونس ولم يتسم 
بأمير المؤمنين ٠‏ وتغلبت بنو مرين على أكثر بلاد المغرب وقام بالأمر بعده 
أبو الحسن السعيد . 


الخبر عن خلافة أمير المؤمنين المعتضد 
هو أبو الحسن علي بن إدريس المأمون بن يعقوب المنصور بن 


يوم وفاة أخيه الرشيد بمراكش عاشر جمادي الأخيرة سنة أربعين وستمائة . 


وفي أيامه كثر جمع بني مرين وأرسل إليهم الجيش فكانت الدائرة 
لبني مرين» وخرج سنة ثلاث وأربعين بنفسه في جمع عظيم وأخذ البيعة 
على الأمير أبي يحبى بن عبد الحق المريني وجاءه الخبر في هذه السنة 
بأن المنتصر تسمى بأمير المؤمئين احتقارا لدولته فأزمع للخروج بنفسه 
والتقى ببني مرين؛ وكانت بينهما وقعات وحارب ابن زيان القائم بتلمسان؛ 
وفر أمامه إلى بعض القلاع فتبعه السعيد وحاصره بها ثلاثة أيام؛ وخرج 
السعيد في الهاجرة يتجسس عن أحوال القلعة وكيف الحيلة في أخذهاء 
فكمن له ثلاثة نفر على غفلة فقتله أحدهم وقنل وزيره معهء ونهب ابن 
زيان جميع ما كان في محلته وحملت جثته فدفنت خارج تلمسان». وكانت 
وفاته يوم الثلاثاء آخر صفر سنة ست وأربعين وستمائة وبويع بمراكش 
المرتضى . 
خلافة أمير المؤمئين المرتضى 

هو أبو حفص عمر بن الأمير اسحاق بن أمير المؤمنين يوسف بن 


وارتحل إلى مراكش وأخطذ البيعة عن أهلها واستقام له الأمر من مدينةسلا 


144 


أيام هناء ورخاء مفرط ما سمع يمثله . 


وخرج سنة ثلاث وخمسين في ثمانين ألفأ إلى قتال بني مرين فلما 
قرب من مدينة فاس وكان خوف بني مرين خامر قلوبهم انطلق فرس ليعض 
واحتوى على جميع محلته وسار المرتضى إلى مراكش في نفر يسير فأقام 
بها إلى أن دخل عليه أبو دبوس فقتله أواخر المحرم سنة خمس وستين 
وستمائة.: فكانت أيام خلافته تسع عشرة سنة إلا أياما وتولى بعدة الوائق أبو 
دبوس . 


خلافة أمير المؤمنين أبي دبوس 

هو إدريس بن الرشيد أبي حفص بن أمير المؤمنين عبد المؤمن بن 
على كان شجاعا مقداماء وسبب تملكه مراكش كان المرتضى نقم عليه 
أشياءء فخاف منه وهرب إلى أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق المريني 
منتصراً به فألفاه بمدينة قاس فأكرم مثواه وأعانه بالمال والرجال واتفق معه 
أن يعطي لبني عبد الحق النصف فيما يغلب عليه من البلاد. فلما تمكن 
من مراكش ودخلها على حين غفلة وفر أمامه المرتضى واستقل بالأمر كتب 
إليه الأمير يعقوب يهنئه ويطلب منه الشرط الذي بينهما فقال 
للرسول: - قل لأبي عبد الرحمن يغتنم الفرصة ويقنع بما في يديه وإلا 
أتيته بجنود لا قبل له بها- فلما وصل الخبر إلى يعقوب المريني شن على 
بلاده الغارات وجهز له الجيوش. 

وفي سنة سبع وستين خرج أمير المسلمين يعقوب المريني بنفسه 
فالتقى معه أبو دبوس ببلاد دكالةء فكانت بينهما حروب قتل فيها أبو دبوس 
وجيء برأسه إلى يعقوب بن عبد الحق فبعئه إلى مدينة فاس وطيف به 


16 


3 


هنالك ونهب محلته. وكان قتله آخر ذي الحجة سنة سبع وستين وستمائة 
وبه انقرضت دولة بني عبد المؤمن. 

وكان ابتذاء أمرهم من المهدي بن تومرت خمس عشرة وخمسمائة 
وانقرضت بأبي دبوس سبع وستين وستمائة. وملوك بني عبد المؤمن أربع 
عشرة خليفة - وانتقلت بلاد المغرب إلى حكم بي مرين - والأندلس إلى 
الثوار من الطوائف ‏ وإفريقية إلى بني حفص والله يرث الأرض ومن عليها 
وهو خير الوارثين. 


16١ 





(لفسل ين 


فيمن نولى من بني حفص في البلاد الإفريقية 


وها أنا أذكر بعض سيرتهم والعمدة في ذلك على ما نقله ابن 
الشماعء ولكن نأتي به مختصرا لثلا نذهب ديباجته ويظن المتأمل أني 
غرت عليه ونزلت ساحته. وريما نأتي بما ليس فيه وأذكره وأنبه عليه. إن 
شاء الله تعالى وبه المستمان وعليه التكلان. فأقول وبالله التوفيق. 


أول من تملك من بني حفص المولى أبو محمد عبد الواحد بن أبي 
بكر بن الشيخ أبي حفص عمر بن يحبى بن محمد وانودين بن علية بن 
أحمد بن والال بن إدريس بن خالد ب بن اليسع بن الياس بن عمر بن وافتن 
ابن محمد بن نجبة بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن 
الخطاب رضي الله تعالى عنه كذا قيد نسبه ابن الشماع. قلت هذا النسب 
غارق في أنساب البربر. والعرب كانت تأنف التزوج منهم وخصوصاً قريشأًء 
والله أعلم بحقيقة ذلك. ولاجل هذا النسب الشريف خطب لهم بأمير 
المؤمنين والناس مصدقون في أنسابهم والشيخ أبو حفص من قبيلة هنتاتة 
من قبائل المصامدة» وهنتاتة أكثرها جمعا وهم القائمون بدعوة المهدي بن 


1 


تومرت والسابقون إليهاء وأبو حفص أحد العشرة الذين بايعوا المهدي. 
وقل سبق خبره. 

ولما دخل الناصر بن المنصور إفريقية عند تغلب بن غانية عليها وهزمه 
الناصر وطرده واسترجع المهدية ورجع إلى تونس وأقام بها حولا وأراد 
الرجوع إلى المغرب. أراد أن يولي بإفريقية من يقوم مقامه فوقع اخختياره 
على المولى عبد الواحد فولاه عليها بعد تمنع وشروط شرطها عليه ووفى 
له الناصر بها فرفعت رايته بين الموحدين ورحل الناصر لق المغرب 
وفارقه المولى عبد الواحد من باجة ورجع إلى حضرة تونس2. فمّعد مقعد 
الإمارة بقصبتها وذلك يوم السيث عاشر شوال سنة ثلاث وستمائة.» وكان 
زمام التضييف بتونس للوفودء وكان يجلس يوم السبت للنظر في مسائل 
الناس ومدحه بعض الفضلاء بقصيدة تدل على فضله ومنها: 


وماذا على المداح أن يمدحوا به وفيك خصال ليس تحصره بالعد 
نهارك في تدبير ما يصلح الورى وليلك مقسوم على الذكر والورد 


ودخل عليه الإمام أبو محمد عبد السلام البرجيني من تلامذة الإمام 
المازري وكان تحت جبوة منه. فقال له المولى عبد الواحد: - كيف حالك 
يا فقيه؟ ‏ فقال: ‏ فى عبادة ‏ فقال له المولى عبد الواحد: - تعوضها إن 
شاءالل بالشكر- قال ابن بخيل كاتب المولى عبد الواحد: ‏ لم نفهم ما 
أراد فسألت المولى عن ذلك فقال: ‏ أراد قول رسول الله ييل - انتظار 
الفرج بالصبر عبادة- . وهذا يدل على ذكائه رحمة الله عليه وتوفي يوم 
الخميس أول المحرم عام ثمانية عشر وستمائة وأيام دولته أربع عشرة سنة 
وثلاثة أشهر. ودفن بالقصبة وقبره يزار ويتبرك به وبالقرب من تربته مغارة 
كان يتعبد فيها. 


قلت: وتربته إلى يومنا هذا مشهورة داخل القصبة. ولما توفي رحمه 
الله قدم ولده المولى أبو زيد ثم طلع إلى المغرب هو وأخوته. لم وصل 


165 


إلى تونس أبو محمد عبد الله بن المولى عبد الواحد من قبل العادل بن 
المنصور ومعه أخوه أبو زكرياء يحيى سنة ثمان عشرة . 

عبد الله ثم وقع بينهما اختلاف. فخرج المولى عبد الله إلى قتال أخخيه أبي 
زكرياء. فخالف عليه الموحدون وأبو قتال أخيه فرجع لتونس واستقر بهاء 
ثم بعد ذلك تحرك أبو زكرياء إلى تونس فملكها ووجه أناه في البحر إلى 
مدينة إشبيلية من بلاد الأندلس واستقر قدم المولى أبي زكرياء في الإمارة. 


هو المولى أبو زكرياء يحبى بن المولى أبي محمد عبد الواحد بن 
أبي بكر بن المولى أبي حفص عمر الهنتاتي» ولد بمراكش سنة تسع 
وتسعين وخحمسمائة وبويع بالقيروان في رجب سنة خمس وعشرين وستماثة 
وجددت له البيعة يوم وصوله لتونس في الرابع والعشرين من رجب 
المذكور. 

وفي سنة أربع وثلائين. بويع البيعة الثانية وذكر اسمه في الخطبة 
ولم يتسم بأمير المؤمنين واقتصر على الأمير وعرض له بعض الشعراء بقوله 
من قصيدة يحرضه فيها وهو وقوله : 
الأصل بالأمير المؤمنين ‏ فاأنت بها أحق العالمين 

فزجره ولم يقبل وذلك في أيام الرشيد بن المأمون بن يعقوب 
المنصور عند اضطراب المغرب فاستبد أبو زكرياء بإفريقية. 

وفي سنة خمس وثلاثين وستمائة وصلت إليه بيعة زيان بن مردنيش 
صاحب شاطبة ورسوله أبو عبد لله محمد الأبار وانشده قصيدته السينية 
الفريدة التى منها. 
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا إن السبيل إلى منجاتها درسا 


166 


وفي سنة تسع وثلائين نحرك إلى مدينة تلمسان ففتحها و وكان معه من 
الجيش أربع وستون ألف فارس. 


وفي سنة أربعين وصلت إليه بيعة سبتة وبيعة المريةء وفي سنة ثلاث 
وأربعين وصلت إليه بيعة إشبيلية والمرية وغرناطة ووصل وفدهم لتونس 
وقرئت بيعتهم على الناس» وكان رحمة الله عليه من الصالحين والعلماء 
العاملين. خختم على الشيخ الرعيني السرسي كتاب «المستصفى» للغزالي , 
وغيره من الكتب المفيدة وناظر في النحو على ابن عصفورء وكان فقيهاً 
أديياً 8 معدوداً في العلماء والشعراف وكان مختصراً في لباسه ومركوبه 
وكان يلبس جبة الصوف وحرام الصوف. 


ونقل عن ابن القصار أن المولى أبا زكرياء استدعى وزراءه من باب 
الصرف بعد انفصال مجلسه. والعادة عنده أن من استدعاه من ذلك المكان 
إنما يستدعيه للعقوبة. قال الوزير: فلما استدعيت أدخل بي بابا إلى أن انتهيت 
إلي باب قبة الخليفة فوجدته جالساً على كرسي من خشب وبيده إبرة وهو 
3 ثوبهء فسلمت عليه فأمرني بالجلوس وإذا بخادم قد أتى بمائدة مغطاة, 

فلما رفع عن المائدة فإذا بها طعام واحد ورغيف خبرز غير نقي فأكل 
وأكلت معه. فلما فرغ قال لي .انصرف بسلام فخرجت ووقعت عندي 
حيرة؛ فأخبرت بذلك بعض أصدقاء لي فقال: وما صنعت؟ قلت: لا شيء 
إلا إني لما دخلت عليه نظرني شزرأء فقال لي: دخلت عليه في ثيابك 
هذه؟ قلت: نعم قال لي: من هنا أتى عليك تراه أخبرك أن كسوته 
المرقعة وأكله الخشن من الطعام فإن أنت انتهيت عن فعلك ولباسك 
الثياب الرفيعة وإلا لا تلومن إلا نفسك. قلت: رحم الله هذه الروح 
الزكية. وهو الذي بنى الجامع بالقصبة وبنى صومعته العجيبة وهي باقية 
إلى يومنا هذاء ولها شكل عجيب واسمه منقوش عليها وكانت قبل اليوم 
بارزة ينظر إليها المار بها ويقرأ ما هو مكتوب عليها وقد حيل بينها ببناء ستر 
أكثرهاء ولم يبق منها إلا مقدار نصفها وانستر رونقها على الناظرء وكان 
بناؤها سنة تسع وعشرين وستمائة: وبنى مصلى العيدين. 


15 


قلت: هو الذي يقال له جامع السلطان من ناحية المركاض وكذلك 
بنى المدرسة التي بطرف سوق الشماعين. قلت: سوق الشماعين يعمل 
فيه السبابط في يومنا هذاء وبنى سوق العطارين وحضر مدينة تونس» 
وجمعت دولته من رؤساء العلماء والشعراء وأهل الصلاح ما لم يجتمع 
لغيره.» وجمع بعدله وسياسته أموالاً لا تحصى إلا بالبيت» والبيت عبارة عن 
ألف ألف. وخلف سبعة عشر با من المال. ومن الكتب ستة وثلاثين 7 
مجلد. وفي سنة سبع وأربعين تحرك إلى الغرب فمات هناك ودفن بجامع 
بوئة ونقل بعد إلى قسمطيئنةء وكانت وفاته آخر جمادى الأخيرة وهو ابن 
تسع وأربعين سنةء ودولته اثنتان وعشرون سنة وترك من الأولاد الذكور أربعة 
وهم محمد المستنصر وأبو إسحاق وأبو بكر وأبو حفص عمر. 


ويقال إن في هذه السنة توفي الملك الصالح ابن أيوب صاحب مصر 
وكان ديناً عفيفاً والملك المنصور ابن رسول صاحب اليمن والأمبراطور 
صاحب صقلية عظيم النصرانية وألفنش الأحول عظيم النصرانية بالأندلس 
فكانوا يروون أن حذاق ملوك الدنيا ماتوا في سنة واحدة فسبحان من لا 
يزول ملكه. 


خلافة الأمير المولى أبي عبد الله محمد 


هو ابن المولى أبي زكرياء بن المولى أبي محمد عبد الواحد بن أبي 
بكر بن المولى أبي حفص عمرء بويع صبيحة الليلة التي توفي فيها والده. 
يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأخيرة سنة سبع وأربعين 
وستمائة. وعمره اثنتان وعشرون سنة أمه أم ولد اسمها عطف وهي التي 
أمرت ببناء جامع التوفيق والمدرسة التوفيقية» قلت: المدرسة التوفيقية 
اندرست اثارها وكانت قبالة زاوية الشيخ الزليجي . 

وفي سنة ثمان وأربعين نصبت المقصورة بجامع الموحدين. وفيها 
بنيت السقاية التي شرفي جامع الزيتونة. وفيها جعلت الشكلة لليهود وبولغ 


/اه 1 


وفي سنة إحدى وخمسين بنيت قبة الجلوس وبنى الممشى إلى رأس 
الطابية . 


وفي سنة اثنتين وخمسين وصلت ببعة بني مرين من مدينة فاس 
ودعي له على منايرها . 

وفي سنة سبع وخمسين وصلت بيعة مكة بإنشاء عبد الحق ابن 
سبعين» وقرئت على الناس فعند ذلك تسمى بأمير المؤمنين. لقب 
بالمستنصر باللهء وكان قبل ذلك يدعى بالأمير فقطء ونصب للقضاء في 
الاحكام الشرعية أبا عبد الله محمد بن إبراهيم المهدوي المعروف بابن 
الخباز» من أهل العلم والورع. وكان المستنصر يقول: ‏ ما يسألئي الله 
عن أمور الأمة بعد أن قدمت عليهم ابن الخباز. 

وفي عام ستة وستين أمل المستنصر بناء الحناية التي كان يجري 
عليها الماء إلى مدينة قرطاجنة في الزمن الأول» فأصلح ما فسد منها 
وأحياها وأجرى عليها الماء من عيون رغوان. وجعل قطعة من الماء إلى 
سقاية جامع الزيتونة وباقي الماء إلى جنة أبي فهر. قلت: هي التي يعبر 
عنها في زماننا بالبطوم. ولم يبق من ذلك إلا الفسقية وبقيت خرائبء والله 
يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. 

وفي هذه السنة تحرك إلى بني رياح. ومسك جماعة من رؤسائهم» 
رضربت أعناقهم وبعث إلى تونس برؤوسهم على الرماح. 

وفي سنة ثمان وستين وستماثة في ذي القعدة تازل الإإفرنسيس مدينة 
تونس بجموع وافرة فرساناً ورجالاًء وكانت بينهم وبين المسلمين حروب 
مات فيها خلق كثير من الفريقين ومدة إقامتهم أربعة أشهر وعشرة أيام . 

وفي عاشر المحرم سنة تسع وستين مات طاغيتهم. فيل: إن السلطان 
بعث إليه بسيف مسموم. وقيل: مات حتف أنفه. وأرسل الله وباء على جيشه 
فمات عدد كثيرء وطلبوا الصلح فصالحهم السلطان على الإنصراف من 
غير تعرض لجهة من جهات المسلمين. على أن يدفع لهم ألف قنطار 


١همل‎ 


وماثة قنطار وعشرة قناطير من الفضة. والهدنة خمسة عشر عاماً فتم 
الصلح . وكان رحمه الله لم يخرج إلى قتالهم وإنما يمدهم بالجيوش. 
وسبب نزول الفرنسيس تونس قيل: إنه ذكر يوما بحضرة المستنصر فهضم 
من جانبه وقال: هو الذي أسره هؤلاء واطلقوه. يشير إلى الأتراك الذين 
كانوا بين يديه وكان استتخدم منهم جماعة فبلغت هذه المقالة الفرنسيس 
فحقد لها وعزم على غزو تونس. ولما علم المستنصر بذلك طلب منه 
المهادنة فامتنع وأغلظ للرسول وعزم على أخذ تونسء فجعل الله هلاكه بها 
ومن غريب الاتفاق لما نزل تونس قال أحد أدبائها الشعراء. 
يا فرنسيس هذه أخت مصر فتهيا لما إليه تصيير 
لك فيها دار ابن لقمان قبر ‏ وطواشيك منكر ونكير 
فصدقت الأقدار قوله. ومات بأرض المعلقة وقبر بها وهذه الأبيات 
يشير فيها بالتلميح إلى ما سبق له بأرض مصر سنة سبع وأربعين وستمائة» 
تزل على مديئة دمياط وملكها ومدة إقامته بها تسعة أشهر وذلك في زمن 
السلطان الكامل ابن أيوبء فأمكنه منه فأخذه وجماعة من قواميسه وحمل 
على جمل ووجهه إلى خلف وطيف به وسجن في دار ابن لقمان ووكل به 
طواشي اسمه صبيح ففدا نفسه بقناطير من الذهب وحلف أن لا يطأ أرض 
المسلمين؛ فلما رجع إلى بلاده عزم على العودة إلى الديار المصرية 
ونكث العهود بنفسه الخبيئة: فلما علم به صاحب مصر كتب له رقعة من 
إنشاء كمال الدين بن مطروح وبعئها مع رسوله وفيها قصيدة بليغة» فلما 
ورد الرسول على الفرنسيس استجلسه فأبى أن يجلس وأنشده وهو قائم بين يديه : 
قل للفرنسيس إذا جكته هقال صدق من مقول فصيح 
أتيت مصر تبتغي ملكها تظن أن الدين باطل ريح 
ومنها: 


وقل لهم إن أزمعوا عودة لاخذ ثار أو لفعل قبيح 
دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح 


164 


وهي طويلة ذكرها المقريزي. وذكر ابن الشماع عدة أبيات منهاء 
والقصة في غير ما موضع مشهورة. فلما سمع المقالة ذلت نفسه على 
العودة إلى مصر وأراد أن يأخذ ثأره من تونس فدمره الله تعالى وكان نزوله 
على تونس سبباً لإتلاف الأموال التي تركها المولى أبو زكرياء والتي جمعها ولده 
المستنصر ففرقت على الأجناد والوفود والأعراب» 0 المستنصر بالله في 
الحادي عشر من ذي الحجة سنة خمس وسبعير ن وستمائة وعمره خمسون 
سنة. فكانت خلافته ثمانية وعشرين عاماً وخمسة أشهر وأحد عشر يوماً 
رحمة الله عليه. وتولى بعده ولده المولى أبو زكرياء يحبى ولقب بالوائق 
وخلع فيما بعد. 
خلافة الأمير الولى أبي زكرياء يحبى الوائق 

هو ابن المستنصر أمير المؤمنين ابن المولى أميرالمؤمنين أبي زكرياء 
يحبى بن عبد الواحد بن أبي بكر بن عمرء بويع صبيحة اليوم الذي نوفي 
فيه والده. 

ولما ولي سرح المسجونين وأمر برفع المظالم وإحراق ازمة المودات 
وبالنظر في بناء جامع الزيتونة وغيره من المساجد وأحسن إلى الجندء وكان 
غير ناهض بأعباء الملك وغلب على أمره ابن الغافقي» وكان ابن الغاققي 
كثير الإعجاب مفرطاً في التعسف والكبر مشتغلاً بالبناء وآلات الملاهمي 
واقتناء الأثاث» ولا يحسن شيئاً من سياسة الملك والرعية فأدى ذلك إلى 
فساد الملك» فخرج عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم وكان يما بالأندئس لما 
فر في زمن أخيه المستنصر خيفة على نفسهء وأقام بها زماناً وكان أخوه 
المستنصر يهادي صاحب الأندلس لإمساك أخيه عنده. فلما مات أخوه 
وتولى ولده أبو زكرياء ولم يكن له ولا لمن بين يديه معرفة بالأمور جاز 
المولى أبو إسحاق إلى المغرب وقصد إفريقية فملكها وأتى إلى تونس في 
غرة ربيع الثاني وضايق على المولى أبي زكرياء فخلع نفسه لعمه وسلم له 
الأمر فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماء وخرج من 
القصبة وسكن بدار الغوري بسوق الكتبيين إلى أن مات في صفر سنة تسع 
وسبعين بعد ما اعتقل ومات مسجونا رحمة الله عليه. 


1 


خلافة أمير المؤمنين أبي إسحاق إبراهيم 


هو ابن المولى أبي زكرياء يحبى بن المولى عبد الواحد بن أبي بكر 
ابن أبي حفص عمرء بويع بتونس غرة ربيع الأخير سنة ثمان وسبعين 
وستمائة.» وكان ملكا شجاعا وفيه غلظة ويغيب عن مجلسه لأنسه» ودانت 
له إفريقبة 

وفي سنة ثمانين وستمائة بعث ولده المولى عبد الواحد لجباية 
الوطن. وأخذ مال هوارة فلما بلغ القيروان بلغه أن مرغم بن صابر الرياحي 
معه قائم يدعي أنه الفضل بن الوائق فكتب إلى أبيه بذلك, 

وفي سنة إحدى وثمانين عظم أأمر الدعي وملك قابس واحتوى على 
أكثر البلاد. فأخرج الخليفة إليه جيشاً من تونس أمر عليه ولده أبا زكرياء. 
فنزل القيروان ونزل الدعي قمودة فانسل غالب العسكر إلى الدعي ولم يبق 

مع المولى زكرياء إلا قليل. فرجع إلى تونس وأخبر أبامء فخرج أبوه 

الخليفة بنفسه في شوال من السنة المذكورة بجيش عظيم وأخرج من 
الدروع والسيوف ما حمل على تسعين بغلا. ونزل بالمحمدية فلم يغن 
شيء من ذلك, وفر عنه أكثر عسكره إلى ل 
هنالك. فرجع إلى تونس وأخرج نساءه وأولاده ورحل إلى المغرب. 


ولما وصل بجاية لقيه ولده أبو فارس وكان عامل بها فخلع الخليفة 
نئفسه لولده أبي فارس. وتلقب بالمعتمد وتجهز للقاء الدعي وترك والده 
ببجاية والتقى المعتمد والدعي بوطأة قلعة سنان فخانت أنصار المعتمد. 
فأخذ وقتل ونهبت أمواله. ولما سمع أبوه الخبر خرج هارياً فأدركه أهل 
بجاية فأحذوه وأتوا به إلى او فقتله في تاسع عشر ربيع الأول سنة 
اثنتين وثمانين وستمائة فكانت مدته ثلاثة أعوام وستة أشهر وستة وعشرين 
يومأء ولج ولده المولى أبو زكرياء إلى بلاد المغرب. والدعي هذا هو 
أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة المسيلي . ٠‏ مولده بها ونشاً بيجاية وكان 
محترفاً حرفة الخياطة خامل الذكرء إلا إنه كان يتطور وخالط السحرة 


15 


ويزعم أنه يحيل المعادن إلى الذهب بالصناعة» وتقلّب ف البلاد إلى أن 
وصل إلى طرابلس» وصحب نصيراً مولى الوائق ابن المستنصرء» فلما رآه 
تبين له في شبه من هولاه فأخذ نصير يبكي ويقبل قدميه. فقال له الدعي : 
ما خبرك فقص عليه خبر مولاه ققال له: صدقني وأنا اخذ بثار مولاك 
فأقبل نصير على أمراء العرب وأخبرهم أنه ابن مولاه فصدقوه وأتوا ببيعتهم 
وزعم أنه الفضل , . بن الوائق ابن المستنصرء فكان من ن أمره أن خطب له 
على منابر |فريقية 0 سفاكاً للدماء خسيساً عاجرا كذاباًء ولم تكن له 

ولما تمادى في جوره وكذبه مقته الناس ومقته جنده وظهر ظهر المولى أبو 
حفص بن المولى أن زكرياء. وكان مختفياً في البادية والتف عليه الناس 
فجاء لتونس وحاصر الدعي وانكشف سره فأيقن بالهلاك وفر بنفسه إلى دار 
فران أندلسي قرب حمام زرفقون. فدلت عليه امرأة فاحيط به وضرب 
أسواطاً فاعترف بتدليسه وبنسبه وشهد عليه الناس بمحضر القاضي , ثم 
طيف به على حمار ثم قطع رأسه فكانت مدته بتونس سنة ونصفاً غير ثلاثة 
أيام . وذلك اواخر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة . 


خلافة أمير المؤمنين المولى أبي حفص عمر 

هو ابن المولى ابن زكرياء يحيى بن المولى عبد الواحد بن أبي بكر 
ابن الشيخ أبي حفص عمرء بويع يوم الائنين الرابع والعشرين من شهر 
ربيع الآخير من السنة المذكورة» وكان ملكا عاقلا كريماً لم تحدث منة 
عقوبة لأحد» وكان له اعتقاد في الصالحين وخصوصضاً في الشيخ الولي 
الصالح أبي محمد المرجاني ويعظم العلماء والصلحاء ويبرهم ولم يزل 
على أكمل الحالات إلى آخر عمره وأيامه أيام عدل وأمن وهناء. 


ولما أصابه المرض الذي توفي منه عهد إلى ولده عبد الله فلم ترضه 
أشياخ الموحدين لصغر سنهء فاستشار ولي الله الشيخ المرجاني فأشار عليه 


يكل 


بتولية أبي عبد الله محمد أبي عصيدة فقبل إشارة الشيخ وأنفذ بعهده إليه 
وتوفي آخر ذي الحجة سنة أربع وتسعين وستماثة. فكانت خلافته أحد 
عشر عاماً وثمانية أشهر وله من العمر اثنان وخمسون سنة» وقام بالأمر بعده 
المولى أبو عصيدة. 


خلافة أمير المؤمنين المولى أبي عبد الله محمد أي عصيدة 


هو ابن المولى أبي زكرياء يحيى بن المستنصر بالله بن المولى أبي 
زكرياء بن المولى عبد الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أبي حفص عمرء 
بويع آخر ذي الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة» وسبب تسميته بأبي 
عصيدة: لما قتل والده واخوته هربت إحدى جواريه وقد اشتملت منه على 
حمل. وأتت رباط الشيخ المرجاني فوضعته هنالك. وعق عنه الشيخ 
وأطعم الفقراء عصيدة الحنطة وسماه محمداً وكناه بأبي عصيدة فبقيت له 
ذمة مع الشيخ . 
وكانت أيامه أيام هدنة وعافية وسلم لا حرب غرست فيها الغراسات. 
وبنيت الأبراج وامتدت الآمال. كل ذلك ببركة الشيخ المرجاني وتلقب 
بالمستنصر بالله وكانت خلافته أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر وستة عشر يوماء 
ولازمه مرض الاستسقاء فمات منه في عاشر ربيع الآخر سنة تسع وسبعمائة 
ولم يخلف أبناء فأوصى إلى أبي يحبى أبي بكر. 


خلافة أمير المؤمنين أبي يحبى أبي بكر الشهيد 

هو ابن الأمير عبد الرحمن بن الأمير أبي بكر بن المولى أبي زكرياء 
يحبى بن الخليفة المستنصر بالله بن المولى أبي زكرياء يحبى بن المولى 
عبد الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أبي حفص عمرء بويع يوم وفاة المولى 
أبي عصيدة لأنه كان تحت كنفه, فأقام ثمانية أيام وتحرك إليه المولى أبو 
البقاء خالد من بلد قسمطينة. فخرج المولى أبو بكر بمحلته والتقى مع أ 
البقاء خالد فانهزم جيشه ورجع هو هاربا إلى القصبة: ووقف بالسبخة وظن 


ولحل 


أن م ا 


خلافة أمير المؤمئين المولى أي البقاء خالد 

هو ابن المولى أبي ذكرباء يحى بن 0 أبي إسحاق إبراهيم بن 
المولى عبد الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أي حلم عر فلن عاد ل 
بلد العناب وفسمطيئة بعد وفاة والده أبي زكرياء, وكان يضع تاج الملك 
على راسه ويركب بغلة عاليه. 


ولما حل بتونس انعكف على لذاته ولهوه وترك سياسة الملك فقام 
له اريك تكرياء ين اللخيائن: وفقل .من المشرق. 


ولما حل بطرابلس ورأى اضطراب إفريقية طلب الملك. فبويع 
بطرابلس وانضم إليه أولاد أبي الليل فبعثهم في مقدمته مع شيخ دولته 
محمد المزدوري فوصل لتونس أول جمادي الأولى سنة إحدى عشرة 
وحرضه على الدفاع عن سلطتته. فكره اللقاء واعتذر بالمرض وأشهد على 
نفسه بالانخلاع عن الأمرء فدخل أبو عبد الله المزدوري القصبة وأخذ البيعة 
عن المولى خالد ومن معه من الأجناد وقتل بعد ذلك» وبويع المولى أبو 
يحبى بن اللحياني وكانت ولايته عامين وستة أشهر . 


خلافة أمبر المؤمئين المولى أبي يحبى اللحياني 

هو زكرياء بن الأمير أبي العباس بن الشيخ أبي عبد الله محمد 
اللحياني بن المولى عبد الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أبي حفص عمرء 
أخذ له البيعة شيخ دولته المزدرري وأقبل هو بعد ذلك ثاني رجب من 
السنة المذكورة» يعني سنة إحدى عشرة) ونزل المحمدية وجددت له 
ابيعة هناك ودخل لرأس الطابية وعرض الجند وأسقط من لم يكن ثابتاء 


حل 


وكانت له مشاركة في العلم والآأدب» وقد طعن في السن وكبر وساس 
الأمور وجربها وتحرك عليه المولى أبو يحبى أبو بكر من الثغور الغربية» 
فعلم أن ليس له طاقة على لقائه؛ واضطريت عليه البلاد فجمع الأبول 
والذخائر. وباع كل ما في القصر والكتب التي جمعها أبو زكرياء بيعت فى 
الوراقين وجمع نحو عشرين قنطاراً من الذهب سوق الفضة والدر و 
ذلك وخرج إلى قابس ثم إلى طرابلس وكانت مدته إلى أن بويع ولده أبو 
ضربة ستة أعوام وثلاثة أشهر ونصف. وقام بعده المولى أ بو ضربة وكان 
الأمير أبو عبد الله محمد بن اللحياني عرف بأبي ضربة مسجوناً عند قاضي 
الوقت لجناية» فأطلق وتهيأ للقاء المولى أبي بكر وكان حمزة بن عمر ابن 
أبي الليل من بطانة ابن اللحياني وأخوه مع أبي بكرء قفدس إليه أن يجفل 
بالعسكر. فأخذل عسكر السلطان أبي بكر ورجع إلى قسمطينة ودخل أبو 
ضربة لتونس سنة سبع عشرة وسبعمائة في منتصف شعبان» وبويع بالحضرة 
أبو ضربة إلى المهدية وتحصن بها وبلغ خبره إلى أبيه بطرابلسء» فبعث 
أساطيل إلى المهدية فحمل ماله وأهله وسافر إلى مصر وذلك في أيام 
الملك محمد بن قلاوونء فأكرمه وكانت مدة أبي ضربة ثمانية أشهر وثلاثة 
أيام واستولى على تونس المولى أبو يحنى أبو بكر. 


خلافة أمير المؤمنين المولى أبي يحبى أبي بكر 

هو ابن المولى أبي زكرياء بن المولى أبي إسحاق إبراهبم, بن المولى 
أبي زكرياء بن المولى أبي عبد الله محمد المستتصر د بن المولى أبي زكرياء 
ابن المولى عبد الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أبي حفص عمرء بويع في 
الثامن عشر من ربيع الأول سنة عشر وسبعماثة » وكان رحمه الله شجاعاً 
جميل الصورة كامل القامة ونا عند الخاص والعام » ولا يولي قاضياً 
حتى يشهد فيه بالخيرء وكان قاضيه ابن عبد السلام وقد تعرض له في 
بعض أحكامه القائد بن الحكيم فأغلق القاضي بابه وامتنع من الحكم 
فانتبه له السلطان وقال له: نطالبك بين يدي الله أن توجه لأحد على 


1536 


ولدي حق وتركته» وكان يحب الشرفاء ويكرمهم وكان جده أبو إسحاق 
اثبتهم في زمام الموحدين. 

ولما تولى أبو بكر حوزهم الرباع وملكهم إياها فاقتسموها بينهم. 
وكانت له وقائع مع بني عبد المؤمن وسافر عن تونس عدة مرات وهزم 
العرب وفك رقاب أشياخهم ودانت له البلاد وتلقب بالمتوكل على الله. 
وفي أيامه فتح قائده ابن الحكيم المهدية وكانت في طاعة اللحياني وولده 
من بعده فتحت سنة تسع وثلاثين. 


وفي سنة ثلاث وأربعين نزل العرب على تونس ولم يتخلف منهم 
أحد وأقاموا سبعة أيام ثم ارتحلوا وخرج السلطان في إثرهم وهزمهم هزيمة 
شنيعة على رقادة» ورجع إلى حضرته وحجب له ابن تافراجين وقبض على 
قائده محمد بن الحكيم وعذبه بالسياط وأخذ جميع أمواله. وقيل: إن 
الذهب الذي أخذ منه وزنه خمسون قنطارا سوى الفضة والجوهر والياقوت 
وماثة وستين عتبة من الربع وقتله يعد ذلك. 

وكان بتونس في مدته أزيد من سبعمائة حانوت للعطارة. وكان يصنع 
بتونس كل يوم أربعة آلاف قفيز من القمح ألف تبل وألف تطحن وألف 
تغربل وألف تعجن. وزهت البلاد في أيامه وطالت أيامه إلى سنة سبع وأربعين 
فأدخل عليه هلال شهر رجب على عادة قضاة الحضرة وهو في رياضه بامي قهر 
فلماقرأه قال: ‏ لا إله إلا الله ودخل رجب - وكررها مراراً ثم قام وتطهر 
وأخلص التوبة وأخبر من معه أنه يموت في رجب ثم ركب واخترق 
الأسواق ودخل القصبة ولم تظهر به زيادة ثم حك بكتفه فخرجت له حبة 
صغيرة أخذته منها الحمى, ثم توفي ثاني يوم الشهر وكان عين ولده أبا 
العباس للخلافة. وكان ببلاد الجريد وبقية أولاده في الأعمال ولم يبق بين 
يديه إلا ولده أبو حفص فجلس يعده للخلافة . 


خلافة أمير المؤمنين المولى أبي حفص عمر 
هو ابن المولى أبي يحى أبي بكر بن المولى أبي زكرياء بن المولى 


ك1 


المستنصر بن المولى أبي زكرياء بن المولى عبد الواحد بن أبي بكر بن 
الشيخ أبي حفص عمر الهنتاتي . بويع يوم موت والده ثاني رجب ولم 
يلتفت إلى عهد أبيه لأخيه أبي العباس وذلك بإشارة ابن تافراجين» فلما 
بلغ الخبر لأبي العباس حشد العرب وزحف إلى الحضرة وخرج المولى 
عمر بمحلته إلى لقائه مع الجند والموحدين؛ فلما التقى الجمعان نكخص 
ابن تافراجين ورجع وأخذ ذخائره وفر إلى المغرب». وكر السلطان عمر إلى 
تونس». وبعدها هرب إلى باجه ودخل أبو العباس البلد وأقام بها سبعة 
أيام ‏ وبعد سبعة أيام رجع المولى عمر من باجه ودخل الحضرة عند 
الفجر. فخرج ابن العباس هارباً على وجهه لا يدري أين يذهب وقامت 
العامة على من بها من العرب فلم يفلت إلا القليل منهم. 

وأبو حفص عمر زاد خطبة سابعة في جامع سيدي يحيى السليماني» 
وكان يقال من علامة خراب تونس سبع خطب تكون بها. قلت: اليوم لها 
ثلاث عشرة خطبة والعلم عند الله. وأقام المولى عمر إلى أن تحرك عليه 
أبو الحسن المريئي فهرب من تونس » فأدركه طلب المريني عند قابس فقتل 
هنالك» وكانت أيامه بتونس عشرة أشهر وثلا"ثة عشر يزماء ومات سنة ثمان 
وأربعين وسبعمائة وانتقل الأمر إلى بني مرين. 


الخبر عن خلافة الأمير أبي الحسن المريني 

هو علي بن الأمير أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني. ونذكر 
نبذة من تسبهم لزيادة الفائدة. بنو مرين فخذ من زنائة والنسابون مختلفون 
في نسبهم ولككن يجتمع نسبهم في قيس غيلان وتناكحوا في البربر. 

وكانت قبائل البربر يجاورون العرب في مساكنهم وتفرقوا في زمن 
داوود عليه السلام لما فقتل ملكهم جالوت, فتفرقوا على أيدي سبأ وأتوا 
المغرب. ع للع لي ومنهم من سكن المهاد. ومنهم من 
ظل على حاله ولازم البراري على عادة العرب. 


1 


وبنو مرين كانوا يسكئون بلاد القبلة من زاب إفريقية. وينتقلون من 
مكان إلى مكان وجل أموالهم الإبل والخيل وطعامهم اللحم والتمرء 
ودخلوا بلاد المغرب سنة عشر وستمائة مثل ما دخلت لمئونة.» فوجدوا 
البلاد خالية وملوك الموحدين اختلفت آراؤهم. فشنوا الغارات وقطعوا 
الطريق فبعث إليهم المنتصر من بني عبد المؤمن جيشاً فهزموه وأخذوا ما فيه 
واستفحل أمرهم وهابهم الناس ولا زال أمر بني مرين ينمو إلى أن ملكوا 
بلاد المغرب والأندلس. وكان ملكهم بمديئة تلمسان وأول من تملك منهم 
الأمير أبو محمد عبد الحق بن خالد بن يحبى بن أبي بكر بن جمانة بن 
محمد الزناتي المريني ويحبى بن خالد. شهد غزوة الأراك مع يعقوب 
المنصور واستشهد هنالك. وعبد الحق كان من أهل الصلاح والخير يسرد 
الصوم كثير الذكر والتسبيح ولا يأكل إلا الحلال من لحوم إبله وغنمه. 
وقدمته مرين على تدبيرها وساعده القدر وتوارث الملك من بعده بوه 
الأربع - أبو سعيد عثمان ‏ وأبو معروف محمد بن عبد الحق - وأبو بكر 
ابن عبد الحق ‏ ويعقوب بن عبد الحق. ويعقوب هذا دخل الأندلس نحو 
عشر مرات» نكى المشركين وفعل بهم العجائب وجاهد في الله حق جهاده 
وله في ذلك أخبار عجيبة اختصرناها خوف الإطالةء» وكانوا سلاطين 
المغرب وتسموا بأمراء المسلمين كما كانت لمتونة. وقرضوا دولة بني عبد 
المؤمن من المغرب وخطبوا لبني حفص في أول الأمر ثم استقلوا بالملك 
إلى أن أخذ الملك منهم الشرفاء. وملكوا مدينة فاس ومراكش ولم يبق 
منهم أحد في يومنا هذا. 

ولنرجع إلى خبر أبي الحسن وتملكه البلاد الإفريقية والسبب فيه أن 
ابن تافراجين لما فر إلى المغرب وفد على أبي الحسن المريني واستحثه 
على ملك إفريقية: فتحرك من المغرب واجتمعت عليه الأعراب وأخذ 
بجاية وقسمطينة» وأنزل عماله فيهما وملك إفريقية ومحا رسوم الموحدين 
ودخل تونس بجيوش لا تحصى» وشرع في بناء مدينة فوق سيجوم سماها 
المنصورة لسكنى جيشه فإن المدينة لم تسعهم. وقيل بايعه بتونس خمسين 
سلطانا في يوم واحد من بي عبد الواحد والآندلس وغيرهما. 


4لا 


ولما تملك البلاد مضع العرب من أعطياتهم ومنعهم الإقطاعات 
فغضبوا عليه وشنوا الغارات في جميع البلاد.ء فخرج إليهم الى رين 
قرب القيروان فانخذل عسكره وفر هو إلى القيروان هارباً فأاخذوا 1059 بما 
فيها وحاصروه بالقيروان ومعه ابن تافراجين وذلك سنة تسع وأربعين» 
وكانت العرب تميل إلى ابن تافراجين فطلبوه من السلطان ليتفقوا معه على 
الصلح » ؛ فلما خرج إليهم قلدوه حجابة سلطاتهم المسمى بابي دبوس 
واسمه أحمد بن عثمان بن أبي دبوس من بني عبد المؤمن كان مستتراً في 
بلد توزر فدلهم عليه من عرفهء فنصبوه للخلافة وتوجه أبو ديوس وابن 
تافراجين لتونس وحاصروا قصبتها ورموا عليها بالمجانيق من ريض المعلم 
سعدء وكان بالقصبة أولاد السلطان وماله ورجاله. وفي أثناء ذلك داخل 
السلطان أبو الحسن بعض العرب من أولاد مهلهل أن يفرجوا عنه من 
الحصار على مال اشترطوه عليه. فوفى لهم به وأسروا به إلى سوسة وركب 
منها في البحر وقدم إلى تونس. ولما سمع ابن تافراجين ركب البحر وفر 
إلى الإسكندرية في ربيع سنة “سع وأربعين فلما فقده أصحابه نشتت 
جمعهم ورحلوا عن تونس فخرج أولياء السلطان من القصبة وملكوا تونس 
وأقبل السلطان أبو الحسن في ربيع الأخير من السنة المذكورة» وانتفضت 
عليه إفريقية واشتد الغلاء حتى بيع قفيز القمح بثمانية دنائير. فلت: لا 
حول ولا قوة إلا بالله كيف عد أهل تونس هذا القدر عندهم غلاءً ولو 
ماهلا" ما عايناها لعدّوه من السخف لانا شاهدناه أضعاف ذلك. وكثر 
الوباء حتى انتهى عدد الأموات ألف شخص كل يوم » وفيه مات القاضي 
ابن عبد 0 والفقيه العابد سيدي يحيى السليماني وتحرك المولى أبو 
العباس لأخذ تونس . 

وفي أثناء ذلك بلغ السلطان أبا الحسن المريني أن ابنه أيا عنان 
استقل بملك المغرب». لأنه سمع بوفاته بالقيروان وقت حصاره بها وشهد 
لجميع عماله أن يصدوا أباه عند توجهه وخرج أبو الحسن من تونس وركب 
البحر وتوجه للمغرب وخلف بتونس ولده الفضل إلى أن أزعجه فيها أبو 


1534 


العباس الحفصي» فلحق بالمغرب» وخبره أكثر من هذا تركناه للاختصار. 
وكانت مدة السلطان أبي الحسن بإفريقية إلى أن خرج عنها ولده الفضل 
آخر ذي القعدة سنة خمسين وسبعمائة عامين وستة أشهر وخمسة عشر 
يومأء ورجع ملك إفريقية إلى بني حفص وملكها المولى أبو العباس. 


الخبر عن خلافة الأمير أبي العباس الفضل 

هو ابن المولى أبي يحبى أبي بكر بن المولى أبي زكرياء بن إبراهيم 
ابن أبي زكرياء يحبى بن محمد المستنصر بن أبي زكرياء يحبى بن عبد 
الواحد بن أبي بكر بن الشيخ أبي حفص عمر الهنتاتي» بويع أول ذي 
الحجة سنة خمسين وسبعمائة , 

ولما ملك تونس ركن إلى الراحة واللهوء واحتوت العرب على 
الطعام والماشية» وأخذوا البرطيل على تولية الشهود وزوج أبو العباس 


الفضل أخته لأبي الليل بن حمزة رجاء أن يطول ملكه ولم يسبقه أحد 


ورجع الحاجب ابن تافراجين من المشرق هو والشيخ عمر بن 
حمزة: فاتفق ابن حمزة مع أخوته على إدخال تافراجين لتونس. وبعثوا إلى 
أبي العباس الفضل فقال: لا سبيل إلى إدخاله فبعثوا إليه صل إلينا 
نتحدث معك. فخرج مع جماعة له فقبضوا عليه وعلى أصحابه الذين 
معه. وجردوا وأخحذت دوابهم ودخل ابن تافراجين لتونس وأخرج المولى أبا 
إسحاق إبراهيم وأجلسه مجلس الخلافة وقتل المولى أبو العباس آخخر 
جمادي الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. فكانت مدته خمسة أشهر 


0 


وأربعة عشر يوما. 
الخبر عن ولاية الأمير أبي إسحاق إبراهيم المستنصر 
هو ابن المولى أبي يحبى أبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي يحبى 


من 


زكرياء بن محمد المستنصر بن أبي زكرياء يحبى بن عبد الواحد بن أبي 
بكر بن أبي حفص عمر جلس مجلس الخلافة بعد أخيه. 


واستوزر ابن تافراجين فقام بتدبير دولته وعلت همة ابن تافراجين إلى 
أن سلم عليه بسلام الملوك. واستخلص قواعد البلد من أيدي العرب 
وهي بلاد قرطاجنة والقيروان وسوسة وباجة وتبرسق ولاربس وجعلها بأيدي 
خدامه. واستيد بالمجابى الداخلة والخارجة» وشرع في بناء السور الذي 
يحيط بأرباض تونس وحبس عليه نصف خراج الأرض ونصف كراء 


وفي سنة خمس وخمسين أخذ السلطان أبو عنان المريني بجاية من 
أيدي الموحدين. 


وفى سنة ست وخمسين أخذت النصارى طرابلس وحملوا ما فيها 
وسكنوها خمسة أشهر. 

وفي سئنة ثمان وخمسين أذ السلطان أبو عنان قسمطينة. وفي آخخر 
شعبان وصل أسطول أبي عنان لتونس فطاردهم ابن تافراجين وهزمهم. ثم 
وصل الخبر بأن محلة أبي عنان واصلة ففر ابن تافراجين إلى المهدية. 
فدخل أهل الأسطول وملكوا تونس وكتبت البيعة لأبي عنان وهو يقسمطيئة 
وخطب به بإفريقية ما عدا المهدية وسوسة وتوزر وبقي الأمر على هذا 
شهرين. ولما أراد أبو عنان التوجه لتونس خالف عليه جيشه فرجع إلى 
المغرب فقامت نفرة في عسكره الذي بتونس فلجوا إلى أجفانهم وتركوا ما 
كان معهم. ورجع ابن تافراجين من المهدية وجددت البيعة لأبي اسحاق 
فدخل الحضرة في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. 

وفي سنة ستين أخذت النصارى الحمامات. وفي شوال سنة إحدى 
وستين توجه السلطان أبو إسحاق إبراهيم وفك بجاية من أيدي 
المرينيين . 

وفي سنة ست وستين قرىء صداق المولى أبي إسحاق على ابنة 


إن 


ابن تافراجين بخط ابن مرزوق» قرأه علامة الوجود الشيخ ابن عرفة. وعدد 
الصداق إثنا عشر ألف دينار وثلاثون خادماً وتوفي ابن تافراجين عقب ذلك . 
وفي رجب سنة سبع وستين جدد الكتابة التي بالأزورد في قبة جامع 
الزيتونة . 
وفي سنة سبعين وسبعماثة توفي المولى أبو إسحاق في الثاني عشر من 
رجب فجأة فكانت مدته ثمانية عشر عاماً وأحد عشر شهرا وخمسة عشر 
يومأء ونصب ولده من بعده وهو صبي لم يناهز الحلم. 
الخبر عن خلافة أبي البقاء خالد بن المستنصر 
هو ابن المولى أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحبى أبي بكر بن أبي 
زكرياء يحبى ابن المولى إبراهيم بن أبي ذكوياء يحمى بن المستنصر بن 
يحبى بن عبد الواحد بن أبي بكر ابن الشيخ أبي حفص عمرء جلس بعد 
موت أبيه وحجب له أحمد اليالقي . فلم يترك أحمد للأمير خالد شين 
فانتهب أموال الناس وأهان الاشراف» فعظم على الناس دلك واختل الأمر 
فلحق منصور بن حمزة بالمولى أبي العباس وحثه على ملك إفريقية» وكان 


فنهض أبوالعباسٍ إلى تونس وتلقته وجوه إفريقية بالطاعة وانتهى إلى 
الحضرة وحاصرها أياما ففر الأمير خالد وأصحابه من باب الجزيرة وانطلق 
الجند في اتباعهم. فقبض على الأمير خالد واعتقل. ثم وجه به وبأخيه في 
البحر فعصفت بهما الريح فغرقا وكانت مدته بتونس سنة وتسعة أشهر. 


الخبر عن ولاية الأمير أي العباس أحمل بن المستنصر 


هو ابن الأمير أبي عبد الله محمد بن أبي يحبى أبي بكر بن أبي 
زكرياء يحتى بن المولى إبراهيم بن المولى يحبى بن المستنصر بن يحبى 
ابن عبد الواحد بن أبي بكر بن أبي حفص عمرء بويع بتونس ثاني عشر 
ربيع الأخير سنة اثنتين وسبعين وسبعماثة. 

وكان رحمه الله شجاعاً ديناً عاقلا صفوحاً جال في بلاد المغرب 


يفن 


ووصل مع السلطان أبي سالم المريني لتلمسان. وزار الشيخ أبا مدين 
وعاهد الله عنده أن لا يكافيء من عمل معه سوا إلا بخير. 


ولما ملك إفريقيا رفع أنواع الفساد وكفح<2 العرب عن التغلب وانتزع 
ما بأيديهم من الأمصار وأنمي إليه أن محمد بن تافراجين داخل العرب في 
الفساد فقبض عليه واعتقله بقسمطيئة إلى أن مات بهاء ثم لم يزل يحاول 
أمر العرب إلى أن قطع دابرهم وافتتح بلد قفصة وأخذ شيوخها بني العابد 
واستولى على أموالهم وفتح توزر واحتوى على ذخائر شيخها ابن يملول. 


ومن حسنات المولى أبي العباس أحمد إقامةٍ القراءة في الأسبوع 
بالمقصورة غربي جامع الزيتونة وأوقف على ذلك وقفاً مؤبداً ا التي 
ببطحاء الشيخ سيدي مردوم نفع الله به داخل باب قرطاجنة وأوقف عليها 
أوقافا جليلة وإنشاؤه البرج الذي هو شرقي قرطاجنة للاحتراس» ورفع 
التضييف عن قراها عند خروج السلطان لذلك المكان وبناؤه علوه الكبير 
بزئقة ابن عبد السلام قبالة باب البهور جوفي الجامع الأعظم ليصوم به 
رمضان كل سنة وأخباره أكثر من هذا ذكرها ابن الشماع وأطال في مدحه 


قلت: هذا الملك هو ممدوح العلامة بدر الدين ابن الدماميني رحم 
الله تعالى الجميع, مدحه بقصيدة بديعية أتى فيها بجميع أنواع البديع ولا 
بدع إن طلع بدر التم من ذلك الجناب الرفيع وبعث بها من ثغر 
الإسكندرية إلى الحضرة العلية» ولكن ما استوفى له حق من حقوق 
السالكين لهذه الطريقة وأجازه بجائزة إذا ذكرت بين أهلها قالوا هذه مجاز 
لا حفيقة. وذكر الزركشي مولاهم في شرحه لهذه القصيدة ونثر در معانيها 
وإن كانت هي الدرة الفريدة إن الممدوح أرسل لمادحها عدد أبياتها دنانير 
فاحتقرها ابن الدمامينى» فقال له الرسول: إن مولانا جعل هذا القدر جائزة 
لك في كل سنة وهذا من ظرف الرسول أنظر أيها المتامل إلى كساد سوق 
الأدب وتفاذه في الصدر الأول في أيام بي العباس » حيث أثابوا عن المدح 
عق ميم الفطاذ: 


وفنا 


ش أيام الرشيد 4 جرا الأمر من بعده. ا م أهون من 
بعض وإلا نحن اليوم في زمان لو مدح أهله بنظم الدر لم يجزه أحد بالخزف. 
وهذه المقصيدة مد بها لما افتتيح مديئة قابس » وذلك إنها خرجت 
في الزمن السابق عن ملوك صنهاجة واستقل بها بنو جامع من الهلاليين إلى 
أن أخذها الموحدون من بيني عبد المؤمن ثم ثار بها قراقش الأرسني 
الملقب بشرف الدولة مملوك الملك المظفر صاحب مصرء وكان بينه وبين 
الميورقي صاحب المهدية مهادنة واستخلصتها ملوك بني حفص في أول 
الدولة ثم عصت على أمير المؤمنين أبي العباس أحمد فافتتحها بعد حصار 
وجهد وأشار الدماميني إلى فتحها بقوله في قصيدته: 
ومن ثوره أبداً السناء لفاس فلاح لها نور على الحق يسفر 


وفى أيامه أقبل عبد الله الترجمان وكان قسيساً من قساوسة النصارى 
فأسلم على يديه وهو صاحب كتاب «وتحفة الاريب في الرد على أهل 
الصليب» ذكره في هذا الميدان واثنى عليه خيراً. 

وفي أيامه حاء الجنويون والفرانسيس في ثمانين قطعة ونازلوا المهدية 


وأقاموا عليها نحو شهرين. وبعث إليها أبو العباس جيشاً فكانت بينهما 
وقعات ٠‏ وارتحلوا عنها خائبين وتوفي رحمه الله ثالث شعبان سنة سثت 


وتسعين وسبعمائة ومدة ولايته بتونس أربع وعشرون سئة وأربعة أشهر رحمة 
الله عليه . 
وهو الذي شيد رسوم بني حفص بعد اندراسها وأقام مثار بي حفص 
في الخلافة ودعم أساسها وكملت في أيام ولده السعد أبي فارس ودرس 
عمر الأعراب وعمر المدارس. 
الخبر عن خلافة الأمير 19 فارس عبد العزيز 


ذا 


يحى أبي بكر بن أبي زكرياء يحبى بن إبراهيم بن أبي زكرياء بن 
و ا ا 
الهنتاني رحمه الله. بويع رابع شعبان بعد وفاة والده وقام بالأمر أتم قيام 
ورتب الأحوال وأعطى الأموال وأصلح البلاد وقمع أهل الفساد. 


وكان شجاعاً حازماً تقياً معتقداً ة في الصالحين موقرأً العلماء كثير 
الصدقات فطناً ذكياً ل قمن فضائله عموم صلاته 
لأهل الحرمين وعلماء المشرق يوجه لهم بذلك صحبة الركب الحجازي 
على الدوام ووظف لاأهل الاندلس في كل عام من الطعام وغيره إعانة لهم 


ومن حسناته خزانة الكتب المشتملة على أمهات الدواوين وجعل لها 
مقصورة بمجنبة الهلال من الجامع الأعظم وأوقفها على طلبة العلم ينفعون 
بالنظر والكتب بشرط أن لا يخرج منها شيء عن محله. وجعل لها قومة 
يقومون بها في نفضها ومناولتها للطلبة وردها لمكانها ووقت لها وقتأ 
محدوداً في كل يوم وكان ملازماً القراءة العلم بين يديه سفراً وحضراً. وقال 
في تحفة الاريب وأبطل امكاساً كانت بتونس منها سوق الرهادئة وكان 
مجباه ثلاثة آلاف دينار. ومجبى رحبة الطعام خمسة آلاف ديئار. ورحبة 
الماشية عشرة الاف. وفندق الزيتون خمسة الاف دينار. ورحية الماشية 
عشرة آلاف. وفندق الخضرة 2 ئة اللاف . والعطارين مائة وخمسين ديناراً. 
وفندق الأدام خمسين ديناراً . وفندق الفحم ألف ديئار. وفندق الملح الف 
وخمسمائة . ومجبى الأعمدة ألف دينار. ودار الشغل ثلائة ألاف دينار. 
وسوق القشاشين مائتي ديئار. ودار الشغل ثلائة آلاف دينار. والصفارين 
ماثتي دينار. وأبطل القيان ونفى المخنئين من البلد. وأقام العدل في جميع 
رعاياه بالكتاب والسئة وأنصف المظلوم من الظالم . وجاءته الوفود من 
المشرق والمغرب . 

وغزا صقلية وغئم فيها مغنماً كثيراً. وغزا طرابلس وقابس والحامة 
وقفصة وتوزر ونفطة وبسكره وقسمطينة وبجاية والصحراء. وكانت العرب 


16 


غالبة على من قبله فآهانهم واألزمهم الزكاة والعشر. وقال صاحب القرطاس 
في أخبار ملوك فاسء إنه أرسل هدية إلى أبي يعقوب المريني وهو بفاس 
والناصر بن قلاوون بعث لأبي فارس بهدية حافلة في تلك السنة. هذا 
لعظيم ذكره في ذلك الوقت. وفي أيامه عظم شأن المولد الشريف. قلت: 
رحم الله هذه الروح الزكية لمثل هذا يقال أمير المؤمنين. لا لمن تغلبت 
على دولته البغاة من المفسدين. ورأيت ابن حجة الحموي ذكر في كتاب 
قهوة الإنشاء له رسالة طنانة من إنشائه له جواياً عن مكاتبة للسلطان المؤيد. 
وأثنى عليه في تلك الرسالة بما يستحقه. 


وقال ابن الشماع: وافتتح مديئة تلمسان ووصل إلى قريب مدينة 
فاس. وقال الشيخ الرضاع: رأيته في حدود الثلاثين والثمانمائة ببلد 
تلمسان. وكان قاضي عسكره أبو عبد الله محمد الشماع ومفتي عسكره أبو 
عبد الله محمد الحسن. وقرأ البيعة القاضي المذكور بجامع تلمسان. 
وحضر لقراءتها علماء الوقت منهم ابن مرزوق وأبو القاسم العقباني وابن 
الإمام وابن النجار وجماعة من العلماء. وئقلت من خط السيد بركات 
بظلم أحمد المريني فغزاه. فخرجت أخت المريني إلى أبي فارس فقالت 
له: إنك ميت وإنهم ميتون. فعفا عنه وأعاده إلى بلده وأمره بالعدل. 


قال ابن الشماع: وفي سنة خمس وثلائين وثلاثمائة نزلت التنصارى 
بجزيرة جربة وكان السلطان ببلد الجريد فتلافاها إلى أن رحلوا عنها خائبين 
ومن حسناته قطعه القبالة التي كانت خارج باب البحر وبنى مكانها زاوية 
للصلاة وللعلم. قال الترجمان: وكان فندقا للمعاصي والخمر مجباة عشرة 
الاف ديئار. وكان ولده أبو عبد الله محمد ولي عهده موصوفاً بالخير 
والعفاف والديائه وهو الذي انشأ الزاوية التي بسيجوم وجعل فيها جامعاً 
للخطبة ورباطاً لطلبة العلم وسماطاً للمقيمين والواردين . 

وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ودفن بتربة قرب من دار الولي الشيخ 
سيدي محرزء نفع الله به وهو أبو الخلفاء من بعد أبيه. توفي المرحوم أبو 


لشن 


فارس عام سبع وثلاثين وثمانمائة فجأة بعد ما تطهر ولبس ثيابه. ودفن 
حيث دفن ولده فكانت مدة خلافته إحدى وأربعين عاماً وأربعة أشهر وسبعة 
أيام . 

قلت ما أطلت الكلام في هذا المحل إلا لكون هذا الإمام هو 
واسطة > بني أبي حفص. وإذا ذكرت خلافة الحفصيين بدونه يظهر في 
خلافتهم النقص . والله تعالى يكافيه ويجازيه بأعماله الفاخرة. وكما رفع 
ذكره وقدره في الدنيا يرفعه في درجات عليين في الآخرة. إنه سميع 


الخبر عن خلافة الأمير أبي عبد الله المستنصر 


هو محمد بن المولى أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين أبي فارس 
عبد العزيز. وتمام نسبه معروف. بويع يوم عيد الأضحى صبيحة الليلة 
التي توفي جده فيها ودخل الحضرة ة يوم عاشوراء سنة ثمان وثلاثين 
وثمانمائة وكان شجاعاً كريماً عفيفاً. 


ولما ولي أخرج مالا تصدق به على أهل المدارس وذوي الحاجات 
والأرامل والأيتام. ووجه بمال إلى جزيرة الأندلس وتصدق به على 
المجاهدين» وأمر ببناء زاوية الشيخ سيدي أحمد بن عروسء. وبئى سقاية 
الماء بداخل باب أبي سعدون وأوقف عليها ما يكفيها. وشرع في بناء 
هدرسة ضكمة بالقرب من سوق الفلقة بتونس المحروسة لقراءة العلمء 
وسافر بمحلة كبيرة فأجعل الأعراب بين يديه فوصل لبلد قفصة فابتدأه 
مرضه الذي مات به فرجع لتونس ولازمه المرض إلى أن توفي ليلة 
الجمعة الثانية والعشرين من صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة. فكانت مدته 
عاماً واحداً وشهرين وأحد عشر يوماً ودفن بتربة آبائه رحم الله الجميع . 


الخبر عن خلافة الأمبر أبي عمرو عشمان 


هو ابن المولى أبي عبد الله محمد بن المولى أبي فارس عبد 
العزيزء بويع صبيحة اليوم الذي توفي أخوه فيه ولم يتخلف عنه أحد. 


فهذا 


وكان رحمه الله من أجل ملوك ب بني أبي حفص وهو ختامهمء طالت مددٌ 
وفعل خيرات يكتب ثوابها في صحيفته. 

فمن مآئره رحمة الله عليه بناء مدرسة في غاية الحسن بزنقة الشيخ 
الوليٍ الصالح العابد سيدي محرز بن خلف. وجعل فيها مسجداً للصلاة 
ودرساً لقراءة العلم ومأوى لسكنى الطلبة وجعل فيها سماطاً مستمراً يتصدق 
به كل يوم على المحتاجين»: وجعل فيها ماء للسبيل وأوقف عليها ما يكفيها 
ويكفي من بها والقومة. 

قلت: أما المدرسة فبقيتها موجودة وأما خيراتها فلم يبق منها شيء» 
وبنى زاوية بعين الزميت وجعل فيها جامعا للصلاة ودرساً لقراء العلم 
ورباطاً للقاطنين» وسماطاً قوياً على ممر الأيام للمقيمين بها والوافدين 
وأوقف عليها وقفا كافياً ولم يبق منه أيضاً. 

ومن حسناته إ:تراجه لخزانة الكتب بالمقصورة الشرقية من الجامم 
الأعظم مشتملة على أمهات الدوارين. وجعل لها 9 وأوقف عليها وققا 
كافياً مؤبداً. قات: الكسيااه ا مها حر الوقف باق لكن 
لغير مستحقيه؛. وأما الكتب فقد تلاشت لما ملك عدو الدين البلاد وسياتي 
خبرها إن شاء الله تعالى . 

وبنى ثلاثة مكاتب لقراءة القرأن واحد قبلى الجامع الأعظم. واثثان 
بربض باب المنارة والميضاة للوضوء بدرب ابن عبد السلام في غاية 
الإتقان جوفي الجامع الاعظم بتونس» وأوقف عليها وقفاأ كافياً. قلت وهي 
إلى يومنا هذا بها ب بقية وإن طال الأمر تلاشت أيضاً. ومنها تكملته للمدرسة 
التي ابتدأ بناءها شقيقه شقيقه رحمهما اللد تعالى » التي بسوق الفلقة على أكمل 
بناء وأتقنه.» وأوقف عليها وقفاً كافياً فعمرت عمارة قوية. أما المدرسة 
فموجودة وأما الوقف فقد اندرس وأدركنا قبل اليوم بها طلبة مقيمين» ولهم 
ما يسد رمقهم من العيش. ثم تلاشى الأمر وتداركها حدود التسعين والألف 
من زعم أنه يستغنم ثوابها وأراد أن يحبي رسومها بعد خرابهاء فأصلح ما 
فسد منها وأوقف عليها وقفاً لمدرس بها وعدة طلبة» فاحتوى عليها من 


4 


وآثارها موجودة ومحاسنها ظاهرة: وصاحب التدريمس اليوم بها شيخنا أبو 
عبد الله عرفة فسح الله في مدته. 


وكان المولى أبو عمرو عثمان يكرم أهل البيت النبوي ويحسن إليهم 
ويكرم الضيف ويلازم السفر في كل عام لقمع أهل الفساد والنفاق من 
الأعراب . وهنا انتهى ابن الشماع وزاد الزركشي نبذة ولنأت بها مختصرة 
كما اختصرنا ابن الشماع. وذلك لوجوده منها الاختصار ومنها خيفة أن 
تذهب ديباجة كتابة. ومنها أخذنا منه الزبدة وتركنا الزياد والله المستعان. 


قال الزركشي: وخرج بمحلة عظيمة في إثر العرب ومسك أكابرهم 
مثل نصر الذوادي ومحمد بن سعيد وإسماعيل بن ضرار ومهلهل أربعة من 
الأشياخ بعد أن احتال عليهم حتى دخلوا المحلة فاعطى ألف دينار لكل 
شيخ وباتوا عند القواد فأصبحوا مصفدين وكفاه الله شرهم . قلت هؤلاء 
العرب أذاهم بالطبع مثل العقرب ولو قطع ذنبها لا يبطل لدغهاء وإلى 
الشيخ الرصاع في فهرسته إلى هذه الواقعة قال: تجمعت أولاد أبي الليل 
من شيوخ إفريقية وحاصروا الحضرة وأعلنوا بالنفاقء فخرج إليهم سلطان 
الوقت أبو عمرو عثمان فنصره الله تعالى عليهم . وكان الإمام العلامة 
سيدي أبو القاسم البرزلي يدعو عليهم بدعوات مبتكرة غير ممتعملة 
فاستجاب الله دعاءه فأخذوا وأخحذت أموالهم وديارهم , ونصر الله عليهم 
الملك وذلك يبركة دعاء الشيخ . 

وقال الزركشي : وفي سئة أربع وخمسين وقيل اثنتين وخمسين ‏ كان 
عرس ولي ل الامير الأجل عبد الله محمد اا 0 عرساً < حفيل 
مثله من عفاف وديانة وبر وأمانة وهو أبو الخلفاء الآخرين لم يل أحد إلا 
من ولده. 0 

ومات في حيأة والده وهو ممدوح الشيخ ابن الخلوف وكفاء تلك 


اهن 


الحلل التي طرزها بمدحه في حياته وهي بافية تنشر بعد موتهء وله ماثر 
عديدة منها الختمة التي كتبها بيده في عدة أسفار وأوقف عليها ريعاً 
للاستغلال» يقيم القاريء بها ويقرأ فيها كل يوم بعد صلاة الظهر نصف 
حزب أو ربعهء بحسب الأيام وجعلها على التوابيت بإزاء الربعة التي بها 
البخاري من حبس والذه بالجامع الأعظم بتونس. وله أخبار شهرية بأفعال 
البر أضربنا عنها خوف الإطالة. 


وفي سنة ثلاث وسبعين عظم الوباء بتونسء قيل إنه بلغ عدد الموتى 
به إلى أرييَة عشر ألفاً في كل يوم وحصر في الزمام أربعمائة ألف. عدا 
من لم يدخل في الزمام نحو أربعمائة الف. وفي سنة خمس وسبعين كملت 
السانية المسماة بالمنصورة قرب برج الصخراء جبل الفتحء وفييه شاخ 
مسجد الصخراء وقطعة من الجبل حتى وصلت حجارته للبحر. وفي 
جمادي سنة خمس وتسعين توفي ولي العهد المولى أبو عيد الله محمد 
المسعود ودفن بمقبرة أجداده جوار ولي الله الشيخ سيدي محرزء وكان هذا 
المرحوم أنجب بني أبي حفص غَفْر الله له. 
ومن حسنات أبي عمرو عثمان الختمة الكبيرة |المرسلة له هدية من 
البلاد الأندلسية لم ير الراؤون أحسن منها خط وتزويقاً بالذهب؛. وغير ذلك 
مما يوله العقل وأوقف على قارئين يقرؤون بها قبل صلاة الصبحء وقبلٍ 
صلاة الظهر وقبل صلاة العصر ألف دينار سنوية.» وجعل لها غلافاً مرصعاً 
وهي الموضوعة قبالة التوابيت. 
وبالجملة هو ختام الدولة الحفصية ونظام المحاسن الفاخرة في البلاد 
الإفريقية. وطالت أيامه في الملك عن من كان قبله إلى أن وافاه حمامه. 
وبلغ اله منتهاه وتوفي رحمة الله عليه آخر شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين 
: وثمانماثة وقام بالأمر حفيده. 


الخبر عن خلافة الأمير أبي زكرياء يحى 
هو ابن المولى عبد الله محمد المسعود ب بن المولى أبي عمرو 


ذيل 


عثمان. بويع يوم وفاة جده وخرج إلى المحلة على حسب العادة.» فهربت 
جماعة من الجند وأخبروا أن المحلة أخذتها الأعراب وأن السلطان مات 
ومن غد جيء برأسه فوضع على رمح وطيف به واستبد بالملك ابن عمه 
أبو محمد عبد المؤمن ابن الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن أمير المؤمنين أبي 
عمر عثمان؛ وبويع في رجب من السنة المذكورة. 

وفيى ذي الحجة منها جيء بجئة الأمير يحبى ودفنت عند سيدي 
أحمد السقا وكل ذلك مفتعل. ثم بعد ذلك افتضح الأمر وظهر أن السلطان 
بالحياة» وبعد خبر يطول دخل السلطان أبو زكرياء يحبى وفر عبد المؤمن» 
واستقل أبو زكرياء بملكه وبعد أيام جيء برأس عبد المؤمن وطيف به كما 
طيف برأس الخليفة يحى . وكفى الله المؤمنين القتال. ورجع إلى حضرته 
بتونس وبويع بيعة ثانية ووقع الحلم منه على الناس وجاءته بيعة بلد العناب 
وقابس وصفاقس. ودانت له البلاد وظل في ملكه إلى سنة تسع وتسعين» 
وكان فيه وباء عظيم مات فيه خلق كثيرون ومات به السلطان أبو زكرياء في 
التاسعم من شعبان, فكانت مدة ملكه ست سنين إلا شهرا وعشرة أيام . 


الخبر عن خلافة الأمير أبي عبد الله محمد 


هو ابن المولى أبي محمد الحسن بن الأمير أبي عبد الله محمد 
المسعود بن أمير المؤمنين أبي عمر عثمان. بويع يوم وفاة ابن عمه أبي 
زكرياء يحبى وجلس بالقبة وبايعه الخاص والعام » وكان فطناً ذكياً فصيحاً 
محباً للخير وأهله معتقداً م في الصالحين. وهو الذي بنى المقصورة بطرف 
صحن الجامع الأعظم بتونس من الجهة الشرقية مما يلي الجوفي. شارفة 
على سوق العطارين وسوق الطيبيين» وجعل ‏ فيها كتبأً مفيدة وجعل لها قومة 
يقومون بها ووقت للانتفاع. بها وقتا محدوداً عند أذان الظهر وبعد صلاة 
العصرء وأوقف عليها وقفاً كافيأ وجعل سقاية بأسفل منها مما يلي 
الشرقي » حيث كانت سقاية المولى المستنصر بالله,» وجعل النظر لإمام 
الجامع الأعظم وكان الإمام إذ ذاك العالم العلامة أبو البركات ابن عصفور. 
سامح الله الجميع وأثابهم على حسمن الصنيع . 


خيلا 


وفي أيامه توفي الشيخ أبو القاسم الجليزي أول صفر سنة اثنين 
وتسعمائة ودفن بزاويته داخل باب خخالد من تونس؛ وحضر السلطان 
جنازته . وفي سنة أربع وتسعمائة في جمادى توفي الولي سيدي منصور بن 
جردان وخرجت روحه ورأسه في حجر أمام جامع ابن عصفور بالمقصورة 
الشرقية من الجامع. وكان عمر الشيخ ابن جردان خمسة وثمائين عاماًء 
وحمله الإمام إلى موضع سكناه بزئقة ابن عبد السلام» فغسله وكفنه 
وخرجت جنازته من هنالك ودفن بزاويته بحوانيت الفارء نفعنا الله ببركاته. 


وفي أيام السلطان محمد كانت وقائع بينه وبين العرب وهزموه على 
القيروان» ورجع لتونس ني ثمائمائة من الخيل. وفي أيامه خرجت بلاد 
كثيرة عن حكمه وهو الذي ملك الجزائر للقائد عروج التركي» وكان بها 
برج للنصارى ضصيق عليها فملكها عروج وأخذ البرج. 


وبعد السنة الرابعة التي كانت فيها الواقعة على أهل تونس كما 
سياتي وتمكنٍ الأمبراطور من تونس أرسل إليها عمارة لأخذهاء وكان بها 
حسن آغا نائباً عن خير الدين باشا وبها شيخ شريف. وأراد حسن آغا أن 
يهرب فمنعه الشريف. وأتى أمر الله فكسرت العمارة بالريح » فصارت لهم 
غنيمة وهو سبب قوة الجزائر كذا نقلت من خط السيد الشريف بركات 
رحمة الله . 

ومن خطه أيضاً أن السلطان محمداً بعث الغريبي رسولاً إلى سلطان 
مصر وهو الملك الغوري. وذلك في أول دولة السلطان محمدء وأرسل له 
الغرري هدية وفيها الزرافة, قال: وكان الغريبي شاخ بباب السويقة فخافه 
محمد فقتله غدراً. وقال أخذت طرابلس من يد محمد سئة أربع عشرة 
وتسعمائة. قام بها ابن قراب وملكها للنصارى وبعث لهم جيشا مقدمه 
القائد محمد أبو حداد وكان من أكبر قواده. فبارزه قبطان النصارى فأخذه 
سنة اثنتين وثلاثين وتسعماثة وتولى بعده ولده الحسن. 


يذل 


رسم وتوفي رحمه الله يوم الخميس الخامس والعشرين من ربيع الأخير سنة 
اثنتين وثلاثين وتسعماثة: وتولى بعده ولده الحسن. 
الخبر عن خلافة الأمير أبي محمد الحسن 

هو ابن محمد بن الحسن بن المسعود بن المولى عمرو عثمان. 
بويع يوم وفاة والده يوم الخميس في الخامس والعشرين من ربيع الثاني 
سنة اثئتين وثلاثين وتسعمائة. ولما تولى رفع المكوسات كلها وأجرى على 
الناس العادة العثمانية وسار سيرة حسنة في أول الأمر. 

وهنا انتهى النقل الذي قيده الزركشي ولم أطلع على ما سواه إلا ما تلقيته. 

من أهل الحاضرة, ولهذا نأتي به جملا لا تفصيلاء ولم أقيد نفسي لتاريخ 

الوقائع لقلة الضبطء ولم أجد من له اهتمام بهذا الأمر فأقول وبالله 
المستعان: سمعت من يذكر من أهل تونس أن السلطان الحسن ساءت 
سيرته في الناس واضطربت عليه البلاهد وخرجت عن طاعته مدينة سوسة 
فقام فيها صهره القليعي. وقام عليه بالقيروان الشيخ عرفة. وكان من 
مرابطي القيروان من ذرية الشيخ صيدي نعمون وهو جد الشابيين» قام على 
السلطان الحسن وبايع لرجل من لمتونة اسمه يحبى أوقفه في السلطنة 
وادعى أنه حفصي جاء من المغرب, وتم له الأمر وهو في الحقيقة اسم لا 
رسم والشيخ عرفة ينفذ الأمور. وفر بعد ذلك يحيى من القيروان ودخل 
تونس في أيام السلطان أحمد وهو متنكر فظفر به في المركاض فقطع رأسه 
وطيف به. 

ولما مات الشيخ عرفة صاحب القيروان» قام بالأمر بعده ابن أخيه 
واسمه محمد بن أبي الطيب. ولم يزل يحارب السلطان أحمد إلى أن أخذ 
القيروان من يده درغوث باشا بإرسال أهل القيروان إلى درغوث وهو بمدينة 
طرابلس. فسلموا له البلاد لما جاءهم وانحرفوا عن ابن أبي الطيب وذلك 
لقبح سيرته في الناس وكان يحارب السلطان أحمد مدة حياته وبينهما عدة 
وقائع . 

ولما أخذها درغوث في مدة السلطان أحمد الحفصي, أخذ ابن أبي 
الطيب وعلق وفرت أشياعهم من القيروان وسكنوا البادية وهم الذين يقال 


18 


لهم الشابيون. لأن أصلهم من ن الشابة والصبية: وهي بلدة قبالة المهدية 
عند مكان يقال له قبودية. لمت الذين يقال لهم دريد هم تلاميذ 
الشابية» وهم طرائف كثيرة لا يستحقون إلى تعريف في زماننا. والشيخ 
عبد الصمد الذي أدركناه ممن خرج من القيروان عند انزعاجهم وهو إذ 
ذاك دون الأربعين يومها ولم أطلع على اسم أبيه والغالب على ظني أنه ابن 
محمد بن أبي الطيب واستحكم في دريد فيما بعد وشاخ عليهم. وله أخبار 
ليس هذا موضعهاء وقام بعده ولده علي وكنيته أبو زغاية ثم ابنه أبو زيان. 


وفي أيام أبي زيان خرجت أكثر رعاياه عن طاعته. ودخلوا في طاعة 
الترك وعند خروجهم من القيروان دخلتها الأتراك وأقاموا بها وكان دخولهم 
على يد رجل من خدام الشابيين يقال له الغالي؛ وهو الذي تسبب في 
مجيء الترك لأجل واقعة يطول شرحها. اه. ولنرجع إلى خبر السلطان 
الحسن . 

ومي آيامه كانت قسمطينة في أيدي الترك. وإنما كان ولده أحمد ثائباً 
ببلد العناب. وفى أيامه تغلبت الأعراب على جل البلادء وكانت الشوكة 
في أولاد سعيد في البلاد وهادنهم السلطان الحسن بستين ألف ديئار على 
الوطن . 

وفي أيامه جاءت عمارة من بر الترك لأخذ تونس» أرسلها إبراهيم 
باشا وكان وزيراً للسلطان سليمان بن السلطان سليم فاتح مصر. وكان 
إبراهيم باشا ضرب الدينئار باسمه. وهو أول وزير تولى الوزارة من أولاد 
السراية وأهلكه الإدلال والإعجاب بنفسه. ومات سنة إحدى وأربعين 
وتسعمائة. وكان مخادعاً لسلطانه فارسل خير الدين إلى تونس من غير إذن 
سلطانه. فتنازل تونس وأخذها وفر عنها الحسن. ودخل خير الدين إلى 
تونس واستقل بقصبتهاء ولم أقف على خبر كم كانت مدته إلا إنه كان قبل 
الأربعين والتسعمائة. والصحيح عندي والله أعلم أنها كانت سنة خمس 
وثلاثين أو ست وثلانين. 

وقام أهل باب السويقة على خير الدين وكانت بينهم مقتلة عظيمة. 


14814 


مات فيها خلق كثير من الفريقين. وكانت من باب القصبة إلى باب البنات 
على حومة العلوج. وفشا القتل في الناس وانحز القتال. وبعث خير الدين 
بالأمان وانعكف الفريقان. وخير الدين هذا هو الذي نفى العالم مغوشا 
لخونه منه لما ملك تونس. ومغوش هذا كان في دولة الحسن وجيها. 
فخرج إلى المشرق وحج ودخل إلى الديار الروميةء والتقى مع العلامة 
الشيخ المفتي بتلك البلاد علامة وقته أبي السعود أفندي رحمه الله. 
وظهرت فضائل العالم مغوش هنالك وطارح علماء القسطنطينية واعترفوا له 
بالفضل. وترقى في ذلك العصر إلى أن أم بالملك السلطان سليمان خانء 
وكل ذلك من بركة العلم وبركة الشيخ سيدي منصور بن جردان نفع الله 
-- 

ولما تمكن خير الدين بتونس جاءت عمارة من بلاد النصارى استنجد 
بها الحسن من قبل الأمبراطور فيها ماثة ألف مقاتل. قلت: الأمبراطور في 
ذلك الزمان هو صاحب إسبانية دمره الله وإنما تسمى بهذا الاسم لما 
تحكم على أكثر بلاد الأندلس. شمخ بأنفه وتسمى بالأمبراطور ولم يكن 
هذا الاسم لأحد من أجداده والأمبراطور من أسماء ملوك الألمان. لأن 
ملكهم قديم. والأمبراطور عندهم كالخليفة عند المسلمين وإنما نبهت 
على هذا لثلا يظن أنه الأمبراطور المعهود. 

ولما نزلت النصاري قابلتهم الأتراك ومن انحاز إليهم من المسلمين 
وعددهم ثمانية عشر ألفاء والتقى الجمعان بخربة الكلخ شرقي تونس». 
وخير الدين معهم وانتشب القتال بينهم وكانت مقتلة عظيمة. وظهرت 
شجاعة خير الدين في ذلك النهار. وكادت أن تكون له على النصارى 
إلاوالخبر أتاه أن القصبة أخذت وأن الأعلاج الدذين بها فتحوا الباب. ففر 
خير الدين مر: وقته ومن معه إلى المغرب. واعترضه العرب عند تبرسق 
فكانت بينهم حروب شديدة وتخلص منهم إلى أن وصل بلد العناب وركب 
البحر في عشرين عراباء وسيأتي بقية خبره إن شاء الله تعالى. 

ولما دخل الحسن إلى قصبته واطمأنت الناس وقعد كل صانع في 


1882 


صناعته. واهل الربع فتحوا ربعهم واطمأنوا في أماكنهم. دهمهم عدو 
الدينء» فهجمت النصارى عليهم على حين 7 والأسواق مفتوحة فأخحذوا 
ما فيها من الأمتعة وقتلوا أهلها وسبوا خلقاً كثيرأًء وفر الناس بعيالهم ممن 
قدر على الهرب وراحوا إلى ناحية زغوان. فبعث عظيم النصارى إلى 
العرب وجعل لهم جعلاً على كل مسلم أتوا به إليه, فخرجت العربان في 
طلبهم وأخرجوهم من كل شعب وواد وأتوا بهم إلى النصارى. فكان طلب 
العرب لهم أصعب من طلب النصارى. وأخذوا ما شرطوا لهم والبعض 
فدى من العرب وبلغت فدية الرجل آلف دينار وأكثر وأقل» ومن لم يفد 
نفسه من كافر العرب تملكه الكافر الآخر وكان هذا الخطب جسيما. 


وهذه الواقعة هي المعبر عنها بخطرة الأريعاء, وكان السلطان الحسن 
أباح البلد للنصار ك6 ثلانة أيام. وإلى هذه الواقعة أشار العالم ابن سلامة 
في قصيدته الني يتشوق فيها إلى نونس ويندب أطلالها. ويذكر أيامها 
الرافلة في حلل ل كيف تغيرت وتبدلت أحوالها. ولله سر في تقلبات 
الزمان. كل يوم هو في شأن. وقيل في هذه الواقعة أسر الثلث ومات 
النلث وهرب الئلث. اقام و كي ١‏ 
ستون ألفاً والله أعلم , تيقة بحقيقة ذلك وكانت هذه الواقعة سنة إحدى وأربعين 
وتسعمائة . 


وأما خير الدين فإنه فر من بلد العناب في عشرين عراباً ورجع إلى 
بر الترك فعثر على سفيئة وفيها رسول من عند إبراهيم باشاء فأخذه خبير 
الدين ورجع به إلى السلطان سليمان وكان مع الرسول دلائل الخديعة التي 
لإبراهيم باشاء فعفا عن خير الدين وقتل إبراهيم باشأ بيده. ولما تفرق 
الأمبراطور عن تونس بعد نهبهاء طالبته نفسه بأخذ الجزائره فبعث إلبها 
عمارة» فكان من أمرها ما تقدم ذكره. ومن ذلك الوقت لم يضع تاجاً على 
رأسه ولا أحد من ذريته إلى يومنا هذا. وذلك أنه لما سمع بفساد عمارته 
على الجزائر رمى بتاجه إلى الأرض وأقسم لا يضعه على رأسه إلا بعد 
أخذه الجزائر, وهلم جرا الأمر في عقبه زادهم الله خيبة. 


كما 


وعند استقرار الحسن بتونس تراجع بعض أهل البلد بعد التشتت 
والنهب وحب الوطن إلى أهله من الإيمان. واستقضى السلطان الحسن 
بعد هذه الواقعة الشيخ سالم الهواري وكانت فيه رحمة للئاس في تأمينهم 
على أملاكهم. وسار فيهم سيرة مشكورة أثابه الله على صنعه. والشيخ 
سالم عند أهل تونس يقولون كانت له صبوة أيام صباه وأقلع عن ذلك. 
وأقول وأنا استغفر الله : معاذ الله أن يكون من أهل ما ينسبونه إليه فإن أهل 
الحضرة من العلماء في ذلك العصر كانوا أهل دين وعفاف. فكيف يقدمون 
من كانت فيه تلك الخصال الغير المرضية اللهم إلا أن يكون بدت منه أيام 
الشباب وأقلم بعد أو هذا من أقوال المبغضين والعلماء لحومهم مسمومة 
والله أعلم بذلك, 

وبعد سنة الأربعين جمع الحسن عرباناً وجمع جموعاً وخرج إلى 
القيروان لقصد افتكاكها من يد الشابيين» فلما قرب منها ونزل باطن القرن 
خرجت إليه أهل القيروان فكبسوه ليلا فانهزم هو ومن معه واخذت أمواله 
ورجع مكسوراً. فأقسم لا يرجع عنها بحال وعزم على أخذها بالتصارى 
كما أخذ تونس. فخرج بنفسه إلى بلاد النصارى ليأتي بعمارة مثل الاولى 
ويأبى الله إلا ما يريد. وكان غرض الحسن إباحة القيروان كما أباح تونس 
فقابله الله على صنعها وخحبث نيته . 

وكان ابنه أحمد عاملاً في بلد العناب فلما شعر بفعل أبيه وما عزم 
عليه خاف من إتلاف الحضرة فتلافاها وأقبل إلى تونس خفية وتكلم مع 
بطانته وجماعة من أهل أريانة وعمدته الشيخ عمر الجبالي. الذي شا 
يباب الجزيرة وأولاده من بعده شاخوا بالربض المذكور. وكان الشيخ عمر 
ممن قوي قلبه يوم دخوله القصبة فدخلها على حين غفلة. ولما وصل قبالة 
القصبة عند المكان الذي فيه سكنى المرحوم محمد باشاء وبه يعرف في 
عصرنا هذاء جبنت نفس أحمد عن الإقدام إلى باب القصبة فوكزه الشيخ 
عمر بين كتفيه وقال له: تقدم » فقويت نفسه ودخل القصبة فلم يتعرض له 
أحد واتصل الخبر بالناس فهرعوا إليه وبايعوه. فقال لهم: - إنما فعلت 
هذا لاني أنفت لما حل بكم في السابق» وخفت عليكم مما 


لم1 


يأتي - فشكروه ودعوا له وسار في الناس سيرة حسنة نفرت بها نفوس أهل 
البلد عن أبيه الحسن» وبعث من يتعصب للحسن إلى النصارى الذين 
بحلق الوادي وأعلموهم بالخبر. فبعثوا فرقاطة في إثر الحسن أخبرته بما وقع 
من أخذ ولده أحمد القصبة واستقلاله بالأمرء فعظم ذلك عليه وبذل أموالا 
كثيرة وأتى بعمارة عظيمة وجمع كثير. 

ولما وصل الحسن بالتصارى هبطوا إلى البر فسمع السلطان أحمد 
وأهل البلد. ووقعت هرجة عظيمة وخاف أهل المدينة أن يصابوا مثل المرة 
الأولىء ففروا خفافاً وثقالاً بنية الجهاد. والمدافعة عن الأموال والأولاد. 
ونادى منادي أحمد - من أتى بأسير أو رأس قتيل فله مائة دينار- وجلس 
عند باب القصبة وجعل الدنانير في قراطيس من الكاغذ. وحرض الناس 
على الجهاد فخرج أهمل الربضين بلا سلطان معهم والتقوا بالنصارى 
والحسن, وكانت المصاف من خربة الكلخ إلى سانية العناب. 

وكان يومئذ الشيخ. سيدي علي المحجوب ممن حضر الواقعة. 
فوقفا عند كدية القيروان وأخذ قبضة من تراب ومسكها 
في يده وقرأ حزب البحر للشيخ الشاذلي» نفع الله به الجميع. 
وعند تمام قراءته رمى بها نحو الكفرة وقال: ‏ شاهت الوجوه ثاثا . 
واصطف الفريقان ولم يكن بينهما قتال. والناس ينظر بعضهم بعضاً 
إلا وعلم أخضر طلع من المدينة وأقبل من ببن شط البحيرة وبين 
نوايل سيدي سفيان ومعه مائتا رجل لا غير وأميرهم المعلم عمر فلما رآه 
الناس تقوت نفوسهم فتقدم الشنيخ عمر ومن معه وتقدم الناس. والتقى 
الجمعان واشتد القتال ساعة من النهار. فأنزل الله النصر على المسلمين. 
وصدقوا في قتالهم لأعداء الدين فانهزم حزب الشيطان طوكان حقأ علينا 
نصر المؤمنين20746 وثبت أهل دين الإسلام وخذل الله الكافرين» فقتلوا 
قتلا ذريعاً لم يقتل بتونس مثله . 

وسمعت من أهل الحضرة من يقول كان السلطان أحمد ذلك اليوم 
)١(‏ الآية /ا4ء صورة الروم . 


144 


يعطي كل من أتاه برأس من الكفرة مائة ديئار. وكثرت الرؤوس حتى صار 
يعطي العشرة دنانير وأقل وكثر إلى أن أعطى ديناراً. وحضر ذلك اليوم 
الشيخ سيدي عبد الله بن داود نفع الله به فجاهد في الله حق جهاده حتى 
بيبست يده على قائم سيفه والدم منعقد عليها جزاه الله خيراً. 


وفر الحسن إلى شكلة ودخل في الماء راجلا بلا فرس وهابته الناس 
لكونه مرلي أوبر. فدخل أبو الهول فأخرجه وهو ملوث بالغرم فكسي برنساً 
وجيء به إلى ولده أحمد فوبخه على فعله حتى قال له: - خالفت مسماك 
الحسن ‏ وسجنه. وكانت واقعة مذكورة عند أهل تونس بردت بها حراء 
اكبادهم مما وقع لهم قبل ذلك. واستغاث العوام بالسلطان أحمد وقالوا لا 
يكون ملكان في مدينة وكثر هرج الناس فاستشار أحمد أصحابه في صسجنه 
أو قتله» فأشار ابن أبي حمزة بسمل عينيه فسملت عيناه. 

ولما نفذ أمر الله فيه أخذ نفسه بزيارة الصالحين. ويطلب في ذلك 
الإذن من ولده فيأذن له. ولا زال ينتقل من ولي إلى آخر حتى استأذنه في 
زيارة الشيخ سيدي أبي القاسم الجليزي, فقال له ولده أحمد: ‏ لعلك 
تريد أن تلحق بصهرك أبي سلامة القليعي ‏ فقال له الحسن: - وما عسى 
أن يكون مني وأنا على هذه الحالة ‏ فأذن له فكان الأمر كما قال أحمد. 
فإنه لما خرج إلى مقام الشيخ الجليزي نفع الله به. أتاه القليعي بالليل 
وهرب به إلى القيروان. 

وأقام بزاوية الشيخ الجديدي برهة من الزمان؛ وكانت عجائز 
القيروان يجالسنه ويبيتن معهء وأنا أدركت بعض من أدرك بعض العجائز 
اللاتي جالسنه وحادثته. وسمعت من الحاكي أنه قال: دخل عليه أولاد 
الشيخ عرفة صاحب القيروان في بعض الأيام وأتوه ببربط وهو عود الملهاة 
وقالوا له: - تريد أن تسمعنا من غنائك بالعود - والزموه ذلك امتخفافاً به 
فأخذه وجسه بيده وقد كبر عليه إقدامهم بما لا يليق بمثله فأنشدهم الببت 
الشهير بين الناس. 
وكنا أسوداً والرجال تهابنا أتانا زمان فيه نخشى الأرانبا 


1684 


وألقى العود من يده وجهش بالبكاء في وجوههم فخرجوا من بين 
يديه لا يدري أحد أبن يضع قدمه. فسبحان المعز وسبحان المذل.. وكان 
فى خبري أنه مات بالقيروان لأنه مقبور هناك, حتى وقفت على ورقة بخط 
الشيخ بركات الشريف يذكر فيها أن السلطان الحسن هرب إلى بلاد 
النصارى وهو أعمى وأتى بعمارة لأخذ المهدية فمات في البحرء فأنزل إلى 
البر ورفعوه إلى القيروان فدفن بهاء والله أعلم بحقائق الأمور. ويمكن أن 
يكون فر من القيروان بعدما أقام بها وهذا هو الأصح لأن إقامته بالقيروان 


الخبر عن خلافة الأمير المولى أي العباس أحمد 


هو ابن |! لغولى أي محندا العصن بن التولى أب اعد الله ميد ين 
المولى أبي محمد الحسن بن أبي عبد الله المسعود بن الإمام أببي عمرو 
عثمان وبقية السب معورفة تلب على ملك اليه لي حيايه كما تقدم ذكزه. 
وقيل إن السلطان الحسن لما فعل بتونس ها ذكرناه» واستحكم أعداء الدين 
بحلق الوادي وصارت لهم صولة وشاركوه في أحكامه واستوزر الحسن 
محمد السليطين بن عبد الملك السليطين . وكانت مدته نحو الأربعين يومأً. كان 
المشارك له في الحكم النصراني جوان بن جاكمو. وكان من أهل العقّة 
والحل مع نصارى حلق الوادي. وكان معه ثلاثمائة رجل من النصارى وهو 
كبيرهمء وكانوا يلبسون المبطن والبرنيطة وسكناهم في الربض الذي خلف 
القصبة . 

وأول من أسكن النصارى بذلك الريض السلطان عثمان لأنهم أخواله 
واشتدت شوكتهم في أيام ابن عبد الملك. وجوان هذا هو الذي قتل عبد 
الكريم بن هلال. ضربه على رأسه بفأس في علو الخليفة الحسن. 
وأشرف من العلو على .أصحابه فقال لهم: اقتلوا بقية بنيى هلال. فقتلوا 
يومئذ ثلاثة عشر رجلاً. ووجدت قبورهم مبنية. وسببه أن جدهم علج تعلم 
النجامة على رجل رباه فأخبره بأن بنيه يموتون في يوم واحد ولا يجدون 

فنا. فجعل أكثر من ثلائة عشر قبرأً فلما قتلوا الحدوا بها. 


الحلا 


ومشى محمد بن حذيفة اليماني إلى أبيهم إبراهيم بن هلال في ذلك 
اليوم وأوعده هو وبقية بنيه إن لم يتوبوا قتلوا بالحديد وهربوا بعد ذلك إلى 
قسمطينة. وهي إذ ذاك بيد الترك فأكرموهم ورجعوا بعد ذلك على “يد 
القائد إبراهيم الشيخ. وقد التقى مع علي بن حذيفة بن هلال وقال له: 
تتوب؟ قال: نعم. وبنو هلال من خدام أبي فارس وهم أهل رياسة . 

ولما تزايد تسلط النصارى استبدوا بالأحكام حتى أن ابن عبد الملك 
لما مات قام ولده مقامه, وجوان المذكور ناظر عليه فأنف أحمد من ذلك 
وذهب إلى الشيخ صالح فأمده بالمال ورافقه في ذهابه محمد العصاوي 
وأبو حمزة والبرادعي وصحاء بن جميع وجماعة. وأخذ البلد كما ذكرنا 
قبل. والله أعلم. 

وأول من راسل ملوك الترك السلطان أحمد بن الحسن؛ بعث اول 
محمد القصيبي في أيام حسن بن خير الدين وجاء معه إلى الجزائر 
لإحسانه إليه. وبعث بعده محمد المريش وبعد ذلك بعث أبا الطيب تاج 
الخضار للباشا علي وهو بمدينا طرابلس وعدا معه الباشا علي إلى 
الجزائرء ووقعت ألفة بينهما أي بين الباشا علي وأبي الطيب وبعثه مرة 
أخرى إلى القسطنطينية وهي الأخيرة. 


ولما تمكن من الملك لم يجذ في خزائن أجداده شيئاً لأنه أتلفها 
أبوه في أيامه وعاثت أولاد سعيد في البلاد كعادتهم الخبيثئة: وشنوا الغارة 
إلى أن وصلوا للجبل الأخضر وساقوا بعض مواشي السلطان. فخرج إليهم 
بنفسه فأدركهم في سيجوم وطعن بعضهم . . وكان شجاعاً 0 2 
فروسية حتى قيل أنه لم يضع رجله في ركاب عند ركوبه. ولما استوثق له 
الأمر أركب ثلاثة آلاف فارس وسماهم زمازمية وكانوا قبله يسمون موحديةء 
وأخرج فتوى من علماء الحضرة بقتال أولاد سعيد فبدد شملهم وأهانهم . 
قلت تقدم في خبر جده عثمان أن الشيخ أبا القاسم البرزلي رحمه الله كان 
يدعو على أولاد سعيد عند خروج السلطان إلى قتالهم كما ذكره الشيخ 
الرصاع . 


15١ 


المحاربين من عرب ٠‏ إفريقية ولا فرق» ٠‏ إلا إن هذه الطائفة الملعونة أشد 
نفاقاً من غيرهم. وابن ناجي أفتى بتحريم مبايعتهم الات الحرب حتى 
الأئمقة والرواحي التي يلبسها الإفريقيون من العرب, لا فرق بين هؤلاء إلا 
إن السعيديين أقوى ضرراً من غيرهم. لأنهم على مر الأيام لا ينسون 
فسادهم ولا ينتهون عن فعلهم الخبيث. 


وكان المولى أبو عمرو عثمان ممن أذلهم ومزق جمعهم وأفلهم وأخذ 
عليهم أن لا يصلوا إلى نواحي الوطن وسكناهم من وادران ,إلى القلة لا 
يتعدونه. وإنما حدث منهم هذا الحادث في أيام السلطان الحسن إلى أيام 
السلطان أحمد هذا زاد طغيانهم فسلطه الله عليهم. 

وكان السلطان المذكور محباأ في العدل وإقامة الشرع لا يتعدى 
أحكامه في رعيته ومن طلب معه الشرع أجابه إليه؛ والمعتصبون عليه 
ينسبونه إلى غير هذا والله أعلم. وسمعت من أهل الحضرة من يقول كان 
يزور الشيخ سيدي أبي القاسم الجليزي وله اعتقاد فيه. وكان المذكور 
يشاهد النبي وق في نومه كل ليلة جمعة. فلما جيء بالسلطان أحمد ميت 
ودفن بزاوية الشيخ الجليزي المذكور قصر عن زيارته فامتنع من رؤية النبي 
كلذ فلا زال يبتهل بالدعاء إلى الله ويستغيث إلى أن يسر الله عليه فرأى 
فيما يرى النائم النبي وه فقال: ‏ يا رسول الله ما حجبك عني؟ - فقال له 
: - لم لا تزور الشيخ الجليزي؟ ‏ فقال: ‏ يا رسول الله لاجل الظالم 
الذي دفن بإزائه - فقال له ي: - إنه كان يذب عن شريعتي فزرهما معا. 
فلو لم تكن له إلا هذه المنقبة لكفته سامحه الله تعالى . 

وكانت بينه وبين درغوث باشا صحبةٌ أكيدة. ولما كان درغوث باشا 
محارباً لجربة أرسل له السلطان أحمد المؤونة» وذلك أن جربة عصت 
عليه لظلم منه وملكتها النصارى ستة أشهر وأفتكت على يد الباشا علي 
أرسله درغوث والباشا علي هذا هو الذي مشى إليه أبو الطيب الخضار 
وعدل معه إلى الجزائر. 


وفي أيام السلطان أحمد. كانت دولة الجناوبين لأنه اتخذ سوداناً 
وجعلهم جيشاً له لما كان يتوقع من تمليك البلاد لقوم لغتهم غير العربية» 
فجعل أقواماً من السودان ورفع منزلتهم تفاؤلاً بذلك لكي يكونوا هم 
الموعود بهم. لما أخبره منجموه ومن يدعي الجفر وكان للسلطان 5 
اهتمام بهذا العلم . 

وكذلك ما أخبر به عن أهل هذه الصناعة أن الحكم ينتقل منه إلى 
رجل اسمه علي من غير جنس العرب وذهاب ملكه على يديه؛ فأقام 
مملوكاً له من الأعلاج وسماه علي وأجلسه في مجلسه وقوضض له الأمر. 
والقدر يجري بخلاف ذلك. 


وكانت له فتكات في العرب أهانهم وبدد جمعهم غير ما مرة. وفي 
أهل حلق الوادي له عدة وقائع منها: إنه عزم على السفر إلى إفريقية على 
عادته. وسار كأنه غاز ومعه ألف فارس وأردف خخلف كل فارس رجلا وسار إلى 
أن بلغ ماطر. ورجع من هنالك على غير طريقه الأولى إلى أن أتى إلى 
ناحية المعلقة فكمن هنالك. 

وبعث حيل الدالة وأمرهم بالغارة على حلق الوادي والتصارى 
مطمئنون من جانبه. لأآن جواسيسهم وهم المهجرصونء أخبرتهم بأن 
السلطان خرج عن البلدء فلما أنذروا بخيل الدالة خرجوا من البرج في 
طلب الخيل وانهزموا أمامهم. فأتبعوهم إلى أن وصلوا إلى قرب الحضرة» 
فلما علم أحمد ببعدهم جال نحو البرج ودهم الذي به على حين غفلة» 
ووقف على بابه وانذهلت النصارى عن غلق البابء وامتنع هو من أخذه 
ورجع. ولو أراد أخذه لتمكن منه لما هو سابق في الغيب» لأن القوم 
كانوا يرون أن البرج المذكور يحول بينهم وبين عدوهم المتوقعون له. ولما 
0 السلطان عن ختلفه حال بين الأعلاج الذين حرجوا غائرين وبين البرج 


وكان را حلق الوادي يأخذون من أهل تونس الرمية من الصوف 
والجير لبناء برجهم. فإن أعطوهم ذلك وقعت الهدنة وإن لم يعطوا 


يل 


يضيقون عليهم برأ وبحرا وتصبح بطائحهم في البحيرة ويرمون بالمدافعء 
وفي البر يغيرون هم ومن معهم من المهجرصين فيقاسي من ذلك أهل تونس 
أكبر التعب. وإن عزم أهل تونس أو السلطان على غزوهم أنذرهم 
المهجرصون وهذا دأبهم معهم 

وكان أهل تونس في شدة مع العدو في كل حين ولهذا كانوا يدربون 
أولادهم يلعب المحجر دائماً ليتطيروا بملاقاة العدو ولم يزالوا يقاسون من 
الكفرة الشدائد إلى أن منّ الله عليهم بهذه السلطنة الخاقانية. أبقاها الله 
لمجاهدة الكفرة. حسمت عن أهل تونس تلك الأرجاس والله رؤوف 
بالناس. وسيأتي بعد إن شاء الله تعالى . 

وأخبار السلطان احمد يطول شرحها وفيما ذكرناه كفاية ودامت أيامه 
وانتشرت بالعدل أحكامه إلى أن نفذ فيه أمر الله لا راد لقضائه . 


وقيل أن أبا الطيب كان يتوقع منه القبض عليه. وهذا هو الموجب 
لانحرافهعا.» رأ دخل عليه في بعض الأيام فوجده في شغل من الفكرة 
فحدثه بما يسليه فقال له السلطان: ‏ يا أبا الطيب لو جاءنى على من 
المغرب في عدد يسير ما كنت ألقاه وهذا أنه وأني لفي حيرة من 
ذلك فحدثه أبو الطيب بما شرح صدره وأذهب عنه فكره فكان هذا هو 
الباعث لأبي الطيب إلى أن كاتب الباشا وهو بمدينة الجزائر وحرضه على 
القدوم لتونس. وكانت بين السلطان أحمد والباشا علي ضغائن في التفوس 
من وقت استخدامه بمدينة طرابيلس, 

ولهذا السبب أرسل إليه أبا الطيب فيما تقدم لإصلاح الحال. ولما 
بلغت مكاتبة أبي الطيب لعلي باشاء 'تقوى عزمه وخرج بمحلة عظيمة» 
واجتمع إليه من عمراوة وقرفة وسويد نحو من سبعة آلاف وأقبل بهم. ولما 
سمع أحمد بمجيء أهل الجزائر خرج ليصدهم عن الوطن والتقى معهم 
على بلد باجة. وكان مع السلطان أحمد خخيله الزمازمية . وأخذ معه من. 
الرجالة الفا وستمائة والتقى بهم فلم يغنوا عنه شيئاً. وأخذت محلته وانهزم 
أحمد بمن معه. 


154 


وجاءت الترك إلى وادي مجردة فوجدوه زائداً فمنعهم من العبورء 
فأرسل الباشا علي إلى بنزرت فجاءته الألواح والقناطر وجعلها جسترا على 
الوادي وقطع العسكرء والتقى مع السلطان أحمد مرة ثانية قرب سيدي 
علي الخطاب»: فكسر ثانيا وقيل وقع الحرب ثالث كرة عند سيدي عبد 
الوهاب» ولم تكن للسلطان أحمد قوة. فدخل الحضرة وقد أيس من 
الملك ورأى المؤانسة لعدوه من عسكره. وفر عنه غالب الناس» وخرج في 
بعض الليالي إلى ربض باب السويقه وقصد دار الشيخ سيدي علي المني 
نفع الله به وهو إذ ذاك على قيد الحياة. فلما جلس في صدر البيت ولم 

يكن الشيخ حاضرا إلا والشيخ قد أقبل ووضع يديه على عارضتي الباب 
وقال: يا أحمد فأجابه بنعم فاستفتح الشيخ وقال: «قل اللهم مالك الملك 
تؤني الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاءه'2- إلى تمام الآية. فعلم 
السلطان أن الأمر مدبرء فخرج وهو أيس من الملك فرجع إلى قصبته 
وجمع ذخائره وأمواله وبعض أهله ومن تبعه وخرج تحت الليل فتبعه العرب 
والبعض من أهل البلد, فدافع عن نفسه ونهب الكثير من ماله وسار على 
طريق رادس2. ولم يبق معه إلا نفر قليل وعرج في طربقه إلى ناحية 
البريجة. وقطع إلى حلق الوادي ولم يكن البحر غامراً تلك الجهة؛ كما 
هو في زماننا وإنما طغى الماء بعد. ولما وصل إلى الحصار قرع الببدب 
ففطن به العسس فأخبروا كبيرهم فأشرف عليه من فوق فعرفه أحمد بنفسه 
ففتح له الباب فدخل واطمأنت نفسه. 

ولما خرج عن المدينة لم يكن لأهل المدينة قبل بمدافعة الأتراك 
ففتحوا الأبواب ودخل الباشا علي. ودخل العسكر معه وأصبح جالساً في 
القصبة وذلك في سنة سبع وسبعين وقيل ثمان وسبعين وتسعمائة. ونادى 
المنادي في الئاس بالأمان وطلع إليه أهل البلد وأخذ عنهم البيعة لسلطائه 
ومن غد اجتمعت جماعة من جند السلطان أحمد من الزمازمية الذين 
رجعوا عنه ومن بقي منهم واتفقوا على الرحيل من البلد فقال قائلهم: - لا 
بد لنا من الوقوف بين أيدي الترك ‏ فساروا بأجمعهم إلى باب القصبة 
)١(‏ الآية 75 سورة آل عمران. 


16 


وتكلموا معهم وقالوا: - إنا كنا خدمنا سلطاننا مدة إقامته ودافعنا عنه بقدر 
طاقتناء وأما اليوم فإن شئتم أبقيتمونا في أماكننا وإن شئتم صرفتمونا وأرض 
الله واسعة ‏ فتشاوروا في أمرهم وأبقوهم على حالهم وقالوا لهم أن 
نصحتم سلطانكم وليس لكم ذنب وحيث أديتم حق ملككم وقائلتم في 
طاعته. فأنتم اليوم معدودون من جماعتنا- فمن ذلك اليوم عرفوا بجماعة 
الترك إلى يومنا هذا. 

وعلمهم أبو الطيب قوانين البلاد وتصرفاتها وأخذ يتصرف في 
الأعمال. لأن القوم ليس لهم خبرة باحواله ظنا منه أنه يستبد بالحكم معهم 
لكونه هو السبب في إتيانهم وممن أعانهم فعاجلوه وقتل صلباً ونهبت 
أمواله . وإن الله لا يهدي كيد الخائنين وعوقب بنقيض مقصوده, كما هي 
عادة الله فى من ساءت نيته. 

ولما تمهدت البلاد رجع الباشا علي إلى الجزائر وخلف في البلاد 
نوبة من أتراك وزواوة لصيانتهاء وخلف قائده رمضان حاكما في البلد وعدد 
الأتراك الذين خلفهم ثمانمائة والزواوة كذلك. وكان في عسكر السلطان 
أحمد أربعمائة من الأتراك ولما أراد أن يدافع أهل الجزائر كما ذكرنا قال 
للأتراك الذين فى خدمة هؤلاء أهل الجزائر من جنسكم وأنا لا أريد أن 
تقع بينكم عداوة فقالوا له: إنما خدمناك لندافم عنك بأنفسنا فأبى عليهم 
وبعثهم إلى سوسة إلى أن وقع عليه ما وقع وأخذت الترك البلاد. فتراجعوا 
بعد ذلك ومكثت في أيدي أهل الجزائر ثلاث سنين والعرب من برها وأهل 

حلق الوادي من بحرها إلى أن جاءتها العمارة من الأمبرطور بإذن السلطان 
أحمد وذلك في سنة ثمانين وتسعمائة. وأنفق عليها أموالً كثيرة. 

ولما وصلت العمارة إلى حلق الوادي.» ٠‏ أخرج الجئرال كتاباً من عند 
سلطانه يذكر شروطا اشترطها على السلطان أحمد فامتنع منها 
وقال: - مالكم عندي إلا المال لا غير وأما البلاد فليس لكم فيها شيء - 
فقال الجنرال: - إن تف بها فخير وإلا نقدم غيرك يف لنا بها- وقدموا 
أخاه محمداً فقبل الشرط ونزل بهم إلى البرء وأما السلطان أحمد ففر إلى 
جزيرة صقلية وسكن مديئة بلرموء وبقي بها إلى أن مات رحمه الله. وجيء 


155 


به إلى تونس فدفن بزاوية الشيخ الجليزي بعد ما مكث ثلاثة ة أيام ملقى في 
الجلاز لم يؤذن بإدخاله البلد, ظناً من القوم أنه حي وأدخل بعد ذلك 
ودفن والملك لله وحدة. 


الخبر عن خلافة الأمير المولى محمد بن المولى الحسن 

أمه أم ولد وهو خاتمة بني أبي حفص وبانقراضه انقرضت أيامهم. 
قدم إلى الحضرة بعمارة النصارى. فلما علمت أهل تونس بمجثيه هربوا 
من البلد خيفة من هول الأربعاءء وهي الواقعة التي جرت عليهم أيام 
الحسن, وهرب أكثر أهل تونس إلى ناحية جبل الرصاص واختفوا هناك في 
الدواميس» وهذه الواقعة يعبر عنها بخطرة الدواميس. 

وكان فيها الخطب جليلاً وكانت في زمن الخريف وغالب أهل البلاد 
عرائس. فانهتك حجابهم وافتضحوا ونالهم من الهوان ما لم يعهدوه. 
وصنعوا نواويل في الغابات وسكنوا بها وتسولوا بين خيام البادية» ونالوا من 
الخوف والجوع ما لم ينله أحدء وتولى الحرس على النساء والذراري 
القائد عبد الله والقائد علي بن أبي زيدء وبعث إليهم الشيخ الجديدي 
يحرضهم عن قلة الطمأئينة. وبعث السلطان محمد بعد ذلك للناس وأمنهم 
وأمرهم بالرجوع إلى البلدء ثم رجعوا فمن وجد داره أخذها ومن وجدها 
بيد النصارى. وكل أمره إلى الله. وقسمت المدينة قسمين كفر وإيمان. 


وفي تلك الأيام أهين المسجد الأعظمء. ونهبت خزائن الكتب: التي 
به وديست بأرجل الكفرة معالم المدارس وتفرق ما جمع فيها من دواوين 
العلوم: وتبددت في الشوارع حتى قيل أن المار من شرفي الجامع حيث 
النواوريين الآن إنما يمر على الكتب المطروحة هناك وضريت النواقيس 
في الحضرة . 

وسمعت بعض أهل البلاد يقول إن النصارى ربطوا خيولهم بالجامع 
الأعظم ونبشوا قبر الشيخ سيدي محرز بن خلف قلم يجدوا به إلا الرمل» 
وفعلوا ما لا تفعله الأعداء بالأعداء. وساكنوا المسلمين وصارت 


147 


الدار بالدار, وسكن القبطان مع السلطان محمد بالقصبة ويجلسان معأ في 
سقيفتها للحكم. واستمال القبطان قلوب الناس وساسهم بعدله ومكره ومنع 
من التعدي عليهم؛ وانحاز أهل باب السويقة ناحية ومنعوا أنفسهم من 
الإهانة. وأهل باب الجزيرة. وأهل المدينة أهينوا لأنهم تحت الرمية فجرى 


عليهم حكم النصارى. 


وفي تلك المدة عمر البستيون خارج باب البحر من تونس. وفصلت 
اسواقه وحوانيته وعمر بالكفرة» ونال أهل تونس من أهل البستيون ما لم 
ينالوه من غيرهم : حتى كانوا يفتنون الرجل عن دينه. وشاركت النصارى 
المسلمين في مساكئهم ومعاملتهم. وأقاموا معهم تحت القهر والإهانة» 
وفي تلك الأيام وقعت خخطرة الشكارى بين مسلم ونصراني » كل منهما أراد 
شراءها فمد النصراني يده في المسلم فصاح المسلم واستغاث: فقامت 
الناس لنصرة المسلم ونتلوا النصراني ٠‏ وكانت الواقعة بباب البئنات فتسامع 
أبناء جنسه ففزعوا وخرجوا من باب السويقة؛ ووقعت بينهم مقتلة دام فيها 
الحرب من الصبح إلى غروب الشمس وبقيت جنائز الفريقين ملقاة. وخرج 
السلطان وحز بين الفريقين وجرت النصارى موتاهم على العجل. وسبب 
هذه الخطرة على يد ابن الصفار كانت داره بالعزافين وقد أدركت ابنه 
يسكن هنالك وسمعت من ولده يقول كان أبي هو السبب في تلك الواقعة 
والله أعلم بحقيقة ذلك. 


ولنرجع إلى خبر الترك فإنهم لما دهمهم العدو وعلموا أن ليس لهم 
طاقة بمقاومتهم. سلموا البلد وهربوا إلى ناحية جزيرة شريك ونزلوا على 
الحمامات؛ فغلق دونهم أهل الحمامات باب البلدء فطلبوا منهم القوت 
فمنعوهم وعلقوا سلوقية ميتة على برج عندهم. وبه يسمى برج السلوقية 
إلى اليوم. وقالوا لهم هذا ما لكم عندنا فباتوا هنالك وجمعوا أمرهم إلى 
اين يكون ذهابهم فاتفقت أراؤهم على القيروان وبها الباشا حيدر. وكان 
نمي إليهم الخبر بما وقع بتونس فاضطربت القيروان في تلك الأيام . 


ولما أراد الترك أن يتوجهوا إلى القيروان لحقت بهم النصارى على 


154 


بلد الحمامات .فلم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه فقال كبيرهم: نجعل البحر 
خلفنا ونستقبل العدو والنصر بيد الله تعالى. . وسمعت من يقول أن أميرهم 
كان خير الدين وليس كذلك؛ لآن خير الدين هو الذي أخذ تونس من يد 
الحسن في حدود الأربعين» وهذه الكائنة في سنة ثمانين إلا أن يكون 
الحسن بن خير الدين والله أعلم . 


ولما وصل العدو إلى الترك صدقوا في القتال وصبروا صبر الأحرار, 
فهربت الكفرة وركبت الترك أدبارهم إلى أن أخرجوهم من الخنقة التي 
بقربٍ الحمامات وقتلوا منهم ما شاء الله وقطعوا رؤوس القتلى وبعثوا منها 
أحمالاً للقيروان لتسكين الأحوال فيها. ووجدت صناديق للنصارى مملؤة 
بالريش بقصد من قتل منهم مسلماً رشقوا ريشة في رأس قاتله للمباهاة. 
فخذلهم الله تعالى . 

ومن الغد رجعوا إلى الحمامات فحاصروها وأخذوها عنوة وقتلوا من 
قدروا عليه من الرجال وفر الباقون وسبيت أولادهم وحريمهم ونهبت 
أموالهم وفعلوا بهم الفاقرة. وأتى الشيخ الجديدي فأفتك منهم النسساء 
والأولاد 2 إليها من هرب. والتحق الترك بإخوانهم بالقيروان وأقاموا 
هناك عشرة أشهر مدة سلطنة محمد وتحكم النصارى يتونس. واشتد الأمر 
على الذين بالقيروان وضاقت بهم البلاد. وكان بها الباشا حيدر وهو الذي 
ضرب الحيدري المشهور بالقيروان. وأراد الفرار عنها لشدة الأمرء وكان 
يتردد إلى الشيخ سيدي أحمد الزنان. نفع الله به فكان الشيخ يربضه 
ويوعده بالخيرء فيقف عند إشارة الشيخ إلى أن قدر الله بارتفاع المحن. 
وإزالة البؤس والحزن. وإظهار شعائر الإسلام بالدرجة العلية. ونشر 
الأعلام الخاقانية وتطهير الديار التونسية. هن الكفر والأرجاس. فسلم الله 
هذه المملكة بالخاقان سليم ابن سليمان والله رؤوف بالناس. 


وكاتب أهل القيروان إخوانهم بطرابلس والجزائره فأتوا بنية الجهاد 
من الجزائر ومن طرابلس ومن القيروان» ونزلوا بساحة تونس في يوم واحد 
وناوشوا القتال لأهل تونس وضايقوها من البر وأقاموا عليها مدة فلم يفعلوا 


145 


شيئاً. ولما طالت إقامتهم ولم يحصلوا على شيء عزموا على الرحيل إل, 
بلادهم , فظهرت لهم مراكب في البحر فظنوا أنها عمارة أتت للقي 
النصارى. فقويت نفوسهم على الرحيل بالليل. 


وكان من قدر الله أن العمارة المذكورة من قبل السلطان سليمء أبقى 
الله البركة في ذريته إلى يوم الدين. والقبطان بها علي باشا وسردارها سنان 
باشاء فلما وصلوا إلى ناحية المرسى من حلق الوادي وعلم المسلمون 
الذين هناك بأنها عمارة الإسلام طلع إليهم بعض المسلمين فسألوه عن 
أحوال البلاد, فأخبرهم بخبر المحال النازلة على البلد. فكتبوا كتاباً وبعثوه 
إلى أمراء تلك المحال يخبرونهم بمجيء العمارة السلطانية ويأمرونهم 
بالإقامة في أماكنهم. فلما أتاهم الخبر أيقنوا بالنصر وتقوى عزمهم إلى أن 
فتح الله عليهم . 

وسمعت من أهلى الحضرة من يقول سبب مجيء العمارة إلى هذه 
الديار أن السلطان ليم رأى في منامه الشيخ الولي سيدي محرز بن خلف 
يستنجده على بلاده وقال له أنا محرز بن خلف- فلما أصبح سأل عن 
الشيخ وعن بلده فقيل له تونس. وقيل أن العمارة كانت معينة إلى الأندلس 
نجدة لغرناطة لأن أهل غرناطة بعثوا يستنجدونه. فعزم على إرسال هذه 
العمارة إليهم. فبلغه خبر غرناطة وأنها أخذت في تلك الأيام واحتوى 
عليها أعداء الدين. ففتر عزم السلطان عن الأندلس وبعث بها إلى تونس. 
ولعل الاتفاق وقع من الطرفين والله أعلم. 

وكان عدد المراكب ثمانية عشر معونة ومن الغلائط وغيرها من السفن 
ألفأ ومسمائة قطعة حرس الله هذه السلطنة العثمانية من آفات الزمان. 
وجعلها تذب على الدين المحمدي وهي بشعائرها مشيدة الأركان. ولم 
يزالوا مطبقين على تونس من برها وبحرها إلى أن تمكنت أيديهم بسحرها 
ونحرهاء ونزعوا ملكها من أيدي الكفرة بعد ما كانوا استولوا عليها وسلبوا 
ملك بني أبي حفص بعد ما كانوا ملوك البلاد الإفريقية وغيرها والله يرث 
الأرض ومن عليها. 


٠ 


وكان ابتداء ملكهم كما قدمنا ذكره سنة ثلاث وستمائة وانقرض 
بانقراضهم سنة إحدى وثمانين وتسعمائة» فكانت مدة ملكهم ثلاثمائة 
وثماني وسبعين سنة. وملك الله هذا الإقليم الإفريقي كما ملك غيره لآل 
عثمان. وطهره بتوليتهم عليه من أهل الشرك والصلبان. وحيث بلغنا ما 
أردناه من الأخبار السابقة.» نضيف بحول الله وقوته ما تيسر لنا من الأخبار 
اللاحقة. إن شاء الله تعالى, لا قوة إلا به ولا اتكال إلا عليه . 





لبان (السائع 


في الدولة العثمانية والسلطنة الخاقانية 


أدام الله ظلال أمنها في الخافقين. وجعلها دائمة اليمن والبركة قاهرة 
لأعداء الدين. وخادمة للحرمين الشريفين. 


ابن أرطغرل بن سليمان شاهء وكان سليمان هذا في بلاد ماهان قرب بلخ. 
وهو من جنس التركمان الرحالة النزالة من طائفة التتار. ويتصل نسبهم إلى 
يافث ابن نوح عليه الصلاة والسلام . 


ولما ظهر جنكيز خان وخرب بلاد بلخ وأخرج منها السلطان علاء 
الدين خوارزم شام تفرقت أهل تلك المملكة وخرج سليمان شاه المذكور 
من بلاد ماهان بخمسين ألف بيت من التركمان. وقصد أرض الروم وعبر 
الفرات. فغرق بفرسه فمات وتفرقت جماعته في أطراف تلك البلاد وبقيتهم 
موجودة هناك إلى الآن على عادتهم في النزول والارتحال.» وخلف سليمان 
أربعة من البنين» فعاد منهم إلى بلاد العجم إثنان وتوجه إثنان إلى بلاد 
الروم وقدما على السلطان علاء الدين السلجوقي صاحب بلاد قرمان. 


0 


وملكه إذ ذاك بقونية. فأكرمهما وأذن لهما بالإقامة بأرضه فاستاذناه في 
الجهاد فأذن لهماء واجتمع إليهما جماعة من التراكمة فوصلوا الجهاد في 
أرض الكفرة ولهم وقائع مشهورة عند أهل السيرء» ومات أرطغرل وخلف 
عدة أولاد أشدهم 5 عثمان. فواصل الجهاد على عادة أبيه.ء فرأى 
السلطان علاء الدين جده واجتهاده, فأكرمه وأعزه وأمده وأعانه وجعل له 
المرتبات السلطانية» وأرسل نوبة خاقانية ودق بين يديه الطبل والزمر وسماه 
خان تعظيما وتفخيما. ولما دقت الطبول بين يديه قام هو على قدميه 
إجلالا لمخدومه فمن هناك صارت لآل عثمان عادة القيام عند دق النوبة قانونا 
جارياً إلى الآنء وجرى عليه اسم السلطنة ممنة قسع وتسعين وستمائةة. 

وافتتح تلك السنة فره حصار وخطب له فيها وتمادى في فتح تلك 
الحصون وساعدته المقادير لما سيكون. إلى أن توفي رحمه الله سنة 
خمس وسبعمائة» وتولى بعده السلطان أورخان بن عثمانء. وهو الذي افتتح 
مدينة برسا في حياة والده وجعلها دار الملك. وفاق والده في الجهاد وفتح 
بلاداً كثيرة. واجتمع لحربه جملة ملوك نصارى من بلاد 0 وقصدوا 
لقاءه في بر الأناطولي فسير إليهم ولده سليمان بك فجاز إليهم إلى بر 
الروملي » ودهمهم على حين غفلة فمزقهم ألله وفرق جمعهم وفتح عدة 
أماكن وعاد إلى والده منصوراً. وعاش أورخان إلى سنة سبع وأربعين 
وسبعمائة. فمات رحمه الله. وتولى بعده ولده السلطان مراد بن أورخان بن 
عثمان سئة سبع وأربعين, وجلس على تخت الملك سنة وفاة أبيه. 


وهو الذي فتح أدرنا واتخذ المماليك وسماهم يكشريه. معناه 
العسكر الجديد. والبسهم اللبد الأبيض المنئني إلى خلف. وكانت له 
صولة عظيمة. واجتمعت ملوك الشرك إلى قتاله فهزمهم وققكل زعيمهم 
الأكبر. وأظهر بعض ملوكهم الطاعة وأقبل لتقبيل يده فطعنه بخنجر كانت 
معه. فمات رحمه الله رس مارت عادة عند آل عثمان لا يدخل أحد 
بسلاح على السلطان وأن تفتش ثيابه وأن يدخل بين رجلين يكتنفانه. 

وتوفي سنة اثنتين وسبعين وسبعماثة وتولى بعده بايزيد خان. وكنيته 


64 


يلدرم معناه الصاعقة وعمره إذ ذاك اثنتان وأربعون سنةء وأقام ستة عشر 
سنة سلطانا. واستولى على قلاع كثيرة وغصب ملوك الطوائف الذين 
بآرائه . وأخذ ابن كرمان وحبسه ففر من محبسه وفر منه أيضاً إبن متنسبا في 
صورة قلندري حلق لحيته وحواجبه وابن اسفندار وغيره من الملوك. 
ولحقوا بتيمور ملك التتار واستغاثوا به وحرضوه على أخخذ بلاد الروم. 
وتيمور هذا من أشر ملوك الدنيا أهلك ثلثي العالم وملكة. وكان مبتدأ أمره 
من وراء خرسان. وملك ما وراء النهر والسند والهند والصين والعراق» 
وجاز إلى الديار الشامية والحلبية ولم ينج منه إلا مصر والمغرب. وسفك 
من الدماء ما لا يعلمه إلا الله وأخباره كثيرة ليس هذا محلها وقتل من 

وسئل بعض الفضلاء عن تيمور أي سنة ظهر فيها فقال: - في سنة 
«عذراب». ولما وصل إلى بلاد الروم خرج بايزيد إلى قتاله فخذله من كان 
في عسكره من التتار وغيرهم. ورجعوا مع تيمور باستمالته إليهم وبقي 
بايزيد في جمع قليل وقاتل بنفسه إلى أن هجم على تيمور في القيد سنة 
سبع وتسعين وسبعمائة» وتسلطن بعده بنوه عيسى وموسى وقاسم وسليمان 
ومحمد. ووقع بينهم القتال والتحاسد نحو اثنتي عشرة سنة. 

واستقل بالملك السلطان محمد بن بايزيد في سنة خمس وثمانمائة 
وعمره إذ ذاك ثماني عشرة سنة ‏ وكان مطاعاً مقداماً واسع العطاء عين 
صدقات للحرمين الشريفين. ومهد البلاد وفتح فتوحات. وتوفي بعد سبع 
عشرة سنة من سلطنته سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. 


وتولى السلطان مراد الثاني في التاريخ المذكور. أي اثنتين وعشرين 
وثمانماثة» فأقام الشرع في أيامه ولازم الجهاد على عادة أجداده وفتح بلادا 
كثيرة إلى أن كبر ولده محمد فتخلى له عن الملك وأجلسه في حياته على 
سرير ملكه وتقاعد برضاه إلى أن وافاه حمامةه . 

ثم استقل بالأمر السلطان محمد خخان في سنة اثنتين وخمسين 


يلك 


وثمانمائة وعمره إذ ذاك عشرون سنة. وهو من أعظم سلاطين آل عثمان 
في الجهاد متوكلاً على الله. وأكبر فتوحاته قسطنطيئة العظمى وجعلها دارا 
للملك. وبنى بها المدارس وقرب العلماء وأجرى عليهم النفقات. 
واستجلب العلماء العظام من أقطار البلاد» وتزخرفت بأيامه الدنيا وتشرفت 
العلماء في أيامه. وفعل خيرات لا تحصى. وتوفي سنة ست وثمانين 
وثمانمائة رحمة الله عليه. 

وجلس بعده في الملك السلطان بايزيد ابن السلطان محمد في ربيع 
الأول من السنة المذكورة وعمره إذ ذاك ثلاثون سنة. وقام بالأمر اثنتين 
وثلاثين سنة. وفتح عدة قلاع وافتكها من أيدي الكفرة ونازعه أخوه في 
الملك. ووقع بينهما الحرب؛ فانهزم أخوه هارباً إلى مصر في أيام قيت 
باي. فأكرمه وعاد إلى قتال أخيه مرة أخصرى فهزم وهرب إلى بلاد 
النصارى. فدس عليه أخوه من قتله هناك بموس مسمومة حلق رأسه بها. 


وفي أيامه ظهر إسماعيل شاه ببلاد العجم وأظهر مذهب الرافضة 
واستولى على تلك البلاد فغزاه بايزيد. وكان رحمه الله محباً للجهاد مداوماً 
على أفعال البر. وكانت بيضة الإسلام في أيامه محفوظة بحب الأولياء 
والصالحين؛. وبنى المدارس والتكيات وديار المرضى. وهرعت إلى بابه 
أعيان الناسء ومدحه شهاب الدين بن الخليفة شاعر مكة بقصيدة, 
وأرسلها إليه فأثابه بألف دينارء وجعل له كل سنة ستمائة دينار. وهي باقية 
في عقبه تصل إلى أولاده في كل سنة إلى يومنا هذا. وكان له عدة أولاد 
فرقهم في ححياته على المناصب إلى أن ماتوا في حياته. ولازمه مرض 
النقرس "وهو من أمراض آل عثمان. فعجز عن السفر ومال العسكر في 
حياته إلى ولده سليم. وتقاتل معه وآخر الحال خلع نفسه وقدم ابنه للملك 
ويج إلى أدرنة فمات سئة سبع عشرة وتسعمائة . 

والسلطان سليم جلس على تخت الملك في السنة المذكورةٍ وعمره 
إذ ذاك ست وأربعون سنة ة وأيام ملكه تسع سنين. وكان ملكا جباراً سفاكاً 
للدماء قوي البطش غزا بلاد العجم وافتك مصر من الشراكسة. وأخذ مديئة 


الم 


حلب والشام. وهو أول من خطب له بخادم الحرمين الشريفين. توفي في 


وقام بالأمر بعده ولده السلطان سليمان في التاريخ ودامت أيامه في 
الملك تبغ وأربعين سنة. وفي أيامه فتحت عدة بلاد وغزا بنفسه بلاد 
الأنكروس وغزا جزيرة رودس وأخذها من أهلها وكانت ليس لها مثيل في 
الحصانة وأسلموها له بعد حصار شديد. وضايق عليهاء وآخر الحال طلبوا 
منه الأمان على أموالهم وأنفسهم فأعطاهم أماناً. فخرجوا إلى بلاد المغرب 
وعمروا جزيرة مالطة دمرها الله. وكانت أفعالهم برودس كأفعالهم الآن 
عسى الله أن يبدد شملهم عن قريب. وفتح رودس أول شهر صفر سنة 
تسع وعشرين وتسعمائة وجعل بعض الأفاضل فيها تاريما وهو 7 
المؤمنون بنصر الله». ولما تمكنوا من مالطة وزاد ضررهم أرسل إل 
آخر أيامه عمارة لأخذها فما أمهله أجله. 


ومن فتوحاته جزيرة استنكوى وبودرم وقلعة أيدوس. وسافر بنفسه إلى 
بلاد العجم وهرب أمامه الشاه وخرب بلاد تبريز وأخذ بغداد. وفتح عراق 
العرب وطلب الشاه منه الأمان والهدنة فأعطاه ذلك ورجع إلى مقر سلطانه. 
وألطف تاريخ قيل في هذه السفرة «فتحنا العراق». وله رحمه الله ثلاث 
عشرة غزوة على أهل الشقاق والنفاق ومات رحمه الله في غزوته الأخيرة 
بقلعة سكئوان. وكتم الوزير موته وأرسل إلى ولده السلطان سليم. فاقبل 
بسرعة وعند ذلك أظهر الوزير موت السلطان سليمان. ووضع في تابوت 
ورجعوا به إلى القسطنطينية . كانت همدة سلطتته ثمان وأربعين سنة سقى الله 
ثراه من صوب الرحمة. وكفاه من الفخر أن علامة الوجود في ذلك العصر 
وهو المولى أبو السعود رحمه الله رثاه بقصيدة طنانة. تدل على فخرهما 
الناشد والمنشئ.. وهنٍ من غرر المرئيات وبراعة استهلالها حيث قال: 


أصوت صاعقة أم نفخة الصور2 فالأرض قد ملئت من نقر ناقور 
وهي طوياة أضريئا عنها وليس هذا محلها تركناها خشية الإطالة. 


لتنا 


وجلس بعده على تخت الملك ابنه السلطان الأعظم السلطان سليم . 
الثاني وبويع يوم الاثنين لتسع مضين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين 
وتسعماثة. ومولده سنة تسع وعشرين وتسعمائة. ومدة سلطنتته تسع سلين» 
وهو المبارك النقيبة على الديار التونسية سلمها الله بسليمها من أوياش 
النصرانية. وقامت الخطباء باسمه المبرك على منابرهاء ولاحظت أعين 
السعادة منازل الحضرة. وأضيف فخر الدولة العثمانية إلى مفاخرها. ولما؛ 
تمكن من ملكه تبع طريق أسلافه في الجهاد. 

فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس(222, بالسين المهملة. وفتح بلاة 
اليمن بعد ما عصى أهلها. وقد كان فتحها والده السلطان سليمان. فلما 
مات قام بها مظهر بن شرف الدين يحبى الزيدي واستفحل أمره بتلك 
البلاد.» فبعث إليه عسكراً صحبة الوزير المبارك سنان باشا فافتك البلاد. 
ويلغ منها ما أراد. وهذا الباشا السعيد لم يكن له نظير في دولة آل عثمان 
ولا جاء مثله من ذلك العصر إلى هذا الزمان. فكم خلف رحمه الله من 
الماثر والخيرات حيث خل ركابه وكم بنى من مساجد وتكيات. يحل بها 
المسافر وينال من خيراتهاء ويحمد ذهابه وإيابه. فإنه كان ميمون النقيبة 
حيثما سارء ولا استقرت قدمه بإقليم إلا بنى فيه أماكن للخير والصدقة. 
وكثير من الناس شاهد تلك الآثار. حتى أنهم يقولون إن جباية تلك البلاد 
لا تفي يما صنع من خيراته. وكان محباً لفعل الخبر والزيادة إلى أن مات 
زاد الله في حسناته. وقد سمعت من يقول أنه كان يعلم سر الحجر 
المكرم. ودليل هذا كثرة ما خحلف من أماكن محبسة على الفقراءء وإلى 
يومنا هذا يدعى له وعليه يترحم . 

وعلى يديه كان افتتاح هذه البلاد والله رؤوف بالعباد. وذلك أن 
سلاطين تونس من بني أبي حفص كما بيناه في أول الكتاب. كان منهم 
من بلغ درجة الملك ومنهم من قاربها ومنهم من نال الاسم من السلطنة 
فقط ومنهم من تغلبت عليه العرب وأقاموه في الملك وشرطوا عليه شروطاً 


. جزيرة قبرس المقصود بها قبرص اليوم‎ )١( 


م 


وفى لهم بدذلك؛. وتمادت أيإمهم في إقبال وإدبار إلى أن أتاهم ما أتى على 


ولما أراد الله تعالى انقراضهم وضعفوا تفرقت اراؤهم واختلفوا إلى 
زمن مشينهم لأحستهم . وأظهر من مساوثه ما غطى به حسنات أحسنهم . 

وفي أيامه تملك النصارى حلق الوادي وبنوا فيه حصارهم المشهور, 
وشيدوا فيه بناء لم يشيده شداد. في إرم ذات العماد. وابتدأوا بناءه سنة 
سبع وثلاثين وتسعماثة. وهدموا أكثر أقواس الحناية التي كانت لقرطاجنة» 
وأخذوا أحجارها لبنيانه, وجعلوا الرمية على أهل البلاد من الجير 
والجص. وحصنوه حصانة لم يكن لها نظير وأداروا به خندقاً وأدخلوا له ماء 
البحرء إلى أن دار به دور السوار وملأوه بألات الحرب والرجال وما 
يحتاجون إليه بحيث صار غصة في الحلق. وصارت النصارى تكمن 
بأغربتها ومراكبها ويقطعون في البحر على المسافرين ويأخذون كل سفيئة 
غصبا وعم أذاهم المسلمين وملكهم إذ ذاك بإشبيلية أعادها الله للاسلام. 

وكان استنجده الحسن في السابق كما ذكرنا وتبع أباه أيئه أحمد» 
وأراد أن يعد من نجباء الأبناء واللعين النصراني ساعده على «ضررهم 
ويضمر في الباطن بمكره على غدرهم. فاستصفى أموالهم وأموال أهل 
البلد في واقعة الأربعاء وكمل على بقينهم في خطرة الدواميس ولميبق لأحد ما 


ولما تمكن عسكره بتونس في أيام السلطان محمد تمكن بالبلد أي 
تمكن وصار قبطان النصارى يحكم معه في حضرته وهو له قرين» وعلم 
بذلك صاحب بلاد إسبانية أن تونس في قبضته. وصار يفتخر بها بين 
زغمائه في قومته وقعدته حتى إذا رأى من قواميسه الميل عنه يقول 
لهم: - داري عندي يريد تونس . وأراد أن يتولى عليها من أولها إلى آخرها 
ويفعل بها من إقامة شعائر الكفر كما فعل بغيرها, ولما أراد أن يجعلها 
مأمنه قيض الله سليما سلمها منه. 

ولما نمت أخبار تونس وما حل بها إلى ملك بني عثمان وهو 


6 


السلطان سليم جعل الله النصر والتمكين في عقبه إلى يوم الدين. تاقت 
همته إلى نزع الديار التونسية من أيدي الكفرة. ويبدل عوضهم أناساً بررة . 
وقد تقدم أن الشيخ سيدي محرز بن خلف. نفع الله به» تعرض له في 
منامه وأشار عليه بأخذ تونس في اليقظة, ولم تكن الرؤيا أضغاث أحلام. 

وقيل أن الباعث له على هذه العمارة» وقد قدمنا خبرهاء أهل 
غرناطة فإنهم استنجدوه لنصرتهمء فلما عزم برأيه بلغه استيلاء اللعين على 
حوطتهم. فثنى عزمه إلى هذه الديار وعلى كل وجه بإرادة الله جرت 
الأقدار. فانتدب لهذا الأمر سنان باشاء رحمة الله عليه؛ وجعله سرادار 
العسكر. وأضاف إليه من يكون له النظر على المراكب البحرية ومن كانت 
له بالبحر خبرة ودرية. وهو قبطان البحر قلج علي باشاء أعلى الله منزلته 
في درجات الجنان وانعم السلطان عليهما بتشاريفه المعتادة» وخلع عليهما 
وحكمهما فيما يحتاجان إليه من الات السفر وزيادة» وشحئت المراكب بما 
يحتاج إليه من الذخائر والأموال وألات الحرب؛ وبرز العسكر من 
القسطنطينية غرة ربع الأول سنة إحدى وثمانين وتسعمائة. وكان يوم خروج 
العسكر يوما مشهودا وشحنت الأغربة بالرجال وعددها مائتا غراب وثمان 
عشرة معونة وغيرها من السفن الكبار والصغار. بالجملة ألف وخمسمائة 
00 سبق التعريف بها وسارت العمارة فوق الماء مثل الطيور ذات 
أجنحة مثنى وثلاث ورباع. وإن كان البر يضيق بها فلها في البحر اتساع . 
وطفت على متن البحر كالطوفان. وإد بردت أكباد أهلها بالأمن وجسومهم 
بماء البحر فإن مدافعهم لأعدائهم سخنت وملئت بالنيران. 


واجتمعت في ميناء نورين. ومن هناك توجهوا للمغرب على ربهم 
متوكلين. واجتازوا بقلعة في بر الكفر تسمى تيجه. وهبطوا للبر فدعمهم 
العنر وانعلوا ففر العدو منهم بعد ساعة من نهارء ومات هناك بعض البيات 
شهيدا. وظهرت علامة النصر وأخذوا فهر طريقهم عدة قلاع وغنموا شيئاً 
كثيرأء وفي طريقهم أخذوا مركباً مشحوناً بالقمح. وفي الثاني عشر من 
الشهر وصلوا قليبية فنزلوا هنالك واستراحوا. وفي الرابع والعشرين من 


الفا 


الشهر بلغوا حلق الوادي ونزلت العساكر بعيداً من رمية المداقع ونزلوا 
أوطاق الوزير سنان باشا. 


وكان من قدر الله تعالى قبل وصول العمارة العثمانية بيوم وصل إلى 
توس الياشا حيدر من القيروان. وقد تقدم م خبره ولم يكن على علم به أنه 
كان متولياً على منصب تونس من قبل. حتى وجدت في تاريخ أنه كان 
صاحب البلادء وأظنه خرج منها حين دهمه العدو وكذلك مصطفى باشا 
صاحب مدينة طرابلس فحضرا إلى تونس ونزلا معأ بإزاء المدينة في 
سيجوم لقصد محاصرتها وفي آخر اليوم ظهرت مراكب في البحر فظنوا أنها 
نجدة للعدو فعولا على الرحيل ليلا ولما كانا على أهبة ذلك جاءتهما 
الأخبار من عند الوزير سنان باشا مع رجل من اهل المرسى كان طلع 
للعمارة واستخبره الوزير عن أحوال البلاد فأخبره بخبر المحال. فبعثه إليهم 
. رسولاً يخبرهم بقدوم العسكر العثماني . 


فلما صح عندهم لخر قويت نفوسهم وسار حيدر باشا ومصطفى 
باشا في تلك الليلة في بعض الخواص إلى حضرة الوزير سنان باشا وسلما 
عله طلا من أن كرنه نينا فو فأمر طائفة من أمرائه وعين لهم ألفاً 
من العسكر وأعطاهم مدافع وزرابز وما يحتاجون إليه وأمرهم بالمسير إلى 
تونس صحبة البكلربكية مصطفى وحيدرء وأرسل معهم إبراهيم بك من 
ستاعق فصر المحروسة: ومحمود يك بستني قرس :وياكير..بك .طلغت 
قره حصار. وصحبتهم ألفان من العسكر مع اغاهم حبيب بك.» وتوجهوا 
في الحال إلى تونس وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم, وناوئ يها بالقتال 
من كل جهاتها. 
فلما رأى السلطان محمد الحفصي ومن معه من النصارى كششرة 
العساكرء علموا أن لا طاقة لهم بالقتال هذا مع أن قلعة تونس كان أكثرها 
خراباً لتواتر المحن وقلة الاهتمام . وكذلك المدينة لم تكن معمورة ة بأهلها 
بل غالبها خراب أيضاً فضل عن سعة الشوارع التي بها. فعجزوا عن 
فيح التلد وفلسها «لاخرصرة إلى مكإن: يقال لد فرملز د28 نضا بحر 


للق 


الرمل. وعملوا به حصاراً من الخشب وحشوه بالرمل والتراب والتجأوا إليه. 

قلت: هكذا وجدت اسم هذا المكان مقيداً ولا أعلم في تونس 
مكاناً يعرف بهذا الاسم إلا ما يذكر أهل تونس عن المكان الذي يعرف 
بالبستيون خارج باب البحر من شرقي المدينة. وهذه الأخبار تصدق عن 
ذلك المكان والخبر متواتر عنه, إلا إن صاحب التقييد الذي نقلت عنه هذه 
الحكاية كان بعيد الدار عن الديار التونسية وإنما بلغه الخبر بلسان المخبر 


وعنه قيد ما سمع مله. 
فد 


ولما تحصنوا بهذا المكان وكان فيه نحو سبعة آلاف مقاتل ما بين 
كافر ومرتد. وشحنوا هذه البقعة بآالات الحرب والمدافع الكبار ومن الطعام 
شيء كثيرء ظنوا أنه يمنعهم من قضاء الله. فعند ذلك خلت المدينة 
وقصبتها ولم يبق بهما من يصونهما فدخلهما العسكر العثماني من كل جهة 
وملكوا المدينة وقلعتها وحصنوهما بالأخشاب والألواح والتراب وأحكموا 
ذلك. هذا والحرب بينهم على ساق. وأهل الملة المحمدية مقابلون لأهل 
الشقاق. 


وبعثوا يخبرون الوزير المعظم سنان باشا بما وقع لهم ويطلبون منه 
المدد بالإعانة ومن ينصرهم فلما بلغ الوزير ما هم عليه؛ عول على من 
الجميع» فتوجه بجمع من العساكر المنصورة من طائفة السليمانية ليكونا 
للحي قبلهم من عسكرهم . 
فلما وصل الباشا قلج علي إلى تونس وشهد تحصن البستيون وكثرة 
النصارى والأعراب المرتدين الذين به رآأه 000 منيعاً. فبعث إلئن الوزير 
يطلب منه عدة مدافع أخرى وزيادة عسكر. فبعث له ألف ينشري وبعث 
معهم على أغا سلحدار الباب العالي وثمانية مدافع وستة زرابز وألحقهم 


بالقبطان قلج علي باشا. 
فلما وصلوا إليه اجتمع أمرهم أن يدوروا بالبرج من كل جهاته» 


"11 


وكان الكفرة ومن معهم من المرتدين كثيرين ما بين فارس وراجل وجاءت 
لنصرتهم طوائف من العربان وخرجوا من قلعتهم مراراً ودهموا المسلمين» 
واقتتلوا مراراً ومات من الفريقين خلق كثير. فريق في الجنة وفريق في 
السعير. واشتد الأمر على المسلمين والمدد متصل بأعداء الدين. 


الشأن. هذا والحرب متواصلة بين أهل حلق الوادي وبين رجال من العسكر 
العثماني قوبي الهمم غلاظ شداد. ولما نظر الوزير إلى حصانة القلعة التي 
هي البستيون. أشار برأيه السعيد على ها اقتضاه نظره السديد بالتدبير» 
وأمر بتوزيع طوائف العسكر من كل جهاته. وعين لكل موضع من يقوم به 
من رجاله وكماته. وأشار على القبطان والبكلربكية بما راه من الصواب» 
وهون على الجميع حسن العاقبة ووعدهم بنصر الله وأحسن إل 
بالخطاب» فاشتدت نفوسهم بكلامه ورويته. وائتمئوا برأيه ومشورته. وعاد 
من يومه إلى محل أوتاقه من حلق الوادي وقصد الأهم فالأهم وإن كان كل 
موضم حصل فيه فضل الجهاد. ويأتي تمام الخبر في محلهء إن شاء الله 
تعالى . 
هذا المقام عدة أيام . ولما تيسر ابتداء الفتح بحلق الوادي كان في 
البستيون التمام. ولنرجع إلى خبر حلق الوادي ومائره. ونسوق الكلام إن 
شاء الله من أوله إلى آخره. 

تقدم أن العمارة المنصورة بلغت إلى م.تقرها من حلق لل لوادي يوم 
أربعة وعشرين في ربيع الاول. ونزلوا المبر على بعد من رمية المدافع 
ونصبوا أوتاقهم. وارتجت الأرض بأصوات مدافعهم ورنين مكاحلهم 
وأنزلوا المدافع الكبار التي اتوا بها لهذا القصد.ء ورموا بها من البعدء إلى 
أن علا الدخان وصار النهار يحاكي الليل. 


إرنف 


إنسان أهبته لما يعلم من صناعته. فمنهم متفرس متمرس بالحرب 
والجلاد, ومنهم من عادته نقل التراب والرمل وقلع الأصلادء وصاروا 
يتقدمون قليلاً قليلاً ويسوقون التراب ويستترون به ويحفرون خنادق في 
الأرض وينزلونها ويجعلون متاريس ويستترون من خلفها. وهذا داب 
العسكر العثماني في كل مكان. ولم يزالوا على هذا الأسلوب إلى أن 
أحاطوا باليرج من كل جهاته ورموه بالمدافع والمنجنيقات والبندقيات ورموا 
عليه أصنافاً من آللات المحرب . 


وكان هذا الحصن لم ير مثله في الشرق ولا في الغرب. وكان 
للنصارى به اهتمام وحصنوه بما قدروا عليه من المبتدأ إلى التمام. وأداروا 
به خندقاً وأجروا الماء فيه. والماء من البحر إلى البحيرة والسفن تجري 
فيه) وهو منيع من كل جهاته. وأسواره مشيدة مشحونة بحماته. وقد كنت 
منذ زمان وقفت على رسالة بعثها بعض من شاهد الوقعة لبعض الرؤساء 
بالديار العثمانية وأخبر فيها بما شاهد من شدة الحرب ومنعة الحصار وكثرة 
رجاله وذخائره وسعته وطوله بما يعجز عنه الوصف ومن شاهد بقية آثاره 
حكم بصحة ما وصف. ولكن طال عني وبعد زمانها ولم يحصرني إلا 
القليل من أخبارها سأذكرها في أوانها. 


ومن جملة ما قال فيها: إن سعة السور يسير عليه سبعة من الخيالة 
من غير ازدحام» وإن البناء الذي به ما سامه طائر عقل ولا عنه حام, وعدد 
الدور التي حوله لسكتى المهجرصينأزيد من مائتي دار والبحر من جميع 
جهاته. والخندق به دائر ودور المهجرصين من ناحية المغرب ونارها بافية. 
وكل ما دعموه من البناء هدمه الله على أيدي المسلمين وبددت صنائع 
المشركين فهل ترى لهم من باقية. وكان عمق الخندق ستين ذراعا وقعره 
متصل بالبحر وفى حافته قبة منيعة أعدوها للتحصن فيها وثقبوا تحت 
الأرض نقباً طويلا يتصلون منه إلى تلك القبة. وكانت قريبة من ناحية 
الوزير ففطن بمن كان فيها فسار الوزير إليهم برجاله وقاتلهم قتالاً شديدا. 
وملك القبة وقتل من كان بها. وأعجزهم أمر الخندق فما وجدوا له حيلة 


514 


إلا أن يملا بالتراب فبعث الوزير بأمره السعيد إلى العسكر أن يجتهدوا في 
نقله فامتثلوا إلى أن نقلوه في ثيابهم . 

والرسالة التي تقدم ذكرها يقول فيها: ومما رمي به في الخندق من 
الصوف مقداره بالعدد سبعون ألف شليف. والشليف عبارة عن حمل 
الجمل؛ ووضع في كل شليف قنطاران من الرصاص ليثقل به ويغوص في 
الماء. 

قلت: الله أكبر هكذا تكون همم الملوك فإذا كان من الصوف 
والرصاص هذا المقدار وهذا العدد. ولو تأملت قيمته لكانت مئات من 
الألوف. فكيف غير ذلك من الأجفان والات الحرب وبارود ومصروف من 
الأموال على الرجال. هكذا تكون والله ملوك الزمان. ولولا أن السلطان 
سليم رحمه الله من البشر الذين بعد النبوءة لقلنا أنه سليمان ولكن هو ابن 
سليمان. 


وأخبرت من أهل تونس أن الصوف الذي ألقوه في الخندق جيء به 
من نجع دريد أكثره ومن غيره أقله. وأظن أن الشيخ عبد الصمد ممن 
حضر الخطرة. كما أن جد أحمد بن نوير المحمودي حضرها هو وجملة 
من العرب الذين بأرض طرابلس جاؤوا صحبة المحلة التي بها مصطفى 
باشا. ولما ألقوا في الخندق الصوف ألقوا من فوقه الحطب والتراب 
والأخشابء واهتم العسكر بنقل التراب كل الاهتمام؛ وأقدموا بنيتهم غاية 
الإقدام إلى أن ملأوه من أوله إلى آخره وصارت فوقه كيمان كالجبال. 
وحملت الرجال من التراب ما لا تحمله الجمال. وكانت لتلك العساكر نية 
صالحة. باعوا أنفسهم واشتروا الجنة فكانت تجارتهم رابحة. 

وسمعت من نقل عمن شاهد تلك المواطن أنه مر برجل من العسكر 
وهو حامل على ظهره حملا من الحطب لكي يلقيه في الخندق وبه عدة 
جراحات وهو على آخر رمق قال: فأردت أن أخفف عنه فأبى ولم يزل 
سائراً به إلى أن ألقاه في محله. ومات لوقته بحضور أجله. رحمه الله 
وعامله بنيته عن عمله. 


"33:26 


ولما أمتلا الخندق بالتراب بئوا المتاريس فوقه وصار المكان أعلى 
من حيطان الحصار. واتفق هذا الواقع لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع 
الثاني من السنة المذكورة هذا والحرب نارها متقد في كل الجهات. وأفرغ 
الله الصبر على عصابة المجاهدين والخزي على الطغاة. ونصب الوزير 
هدافعة فوق الحصار ورمى من كان به من الكفرة من أفواهها بالنار. 


فالقنهم النار إلى النار. 


ووصل في أثناء ذلك رمضان باشا المتولي على مدينة الجزائر في 
التاريخ» ومعه ثلاثة آلاف واجتمع بحضرة الوزير سنان باشا وطلب منه 
خدمة يؤديها فأرسله ومن معه إلى إعانة الذين بتونس. فتوجه إليها وحض 
عليها مع من هنالك من العساكر والبايات» والأمراء والغزاة. 


وام:مر الوزير في تحريض المسلمين على الإقدام إلى البرج الذي 
بحلق الوادي وتشديد الحرب عليه من كل سبهاته إلى أن وهنت نفوس أهل 
الدناد. ومن قدر الله سبحانه أن محمد عرب كان بعسكر من ناحية رادس» 
فعزم أهل الحصار أن يدهموه ليلا على حين غفلة وتكون وصمة على 
المسلمين. فخرجوا عليه عند الفجر فوجدوه متيقظأ على أهبة فاوقع بهم 
فانهزموا بين يديه فتبعهم يقتل فيهم إلى أن أدخلهم إلى حصنهم. ووافق 
الحال أن الوزير عين من العسكر من يتقدم بنفسه إلى البرج ويبيع نفسه 
في مرضاة الله وجعل لهم عطايا سنية الأول فالأول من ألف دينار وأقل 
وعين لذلك من جميع الأجناس . 

ووافق دخول المنهزمين من ناحية رادس وهم ذاهلون» ولم يستطع 
أحد. إغلاق الباب والمسلمون على أهبة. فحملوا حملة رجل واحد من كل 
الجهات وأعلنوا بكلمة التوحيد وارتفعت الأصوات فتزلزلت الجبال 
بحملتهم» ودخلوا القلعة والقصر المشيد بنيتهم. وأخذوه عنوة بالسيف. 
وقتلوا من فيه من المقاتلين بغير تشبيه ولا تكييف. 

وكان هذا الفح القربب والنصر الغريب. الذي سر به البعيد 


امف 


والقريب لست مضين من جمادي الأولى سنة إحدى وثمانين وتسعماثة ولله 
الحمد والمنة؛ وغنموا ما كان فيه من الذخائر التي لم يوجد مثلها في 
مكان ومن العدد والسلاح والات الحرب ما لا يوصف. وأخبر الوزير أن 
الذهب الذي انتهبته العساكر ليس له حصرء فأمر الوزير بتفتيش الأخبية 
والرجال فوجدوا شيئاً كثيراً. 


واخبرني بعض الناس قال: أخبرئي جدي وكان ممن حضر الفتح 
وأصابته جراحات يوم الدخول للحصار قال: بينما أنا راقد إذا يبعض 
اصدقائي وضع تحت فراشي من الدنانير التي انتهبت» فلما دخلوا إلى 
الخبأ الذي أنا فيه ووجدوني في حالة المرض انصرفوا عني وسلم ما كان 
تحت الفراش وكان أزيد من ثلاثة آلاف دينار. وأسر قبطان النصارى 
صاحب البرج والحاكم عليه. ومر السيف على من وجدوه من النصارى 
والمهجرصين والمرتدين من ساكني البرج ١‏ وما يليه. وشاع في الخافقين خبر 
هذا الفتح المبين. وقضي الأمر وقيل بعداً للقوم الظالمين. 

وكان هذا الحصار من أعظم ما شيد بثيانه فوق الأرضء» فأتاه جيش 
السلطان سليم وقال أمره السعيد نريد أن ينقض. وكذا وقع الهدم على 
ذلك البناء العالي إلى أن صار هباء.ء وحط من أعلاه إلى أسفله وتفرق من 
كان فيه بأيدي سبأ. ورأى الوزير أن إبقاءه على حالته الأولى لم يأمن عليه 

من الآفات. وكان إتقانه بالفعل الماضي' فوقع عليه الأمر بجزم الفتح, 

لخن أن ليخي اهارق خينا حوات ولم يبق من إثره إلا ما هو معلوم 
عندنا اليوم وهو المكان الذي كان مسكناً لقبطانهم وباقيه مسكناً للبوم . 


ومن عحيب الاتفاق أزه رسمت معالمه في سنة سبع وثلائين 


وتسعمائة. ومكثوا في تحصينه مدة ثلاث وأربعين سنة لم يبطل لهم يوم 
بلا تحصين . . ولما أراد الله سبحانه تعالى نزعه من أيديهم أخذ في ثلائة 
وأربعين يوما عدد ما ملكوه من السنين. فكان كل يوم من أيام الفتح يقابل 
ما ملكوه بسنة. وإن كان طغيا:هم تزايد في تلك المدة وانتبهوا لأخذ البلاد 
فإنه كان سنة. والله تعالى يديم عز هذه السلطنة العثمانية ليدوم بها عر 


ينف 


المسلمين. ويجعل سيفها قاطعاً بحده في الحد وفي رقاب المشركين 
والمنافقين: وأرسل الوزير البشائر إلى الباب العالي. وكتب بما يسر الملك 
والأمراء والموالي . ولولا تدارك الله هذه البلاد بنصرة هذا الملك العظيم . 
لكان الكفر استحوذ على أكثرها حتى لا يكون بها مسلم. 


وقيل أن ملك النصارى لما سمع بمجيء العسكر العثماني أطمعته 
نقسةه أن يمد أهل الحصار بمدد من عنده . ويرسل عمارة مشحونة بذخيرته 
وجنده وظن أن باب الاستدراك واسع . ولم يعلم بأن الخرق اتسع على 
الواقع . فيعث رجالا من حكمائه ل أحوال القوم . فذهوا ورجعوا في 
زمن قريب كأنه يوم أو بعض يوم؛ فسألهم عما شهدوا من أحوال العسكر 
أو أبصروه: فلم يكتموه بنصيحتهم وأخبروه. وقالوا: رأينا ما أذهلناء وحير 
أفكارنا وشغلنا. وذلك أنا وجدنا كل صاحب صناعة مشتغلا بشغله. وكل 
من عين في مكان للجهاد ملازما لقرضه ونفله. والقوم بين طباخ وجزارء 
وأسواق ملانة بالباعة من كل صلف والمشتري بين دلال وسمسار. وحداد 
ونجار وبيطار. وأكثرهم مشتغل يجمع الدرهم والدينار» ومنهم من يتداول 
الحرب ويعتمد عليه» ومنهم من همته شأن نفسه ولا يلتفت إليه» وليس 
7 علم بما صنع الآخرء وعسكر المقاتلة اليس له أول من آخر. ولو تبعث 

بجميع النصرانية» ٠‏ لم يغن عنك شيئاً ولم نبق منهم بقية» فبطل عزمه 
وزعمه. وعلم أن الهم دهمة وأهمى فاستوحش لما أخذ له الله بعد 
التأنس. وأذهب الله رجسه الذي كان بتونس. 


ولما أتم سنان باشا ما فتح الله عليه بحلق الوادي. أثئنى عزمه 
امارد إلى البلد 0 م يخلق م ف البلاد» 6 00 المنصور 
ففرح البكلربكية ار بقدومه واشتد 0 به ولعو وتقدم معهم 
وحملوا على من بالقلعة حملة الأسود الضارية» وتعلقوا بأطراف الحصار 
من كل ناحية وعملت السيوف والمدافع بين الفريقين» ومات خلق كثير من 
الملتين. وتواطأ المسلمون على الإقدام إلى أن دخلوا عليهم بالسيف 


114 


وقتلوا منهم زهاء ثلاثة آلاف. ورمى اتيم من أعلى الحصار إلى أسفله 
زهاء خمسة آلاف وبعدوا رعية سهم ثم أرادوا أن يتترسوا بالتراب لأن 
العسكر كان مشغولاً بالنهب» داكي الوزير قبل أن يستحكم أمرهم 
فتقاتلوا قتالاً شديداً. 


وعلم أهل الكفر أن لا مانع من الموت. فأقدم كل على صاحبه 
وتضاربوا بالخناجر وعانق بعضهم بعضاً إلى أن بدد الله شملهم وقتلوا عن 
أخرهم إلا من نجا منهم إلى شكلي ولم ينج من قضاء الله. وملك 
المسلمون البستيون وأخذوا ما كان فيه من أمتعة وأسباب ولبوسات والات 
حرب ومدافع وبارود كثير ويشماط أعدوه لحصارهم وأخشاب وألواح 
استعدوها لإتقان حالهم . 


وكان البستيون أقرى ضرراً على أهل تونس من غيره لأنهم أرادوا أن 
يبنوا فيه حصارا ومدينة» وقد ابتدأوها وفصلوا شوارعها وأسواقها وكادت أن 
تستكمل. لولا لطف الله بأهل تونس. ولو تأخر العسكر العثماني قليلاً 
لكان تم لهم ما أرادوه. ولكن قدر الله أعجلهم عن إتمام البناء وإتقانه. 
ولو تكمل بنيانه لكان أصعب من غيره ولو لم يهتم السلطان سليم بهذا 
الفتح لأستأصلوا إفريقية بالجملة ويتفرعون من تونس إلى طرابلس» ولم 
يكن لهم مداقع . هذا مع شدة نفاق العربان الذين بإفريقية لأنهم أو أكثرهم 
لا يراعون ل ولا ذمة والكفر أقرب إليهم من الإيمان. فجزى الله خيراً هذا 
السلطان علينا وعلى جميع المسلمين. وجعل السلطنة والنصر في عقبه إلى 
يوم الدين. 

ولما أخذ البستيون وجدوا الجامع الذي خارج باب البحر ملآن 
بالسلال والأغلال وربما أهل البستيون كانوا يفتنون الناس عن أديانهم وما 
عسى غير ذلك. وكان أخذه بعد حلق الوادي بسبعة أيام وقيل خمسة عشر 
يوم وقيل غير ذلك والله أعلم. وأسروا قبطانه فاراد أن يفدي نفسه بالمال 
فضربوا عنقه لأنهم وجدوه يبني في رودس وايضاً في جربة لما أخذها 
درغوث باشا وهذه الثالثة في البستيون فاراح الله منه الإسلام . 


حلفا 


ثم إن الطائفة الملعونة لما تحصنت بشكلي طلبت آماناً من الوزير 
فأمنهم . وقد رأى في ذلك مصلحة فجاء إليه زهاء مائتين منهم وأخبروه 
بأمور مهمة منها: أن عندهم مائتين وخمسة من رجالهم أهل صناعات 
غريبة منها عمل الطوب الذي يعجز عنه وتذويب الحديد والنحاس وعمل 
المدافع الكبار وغير ذلك من الصناعات» فأعطاهم الأمان وأخذ أولئك 
المعلمين وشرط عليهم تفريغ المدافع وسبك النحاس», وتكون في أرجهلم 
القيود ويتكفل بعضهم ببعض فرضوا بذلك وأعطاهم على هذا الثسرط 
الأمان وكساهم. وجعل لهم العلوفات واستخدمهم لباب العالي ومن ذلك 
الزمان كثرت صناعة المدافع بتلك الديار. 


وكان هذا الفتح الأخير المبارك يوم الخميس لخمس بقين من 
جمادي الأولى سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وقتل في القلاع الثلاث عشرة 
الاف مقاتل: ومن المسلمين ذلك القدر ختم الله لهم بالشهادة؛ وبوأهم دار 
الرضى لما ختم لهم بالحسنى وزيادة» ومات من أعيان العساكر المنصورة 
أمراء أعلام: فمن مقافير قم ضار بك سئجق الإسكندرية» وبايزيد بك 
سنجق ترحالة. وأحمد بك سنجق أولونة. ومصطفى بك سنجق اسيس». 
ومن أمراء الأكراد ضر بك وفرهاد زعيم الينشرية ورأس زمرة البنائين. 
وكثير من الزعماء وأهل الثمارات وغيرهم عدد كثير. 

وأخذ الوزير من الأماكن الثلائة مائتي مدفع وخمسة مدافع كبار غير 
الصغار وزرابز وترك لحفظ تونس خخمسة وثلاثين «دفعاً وأرسل للباب العالي 
ماثئة وسبعين مدفعاً من الكبار العظيمة للاعانة هناك. وأرسل بصورة الفتح 
إلى الأبواب ااثريفة خلد الله سلطتها. وأنقذ في الخافقين كلمتها. ورفعم 

ولا يظن الواقف على هذا المجموع إذا سمع لفظة حصار حلق 
الوادي أنه كجملة الحصارات الموجودة. كلا بل هذا أعظم حصارات 
المغرب. وناهيك أن النصارى تكلفوا في بنيانه وإتقانه طول المدة التي 
ذكرناهاء وهدموا لأجل ذلك الحناية التي يعجز العالم عن هدمها فما 


ترف 


عسى مبناهاء وأخذوا حجارتها المنحوتة من عهد ابن النمرودء وأفرغوا 
عليها من الات البناء حتى قيل أنها من صنع داوود. 

وإنما أطلق لفظ حصار على هذا المكان مجازاء وإنما هو مديئة 
على الحقيقة والبحر بينه وبين من يصل إليه حجازاً. وشكل هذه المدينة 
مربع. وأربع حصارات في تراكنها الأربع» والبحر من قبلتها والبحيرة من 
ناحية الجنوب ويلتقي البحر والبحيرة من ناحية الغرب ولهم عند مجمع 
البحرين قبة وهي المعبر عنها بالبريجة في يومنا هذاء وادخلوا خليجاً سس 
البحر آخذاً من القبلة إلى الجنوب أخذاً في طريق الناحية الشرقية: ونخليجاً 
آخر مارا من الجهة الغربية ويدوران بالمدينة دوار السوار بالمعصم. وتدخل 
غلايطهم من البحر إلى الخليج الآخذ من ناحية الغرب وتكون مرساها عند 
باب مدينتهم» والباب تحت الحصار الذي على ربع المديئة ما بين 
المشرق والجنوب والخليج المار من شرقيها فيه مرسى الغلائط الكبار. 

وغربي المدينة على صورة السربض الدور التي كانت سكتى 
:المهجرصين ومن سواهم من الكفرة أزيد من مائتي دار ولهم حاجز بينهم 
وبين من يصل إليهم مثل السورء وبناء المدينة بوجهين داخل وخارج كل 
وجه حجارته من أعظم شيء يكون وما بين الوجهين حجر دقيق مفرغ عليه 
الجير والرمل كإفراغ الرصاص. بحيث لا تعمل فيه المعاويل ولا الفيسان» 
بل ولا البارود الذي هو بلا رود. ويشهد لما قلته أن في أماكن من هذه 
القلعة عدة مواضع كانوا جعلوا فيها الغاماً فلم تغن شيئاً. وآثار هذه الألغام 
باقية. واثار الحيطان على حالها راقية. 


وفي وسط الحصار كنيستهم باقية آثارها أيضاأء ولهم عدة مواجل 
لاجتماع الماء الذي ينزل من المطرء وهي مثل الدواميس مقبو عليها من 
أعظم ما يكون وهي باقية إلى اليوم. وكل ربع من الأرباع منها مستقل 
بنفسه مبني على أقبية يحير العقل في وصفها الأعلى كالأسفل في الإتقان. 
وهذا قليل من كثير. وإنما شاهدناه من بعد التدمير. ولم يبق منها إلا الربع 
الذي بين القبلة والمغرب؛. وهو الحصار الموجود في زماننا هذا ومفتح 


لقف 


الباب الآن إلى ناحية المغرب. وهو باق على حالته الأولى لى ولم يتغير منه 
إلا شي يسمير. َ 

ولما نزلت بساحته العمارة العثمانية صباحا وانذروا بأخذ ما أحكموه إفساء 
صباح المذرين 16 ولما أخذهم الله أصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كذلك 
نجزي القوم الظالمين. ونزول العمارة من ناحية المشرق وامتدت إلى ناحية 
الجنوب ومن هنالك وقع فع الردم الذي ألقوه في الخندق. كما ذكرنا سابقاً» 
وجعل فوقه المتاريس إلى أن صارت مدافع المسلمين أعلى من فوق 
رؤوس أهل الشقاق. والموضع الذي أخذ منه التراب والقوة في المتاريس. 
انحصر فيه الماء واختلط بماء البحيرة حتى صار كأنه منها يسمونه الغديرة 
الكحلاء لكثرة مائها وعمقها. وصار السمك فيها كثير. والمكان الذي كان 
ميناء للمراكب من كل الجهات صار ملاحة يسعى الملح منه الطائفة 
المرتبون الآن لحفظ الحصار. 

وآثار تلك المصانع مشهورة وإنما وقع الهدم على الدور التي كانت 
من خارج المدينة. وعلى الأماكن المرتفعة منها. وأما الجدران فهي إلى 
الآن يشهد لها من نظر إليها بأنها كانت غاية لا تدرك وأنها كانت حصينة 
منيعة لمن ملك أو يتملك وأما المكان الذي يعرف بالبستيون فمعروف. 
لكن ليس فيه آثار بناء إلا ما وجد فيه في حدود الخمسين بعد الألف في 
أيام حاكم تونس وهو مراد.. أي لما أمر بنقل الأزبال التي اجتمعت هناك 
وألزم أهل المديئة أن ينقلوها ويضعوا في المكان المنخفض ما كان في 
المرتفع» فوجدوا من كور المدافع شيئاً مستكثراً يستدل به على ما وقع 
هناك من شدة الحرب» وناهيك بمكان اجتمعت على أخذه أربعة محال 
وأربعة باشوات: حيدر باشا ومصطفى باشا صاحب طرابلس وأحمد باشا 
صاحب الجزائر» وكان منفصااٌ عنها في التاريخ , ورمضان باشا كان متولياً 
عليها. والمدد الذي أمدهم الوزير به وهو ابراهيم بك من سناجق مصر 
ومحمود بك سنجق قبرص وباكير بك سنجق قره حصار. ا ام 
إلا ومعه عسكر ألفا نفر من عسكر السلطان وألف رجل من الطبجية لخدمة 
)١(‏ الآية 9/9 سورة الصافات. 


يفف 


المدافع وألف ينشري وعلي أغا سلحدار الباب العالي وجماعته والطامة 
الكبرى وقلج علي قبطان البحر حضر مع هؤلاء المذكورين وعدة مدافع 
وزرابز أمدهم الوزير بها ومشاهدة الوزير لهم المرة بعد المرة. وبعد هذا 
لم يحتووا عليه إلا بعد فراغهم من حلق الوادي. وإن كان هذا الخبر قد 
سبق ذكره إلا إني أعدته هنا لزيادة التعريف بما وقع من البلاء في وقعة 
البستيون ولئلا يظن الظان أن هذا المكان ليس بشيء. وأما جزيرة شكلي 
فأدركنا بها آثار البناء وقد سبق التعريف بها في أول الكتاب. 

وهذه الأماكن المذكورة أعجزت سلاطين بني حفص . ولم تكن لهم 
قوة على حسم هذه الطامة وأهل تونس معهم في جهد جهيد. ونار حرب 
كأنما قيل لها هل امتلات فتقول لها هل من مزيدء إلى أن من الله تعالى 
على هذه المملكة بمن نظر حالهاء وفك بعدما استولت عليها أيدي الكفرة 
عقالها. وهو سلطان البرين والبحرين؛ وخادم الحرمين الشريفين. وقامع 
الطغاة والمفسدين, السلطان ابن نسل سلطان السلطان سليم بن سليمان. 
خلد الله سلطتته. وأبدها في ذريته وجازاه في دار الكرامة بما فتح بسيفه 
وحسن نيته. ورحم الله وزراءه الدين اخخلصوا له بالطاعة. ولم يشق أحد 
منهم العصا ولا خرج عن الجماعة. خصوصا من كان هذا الفتح على 
يديهء الوزير الأعظم سنان باشا عامله الله بما جرت من الصالحات على يديه. 

ولما تم له هذا الفتح. الذي حصل له به الربح والنجح . بعث 
بالخبر إلى الأبواب العالية» وبشر بأن الكافرين ليس لهم باقية. وأنعم على 
من كان في ركابه من الزعماء والأكابره وبذل إحسانه لمن كان معه من 
العساكر وأنعم على كل صاحب مرتبة بما يستحقه. وعرض ذلك على الباب 
العالي فبلغ لكل أحد حقهء ومهد البلاد وأمن العباد وقمع وخافه أهل 
الفساد. وترك في تونس من العسكر العثماني دارا من ديار الينشرية وهي 
الواحدة بعد المائة على .ما هو المتعارف بينهم. والجاري على عادة 
القوانين العثمانية ومن سلك طريقهم. ورجع إلى تلك الدياره وخلف من 
ذكره ما سارت به الركبان وطارت بة الأخبار, وأخذ قبطان النصارى وقيده 
وحمله في مركبه وحمل السلطان محمد آخر بني أبي حفص وهو آخر 


يففا 


العهد وبه انقطعت دولة بني أبي حفص من هذه الديار ولم يبق من نسبهم 
إلا أرامل وعجائز وثيبات وأبكار. وأنشد لسان الحال: 


كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أليس ولم يسمريمكة سامر 

ولما تمكن قدم العسكر العثماني في تونس كما ذكرنا ورتب الوزير 
سنان باشا قوانين صارت من بعده ثابتة الرسوم. وأظهر ناموس الملك وقدر 
فيها المرتب المعلوم. رجع إلى دار سلطانه بالديار الرومية.ء وخلف هذا 
العسكر المعبر عنه بالينشرية» فضبطوا ملك تونس ودعمت قواعدهم 
واستمرت بأيديهم خلفاً عن سلف والزمان مساعدهم, وأصلحوا ما فسد من 
بئيان قلعتهاء وسكتوها وجعلوا دار الخلافة بها. وهي المعبر عنها بدار 
الباشا. وكذلك الديوان كان يرسم بها وجعلوا قوانين يتميزون بها وحذوا في 
أول أمرهم في الأحكام حذو ديوان الجزائر. والمتصرف في أحكام البلد 
باشا الوقت ونظر العسكر إلى اغاهم. ودونت الدواوين وخرجت الولايات 
والجباة» ونشرت في الإقليم الإإفريقي ياسم السلطنة العثمانية الرايات» 
وترنم الخطباء على المنابر باسم السلطان العثماني وضرب اسمه على 
الدرهم والدينارء وأضيفت إلى مملكته الشريفة هذه الديار. 

واستمرت عليها الولاة العثمانية» وجاءتها من القسطنطينية زعماه 
الرؤساء وتحكمت فيها الباشوية؛ وجعلوا اصطلاحاً على عادة أهل الجزائر 
التحكم في الديوان والعسكر جماعة البلوكباشية» ولكن ساروا في أحكامهم 
بعنف على من دونهم في العسكر ووقع منهم الجور حتى أن الواحد من 
البلوكباشية إذا كان عنده صبيان وهم المعبر عنهم بالعزرية تكون له حرمة 
وافرة وربما مد يده في اليولداش وما عسى من دونه. 

فسيمت نفوس العسكر وأضمروا لهم الشر وتعاقدوا بينهم على الفتك 
بهم في يوم معلوم وهو يوم جمعة. وكان وكيل الخرج في الديوان واحد 
منهم اسمه طبال رجب وله عقب إلى اليوم فساعدهم على ما أرادوه 
ووعدهم أنه لا يحضر ذلك اليوم لتكون البيت التي فيها السلاح مغلقة بحيث 
لا يجدون سلاحا يذبون به عن أنفسهم . 


"331 


فلما كان اليوم الذي تواعدوا فيه واجتمع أهل الديوانء دخل عليهم 
العسكر على حين غفلة ووضعوا ا 
من لم يحضر ذلك اليوم وتبعوهم في منازلهم وقتلوا منهم من ظفروا به ولم 
ينج إلا من فر بنفسه. وكانت هذه الواقعة اخر ذي الحجة سنة تسع 
وتسعين وتسعمائة. وكانت إشارة الشبخ القشاش قد تقدمت بما صار لهم 
لأنهم كانوا طالبوه بمال ليستعينوا به على مرتباتهم لأن الشيخ كان ينفق 
إنفاق من لا يخشى الفقر من كثرة إحسائه للفقراء وإحياء الزوايا التي في 
المدينة والخارجة عنها وإطعام الطعام وفك الأسارى وأفعال البر حتى قيل 
أنه كان يتصرف في إنفاقه من كون الله فسولت لهم أنفسهم بمطالبته 
فطالبوه وأرادوا إكرامه فبعث جماعة من الفقراء إلى المجازر التي بتونس 
وأمرهم بشراء رؤوس الكباش فاجتمع له منها شيء كثير وفي أثناء. ذلك 
حل بهم ما حل فكانوا يرون هاته الوقيعة من كرامات الشيخ نفع الله به امين. 


ولما فعلوا فعلتهم تحزبوا أحزاباً وصار كل حزب منهم له رئيس 
فاجتمعت عدة رؤساء وصار كل رئيس يدعو باسم الداي. وهذه اللفظة 
معناها خال باللسان العربي ‏ وهي عندهم تكبرة بمن ينادي بهاء وصارت 
جماعتهم 7 من ثلاثمائة رجل». وإذا حل بهم أمر تجمعوا في القصبة 
وتشاوروا بينهم إلى أن يتفقوا على رأي واحد ولكن لا يتم لهم رأي من 
كثرة عن 


وكان أكبرهم إذ ذاك ابراهيم داي اشتهر بينهم بشجاعته وكشرة 
جماعته. إلا إنه لم ينفرد بينهم بالحكم فمكث على حالته ثلاث سنين 
وطلب منهم دستورا لزيارة الحرمين فاأذنوا له وفارقهم ولم يعد إليهم وعاد 
إلى بلاد الروم فاستوطنها وعاش إلى بعد الستين والألف. 

ولما خرج من بين أظهرهم قام مقامه موسى داي وأراد أن ينفرد 
بكلمته في الحكم فلم يتم له مرادهء فلما رأى الاضطراب في 
العسكر والهرج بينهم ذلت نفسه فمكث نحو سنة وطلب منهم المسير إلى 
الحج كما طلب إبراهيم داي فأذنوا له. 


ننفا 


ذلك. ثم تتابعت فيهم الرؤساء وصار كل واحد منهم يريد الاستقلال فقا 
من بينهم إثنان: : أحدهما قاره صفر والآخر عثمان. وكان عثمان أقل من 
في الدايات حيقا وذكراً إلا أن الوقت ساعده والقدر موافق له فوقع بينه 
وبين صفر داي مشاجرة فذهب كل واحد منهما إلى منزله ولبس لامة حرية 
وأقبل إلى القصبة. فسبق إليها عثمان فدخلها وجلس في سقيفتهاء واجتمع 
إلبه يعض تجماعت "لما راق سفوذاي مقيلة إلى القصبة بعث له من رده 
وأمره بالخروج من البلاد فخرج على وجهه ولم ينتطح بينهما عنزان. 
فخرج صفر داي وسافر إلى ناحية الجزائر ولم يزل هناك إلى أيام يوسف 
داي فأعاده إلى البلاد ولم يكن له اسم بعد وعاش إلى قريب من الخمسين 
والألف ومات بتونس بعد ما تزوج بها وكان له ولد. وأدركت صفراً هذا 
ورأيته . 
عثمان داي 

وأما عثمان فإنه لما نفى صفراً هابه من سواه وأخذ في تشتيت 
أكابرهم وخافه أكثرهم. فهربوا من بين يديه وسكن غالبهم في أطراف 
البلاد خيفة منه. وهو أول داي الفرد بالكلمة في سنة سبع وألف. فباشر 
الولاية بجأش متين زائدة وكانت له شجاعة فوية بحيث يباشر الأمور 
بنفسه. وربما سمع ببعض الجناة في الغابة للمفسدين من الأتراك ينهبون 
الغلة فيخرج بجماعته في طلبهم حتى يظفر بهم. وكان أهل البساتين قبل 
ولايته إذا طابت غلاتهم طلبوا من أهل الديوان من يحرسهم ممن يجتري 
عليهم من العسكر لنهب غلاتهم فيعينون لكل مكان ساقجيا يحرسهم 
ويجعلون له جعلا على ذلك» فأبطل عادتهم 0 يحرسهم بعنايته فخافه 
الناس وجعل تلك العادة يأخذها الساقجي من الباعة الذين يلوجون في 
الأسواق فلسان على كل واحد. وانحسمت 0 التعسف فى الجنات 
والبساتين وقام بالدولة أحسن قيام لا ترد كلمته. وإذا تكلم لا يراجعه أحد. 
وأرادوا أن يغتالوه مراراً لكن لن يتم لهم ذلك لأنه يأتي إليه من يعلمه 
فيتمكن منهم ويقتلهم أشر قتلة 


اهف 


ولما تم له الأمر نفى أهل جربة القاطنين بتونس لأنهم كانوا تحت حكم 
أهل طرايلس فأجلاهم عن تونس. وكثرت في أيامه غنائم البحر حتى 
كانت لا توصف وفي أيامه كبر صيت محمد باي بن حسين باشا وكان 
قبطان البحر بغلائطه وجر عدة غنائم مشهورة» وكان عثمان داي إذا جاءعت 
غنائمه يطلع إلى حلق الوادي ويبعث الغنيمة هناك فيقع للتجار ربح قوي . 


وفي أيامه جاء دال قبطان من بر النصارى وحصر ما بحلق الوادي من 
المراكب ومنعها من الخروج فخادعه عثمان داي إلى أن غدريه وأسره 
وسجنه في القصبة وبها مات. 


وفي أيامه كان الفناء الأعظم وذلك في سنة ثلاث عشرة وأربع عشرة 
بعد الألف وهو مشهور بين أهل الحضرة بحيث اجتمعت ثلاث مسائل: 
الوباء والغلاء وتغيير السكة في زمان واححدء. فكان أهل تونس يرون هذه 
الأمور من أعظم شيء حل بهم بحيث بلغ قفيز الحنطة ثلاثين ديناراً. 
وأدركنا من كان يستعظم هذا الأمر ولو أدرك ما رأيناه في عصرنا لاستصغر 
ذلك. لأنا شاهدنا الغلاء المفرط الذي لم يسمع بمثله في إفريقية قط 
ويد بلع الققزسن_الحهلة نماك ذلك وبيج الصاع من الحنطة بنصف 
ريال فيكون ثمن القفيز قريباً من المائة ريال وذلك في محاصرة القصبة 
والمديئة في الكائنة العظمى التي حرقت فيها أبواب المدينة وسياني لها 
ذكر بعد. واجتمعت مسائل غير هذه. 


وفي أيام عثمان داي كثرت غنائم البحر كما قدمناء لأن النصارى 
كانوا غفلة من الاستعداد لتشحين المراكب الكبارء وإنما كان يسافر الغزاة 
فى الفراقط وما ظهرت المراكب مثل الشيطيات والبطاشات وغيرها من 
السفن الكبار إلا في زمن عثمان داي. وكذلك في يلاد الجزائر وتمادى 
الحال إلى اليوم وسافر عثمان بنفسه للمحلة مرتين محلة الجريد وهي التي 
أخذ فيها بلد سدادة ومحلة الصيف. ومهد البلاد وجعل قوانين للرعايا 
يكون العمل بها ويسمونها قوانين عثمان داي. وقد تغيرت الآن تلك 
القوانين 


فففا 


وفي سنة سبع عشرة قتل عثمان داي محمد بأي ابن الباشا حسين» 
لآأنه أراد الوثوب على عثمان ففطن به. وكان اتفق مع جماعة مستفيضة 
واطلع على أمرهم ساقسلي رجب فأخبر عثمان داي بذلك؛ وقيل كذب 
بنفسه إلى ناحية إفريقية فخانته تلك العرب وقبضوا عليه وأتوا به فسمع 
عثمان داي فبعث من قتله قبل أن يدخل تونس خيفة من الفتنة. وكان عمر 
محمد باي إذ ذاك ثماني وعشرين سئة وذكره طبق بلاد النصارى وفعل بهم 
الفاقره ورزق سعادة في البحر لم يسمع بمثلهاء وكان نسيج وحده. رحمه 
الله وعفى عله , 

وفي هذه السنة والنيٍ تليها, جاءت الأندلس من بلاد النصارى» نفاهم 
صاحب إسبائية وكانوا خلقاً كثيراً فأوسع لهم عثمان داي في البلاد وفرق 

ضعفاءهم على الناس وأذن لهم أن يعمروا حيث شاؤوا فاشتروا الهناشير 
وبنوا فيها واتسعوا في البلاد فغمرت بهم واستوطنوا في عدة أماكن. 

ومن بلدانهم المشهورة سليمان وبلي ونيانو أوقر نيالية وتركي والجديدة 
وزغوان وطبرية وقريش الواد ومجاز الباب والسلوقية وتستور وهي من أعظم 
بلدانهم وأحضرها والعالية والقلعة وغير ذلك. بحيث تكون عدتها أزيد من 
عشرين بلدافصار لهم مدن عظيمة وغرسوا الكروم والزيتون والبساتين 
ومهدوا الطرقات بالكراريط للمسافرين وصاروا يعدون من أهل البلاد. 

ولما استقام لعثمان داي ها أراده عاجله .حمامه وأتى عليه ما اتى 
على غيره ولحق بربه في سئة تسع عشرة بعد | “لف وله عقب إلى يومنا 
هذا. 


يبوسف داي 


وقام بالأمر بعذة يوسف داي» وهو أول داي استقام أمره بلا تعبا 
وكان عثمان داي رشحه في حياته وزوجه بابنته ولم يدخل بهاء وكان في 
مرضه سألوه من يلي بعده فال لهم : .. صاحب الأمر عجم داي ‏ (وكان 


24 


غائباً في بلد باجة لأن فيه شهامة) - وإن أردتم هناء أنفسكم فقدموا يوسف 
الآن لآن فيه لينا. 

وكان قصده توليته لأنه صهره. فلما مات عثمان بعثوا إلى عجم 
رسولاً وأصبحوا منتظرين في أمرهم وتجمعوا عند دار عثمان داي. فبينما 
هم كذلك إذ دخل علي ثابت وكان من أصحاب يوسف. فلما رأى جمعهم أقبل 
بجسارته وقبل يد يوسف داي وبارك له فلم يبق من الجماعة أحد إلا وفعل 
مثله فبايعه كبار العسكر. وطلعوا به إلى القصبة وأجلسوه على عادتهم. 
وجاءه الناس وبايعوه على طبقاتهم وتم له الأمر. ومن غد أقبل عجم من 
باجة فلقي الأمر قد فاتهء فلم يسعه إلا المبايعة فكان يوسف داي يكرمه 
فيما بعد. 

وأخذ علي ثابت في تدبير المملكة» وصرف نية يوسف داي عن 
التزوج بابنة عثمان داي فتخلى عنهاء ودبر عليه بتزويج حظايا من بنات 
الأعلاج لأنه خاف من مصاهرته لأولاد عثمان داي والزهاني جدهم ليستبد 
هو بالأمر وحده. فكان كذلك فاستقام أمره وساعده جده إلى أن بلغ رتبة 
لم يبلغها أحد قبله وسيأتي له خبر. وفي أيام يوسف داي تحضرت البلاد 
وكثرت عمارتها وكان مغرماً بتجهيز المراكب في البحر للغزو وبلغت 
عدتها خمسة عشر مركبا من الكبار. 


وفي أيامه كثرت الرؤساء في البحر وكانت لمراكبه سمعة وهيبة. وسن 
أعظم رؤساء عصره قبطان صمصوم وقبطان وردية» كانا نص انيين فسافرا 
في أيامه وهما على دينهما وأسلما بعد وكان لهما صيت في البحر. 


وساعدته الأيام بالغنائم من البحر والهناء في البر فبنيت في أيامه عدة 
أماكن في المدينة منها سوق الترك. أمر بتحضيره على ما هو عليه اليرم 
وكان على غير هذه الحالة» فجاء من أحسن الأسواق التي بتونس وبنىٍ 
الجامع المشهور به وجعل إمامه من الطائفة الحنفية وجعل له أوقافا 
للمؤذنين والقراء والخدمة. فجاء من أحسن ما يكون. وبنى بإزائه مدرسة 
تعرف به أيضاً وفيها عدة بيوت للقاطنين بها ومدرس على مذهب الإمام 


"34 


أبي حنيفة وجعل مرتبا للقاطئين بها والخدمة؛ وأوقف عليهم أرغفة من 
الخبز لكل من المؤذنين والإمام والطلبة وقد تلاشى أكثر ذلك. 

وبنى الميضاة ة التي تحت القهوة ينتفع بها كثير من الناس وكذلك 
القهوة التي فوق الميضاة وجاءت من أحسن ما يكون وجعلها وقفاً. وبنى 
السوق الذي به الجرابة مأوى لتجارهم وهو من أعجب الأسواق وكذلك 
الحمام القريب من السوق المذكور وبئى عدة فنادق لسكنى الطائفة اللوند. 
البركة وهي من أجمل الأسواق. وكذلك فتح باب الببات: بعد 3 كان 
مسدوداً وبوبه وجعل فيه عدة حوانيت فجاء من أحفل الأسواق. وبنى قريباً 
مله سوقاً يباع فيه الغزل وكان قبل اليوم في غاية العمارة. وقد تلاشى 
أمرهما ولم تبق إلا رسومهما. وعمرت تلك الناحية بعد ما كانت خراباً من 
مكان يعرف بزنقة حمودة إلى باب البنات» وكان المار من هنالك في النهار 


وله غير ما ذكر من الخيرات التي بقيت بعده تذكر. ومن أكبر حسناته أن 
جلب الماء العذب على الحناية المشهورة به. وفرق ماءها في المدينة في 
عدة أماكن, منها القبة المرخمة التي تحت الصومعة الملاصقة للجامع 
الأاعظم ومنها في رأس سوق الترك وفي أماكن أخرى وانتفع الناس بهذا 
الماء زماناء وقد تعطل في زماننا هذا لقلة من ينظر في شأنه وإهمال 
الحكام له ولا حول ولا قوة إلا بالله . 

ومن خيراته بناؤه القنطرة العجيبة التي على وادي مجردة من ناحية 
بلد طبرية. وجاءت من أجل القناطر. وهي اليوم من أعجب المنتزهات 
التي لها ذكر بين الناس. وكان عليها برج في حياته ثم زاد فيه من بعده 
مولاه الفتى نصر أغا ثم تولع به ولده المرحوم أحمد شلبي وضخمه. ثم 
صار من بعده إلى حفيده أبي الحسن علي باي فزاده ضخامة إلى أن صار 
يضرب به المثل. وجاء بسعادته على أجمل 'شكل وسيأتي لذلك زيادة 
إيضاح . 


كرف 


وبنى في عدة أماكن غير ما ذكر للثواب المواجل في الأماكن 
المعطشة, وجلب إليها الماء من أماكن بعيدة ينتفع المسافرون بهاء وكانت 
له صدقات عديدة منها إعطاؤه للمؤدبين فى ليلة المولد الشريف خمسة 
ريالات لكل مكتب. حتى أن المكتب ولو تعطل في مدة انه يجىء ين 
هذه الليلة لأخذ ما هو معلوم أثابه الله على صنعه. وممن زان أيام دولته 
وسلك في فعل المعروف طريقته. وكان يصدر عن رأيه في قومته وقعدته. 
المرحوم برحمة الله الحاج علي ثابت وهو رحمه الله تعالى حسنة من 
حسنات يوسف داي. وكان صاحب إحسان للفقراء والمساكين وله ذكر عند 
أهل تونس لا يحتاج إلى تعريف. 

ومن بعض حساته تضخيمه للمسجد الذي بإزاء داره داخل باب 
الجزيرة وجعل له أوقافاً وكذلك تشبيده للجامع خارج الباب المذكور 
والميضات التي بسوق الترك. وجاءت من أجل ما يكون وينتفع بها 
الغريب» وجعل لها أوقافاً لمن يقوم بها وكانت في غاية الحسن إلا إن 
بعض حفدته استولى عليها وأمرها صائر إلى التلاشي . 

وله اخبار تحتاج إلى ديوان. ومات رحمه الله في سنة إحدى وأربعين 
وألف. وهو ممن كان يعين يوسف داي على فعل البر ولو تتبعنا حسنات 
يوسف داي لطال بنا التتبع لها . 

وفي أيامه في سنة اثنتين وعشرين وألف كانت محلة الجزائر الأولى 
ولم يقع بينهما قنال. وفي أيامه كان الفناء الأعظم الذي يقول له أهل 
تونس وباء سيدي أبي الغيث», لأنه فيه توفي الشيخ رضي الله عنه ونفعنا 
بهء وكان في سنة ثلاثين وإحدى وثلاثين وألف ومات فيه خلق كثير. وفي 
أيامه في سنة أربع وثلاثين أخذت غرابان من أغربة مالطة وجيء بهما إلى 
تونس وزينت البلاد لأخذهما. 

وفي سنة سبع وثلائين كانت الواقعة العظمى بين عسكر الجزائر 
وعسكر تونس» ومات فيها خلق كثير وكانت في شهر رمضان من السنة 


المذكورة واستجلبهم الشيخ ثابت بن شنوف وأطمعهم في البلاد. ولما 


لفيفا 


التقى الجمعان كانت الدائرة في أول يوم على أهل الجزائر حتى طلبوا 
الأمان. ثم إن الأعراب خانت وكان أعظمهم أولاد سعيد فانكسرت محلة 
تونس ونهبت وعاثت الأعراب في الوطن ومشت جماعة من مشيخة البلاد 
مثل الشيخ تاج العارفين العثماني والشيخ إبراهيم الغرياني والشيخ مصطفى 
شيخ الأندلس وغيرهم. وتم الصلح بين الفريقين. 

هذه الأهوال مراد باي وكان صاحب دهاء. وفيها أحذت النصارى غلاطتين 
لأهل تونس. وفي سنة إحدى وأربعين توفي الحاج علي ثابت وفيها جاء 
منصب الباشا لك لمراد باي. وفي التي تليها أخذت جماعة من أولاد 
سعيد وركبوا على الخوازيق في المركاض وفيها ظهرت نجابة محمد باي. 
وفي أيام يوسف داي فتحت الحامة بعد نفاق سبع سئين ولم يزل رحمه ألله 
إلى أن سار إلى رحمة الله مشكور السعي عند الناس» وكان مغرماً بالصيد 
بخرج إلى البادية ل كم أياماً 0 معة 8 يكن له منازع ب 
سبع وأربعين ولف ودفن في مسجده المعروف به وبنى عليه ولده تربة 
بديعة الشكل رحم الله تعالى هذه الروح الطيبة وجازاها بما هو أهله. 


اصطا مراد 


ومنهم اصطا مراد بن عبد الله من الأعلاج بويع صبيحة اليوم الذي 
مات فيه يوسف داي واتفق على تقدمه جماعة وأكبرهم هامي من أكبر 
مماليك يوسف. وكان يرى نفسه أنه أحق بالأمر من غيره إلا إنه خاف من 
العسكر. إنهم لا يقدمونه ورأى أنه يقدم اصطا مراد فإن رضوا به دبر في 
خلعه واستبد هو بالأمر. فعاجله اصطا مراد لما تم له الأمر ونفاه إلى 
زغوان». وقتل هناكء ولما د تم له أمره باشر الولاية بجأش متين . 


وأول ما أمر به قطع الخمارات التي ب بين الأزقة وكانت كثيرة» وأبطل 
برج البستيون» وأبطل بيع القمحع الذي عاق يباع به وأبطل أيضاً باعة 


ففا 


السميد والدقيق. ونظر في معايش المسلمين أحسن نظر. وكان الرغيف 
الذي يباع بناصري زنته استاأ وثلاثين وقيةء وبيع اللحم في زمانه بناصري 
الرطل في فصل الشتاء. وكان الناس في أرغد عيش وأمر بنقض الأزبال 
التي خارج باب البحرء وكانت كيمان كالجبال وخدم فيها الربضين 
والمدينة نويا بينهم. وكان يحضر بنفسه وجماعته كل يوم. وفي أول سنة 
من أيامه جاءت غلايط الجزائر إلى تونس وكان عددها ثمانية وسافرت مع 
غلايط تونس. وهي ثمانية أيضا انتصارا للسلطان في حرب أولونه 
فحصرتها عمارة البندقية في مكان استحال الخروج منه. فكان من رأيهم 
أنهم نزلوا إلى البر بأجمعهم ومن معهم من أسارى النصارى. وأحرقوا 
الغلائط كلها وتوجهوا برا جنك اي لطن بغلايط من عنده 
ورجعوا إلى بلادهم , وكانت هذه الواقعة سنة ثمان وأربعين 
وفيها جاء الخبر بأن السلطان أخذ بغداد فزينت المدينة سبعة أيام, 
وكانت هذه الزينة من أحسن ما شوهد فى تونس من الدعة والسناء. وفيها 
جاء الخبر بوفاة السلطان مراد وتوبية أخيه السلطان إبراهيم . 
وكانت أيام مراد هذا من أحسن الأيام . وقد اتفقت جماعة على 
القيام عليه ففطن بهم وقتل منهم جمعاً كثيراً وفر من فر منهم. وكانت له 
صولة عظيمة وهيبة وهو أول من جعل القواد يلازمون بابه كل عشية بقصد 
الانصاف لمن يشتكي منهم. ولم تكن هذه العادة لمن تقدمه. 
وفي أيامه بنى البرج الذي بغار الملح على يد المعلم موسى. وأمر 
أن تبنى هناك مدينة وإستنفر الناس إلى السكنى فيها وسلفهم دراهم للتعمير 
والإعائة فاستوطنها جمع من الأندلس وغيرهم وهو السبب فيه حتى صار 
من أجل المراسي التي ببلاد الإسلامء وكان قبل ذلك مكمناً للنصارى 
فانحسم ضررهم وهذا بعض من حساته. وبيع قفيز القمح في أيامه بأربعة 
دنانير نواصر ومطر الزيت بدينارين ومنع خروج القمح لبر النصارى. ودخلت 
هيبته في قلوب العسكر والعامة من الناس حتى أن الذمي كان لا يجار عليه 


ولا يظلم بشيء. 


إرخرفا 


وكانت كلمته لا ترد ولا يراجعه أحد ولو كان ولده. وهو أحد من 
رأس البحر لأنه كان خدم فيه قبطاناً ورزق فيه السعادة التي لم يرزقها 
أحد من قبل. وكانت أيامه في البحر من أجل الأيام ولما تولى الحكم 
وكانت وفاته سنة خمسين وألف رحمه الله تعالى . 


وقام بالأمر بعده أحمد خوجه ويقال له أوزون خوجه باتفاق من 
العسكر ولم يختلف عنه اثنان لأنه كان في أول أمره وهو خوجه بالديوان؛ 
يعامل الناس بالرفق واللين وخصوصاً الأيتام من أبناء العسكر يهش لهم 
ويتحنن عليهم. فمالت إليه القلوب وقدموه عن رضى منهم فباشر الولاية 
بجبروت وشهامة, وكان جماعاً للمال. 

وفي أول ولايته جاءت أغربة مالطة ودخلت إلى حلق الوادي وأخذت 
منه عدة ب أحدها مركب بوشاشية وحرقوا مراكب أآخر وفعلوا فعلا 

عظيماء ولم ب يمنعهم البرج الذي هناك فعند ذلك أمر ببناء برج آخر لحصانة 
العرين ويومئذ أيضاً كان الغلاء المفرط الذي لم يسمع بمثله وفعل فيه بر 
عظيماً المرحومان محمد باشا وأحمد شلبي لأنهما جعلا صدقات من 
الأرغفة للضعفاء ء تفرق عليهم كل يوم. ويقع تزاحم بين الناس في مكان 
التفريق وربما مات بعض من الأزدحام بمقربة من زاوية الشيخ الجليزي؛ 
وانقطعت الأسعار من القمح والشعير ولكن كانت مدة يسيرة. ثم تدارك الله 
سبحانه عباده وتراجع الحال وأتت في غاية الخصب وارتحم الناس. 

وفي أول دولته وقعت المحاسبة بين المرحوم محمد باشا وسليمان 
باي. وظهر قبل سليمان مال أخذ عوضه محمد باشا غلياطه والزندالة 
والسانية التي برأس الطابية فوهب كل هذا لأحمد خوجه وهذا يدل على 
سخاء الباشا المذكور وفي سنة ثلاث وخمسينء كان الفناء الأعظم ودام 


كرفا 


وفي سنة خمس وخمسين كان ابتداء العمارة لكندية., وجاءت الأوامر 
السلطانية لقصد العسكر والمراكب إعانة للسلطان فندب أحمد خوجه الناس 
وجعل على أهل المديئة والربضين أموالاً لتجهيز المسافرين» وعين جمعاً 
من الرعية للسفر ولكل واحد جعلا من ذلك المال مقداره ثلاثون كرونة 
لكل رجل. وعين جملة من المساحي والفيسان والقفاف وبعثهم في 
المراكب وكذلك في السنة التي بعدها ثم قطعت بعد ذلك. 

وفي أيامه ابتدأ المرحوم محمد باشا بتزميل الزمول وقويت شوكته 
على العربان ومشى فيهم الهوان. ومات سليمان باي في أيامه وانفرد الباشا 
عدم يوه ونم يكن لمالخبار ع الحمللت بتدازين أحيد لخوعة ماخنة 
لدخول بعض الماكرين بينهما فسلمه الله من شره وتحكم فيه ومات على 
يديه في أشد إهانة. وكان اسمه حميدة عاشور فانتقم الله منه. 

واستقامت أحوال أحمد خوجه. وكان مطاعا في عسكره بحيث إنه 
استنفر العسكر إلى غار الملح لأجل واقعة يطول شرحها فلم تكن إلا ساعة 
من النهار حتى خرج العسكر عن آخره ولم يبق بالمدينة أحد وهذا من نفاذ 
أمره. وكانت قريبة من موته فلم يعش بعدها إلا أياما يسيرة وبدأه مرضه 
الذي مات فيه وكانت وفاته سنة سبع وخمسين وألف. 
الحاج محمد لاز 


خوجة. وبويع في جمع من أكابر العسكر في سقيفة أحمد خوجة وطلعوا 
به إلى القصبة وجلس على بابها وجددت بيعته هنالك وكان مسكنه داخل 
القصبة: فكان يجلس عند الباب لتعاطي الأحكام في كل عشية إلى أن 
انتقل إلى داره المجاورة لتربة الشيخ ابن خويان. 

وفي أول ولايته كانت الوليمة الكبرى التي لم يسمع بمثلها في إقليم 
المغرب وهى هى الوليمة التي صنعها صنعها المرحوم محمد باشا لوا ه المرحوم مراد 
باي بالحرة الجليلة ابنة يوسف داي رحم الله الجميع وأظهر في العروسية 


كرفا 


من أبهة الملك ما لم يكن لغيره في الديار التونسية ومكث أربعين يوم في 
الاحتفال لهاء وأنفقت فيها أموال تجل عن الحصر وشاهد الناس ما 
أذهلهم مما لم يسمع بمثله وفي جملة الأيام الأسمطة ممتدة بالأطعمة 
الفاخرة مما يكل عنه الوصف وأكل منها أهل البلد قاطبة ولم يرد أحد 
عنهاء وجاءت الناس من أقطار الأرض والمغنيون من سائر البلادء ولم 
تخل ليلة من الليالي من الفرح ؤيسرج من القناديل ما لا قدر له ويوقد من 
الشموع كل ليلة ما يشهد له العقل إنه لا يكون إلا بديار الملوك الضخمة. 
وكانت تلك الأيام تعد من أعمار وجاءت الوفود من كل بلد للتهنئة وانشدت 
الأشعار وأجيزت أربابها ووصل من الإحسان والبر لمن يستحقه وتحقق عند 
أهل تونس إنهم ما سمعوا بمثلها حتى في زمن بني أبي حفص, وهي أول 
وليمة صنعها سامحه الله تعالى وغفر له بمنه وكرمه . 


وفي أيام الحاج محمد لاز تقوى أمر بلقاسم المنستيري في الإمارة 
ومنته نفسه بالغرور وذلك بمعونة كشك مراد مملوك الحاج محمد لاز وكان 
لاز المذكور يصدر عن رأي مملوكه. وفي أيامه صودر القائد عبد الله أبو 
خوران واستصفت أمواله وأهين بعد ما كان قائد القواد على يد المرحوم 
محمد باشا. وفي أيامه صادر الباشا المذكور بلقاسم القفصي وأخذ جملة 
أمواله واعتقل في زاوية الشيخ سيدي أبي الحسن الحلفاوي ثم رضي عله 
فيما بعد ورد عليه ما أخذه منه وبعده استصفى أموال بني صندل ونكبهم 
على يد كاتبه أحمد المناري وتقوى شأن على هوى الترجمان بمساعدة 
الباشا له حتى أعجبته نفسه ومنته بالمحال فتكب على يد الباشا وأراد أن 
يفتك به فعاجل نفسه بأن أكل السم ومات وهذا من حسن نية الباشا بحيث 
لم يفته من أعدائه أحد. 


وفي أول ولاية الحاج محمد لاز كانت الطامة الكبرى» وكادت أن 
تكون فتنة لولا أن تداركها الله برأي الباشا المذكورء وهي التي بيعت فيها 
عدة نواصر من مرتبات العسكر على يد القائد داود اليهودي الذي كان 
صرافاًء فكادت أن تكون فتنة بين العسكرء. فهدن الله الفتنة برأيه السديد 


افيف 


ورد لكل واخد ما نقص من مرتبه ودفع المال من عنده وحمل من داره إلى 
الديوان أكياساً على أعناق الرجال وكان شيئاً مستكثراً وسلم الناس من 
الفتنة وهذه التازلة تعد من مائره الحسنة الجميلة. ودامت أيام الحاج محمد 
لاز إلى أن توفاه الله لثلاث وعشريس خلون من شوال المبارك سنة ثلاث 
وستين وألف بعد مرض طويل ودفن بتربته عند باب القصبة . 
الحاج مصطفى لان 

وقام بالأمر بعده الحاج مصطفى لازء بويع في صبيحة اليوم الذي 
دفن فيه الداي المذكور وذلك بمشورة الباشا وهو إذ ذاك باي المحال فبعثوا 
يشاورونه في من يتولى دايا فأشار بتولية المحاج مصطفى لاز فعندما جاء 
أمره السعيد بايعه العسكر. وعند جلوسه يباب القصبة دخل الباي المذكور 
من غد وكان قد رجع من سفره فاشتد به عضد الحاج مصطفى لاز وكانت 
جماعة غيره أعناقهم ممتدة للولاية فطاح ما بأيديهم ويئسوا. ولما استفر في 
الحكم وتمهد أمره زوجه الباشا بجارية من جوارية وجهزها بجهاز معتبر 
كإحدى بناته ووهب له دارا من أجل الدور وفعل معه من الجميل ما لا حد له. 

وفي أول ولايته نكب بلقاسم المنستيري على يد الباشا لأنه كان 
حاقداً عليه لأمور بدت منه وكذلك نكب الشيخ مصطفى الأندلسي 
واستصفيت أمواله وهرب إلى وطن الجزائر ومات هناك. وكذلك نكب 
الشيخ صالح وفعل به ما فعل بغيره. 

وفي أيام الحاج مصطفى جاءت مراكب الإنكليز إلى غار الملح 
وأحرقت مركباً كان خارج المرسى ورمت على الحصار بالمدافع واستنفر 
العسكر إلى غار الملح وكانت واقعة مشهررة». وذلك في سلمة خمس وستين 
وألف. وفي السنة التي تليها كانت الولحة الثانية من الولائم المشهورة التي 
صنعها لولده محمد باشا الحفصي على ابنة عبد الرحمن باشا وكانت أيضاً 
تعد من عجائب الدهر 


وفي أيام الحاج مصطفى بعث محمد باشا هديته المشهورة مع 


يفف 


قلمان. ولم تدخل إلى الديار الرومية هدية أفخر منها من بلاد المغرب 
وطلب منصب البشاوية فأجيب إلى ما سأل وجاءته الأوامر العثمانية سنة 
ثمان وستين وخوطب فيها الباشا ابن الباشا. وفي أيام الحاج مصطفى لاز 
كانت الزينة المشهورة التي ضرب بها المثل لما كان بها من الدعة الترف 
وجاءت من أحسن ما يكون وهي بشارة بأخذ السلطان إقليماً من بلاد 
الئمسة . 

وكانت أيام الحاج مصطفى أيام هناء ورا احة لأن غالب تدبير الأمور 
كان يصدر عن رأي الياشاء رحمه الله. وإلا فالحاج مصطفى كان لين 
العريكة ويكره سفك الدماء إلا ما كان من واجبات الشرع وأكثر الأحكام 
يقلد فيها الشرع. وفي أيامه كانت الوليمة العظمى التى اجتمع فيها ثلاثة 
باشاوات. وهي وليمة أحمد باي بابنة عثمان باشا صاحب طرابلس» 
واحتفل فيها المرحوم محمد باشا غاية الاحتفال وكانت سنة نسع وستين. 
وطالت أيامه إلى أن توفاه الله ليلة الجمعة التاسعة عشرة من ذي الحجة 
الحاج مصطفى ثره كوز 

وقام بالأمر بعده الحاج مصطفى قره كوز. -جلس عند باب القصبة 
في صبيحة اليوم الذي مات فيه الحاج مصطفى لاز من غير اتفاق من 
العسكر وإنما قدم نفسه بنفسه واستولى على الأمر بشهامته وكان مهاباً وفيه 
إقدام فهابه الناس. ويوم ولايته ظهرت عليه سكينة وابتدأ أمره بتنقية أهل 
الجرائم ومعاقبتهم بالشنق والخنق على أدنى شيء وخصوصاً من اتهم 
بالسرقةء فكان لا ينظر في أمره بشيء ولا يعرف له إلا لفظة حبل» فشتق 
خلقاً كثيراً وفر من المدينة كل من كان بتهم بشيء وتفرقوا في البلا ولم 
يعد أكثرهم إلا بعد موته. 

وكان فيه بعض هرج وتعطل غالب الأحكام في أيامه وصار غالب 
أهل الديوان وغالب الحكام لا يتصرفون بشيء خيفة من بأسه وضره. 
وربما تعطلت بعض أحكام الشرع وهو الذي عزل الشيخ مصطفى بن عبد 


لبليفا 


الكريم عن منصب الفتيا وقدم عوضه الشيخ أبا المحاسن يوسف شهر 
درغوث. فباشر الفتيا بعفاف وصلابة في الدين والحق إلى أن توفاه الله 
شهيداً كما سياتي وهو يعد من حسنات قره كوز. وفي أيامه كانت وليمة 
محمد باي ابن المرحوم مراد باي بابنة أحمد شلبي بن يوسف داي. 
واحتفل الباشا كعادته في غيرها من الولالم . 


ولم يزل قره كوز في تشديده على الجناة والإقدام على سفك 
الدماء. حتى أن أكثر المعاملات كادت تبطل وانحسم الشر عن الناس 
وخافه البعيد والقريب. وانقطعت السرقة من البلد إلا ما قل ونزلت العافية 
حتى في البادية ولكن لم تطل أيامه. وكان في سن الشيخوخة وقيض الله 
له قرئاه منهم أحمد صنابلي والحاج حسين شاقال فذهبا به كل مذهب 
وعاجلاه بأن أطعماه سما فتغيرت أمزاجه وتضاعف ما كان فيه من طبع 
السوداء حتى صارت تحدث له حالات متناقضة ولم يفعلا به ما فعلا إلا 


ولما ازدادت فيه السوداء افق جماعة من الأكابر ووافقهم بعض 
رؤساء الوقت فخلعوه وقدموا عوضه الحاج محمد حاج أوغلي . وفي شهر 
رمضان علق الحاج علي الفلاري وكان ترجماناً. وفي عشية منه أيضاً علق 
خمسة أنفس على دعوى من غير إثبات . 

وفي آخر دولته توفي المرحوم برحمة الله محمد باشا وبموته انفتق 
الرتق وصار كل أحد بقدر اجتهاده وانفتح باب الخلع على الدايات» 
فخلعوه أواخر ذي القعدة سنة سبع وسبعين 0 وأخرجوه من القصبة إلى 
داره بحومة كتاب الوزير فلم تطل أيامه ومات في العشر الأول من ذي 
الحجة من اسنة المذكورة . ويوم خلفعه نفى من المدينة حسين شاقال 
وأحمد صنابلي ولم يتم لهما ما أملاه ولله سر في تقلبات الزمان. 


الحاج محمد حاج أوغلي 
فتولى الأمر الحاج محمد حاج أوغلي المتقدم الذكر. جلس على 


عن 


باب القصبة يوم خلع قره كوز وأبى أن يدخل دار الإمارة حتى أخرج قره 
كوز منهاء فعند ذلك دخلها وهي دار معدة لمن يتولى هذا المنصب. 
والحاج أوغلي هذا ممن تريس في المراكب وكان يعد من القياطين 
المشهورين. وكانت فيه سكينة زائدة فلأاجل ذلك قدموه ظنا منهم أنه 
يحسن السيرة في البلاد فظهر منه خلاف ذلك فقل تدبيره وصار لا يأمر 
بشيء إلا فيما قل. وربما يأمر بالشيء وينهي عنه كأنه ما أمر به وتلاعبت 
الأيدي في الأحكام ولم يرد أحد عن مراده. 


ونفى جماعة من الأكابر وسأل عنهم بعد ذلك وقيل أنه لم يأمر في 
أمرهم بشي ءء وصارت الأحكام تصدر عن غيره ويوهمود أنها صادرة عنه . 
وصار الكاتبان اللذان بالديوان هما صاحبا الحل والعقد وهما شعبان خوجة 
والحاج محمد بيسنارة لا ترد لهما كلمة. 

وفي ولايته أمر بخدمة الزبلة التي عند سيدي عبد الله الشريف نفع 
الله به وخدم فيها الربضين والمدينة عدة أيام. وكان يحضر بجماعته هنالك 
ودام على حالته إلى أول سئنة ثمانين وقيل إحدى وثمانين فخلعوه كغيره 
وأخرج إلى داره بمقربة من دار الديوان وبعد أيام حجر عليه ولزم بيته إلى 
أن توفاه الله» وقيل أنه خولط في عقّله فلهذا خلعوه. 
الحاج شعبان خوجه 

ومنهم الحاج شعبان خوجة المذكور جلس مجلس الدايات في 
القصبة في السنة المذكورة. وفي تلك الأيام كانت الوليمة التي صنعها مراد 
باي لأخيه حسن باي ولولده علي باي. وجاءت من أجل فا يكون ومشى 
على طريقة والده وأربى عنه وأظهر من الاحتفال ما لا يوصف . وفي أيام 
الحاج شعبان كانت الزينة العظمى لاحذكندية في ذي القعدة من سنة 
إحدى وثمانين . 

وأول أمره باشر الولاية بتعفف ونظر في معايش الناس وربما باشر 
بنفسه ميزان الخبز في الأسواق وكان مهاباً وسكناه بالقصبة» فاخذ له 


با 


المرحوم مراد باي داراً ووزن ثمنها وزاد الحاج شعبان في بنائها على ما 
كانت عليه فجاءت من أجل الدور وسكن بها. 

لم خالطه بعض أهل الفساد وأغروه بمعاداة البايات وزينوا له كل 
قبيح وأضمر أن يفتك بهم وفشا الخبر بين الناس وبلغ إلى أرباب 
المملكة. فمكروا به قبل أن يمكر بهم. والذي أغراه على ذلك ابن القائد 
جعفر ومحمد بن أحمد خوجة على ما قيل. 

فلما رجع مراد باي من محلته محلة الشتاء سنة اثنين وثمانين أبى أن 
يدخل إلى المدينة وأضمر الشر لشعبان خوجة؛. فلما فطن لذلك خاف 
على نفسه وكان مراد باي كاتب أكابر الدولة وأخبرهم بما نوى الحا 
شعبان فمالت قلوب الناس عنه وتحقق ما أضمره بما صنع من أمور 
فيها بعض هضم في جانب البايات. فلما أحس بالشر بعث بجماعة من 
أصحابه إلى الباي يستعطفونه وحلف لهم بإيمان وكان الباي مراد لم يظهر 
ما في ضميره إلا بعد ما استحوذ على القائد أحمد بن جعفر وعلى محمد 
بن أحمد خوجة وأراد أن يجعلها فتنة» فلما وصلت الجماعة إلى مراد باي 
تكلم معهم في خلعه فخلعوه بالمحلة أواخر ذي الحجة من السنة 
المذكورةء وقدموا عوضه الحاج محمد مستشالي ويوم دخولهم المدينة دخلوا 
لقصبتها وأخرجوه منها إلى بستانه برأس الطابية وبعد أيام بعثوا به إلى 
زغوان فأقام بها يسيرأً ومات يوم الثلاثاء لسبع عشرة مضت من ذي القعدة 
سنة ثلاث وثمانين وألف. وجيء به إلى تونس ودفن بإزاء داره وقبره 
معروف هناك . 


الحاج محمد منتشالي 


ومنهم الحاج محمد منتشالي. بويع في المحلة كما سبق وجددت 
بيعته يوم دخوله القصبة واستوطنهاء وكانت فيه بلادة لم يجرب الأمور 
وغالب الاحكام في أيامه تصدر عن البايات وهو مساعد لهم لا يخرج عن 
أمرهم بشيء وقنع بالمنصب واسمه. فقام على سيرته أقل من سنة واتفقت 


لقا 


جماعة من أهل الفساد وزين لهم الشيطان ما نووه فدخلو! القصبة على 
حين غفلة. وحاصروا منتشالي وبعئوا للباشا صاحب المنصب إذاك وكان 
متفقا معهم فخلعوا منتشالي وقدموا الحاج علي لاز وأخرجوا منتشالي 
وبعثوا به إلى زغوان إلى أن مات هنالك وجيء به إلى تونس ودفن بتربته 
قبالة داره وقبره معروف هنالك . 


ومنهم الحاج علي لاز. بويع في النصف من ذي القعدة سنة ثلاث 
وثمانين يوم الثلاثاء ووافق ذلك أول يوم من الحسوم فتطير الناس من ذلك 
وساعدوه قوم غير راضين, وزيئوا له مجالات عقلية ويوم ولايته فر محمد 
باي الحفصي ولحق بأخيه مراد باي. ودخلت محلة الشتاء ولم يدخل مراد 
باي ولا أخوه الحفصي., وكان اجتماع الحفصي بأخيه مراد باي فوق 
القيروان ثم إنهما نوجها إلى ناحية الزواريين. ولما استقروا مشت بينهم 
الرسل وكل منهم حاقد على صاحبه وضامر له السوء وحدثت في المدينة 
أحوال تؤذن بالفساد وتحزبت جماعة الحاج علي لاز وزاد ضررهم. 

ولما علموا أن مراد باي أخذ حذره منهم عزلوه وأقاموا عوضه محمد 
آغا ولبسوه قفطاناً وركب في المدينة ونادى المنادي بولايته» أخذ يستجلب 
الناس والرعايا وينفق الأموال وهو لا خبرة له بالأمور. وبعد أن كان ذلك 
كذلك بعث مراد باي بعدة أوامر يحذر التام ن ويندبهم إلى الرجوع عما 
فعلوا فلم يزدهم إلا عتواً ثم بعث إليهم أعقادا من الخيل وغاروا على ما 
حول البلدء فخرجت إليهم جماعة علي لاز وخيله فالتقى الفريقان ووقعت 
بينهم الحربت في عدة أيام . 


وآخر الحال جاءتهم جماعة من أولاد سعيد والمثاليث وغيرهم من 
الأعراب. فخرجوا بمحلة ظاهر البلدء وكانوا قبل ذلك جعلوا سؤالا». 
وحكم فيه القاضي وافتى فيه بعض الفقهاء بما وافق أغراضهم فعند ذلك 
نهبت دار البايات وغالب أثائهم وكان الخطب جليلاً. 


ثفن 


ولما خرجوا وأقاموا بظاهر البلد وجاءتهم البايات وظهرت طلائمع 
حيلهم بادروا إلى لقائهم وخرج من المدينة كل من يقول بقولهم والتقى 
بعضهم ببعض فلم تكن إلا ساعة من نهار حتى انهزم محمد اغا ودخل 
المدينة مكشوف الرأس وخلفٍ عسكرهء فتحكمت فيهم أيدي اصداب 
مراد باي فقتلوا منهم خلقاً كثيرأً ولم ينج إلا من بعد أجله. وهذه الوقعة 
تعرف بخطرة الملاسين وكانت بعقبة الجزار ونهبت الأعراب ما حول 
المدينة.» وتحصن الحاج علي لاز وجماعته بالقصبة ومن غد أصبح بابها 
مغلقاً وباتت المدينة في سوء حال. 

وبعث الباي إلى باقي العسكر بالأمان وأمرهم بتوليةالحاج مامي 
جمل. فبعثوا له وبايعوه في الديوان وبعثوا إلى الحاج علي لاز وأصحابه 
فخرجوا بالأمان ومشوا إلى زاوية الشبخ سيدي محرز بن خلف فلم تغن 
عنهم وحوصروا بها ومات هنالك أكثرهم وبعث بالحاج علي لاز إلى 
الحمامات فقتل بهاء ونهبت عدة أماكن بالمدينة وتتبع الباي اثار المفسدين 
تناه اركانترقنة الم تمع كلها عند مكت القال أكار من شهره 
وكتب الباي أوامر وبعث بها وفوداً إلى الباب العالي مرا بما وقع وجاءه 
الجواب بما في مراده وزيادة» والقصة أطول مما ذكرنا وكانت هذه الوقعة 
منتصف صفر سنة أربع وثمانين. 
الحاج مامي جمل 

ومنهم الحاج مامي جمل» بويع منتصف صفر كما تقدم وسار على 
سيرة منتشالي في مساعدة الزمان إلا إنه كان فيه مرج وغفلة. وكان يظهر 
التدين والعفاف ويميل إلى الفقراء وذلك منه لأمر ماء وفيه إمساك ويشتكيى 
من الفقر وما ازدان أول دولته إلا براي البايات. ثم تغير حاله فيما بعد. ' 

وفي أيامه نافق أبو القاسم الشوك بوسلاتء. فقاتله مراد باي وحاصره 
وفزع له من سائر البلدان والتم عليه جميع العمالة فطاب له الجبل وقطعم 
رأس الشوك وجماعته وجيء برأسه إلى تونس والقصة طويلة. وفي أيامه 
أخذت غلياطة محمد باي أخذها عدو الدين. وفي أيامه مات المرحوم مراد 


دنا 


باي في جمادي الأولى سنة ست وثمانين. وفي أيامه وقع الخلاف بين 
محمد باي وأخيه علي باي وقدم عمهما محمد الحفصي وفي شهر 
رمضان من السنة المذكورة سافر محمد الحفصي إلى بر الترك . 

وفي أيام الحاج مامي قويت الوحشة والفتنة بين الأخوين وأكثرها 
بمساعدته. وغلبه على أمره جماعة من أصحابه فكانوا يهونون عليه الصعب 
ولم يزل أمره في تشتيت إلى أن خلع بالحاج محمد بيشارة أواخر ذي 
الحجة سنة 8 وثمانين وألف. وخرج من القصبة ودخل الزاوية 
القشاشية إلى أن كان من أمره ما سنذكره بعد. وفي أيامه كان الوباء 
العظيم وابتدأ في سنة ست وثمانين وارتفع سنة سيد وثمانين ومات فيه 
يوسف باشا وقبره بمقربة من الشيخ سيدي محرزء نفع الله ببركاته؛ وقبر 
معه ولداه وبنيت عليهم قبة -حسنة. 


وفي سنة سبع وثمانين المذكورة خرج علي باي إلى ناحية المغرب 
وفيها كانت وقعة وسلات مع محمد باي ومات فيها خلق كثير وسيأتي طرف 
من ذلك. وفيها جاء محمد الحفصي من بر الترك ولم يقبل. واضطربت 
آراء الحاج مامي حتى خلع آخر ذي الحجة كما تقدم وأقيم بدله الحاج 
محمد بيشارة . 


ومنهم الحاج محمد بيشارة بويع في المحلة على يد الأمجد علي 
باي آخر ذي الحجة المذكورة وجيء به إلى تونس فجددت بيعته وأخرج 
الحاج مامي ولم يتعرض له بمكروه واستنفر عسكرا لإعانة علي باي وبعث 
بالمدافع إلى الكاف وسكن بالقصبة أيام ولايته وكان فيه طيش في أحكامه 
وهو من كتبة الديوان في السابق وكان يظن أن فيه سياسة فلما تولى لم 
يظهر عليه شيء منها وكاتبه علي باي في مسائل تصلح به فلم يقبل منه. 
وأخذ العسكر في أيامه مرتبأ واحداً وبعث إلى الحاج مامي مرتبه وهو مقيم 
بال راية . 


3141 


وخلع في منتصف صفر من سنته وأعيد الحاج مامي إلى الولاية. 
وذلك حين احتوى محمد باي على المحلة عند الكاف ورحل علي باي 
إلى الجريد كما سيأتي خبره. فبعث محمد باي إلى تونس وأمر بإعادة 
الحاج مامي فخرج من الزاوية وطلع إلى القصبة وأخرج بيشارة ونفاه إلى 
رأس الجبل. وبعد أيام أمر بقتله ولم يف له بما فعل معه ومن يوم رجوعه 
لم يهنا له شيء. وبعث بجمع من أصحابه إلى الكاف لكشف الخبر والزم 
أهل البلد بالعسس ليلا وجعل العسكر على الأيواب نوباً ومشى طارق الفتن 
في غالب الإقليم. وبدا نفاق القيروان ومكشت تونس في جهد من العسس 
نحواً من أربعين يوماً. 


ومن أغرب بلادته وهرجه أن الجماعة الذين أرسلهم للكاف لما 
رجعوا وجدوا رجلين في الطريق مسلوبين فسألوهما: ‏ من فعل بكما 
هذا؟ ‏ فقالا: - أصحاب من جماعة مصطفى سبنيول وهو بمكان كذا 
وكان مصطفى المذكور طرق ذلك الجانب فلما سمعت الجماعة من 
الرجلين ذلك مالوا عن ذلك الطريق وأتوا على غيره خيفة من السينيول 
المذكورء ولما أخبروا الحاج مامي بذلك لم يصدقهم فقالوا له هذان 
الرجلان المسلوبان فسألهما فأخبراه بالصدق فأمر بضربهما فضرباء أعاذنا الله 
من قلة التوفيق. 


ولم يزل يترقب الأحوال إلى أن فشا بين الناس أن علي باي رجع من 
الجريد والتقى مع أخيه في الفحص وهي الكائنة العظمى. وهرب أبو 
رخيص وابن عثمان وجماعة كانوا في تونس في صندل من البحيرة. و 
أيام جاء الخبر مع بلوك باشي وحسين بن مامي فراش فعند ذلك هرب 
الحاج مامي إلى الزاوية كعادته وبةقيت الجدينة بلا حاكم فاضطر العسكر إلى 
داي فوقع اختيارهم على أوزون أحمد فضرب رفيا ومن غد. أخرجوه غصباً 
وقدموه داياً بعد ما شرط عليهم شروطاً رضي العسك ر بها قبايعوه نصف 
الثهار وبات حاكماً. ومن غد خرج إلى الناس ولم يبت إلا وقد تبين خلعه 
فكان الواجب أن لا يعد عن الدايات , 


ينانا 


أوزون أحمد 

ومنهم أوزون أحمد. بويعم في السابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 
ثمان وثمانين وأقام يومين. ولم يبرز حكماً وكان بعث فيه علي باي أن 
يولوه. فهرب إلى الزاوية كما سبق خبره وأعيد الجواب إلى الباي فعند ذلك 
بابع بالمحلة محمد رايس طاباق وبعث به إلى تونس ولم يعلم أحد بذلك 
فلما سمع أوزون أحمد بعث بجماعة من العلماء إلى الجبل الأخضرء 
لأن مصطفى سبنيول كان هناك محاصراً للمديئة ومنع عنها الداخل والخارج 
وألزم الباعة أن يجلبوا بضاعتهم للجبل الأخضر وأمر الجزارين ببيع اللحم 
هناك. وانقطعت المادة عن أهل تونس فوصل الداي محمد طاباق ولم يكن 
لأهل المدينة علم. فلما وصل الفقهاء برسالة أوزون أحمد وبالشروط التي 
اشترطها وجدوا الناس قد بايعوا طاباق فطاح ما بأيديهم وبايعوا مع الناس 
ورجعوا فأخبروا أوزون أحمد فهرب إلى الزاوية إلى أن كان من أمره ما 
سيأتي إن شاء الله . 

ومن أعجب الأشياء أن الموؤرخين يعدون أهل المناصب من الخلفاء 
والسلاطين وأن العنادسن منهم يقتل أو يخلع. وأثبتوا كثيراً . من أخبارهم 
وجاءت على اتفاقهم في الأكثر إلا إن هذه الدولة خالفت جميع الدول لأن 
الستة الدايات الذين 1 مستقلين لم يجر على أحد منهم الخلم وهم 
عثمان ويوسف ومراد وأحمد ومحمد ومصطفى كل هؤلاء كانوا مستقلين 
وماتوا في ولايتهم ومن بعدهم ثمانية على نسق واحد وقع الخلع عليهم قره 
كوز والحاج علي والحاج شعبان ومنتشالي والحاج علي لاز والحاج مامي 
وبيشارة وأوزون أحمد هؤلاء المخلوعون ويمكن أن يقال الأولون ثمانية 
أيضاً لأن إبراهيم داي الأول وهو الذي تسمى بهذا الاسم ومن بعده موسى 
داي. لم يقع الخلع عليهما لأنهما سلما باختيارهما . فهذا من أعجب 
الاتفاقات ولله الآمر وهو العليم الحكيم. 
محمد داي 

ومن الدايات العظام وأهل الرتب الفخام الذي جاء ذ في آخرهمء وهو 


315 


كأولهم الأمجد الأنجد محمد دأي عرف طاباق معدود من الرؤساء الذين 
بلغوا درجة القبطنة» ونال سعادة وافرة وعلا اسمه وجرت له أمور أضربنا 
عنها إلى أن بلغ هذا المنصب على يد المكرم علي باي بويع له بالمحلة 
بالفحص اخر ربيع الانور سنة ثمان وثمانين وألف وأقبل إلى تونس» فنزل 
بالجبل الأخضر وبعث إلى تونس جماعة من أصحابه فقبضوا على الحاج 
مامي جمل وجماعته وسيروهم إليه وكان ذلك اخر العهد بهم. 


ويوم الخميس آخر الشهر خرج الديوان إلى لقائه ودخجل المدينة ويوم 
دخوله كان بعض الناس يغضي من جنابه وبعضهم رأى عليه مخايل 
الولاية؛ ولما نزل عند باب القصبة جاءه الناس فبايعوه هنالك وتكلم كلام 
يدل على لينه ولم يعلموا ما وراء ذلك. ودخل القصبة ومن الغد أمر 
بإخراج من بها ما عدا جماعته وبعد ذلك باشر الأمور بشهامة وحدة ونفى 
جمعاً من الأكابر وشتت كثيراً من المخالفين وقام بنصرة الباي أحسن قيام . 


وفى أيامه ابتدأ الغلاء واجتهد فى ضبط السعر غاية الاجتهاد وبعد 
أيام بعث الباي أحد المماليك وأقامه خليفة للباشا. وفي شعبان من السنة 
المذكورة جاء خليفة الباشا من بر الترك ودخل المدينة بزي الباشوات 
واجتهد في أمور المملكة وغير السكة لأنها كانت غير مرضية فجاءت على 
وفق المراد وفرح الناس بها. 

وفي أيامه تقوى الخلاف في القيروان والمنستير وصفافس وبعث 


أرسال للقيروانت والمنستير فلم تقبل مله . وني ذي القعدة من السنة زادت 
الاراجيف في البلاد وطالت غيبة الباي وخبره عن الناس . 


وفى ذي المحجة كانت الواقعة العظيمة التي أحرقت فيها أيواب 
المدينة وتعطلت المساجد عن صلاة العيد والجمعة. وكان الخطب جليلا 
ودخلت جيوش محمد باي المديئة وعاثوا كيف شاؤوا ولم ينازعهم أجل 


وانخذل أكثر العسكر واستفزهم مراراً فلم يأتواء ومكث ثلاثة أيام يتدارك 
الأمر وغلق باب القصبة هو ومن انضاف إليه» وانحصروا هناك وكان قد ها 


>33 


ذخيرة تقوم به وبايع العسكر في مدة الحصار ساقسلي حسن ورموا على 
القصبة بالبندقيات» ودام الحصار والحرب ليل ونهاراً ورمي على الحصار 
بالمدافع عادءة أيام وحفر تحته لخم وأطلقت فيه الئار وجعلت المتاريس في 
عدة أماكن ونار الحرب مشتعلة في كل جانب وانقطعت الأسعار من المدينة 
حتى بلغ صاع القمح نصف ريال عبارة عن ستة ريالات الويبة فكان مبلغ 
القفيز ستة وتسعين ريالا وهذا شيء لم يسمع بمثله في تونس . 


وألزم أهل المدينة والربضين بالعسس في داخل المدينة وخارجها 
وعظم البلاء واشتد الخوف؛, وانقطع المار من عدة أماكن من الطرق ودهم 
الناس ما لا قبل لهم به ولم تزل الحرب في المدينة والأبواب مهدمة 
والناس في جهد أربعة وعشرين يوماً. 


وفي تلك الأيام قبض على جماعة من أهل البلد وألزموا بأداء المال. 
شعن على العالمين المفتيين الشيخ محمد فتاتة ع وسكا درغوث 
مع العسكر ا رار 
سنذكره بعد. 


وفتحت القصية راب بع المحرم أو سادسه سنة تع وثمانين. وعصىٍ 
أهل باب السويقة ووقع منهم حرب لأهل المدينة وبنى باب السويقة حاجراً 
بين الفريقين فهدموه وجاهروا بالعصيان. وجاءت الأخبار بهزم العسكرٍ 
الذي خرج ثم نناقضت وهرب أهل النوبة التي بحلق الوادي حتى لم يبق 
به إلا رجلان. وبعث عوضهم رجالاً أخر فأظهروا الخلاف وكانت الآراء 
مختلفة في كل مكان إلى أن جاءت رؤوس القتلى وحطت عند باب 
القصبة ومات خلق كثير من أكايرهم ساقسلي الي تولى دولاتلي. وكان 
في أيام الحصار الحاكم في القصبة طاباق وفي المدينة ساقسلي المذكور. 


وفي تلك الأيام أرجف بموت علي باي هن مرض كان أصابه وعافاه 
الله منه ثم أخذت الفتنة في الانحطاط وتمادى الغلاء إلى أن من الله 


"144 


بمراكب جاءت من بر الترك بالقمح فانحط السعر قليلاء كل هذا وطاباق 
مكابد هذه الأهوال ومتحمل لصعاب الأمور صابر لهاء وزاد للجماعة التي 
كانت محصورة معه خمسة نواصر ترقياأ لكل واحد في مرتبه وهذا لم يسبقه 
إليه غيره وعفا عن الذين لم يدخلوا معه القصبة وعلم عليهم وكان الذي 
حمله على الصبر معاضدة الباي له إلى أن تم ما تم فعند ذلك هابه الناس 
قاطبة وخافوا بأسه وأظهر شهامة على من خالفه واشتدت شوكته . 

وفي آخر شعبان أقبل محمد باشا الحفصي من الديار الرومية في زي 
عجيب ودخل المدينة بشعار السلطنة بما لم يدخل به أحد قبله ومعه من 
الأعلاج والطبول والأنفرة والات الباشوات مالا يوصف فكانت النوبة تعزف 
عند العصر فيلتذ بسماعها خلق كثير ويقع لذلك ازدحام كبير وأحضر معه 
أمر السلطان نصره الله للمكرم علي باي برفع ركابه وتعظيمه وإجلاله. 


وفي ثالث شوال من سنة تسع وثمانين وألف كانت الزينة العظمى: 
وبقيت هذه الزينة سبعة أيام بلياليها وفي الثامن منها وقعت الوحشة بين 
الباشا والداي فخرج الباشا مغاضياً وسكن في برج كرنبالية. وفي تلك 
الأيام نزل الباي على المنستير وحاصرها أياماً ورحل عنها. وفيها جاء الخبر 
أن محمد باي ركب البحر. 


وفي ربيع سنة تسعين رجع الباشا إلى سانيته برأس الطابية ولم يقع 
بينه وبين الداي اتفاق. وفيها خرج الباي إلى محلة الصيف وأقام هنالك 
وخرجت له محلة الشتاء قبل أوانها فأرسلها للجريد لعصيان البرج الذي في 
توزر وأخذ في سنة إحدى وتيعين وألف. وفيها استنفر الداي العسكر , 
للكاف ومنعهم مرتباتهم . 


وفي ربيع الثاني من هذه السنة بعث الداي العسكر نجدة لأهل 
سليمان» وفي جمادي الأولى جاءس ! لرسل من الجزائر لأجل الصلح 
زقاللهم الداي بعنف. وفيها صادر ١‏ مل المرتبات ومنعهم لقلة استماعهم 
أمره وفي رجب خرج الباشا إلى القيروان ركان من خبره ما سيأتي ذكره. 


>31 


وفي شوال خدمت صفاقس. وفيه جاءت رسل أهل الجزائر ونزلت 
محلتهم في الحدادة. وفي الحادي والعشرين من شوال جاء الخبر بخدمة 
الكاف وفرح الداي بذلك وفي ذي القعدة جاء الخبر برضاء الباشا مع 
الداي. وفيه خدمت أولاد سعيد علي باي وتعطلت مرتبات العسكر في 
هذه المدة إلى أن دخلت سنة اثنتين وتسعين وألف. ١‏ 


وفي أول ربيع الثاني منهاء قام العسكر على ساق وطلبوا مرتباتهم 
فألان لهم الداي القول فأبوا فغلق باب القصبة وأحس بالشر ومكث ثلاثا 
وكانت هرجة عظيمة لولا أن تداركها الله بالباي فقمع أشرارهم وهدن الفتنة 
ووعدهم بأخذ مرتباتهم . 

وفي سابع ربيع الثاني كلف أهل المدينة والربضين بأداء الرمية 
فامتنعوا ثم أذعنوا وتمشى الأداء في الوطن كله. وفي جمادي الأولى كان 
الختان في برج باردو لحفيد الباي. وكانت تلك الأيام تعد من الأعمارء 
وفيه قويت الوحشة بين الداي والباشا. 

وفي ثاني جمادي الثانية سافر الباشا إلى الديار الرومية وبقيت البلاد 
بلا باشا والمرتبات والمجابي تحط في الديوان. وفي هذه الأيام وقع الرخاء 
العظيم وكثرت الغلال والخيرات بحيث وصل تفيز القمح إلى أربعة ريالات 
وأقل من ذلك والله تعالى يلهم هذا الداي للسداد والصلاح. ويصلح حال 
من تسبب في إقامته بهذا المنصب ويبلغه النجاح. كيف لا وهو حسنة من 
حسنات الأمير علي ياي .نسأل الله تعالى أن يوفقه لما يحبه ويرضاه. 


وحيث أنيت بجملة من أخبار الدايات وجب أن نأتي بنبذة من أخبار 
البايات وإن كانت هذه التي جمعتها لم تدون قبل وإنما تلقيتها عمن كان 


البايات 
وذلك أن في مدة بني أبي حفص كان سلاطينهم يخرجون بمحالهم 


لاا 


لجباية خراجهم وفي أيام الدولة العثمانية تقسمت البلاد بين القواد وصار 
أعظمهم يخرج بالمحلة وكانت الأعراب في قوة واستحوذوا على جل البلاد 
كعرب إفريقية أولاد أبي الليل وأولاد بوسالم وأولاد حمزة وغيرهم وأولاد 
شنوف بوطن الكاف وأولاد سعيد وأولاد داقع وأهل الجبال غالبهم 
عصاة وكان صاحب المحلة يعاملهم بالمخادعة والرفق والقواد يتعاقبون في 
التزامات المحال. فكانت أحوالهم مضطربة وكثر الحكام بالمدينة فكانوا 
في جهد مع الرعية والعرب أشد شوكة في أول الأمر فكان يعسر الخلاص 
معهم وخصوصاً أهل جبال عمدون وجبل وسلات وجبل مطماطه. 


وأول من سما وأظهر ناموساً لهذه الطريقة وتسمى بين هذه الرعاية 
بهذا الإسم على الحقيقة القائد رمضان من الأعلاج وأصله من أهل الجزائر 
وخدم المنصب هناك وانتقل إلى الديار التونسية وتحصل على هذه الرتبة 
وكانت فيه سياسة وتدبير فاقتنى المماليك وعلت همته وتخرج من مماليكه 
عدة رجال أخذوا المناصب في حياته وتسموا بهذا الإسم قبل مماته. 
فمنهم مراد باي ورمضان باي وحسين باي هؤلاء مشاهير مواليه وكان 
أعظمهم همة وأبعدهم صيتاً مراد باي وكان فيه حذق زائد عالم بتدبير 
الرعية وجباية خراجها استولى في حياة أستاذه على الولاية الضخمة 
واستخلفه في حياته وكان يتفرس فيه النجابة دون غيره حتى عن أخيه 
رجا 

وكان مراد أيضاً يتفرس في مماليك أستاذه حتى أني سمعت ممن 
سمعه يقول عن مملوكي أستاذه حسين ورمضان أن حسين فلا يموت 
حتى يفتقر ويعمى. وكذلك كان يطلق على رمضان اسم الفقر فنجحت 
فراسته وكان يفتخر بنفسه ويقول: أنا ملازم لخدمة أستاذي وعندي كذا وكذا 
مال وعندي شيء معتبر. ولم يزل يترقى إلى أن صار بعد أستاذء في هذه 
الرتبة . 

ولما مات أستاذه في أيام يوسف داي أراد أخوه رجب باي أن ينفرد 
وحده فسعى عند يوسف داي فقال له من أصبح عند بابه الصغير ابن 


متنا 


صندل. فهو باي المحال لما يعلم من ذكاء ابن صندل وكان إذ ذاك هرب 
إلى الزاوية فأصبح عند باب مراد فخدمه فاحتوى على المنصب وزاحمه 
رجب باي. واستخدم أو خماخم فلم يقم بأعباء المنصب كقيام ابن 
صندل فإذا خرج مراد بمحلة جباها على وفق المراد دون غيره وربما 
اشتركا . 

وفي أيام محلة الجزائر كان كل واحد بمحلة وهرب غالب مماليك 
استاذه إليه فكان يستخلف حسيئاً. ولما وقع عليهم في حملة الجزائر وعاد 
من سنته إلى محلة الكاف ساس أمورها على وفق مراده وكثرة الرؤساء 
مضرة لافتراق الكلمة ولم يزل يعلو وغيره يسفل إلى أن منته نفسه بأعلى 
المراتب فبعث إلى الباب العالى وجاءه التقليد من السلطئة وذلك فى سئة 
إحدى وأربعين وألف. ْ 1 


وكانت فيه سياسة لم تكن لغيره إلى أن تم له ما أراد بحسن تدبيره 
وتنزل به عظام الأمور فلا يتضعضع لها وكان مغرى بقتال أولاد سعيد 
وتمزيق شملهم وكانت له القدرة عليهم إلا إنه لن ينفرد بتدبير البلاد 
لمشاركة الغير له فيها. 

وفي آخر غزواته التي أجلاهم فيها وقطعهم وأخرجهم من البلاد إلى 
وطن طرابلس ولم يستقروا به وهي آخر محاله جاءه خبر المنصب وهو على 
مدينة صفاقس وتسمى باسم الباشا وتخلف لولده على المحال وباشر هو 
منصب الباشوات ولكن لم تصف له الأيام ومات من سنته ودفن في تربة 
بإزاء الشيخ سيدي أحمد بن عروس. نفعنا الله بهء ثم نقله بعد ذلك 
بزمان طويلن ولده الأسعد محمد باشا وجعله في تربتع م بالجامع الذي 
اخترعه وسمي به وجاء من أعظم المساجد وسيأتي ذكره بعد أن شاء الله 
تعالى رحم الله الجميسع وتجاوز عن سيئاتهم إنه سميع مجيب. 


من أحيا رسوم البايات في الديار التونسية وشيد معالمها في البلاد 


فنا 


الإفريقية وأظهر من أبهة الإمارة ما لم يظهره غيره وقعل ما لم يفعله ملوك 
بني أبي حفص في زمانهم ولا غيرهم الأمير الأمجد أبو عبد الله محمد 
باي بن المرحوم برحمة الله الأمير أبي الظفر مراد باشا رحم الله الجميع 
استقل بالأمر بعد وفاة والده وكان والده تخلى له عنها في حياته لما ترقى 
إلى الباشوية. فلما مات أبوه انفرد بالأمر وباشر الولاية بجنان قوي وقابل 
الرعية برفق وإحسان وقرب القاصي وقهر العاصي وهو إذ ذاك في عنفوان 
شبابه . 

وكان رحمه الله معتدل القامة تام الخلقة أزهر اللون بديع الشكل للا 
يمتلي منه الناظر لحسن اعتداله. ولم يكن في زمانه أحد من أمثاله فيه 
حدة ولين وعقل وزين مثله كاتبه ووزيره الصغير بن صندل وكان كاتب أبيه 
من قبل وخليفته في السفر رمضان باي وحسين باي وجعفر باي ومصطفى 
باي استخلفه في آخر الأمر وكل من المذكورين له صيت وسمعة ومقام بين 
الأمراء ورفعة وهؤلاء هم المشهورون من مماليكه وخدمة ركابه ممن لا بد 
لكل واحد منهم أن يمتثل لأمره ويقف بيابه. وتخرجت من مواليهم عدة 
رجال. ممن باشر الإمارة وجباية الأموال. وغيرهم جمع غفير لو تتبعنا 
أسماءهم لضاق بنا القرطاس. وكفاه شهرة ما لهجت به البلاد وروته من 
أخبار الناس. 

وكانت له أخلاق رضية. ونفس أبيةء وفيه ذكاء مفرط ورأى مصيب. 
إذا أضمر شيئاً لا يبدي سره لأحد ولا يظهر عداوته إذا أراد المعاداة 
محباً لإظهار الفضائل بذلاً للأموال وربما يعطي عطاء من لا يخشى الفقر 
وعم إحسانه البعيد والقريب. وشهد له بذلك العدو والحبيب. 


وكان مجلسه مجمع العلماء والفضلاء ويكرم أهل العلم والصلاح 
ويحب الغرباء ويود الفقراء ويستحسن أن ترى ثروته على أحبابه ويعجل 
بالإحسان لأهل حضرته وأصحابه وبمجلسه العلماء والأدباء ونفع بين يديه 
المباحثة وله مشارحة بفهمه الذكي . 


وجعل لأهل مجلسه المرتبات السنية بحيث يعم الجميع بالأنعام 


م 


عاداتهم من البر ا والبقر والتمر والتفاصيا يل (الدزاق وغير ذلك 5 هو 
من عاداتهم . 


وكفاه فخراً أن العلامة أبا عبد الله محمد بن مصطفى الأزهري نزيل 
تونس كان يقول: - لو سئلت عن ثلاث لأجبت بلا ولو قطع رأ سي - وقد 
تقدم ذكر السوءالين والثالث الموعود به ولو قيل لي هل رأيت أكرم من 
محمد باشا لقلت لا ل فكفاه مدحا شهادة هذا العلامة التى بقيت فى 
وجنات الطروس كالشامة. فإن قال قائل ‏ ما صدرت هذه المقالة من 
الشيخ إلا لما غمره به من الإحسان. ولهذا وجب عليه أن يمتدحه باللان 
والجنان. لقوله يق - جبلت القلوب على حب من أحسن إليها - وهذا 
الشيخ من كثرة ما أحسن إليه أطلق لسانه بالمدح وخلف هذه المقالة تروى 
عنه ‏ قلنا له: - سلمنا لك هذه ولا نسلم لك غيرها مما هو مشهور. وإذا 
جاء الحى ذهب الباطل والزور. هذه خيراته باقية من بعده؛ وصنائع بر 
تفرقت بين الناس وحسنات اكتسبها بجده. والناس مطبقون على مدحه 
وقوة سعده. ولا يخلو أرباب الصدور فى كل وقت من أصدقاء وأعداء. 
وهذه المحاسن شهد بها الصديق والعدو «والفضل ما شهدت به الأعداء, 
وسيتلى بعد هذاء إن شاء الله. ولو تتبعنا محاسنه لاحتجنا إلى تأليف 
مستقل. ولكن نأتي في آخر الفصل بما هو مشهور ويضرب به المثل. 

ونرجم إلى الأول فتقول لما استقر بالأمر بعد والده كان المشارك له 
في المنصب رجب باي ثم سليمان باي وكانا لم يبلغا شاو ولم يجريا 
مجراه. إلى أن لحقا بالله وانفرد بنفسه . 

وفي أيام مشاركتهما له في الولاية عائت الأعراب في غالب الإقليم 
خصوصاً منهم زريعة الخبث والأصل اللثيم. أولاد سعيد. لا أسعدهم 
الله لأن طبعهم الفساد في البلاد؛ ويهلكون الحرث والنسل والله لاايحب 
الفساد. لأن أمرهم كان متشا مدة من السنين » إلى أن ظهرت على أمل 


اننا 


تونس الواقعة المشهورة بين العسكرين سنة سبع وثلاثين» وقد مر ذكرها 
فقامت قيامتهم على ساق وتمادوا في النفاق والشقاق» وغالب أوقاتهم جار 
على منهاج الضرء وبقيت نفوسهم المخبيئة في الكر والفر. وكا المرحوم 
مراد باشا مقاوماً لهم وحريصاً على تبديد شملهم فعاجله حمامه, ولم يبلغ 
منهم مرامهء وكانوا يلجأون إلى بلد الحامة ويتحصئون بها لأنها ساعدتهم 
في نفاقهم نحو سبعة أعوام فكانوا بها يتحصنون وإليها يلجأون وعرب 
إفريقية كذلك إلا انه أقل ضررا من غيرهم وأولاد شنوف متغلبون على 
وطن الكاف إلى أن منْ الله تعالى بهذا الأمير فقطع دابرهم وألحق منهم 
الغني بالفقير. فخرج بمحلته الشتائية سنة إحدى وأربعين وألف. وشد أزر 
بلاد القيروان بعد ما كاد أن يقع بها من أولاد سعيد الخسف. واستوثق 
أمرها وأولى عليها مملوكه القائد علي الحناشي وكانت فيه فروسية. 


ودخل بمحلته إلى بلد الجريد وخلص مجباه وظهرت همته ورئاسته 
وباشر أموره على وفق مراده . وتقدم أنه كان معةه مشاركاً في وظائفه رجب 
باي إلا إنه لم تكن له فطنة. وإنما بلغ باسم أخيه من قبله. 


وتقدم أن أهل تونس يذكرون أن ثلاثة من الرجال كانوا نجباء.ء وكل 
رجب باي المذكور لأآن أنخاه رمضان باي كان في غاية الذكاء فلم 
يقم رجب مقامه, وإنما نال ما ناله بسابقية أخيه. 

ولما مات خلف ولده سليمان فدخل بمخالبه بين معترك الفرسان فلم 
يتم له مراد» وانفرد المرحوم محمد باشا بأمور المملكة وأخذ في تمهيد 
البلاد» وقمع أمل الفساد. وأغرى بين أولاد شنوف وسلط بعضهم على 
بعض. إلى أن محا رسمهم من الأرض. 


والتفت إلى الحامة فخرج إليها بمحلته سنة أربع وأربعين وألف 
وأرسل المؤونة في البحر والعسكر في البر وحشد إليها من جميع البلاد. 
وكانت على نفاقها سبع سنين وهي ملجا كماقدمنا لأولاد سعيد. وكان 


ه”> 


نزوله عليها يوم .......20© من السنة المذكورة فتنصب عليها المدافع. 
والمنجنيقات وحفر 00 3 بقطع النخل فقطعوا منه شيئاً كثيرا 
وحاصرها من كل جهاتها وداوم عليها الحصار وكان تقدم منه إنذار لهم مع 
المرابطين وأمنهم فلم يغن شيئاً فعند ذلك أفسم أنه لا يرتحل عنهم أو 
يحكم الله بيئه وبيئهم فناوشهم القتال وجعل العساكر بوب في مقابلتهم 
وداوم بهم الحصار وضايق عليهم ومات من الفريقين خلق كثيرء وجاء 
إليهم المدد من أخوانهم المتمردين فلم يجد نفعاً لكبير منهم ولا صغيرء 
ومع ذلك كان يبالغ في الإرسال إليهم بالأعذار والإنذار ليقيم الحجة عليهم 
فلم يزدهم إلا طغيانا. كان لكل متمرد منهم شيطانا. 

وكانت الحامة هذه في غاية من الحصانة. ولأهلها خبرة بالحروب 
ومكانة. وهي في مكان منيع والنخل محدق بهاء ولها خندق محيط بمأمن 
كل جهاتها. ولما نفذ القضاء دارت عليها الدوائر وكان المتعصبون يقولون 
لو مكث عليها عدة أعوام. لن يتيسر له بها مرام. والأقدار مخالفة للظنون» 
وما قدر الله به يكون. فداوم عليها الحصارء والقتال لا يفئر بينهما في 
الليل والنهار. وهم كل يوم في مدد مزيدء وتمرد من غواية شيطان مريد. 
والأمير يستخدم في الرجال» ويجود بالمال. إلى أن يسر الله بفتحهاء 
وانقادت له بعد 0 فقتلت رجالهاء وسبيت نساؤها ونهبت آموالها, 
وبيعت أولادهم بيع الرقيقن.» وصبغت صخورها بدماء أهلها صبغ العقيق. 
وخرب المساكن., وأجلا منها الساكن. وكانت وقعة مشهورة. وأخبارها بين 
الناس مذكورة. 

ولما تم له ما أراد منهاء أمن الذين هربوا عنهاء؛ وأمرهم بالسكنى 
خارج البلد» وضرب أهلها بسيف العفو يعد سيف الحدء. وأذعنوا لأداء 
الخراج. ودخلوا في طاعته فأجراهم على أحسن منهاج. وكان هذا الفتح 
أواخر ذي الحجة سئة خمس وأربعين وألف. 

ولما سمعت بهذا الفتح جيرانها من البلاد العاصية.؛ جاءته الوفود 


)١(‏ هكذا يوجد بياض بنسخة خطية وبنسخة مطبعية أخرى. 


565 


مستأمنين من البلاد القاصية» وشاع ذكره بين البلاد. وعم اسمه الحاضر 
والباد. وصارت له سمعة عند أهل النفاق. وطار خبر أخذ الحامة فى 
الآفاق. لأنها مكثت نحو سبع سئين متمادية في ضلالهاء واستصعبت عن 
غير .إلى أن أخذها وكان من فحول رجالها. وكان جبل وسلات قد شمخ 
باسمه في هذه المدة. فلما بلغه ما حل بالحامة لانت صخوره بعد 
الشدة. 


ولما تم هذا الفتح رجع إلى حضرته العلية. وقد سارالرعب في 
قلوب الرعيةء وعلم أن طالعه أخذ في الصعود. وطالع أعدائه في السعد 
الذابح وهو في سعد السعود. ثم تهيأ لأولاد شنوف وقاومهم بالكفاح إلى 
أن أنزلهم من صياصيهم. وقتل جل رجالهم وجلا باقيهم وجز نوا صيهم . 

وما زال يتبع فلولهم واحداً بعد واحد إلى أن أفناهم ولم تبق منهم 
بقية» ومن نجا بنفسه ضاقت عليه الأرض وطلب منه التقيةء وكانوا قبل 
ولايته متغلبين على الكاف ورعيته وهم أهل الفتنة بين العسكرين وقد مر 
بعض أخبارهم. وكان من تقدمه من البايات عاجزاأ عن أن يحل بدارهم. 
إلى أن يسر الله لهذا الأمير ما لم يتيسر لغيره. وفتح له كل صعب ورزقه 
من خيره. واحتوى على ما كان بيد أولاد شنوف. وأجلاهم من مساكنهم 
وديارهم وأنزل من تبقى منهم منزلة الخوف. ولم يبق شيء من آثارهم . 
وكانت لهم سمعة في البلاد بين عرب إفريقية» وتحكموا في وطن الكاف 
مدة من الأعوام وجبوا الجبايات من الرعية. إلى أن فلهم. ودخلوا تحت 
أمره وأذلهم. فدانت له عند ذلك جميع العربان. وحلت بهم الفاقة ونزل 
بهم الهوان. 


ثم التفت إلى أولاد تعيس الذين لم يكن لهم رئيس إلا إبليس. 
فأخذهم بمكرهم ولح أولهم بأخرهمء إلى أن قطع الله دابرهم. فكر 
عليهم بغزوات متواترة. إلى أن جعلهم في الحضيض الأوهد رفع الله بما 
فعله- بهم درجاته في الآخرة. فمارسهم المرة بعد المرة. وأثنى عليهم 
بمحاله الكرة بعد الكرة. إلى أن أذاقهم الذل والهوان» وفك ما بأيديهم من جباية 


مفكا 


الأوطان. وحل بهم الصغارء والزمهم أداء الدرهم والدينار؛ وصاروا 
يفزعون من انتسابهم إلا النسبة السعيدية. وإن سكل منهم أحد عن نسبته 
فر إلى النسبة اليهودية وتشتتوا بعد اجتماعهم. وركنوا لأداء الخراج بعل 
امتناعهم. وتفرقوا أيدي 0 في الخافقين» وقضي الأمر وقيل بعداً للقوم 
الظالمين» وأمن ٠‏ الله البلاد والعباد. وقمع بهذا الأمير أهل البغي والفساد. 
وأمنت السبل في أيامه من الآفات العادية» وصارت الظعيئنة في أيامه رائحة 
غادية ولو لم يكن له من المزايا إلا قطع هذه الطائفة الرذيلة في أيامه 
لكانت له من أعظم الفضائل. ولو توسل بها في الدار الآخرة لكانت من 
أكبر الوسائل. ولم تقم لهم قائمة مدة حياته إلى أن بعثوا من قبور الذل 
ولكن بعد مماته. عسى الله أن يقطع دابرهم. ويهلك أولهم واخرهم. 

ومن وقائع الباشا المذكور إدخاله عرب ورغمة في عمالته. وكانوا 
قبل ذلك يعدون أنفسهم من أجواد العرب فأدخلهم في طاعته » ونظمهم 
في سلك أهل جبايته, ولهم خبر يطول. ويعجز له الوصول. 

ومن غزواته المشهورة ووقائعه المذكورة أخذه لجبل مطماطة وكان 
مستمراً على النفاق» فخرج إليه بمحلته سنة سبع وأربعين وألف وأقام فيه 
الحرب على ساق, فلازمه بالحصار.ء وضيق على أهله من جميع الأقطار. 
إلى أن سلموا له بأداء الخراج عن رؤوسهم. ورضوا منه بالأمان على 
أهلهم ونفوسهم » وكانوا قبل ذلك يعدون أنفسهم أنهم أهل حرب ومنعة. 
واستعصموا بجبلهم الذي له بين الجبال رفعة. وأهله البربر الذين كانوا من 
أهل جالوت. فسلط الله 0 اأخرهم هذا الأمير كما سلط على أولهم 
طالوت» وبنى في جبلهم خصاراً: وجعل فيه أنصاراً. والزمهم من الخراج 
ما طابت به نفسه ملد السنين. وعطف بعنانه وقابل قوماً آخرين . 


ومن وقائعه المشهورة التي أذاقت أهل عمدون المرارء وقعل بهم ما 
فعل بغيرهم والزمهم البوار بعد ما كانوا متحصنين بجبلهم ويصعب الوصول 
إليهم . ولا تسمح نفوسهم بشيء من الأداء إلاما هان عليهم . لان جبلهم 
في غاية الحصانة, ولهم به قوة ومكانة, فنزل عليهم بخيله ورجله. وضايق 


مه 


بهم إلى أن دانوا له وداس جبلهم برجله. وسبى منهم النساء والأولاد» بعد 
ما قاتلهم وقتل ملهم وأباد, ودخل جبلهم عنوة وقطع منهم الشدة والنخوة. 
وعفا عن بقيتهم بعد ما ذهل كل خليل عن خليله. وأجراهم كإخوانهم 
مجرى الأداء وسبيله. وذلت في أيامه العربان وألزم الصغار لمن كان له 
منهم شان. مثل أولاد أبي الليل الذين كانوا في زمن بني أبي حفص أهل 
حل وعقد. فأهانهم إلى أن سمحوا بأداء الماشية والنقد. وكذلك أولاد 
حمزة وأولاد صولة» وغيرهم ممن كانت له شوكة وصولة. ولازم مدة حياته 
في تتبع اثارهم . إلى أن محا ذكرهم وأخلى ديارهم. وهؤلاء ممن كان 
يش العصا في السابق» فلازمهم الأداء إلى أن اتصل الأول باللاحق. 


وهذه الطوائف ممن افتى ابن ناجي بتحريم مبايعتهم آلات الحرب. 
وكذلك البرزلي قال: عرب إفريقية أهل حرب. وكذلك الشيخ اللقاني 
ضرب بهم المثل قال: المحاربة_ من عرب إفريقية وبالجملة فإن ضررهم 
كثيرء وهم من الذين لا يراعون الا ولا ذمة ولا ينبئك مثل خبير. فحسم 
الله هذه الطوائف الخبيثة في أيامه. إلى أن صار المسافر يتوجه حيث شاء 
ببضاعته يهز بأكمامه. وأمنت السبل والطرقات. وانقطع المتمرد والطغاة. 
ودانت عرب إفريقية ولزمهم الدين: واستمرت عليهم الجباية في كل حين 
وحان الحين . 

ولما مهد رسوم عرب أوطانه. وجعل كل واحد منهم مشتغلاً بشأنه. 
التفت إلى عظماء مشائخ العربان. مثل علي بن عبد الصمد وولده من 
بعده أبي زيان فشاركهم في عربانهم. وأجلاهم عن معاقلهم وأوطانهم» 
وشتتهم في القفارء وأخلى منهم الديارء وأضاف دريد إلى رعيته. وأحسن 
للمحسن منهم وألزم الجاني بخطيئته.» وركب منهم عدة من الفرسان 
وجعلهم من جملة رجاله . 

ولما عزم على ممارسة قبائل العرب شرع في تزميل فرسانهم. فجمع 
منهم عددا وجعل كل زمالة في فج من فجوج أوطانهم. ولكل زمالة رئيس 
من رجاله كالقائد حسن المنسب لحسين باي وهو أشجع رجاله وعقبه 


"64 


موجود وهم جماعة من أولاده وأحفاده كلهم معدودون من فرسان العرب 
وسيأتي ذكرهم والقائد علي الحناشي مقدم زمانه أيضاً والقائد أحمد 
الرقيعي هؤلاء مشاهيرهم وغير من ذكر كثيرون وركب عدة رجال من عسكر 
زواوه يقال لهم الصبايحيه وجعلهم بركابه حيث سار يسيرون. وجعل 
صبايحية أخر وقرر سكناهم ببلد القيروان وجماعة منهم ببلد الكاف وجماعة 
ببلد باجة لتأمين الوطن فأمنت الطرقات في جميع بلاده. 


ومن أشهر سعادته ممارسته لطاغية العرب في وقته الشيخ خالد بن 
نصر الحناشي. وكان خالد المذكور أشهرهم سمعة بين قبائل العرب وله 
منعة وعدة وقائع مع عسكر الجزائر عمر عمراً طويلا ومارص الحروب وكان 
يتشامخ بأنفته على العمالة التونسية ويمتد في وطنها لأنه مجاور لها 
ويتعرض إلى محلتهم فيستكفون شره ويهادونه بالهدايا إلى أن قيض الله له 
هذا البطل الهمام فتمادى على ممارسته إلى أن هزمه سنة أربع وخمسين 
وألف بمكان يعرف بصراطء وهي واقعة مشهورة وكان تعرض .على الوادي 
وحال بين الماء والمحلة فزاحمته فرسان الرجال. وكان أزعمهم في ذلك 
اليوم القائد حسن وظهرت منه شجاعة قوية ضربت بها الأمثال» وهو اول 
من باشره بالحرب فرحل عن الماء عنوة بعد قتال شديد وانهزم هزيمة 
شنعاء ولم تقم له بعد ذلك قائمة مدة حياته وأخذ يلاطفه ويهاديه ويهادنه 
ولم يكن له ذكر بعد ذلك. ولم يمت الباشا حتى خدم ركابه أولاد خالد 
المذكور ووقعوا ببابه واحتاجوا إليه. 


ولما سارت هذه السمعة بين القبائل من العرب خافوا من سطوته 
فأذعنوا بالطاعة وجاءته الوفود من كل مكان وهادوه على قدر مرائبهم وأتوه 
من جميع الجهات بالتهنئة ودانت رعاياه وبلغ مناه وأقفل إليه شعراء العرب 
وشعراء الحواضر وأنشدوه أشعارهم وأجازهم الجوائز السنية وانتشر ذكره 
في الآفاق إلى أن طبق الوجود ولم يبق حي من العرب إلا وعنده خبر من 
سعادته فتمكن كل متمرد بعد ذلك وود كل شيخ من العرب أن يكون 
مملوكا. وكذلك شيخ مشائخ العرب الذين كانوا في ناحية الغرب 


لف 


الشبخ بن علي دخل في سلك الجماعة. ولم تسعه إلا الطاعة. وكان من 
المتمردين على عسكر الجزائر وهزمهم مرارا عديدة. فمن سعادة الباشا 
المرحوم أنه كان يتصرف عن إذنه مدة حياته. وأوصى بأولاده إليه بعد 
مماتهء فكان لا يتشيخ أحد منهم إلا بعد مشورته. وإذا أصابهم ضيم 
دخلوا في عمالته , 

ولما دانت له جملة هذه الجبابرة وصفا له زمانه حمل رعيته على 
أحسن طريق» وانقطعت قلوبهم مع بعد أوطانهم من خوفه إلى أن صار كل 
مسافر لا يحتاج في سفره إلى رفيق» وربما سافر عدة أيام وليس معه إلا 
زاده وبضاعته ولم يلق من يتعرض له في الطريق وامتدت قوافل المسافرين في 
جميع الآفاق. ولم تكن مدة حياته قبيلة من العرب تميل إلى النفاق. 


ولما ساعده القدر على مراده حط يكلكله على من أراد أن يكون من 
أضداده. وذلك أن جماعة من أكابر الحاضرة والقواد كانوا يريدون 
التنقص من أبهته. ويتطاولون إلى رتبته. والقدر يقول له أنت أمير دولتنا. 
تصرف بما أردت إنك بأعيننا. فرد عزمه إلى أهل البلد وبدا بأكبر قوادهم 
القائد عبد الله بن خوران وهو إذ ذاك قائد القواد فصادره واستصفى ذخائره 
وأمواله بعد ما كان منحرفاً عليه. فدخل في طاعته وجنى بين يديهء وممن 
كان يأنف من مقامه, ويأبى أن يكون من خدامه. الشيخ مصطفى شيخ 
الأندلس مكث عدة سنين في انحرافه وخلافه فأذاقه هواناً. وألبسه من 
ثياب الذل ألواناًء واستصفى جميع ما كان له ومات طريداً في غير وطله. 
وكذلك شيخ عرب طرود الشيخ صالح أخذه مثل ما أخد غيرء. ودمر ذكره 
واستصفى خيره. وتم له الأمر وما بقي له منازع في دولته.» وهلك عدة 
رؤساء ممن كانوا في خدمته. مثل الصنادلة الذين هم كتابه وأبى بي القاسم 
القفصي وعلي هوا كل هؤلاء من المخولين في نعمه لما كفروا بها أخذهم 
أخذة رابية واسترجع منهم ما كانوا اقتنوه من أمواله ولم يبق في المملكة 
إلا من كان مطاعاً له ويتصرف بأمره ويقف عند حده ونال سعادة لم يئلها 
أحد ممن تقدمه من الماضين» وجلس في رد تبة تضاهي رتبة بني أبي 


للها 


حفص وكان يعد من السلاطين» وتصرفت المملكة عن نهيه وأمره: ونال ما 
لم يئله أحد في دهره. 

ولما صفا له الوقت من أقرانه. وخلف كل أحد مشتغلاً بشأنه. نادى 
لأهل زمانه هل من مبارز فلما لم يجبه أحد حمل الدهر على كاهله 
وتصرف كيف شاءء والله سبحانه وتعالى يؤتي ملكه من يشاءء وكانت 
محاله السعيدة إذا خرجت كعادتها لم يكن لأهلها تعب .وكأنهم يتنزهون في 
العمالة والأموال تجبى بلا تعب وأكثر مغيبها خمسون يوماً. 

وهو أول من اتخذ قاضياً لمحلته كعادة بني أبي حفص واتحذ 
الكروصة لرفاهية السفر وغالب أحكامه لا تخرج عن أحكام الشرع إلاما 
تدعو إليه الضرورة من قمعم فساد أو سد ذريعة مما يستحكم بالقوانين 
وتخرجت من مواليه عدة زعماء لا يحصى عددهم كل واحد منهم يعد من 
الملوك وجاءته التشاريف الملوكية» والأوامر الخاقانية وطار صيته في البلاد 
الرومية» وبعث الهدايا الجليلة إلى الأعتاب السلطانية. وهاجر إلى حضرته 
العلماء والأدباء وجاءه كل طالب بر حتى من البلاد الحجازية. وانتشر ذكره 
في جميع الآفاق. وهادوه من مصر ومن الشام ومن العراق. 

ولما تم له ما أحب من دهره تاقت نفسه إلى الرتب الملكية؛ وأراد 
أن ينتظم في سلك الفرائد السلطانية» فطلب من الباب العالي منصب 
الباشويةء فبعث هدية حافلة لم يدخل من الغرب مثلها للديار الرومية, 
وعرضت على الحضرة العثمانية, فسيرت له الخلع الخاقانية» وكانت هديته 
في سنة ثمان وستين وألف صحبة ابن كلمان فكان يضرب بها المثل وبلغه 
التقليد في أواسط رجب من السنة نفسها ودخل إلى الحضرة بشعار 
السلطنة. وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً تباشرت به أهل البلاد وباشر الولاية 
على أكمل حال ولم تقع في أيامه مظلمة مثل ما كانت في زمان غيرهء 
وشمل -الناس بعدله وخخيره. ومدحته شعراء وقتهء وأثاب كد منهم عن قدر 
مرتبته. وتمشت المرتبات على أحسن حال وكان الناس في أيامه في هناء 
لم يروا مثله وأيامه عدت من حسنات الدهر تقبل الله منه سعيه وفعله. 


>33 


واستمر في منصب الباشوية إلى سنة ثلاث وسبعين وألف ثم بعث 
إلى الباب العالي واستعفى من المنصب وحمله فقبل منه وعفا عنه وكان 
خليفته بالبياب في رئبة عالية وله الشفاعات عند أهل الدولة وكل ذلك بهمة 
أستاذه وبعد انفصاله عن الباشوية طلب الراحة لنفسه وكان سابقاً تخلى عن 
جميع بلاده لأولاده وقسم بينهم المناصب فقدم ولده الأكبر مراد باي على 
المحال وخراجها وجعل بيد أخيه الذي يليه وهو أبو عبد الله محمد باي 
سنجق القيروان وسنجق سوسة والمنستير وصفاقس وجملة رعاياهم. 
والمذكور هوباشا زمانناء وسيأتي له خبر بعد هذا وقدم ولده 000 على 
مسنجق إفريقية وكلهم تسموا في حياته وتلقبوا بألقاب البايات وكل واحد 
منهم له صيت وسمعة ولم يخرج من الدنيا حتى رأى ما سره من بنيه وبني 
بنيه وتلقب بلو بنيه بالبايات في حياته.ء ولا زال متمادياً في أفعال البر 
والإحسان والأخذ بقلوب أهل العلم والصلاح ومن أصابته نائبة من أهل 
البلاد يلجأ إليه. فيأخذ بخواطرهم ويتجاوز عن هفواتهم؛ إلى أن لحق 
بالله تعالى وكانت وفاته رزءاً على أهل تونس سامحه الله بمنه وكرمه. 


ولنذكر نبذة من مآثره التي بقيت بعده على سبيل الاختصار ولو 
تتبعناها كلها لاحتاجت إلى مجموع مستقل فمنها تشييده منارة الجامع 
الأعظم ببناء ضخم وجعل في أعلاها درابز تقى المؤذنين الحر في الصيف 
والبرد في الشتاء وجعل رخامة تقابل الناظر إليها. ومزبور اسمه عليها. 
وتاريخ البناء بأبيات من إنشاء الأديب الشريف السوسي . 

ومنها الحنايا المجلوب عليها الماء من مسافة بعيدة من آبار قصة 
طاهى بها الحناية القديمة في ضخامة البناءء وأنفق عليها أموالاً لا تدخل 
تحت حصر وتمم بناءها في عدة سنين وأدخل ماءها إلى المدينة وفرقه في 
ازقتها وأوقف عليها أوقافاً للقيام بإصلاح ما يتعطل منها فانتفع بها الناس إلا 
إنها في هذا الوقت قت تعطل بعضها من شذة الفتن. 


ومن حسناته إنشاء المارستان بحومة العزافين وفيه عدة بيوت في 
أسفله واعلاه للمرضى وجعل له أوقافاً للقيام بلوازم الذين يحلون به منهم 


؟” 


وخدمة يخدمونهم وطبيباً ينظر في علاجهم وما يحتاجونٍ إليه من أشربة 
وأدوية ومن طعام وكسوة وفراش وغير ذلك وجعل له ناظراً ينظر في أوقافه 
وهو اليوم جار على أحسن أسلوب تقبل الله منه. 

ومن حسناته بناء الجامع الذي بإزاء تربة مقام الشيخ سيدي أحمد 
ابن عروس نفع الله به وكان موضعه دوراً فاشتراها من أربابها بثمن طابت 
نفوسهم به وبلغه شيء كثير وبناؤه في غاية الحسن والضخامة يحيث 
ير في المغرب أسر منه وضخامته تنبيء عن ضخامة بانيه وأوقف عليه أوقافا 
جليلة لإمامه وللمؤذنين والقراء وما يحتاج إليه وجعل فيه مدرساً للعلوم 
الشريفة وجعل إمامه من السادة الحنفية تقبل الله سعيه. وجعل فيه تربة 
بديعة وهي لم تكمل إلى اليوم ونقل إليها جئة والده وقبر هو بها ومن مات 
من أهل بيته وبقيت فيه أماكن لم تكمل إلى زماننا هذا قابله الله بإحسانه. 


ومن محبته فو الفعل الجميل ما سارت به الركبان افتكاكه المراكب 
التي أخذت للجزائريين من أيدي النصارى المرة بعد المرة بمال جزيل» 
وأنعم على المأسورين وكساهم وأحسن إليهم وصرفهم إلى بلادهم وعدة 
أسارى من سواهم بعث بطلبهم من بلاد الكفر وخلصهم. وكذلك 
إحسانه الذي كان لأهل القيروان في كل سنة يفرق بين ضعفائهم وأهل 
البيوتات منهم . 

ومن سخائه وعلو همته أنه سمحت نفسه في يوم واحد بما قيمته مائة 
ألف دينارء وهي الواقعة التي جرت بيئه وبين سليمان باي عند محاسبته 
إياه وأخذ منه الغلياطة والزندالة والسانية التي كانت لبني أبي حفص في 
رأس الطابية فسمح بالجميع لأحمد خوجة الذي كان سردار العسكر في 
ذلك الوقت. 


ومن الماثر التي بقيت من بعده ما أحياه من منازل باردو وشيد بها 
القباب الرفيعة وزاد على ما كانت عليه في أيام الحفصيين. فمن شاهدها 
حكم بعلو شبأنه على من تقدمه وكان موكبه بها كمواكب السلاطين ويحضر_ 


"34 


موكبه في سفره. وحضره جماعة من المغنين واللاهين والعلمساء 
والمتكلمين والشعراء والأدباء ويجلسون في مجلسه على طبقاتهم 3 
جوائز سنية ومرتبات سنوية تزيد على الخمسين ألفأ دون ما يتبعها من 

هدايا وملبوس», وهذا غير ما يصرفه في عساكره وإصلاح شأنه ا 
إليه أهل بيته وغلمانه وحشمه وأتباعه ومرتبات أجناده وهذا شيء لم يسمع 


به لأحد في إقليم المغرب. 


وبعث بصدقاته إلى الحرمين الشريفين وجاءته جماعه منهماء فأحسن 
إليهم وكان فضلاء الحضرة يحضرون محله وقت إقامته بتونس وجعل لأهل 
القيروان صدقة سنية وكان يميل ببره ورأفته عليهم ومن أهل سوسة من كان 
يفد إليه في غالب السنة. ونال وجاهة عنده مفتياها الشيخ أبو العباس 
أحمد عرف العبلي والشيخ أبو عبد الله محمد عرف العروي وهو شاعره 
ومادحه له فيه وفي ولده القصائد الطناتة. وكان أديب وقته وشاعره من غير 
مدافع. وكان يجله ويحسن إليه ويأنس به. وللشيخ المذكور ولد نجيب 
قدمه والده في حياته للفتيا وكان يروي مسند البخاري بحضرة والده في 
مجلس الباشا فى السنة التى مات فيها وقد ابتدأ به مرضه فكان يحضر 
الاستماع للتبرك بالحديث الشريف وبه ضعف وهذا من حسن نيته بحيث 
ختم عمره بهذا الختم الشريف. ختم الله له بخير الأعمال. وربما نأتي له 
بمحاسن أخر في غير هذا الموضع عند ذكرنا محاسن تونس وخاتمة هذا 
الكتاب إن شاء الله تعالى . 


ومات رحمه الله في شوال سنة ست وسبعين وألف وحمل على 
الأعناق وكان له مشهد عظيم ودفن في تربة والده في جامعه الذي بناه 
وكانت وفاته رزءاً في المدينة سامحه الله وعفا عنه. 
مراد باي 

ومنهم الأمير الضخم» وصاحب الفخر الأعمء قامع المتمردين من 
أهل الفسادء المرحوم برحمة الملك الجوادء أبو النصر مراد باي انفرد 


لها 


بتدبير الأوطان بعد وفاة والده المرحوم وكان تخلى له عنها في حياته ولما 
توفي والده تم له الآمر. 

وكان إصدراً من الصدور تام القامة بديع الشكل أشهل العينين واسع 
الصدر بعيداً ها بين المنكبين علامات الملك ظاهرة على شمائله من رأه 
أدركته هيبته منفردا بتدبيره لا يتكل على أحد فد تربى في نخوة الملك عن 
والده وله سطوة وصولة قامعاً للأعراب لم تقم لأحد منهم قائمة في أيامه 
متفقداً لأحوال رعيته قاهراً من عاداه, مهد البلاد كتمهيدٍ والده وأجرى 
الأمور على عأدته. يحب الصيد والقنص ومكابدة صهدات الخيل وهى 
عنده من أغنم الفرص». ولم تجر في أيامه حادئة تتكدر منها النفوس إلا 
الواقعة المشهورة التي يعبر عنها بواقعة الملاسين. والتي قبلها الواقعة في 
تغيير دولة شعبان خوجة لما أراد الله تعالى من تغيير النعم. وبهذه الواقعة 
انفتحت أبواب الفتن. 

وابتدأ أهل تونس الشدة والبأساء وصودروا بالمحن. ونذكر بعضهما 
على وجه الاختصارء وذلك أن الباي المذكور لم يكن له اهتمام إلا بأمور 
الرعايا التى في الأوطان. ومدبر المديئة وأهلها على مثل ها سبق هو 
الدولاتلي والمستولي في هذه المدة الحاج شعبان داي وقد تقدم ذكره فأغراه 
بعض الأعداء من أتباع الباي ومن كان تحت نظره. 


وقد سولت له نفسه أن يقوم مقامه فاتفق مع جماعة وحسنوا للداي 
المذكور ما لم يكن حسناً ولا راد لأمر الله واتفقت آراؤهم الفاسدة على 
الفتك به وذلك موجبة الحسد لما خوله الله من خيره وأطلع على ما أضمره 
من الشر وكتب إليه بعض أصدقائه بالخبرء فلما ثبت عنده ما أضمره رجع 
بمحلته كعادته. وكتم سره ولم يظهره إلا لمن يثق به من بطانته . 

ولما قرب من المدينة بمرحلة خرجت وجوه الناس كعادتهم إلى 
لقائهء وخرج ابن أحمد خوجة وأحمد بن القائد جعفر وهو أحد مماليكه 
وثبت عنده أنهما أصل الفتنة وهما اللذان أغريا الداي. فلما سلما عليه 
قبض عليهما ورجع بهما إلى محلته. فلما شعر الداي بذلك علم أنه 


للف 


المطلوب فبعث جماعة من أكابر دولته يعتذر إلى الباي وأنه ما أراد شيئاً 
وأنها أخبار كاذبة وحلف بأيمان والأمر تقرر بخلاف قوله. 


فلما وصلوا إلى المحله التقى بهم وأعلموه ما أرسلوا به له فأخبرهم 
بدلائل قاطعة فاتفق معهم على خلعه فخلعره بين يديه وقدموا هنالك من 
أراد وهو الحاج محمد منتشالي وبايعوه بين يديه ورجعوا به إلى تونس» 
وعند وصولهم القصبة دخلوا على الداي الحاج شعبان وخلعوه وأخرجوه 
وجلس منتشالي مكانه وكفاه الله شر ما أرادوى ودخل إلى حضرة تونس 
مؤيدا مجبورا فخافته نفوس أعدائه وتصرف في البلد بنفاذ الكلمة وتيسر له 
ما لم يتيسر لآبائه. وبعث بابن أحمد خوجة إلى بلد تستور وحبسه هناك 
ففر من محبسه وابن القائد جعفر أرسله إلى بلد الجريد فكان ذلك آخر 
العهد به. 

وهذه الواقعة سنة ثلاث وثمانين وألف ولما اطمأن بحضرته أحسن 
إلى وجره أهل الدولة وفرق فيهم أموالاً واستجلبهم وطيب خواطرهم 
واطمانت نفوسهم والتجأ إليه محسنهم. وخافه مسيثهم وتصرف كيف شاء 
ونفذت الأمور على ما أراد. 


وخرج في السنة المذكورة كعادته إلى بلد الجريد لجباية الخراج 
فجاءته الأخبار أن أهل طرابلس وعسكرها عصوا عن باشاهم وحاصروه في 
قلعتها إلى أن مات بهاء وأنه أوصى بأولاده إلى الباي المذكور فسار إلى 
طرابلس ليكشف الخبر فخرج إليه عسكر من طرابلس فأعذر إليهم 
وحذرهم وأنذرهم فأبوا إلا قتاله. فقاتلهم وقتل أكثرهم وأسر باقيهم فعفا 
عنهم. وجاءته مشائخ البلاد والمرابطون وطليوا منه أن يرجع عنهم ولا 
يتعرض لأحد بمكروه فقبل منهم ورجع إلى بلاده. 


داء فعجل لهم بدوائه, وذلك أن جماعة من العسكر زرع الله في قلوبهم الحسد 
على ما رزق من النعم. وأرادوا المكر به كما فعل الذين من قبلهم فقوبلوا 


ينف 


بالتقم. فاتفقوا في غيبته هذه ودخلوا لقصبة البلد على حين غفلة وخلعوا 
الذاي بها واجلسوا عوضه داياً آخر وهو الحاج علي لاز وقد مر ذكره 
وتعاقدوا بينهم على المكر بالبايات جميعاً ويوم فعلتهم كان يوم الثلاثاء وهو 
يوم دم وأول يوم من الحسومء فأيقنت أهل العقول بإراقة دمهم. وحكمت 
يحسمهم . 
ولما فعلوا ما فعلوا خخرج المكرم محمد باي ولحق بأخيه واتزر 
بعضهما ببعض ورجعا إلى بلد الزوارين من ناحية الكاف. وبعث الحاج 
علي لاز يخادعهما فلم يفده شيء فعند ذلك أمر ان تنهب ديار البايات 
فأخذوا من متاعهم ما قدروا عليه وصارت هرجة في المدينة,» وخرج إلى 
الباي جماعات ممن ينتمي إليه وكره الئاس هذه النازلة لما وقع بسببها من 
الفساد في المدينة واستعظموا الأمر. 
ولما فعلوا هذه الفعلة قدموا على أنفسهم محمد اغا وجعلوه مقام 
البايء وركب في الأسواق وطيف به وجلس في بعض منازلهم وأخذ يستعد 
لحربهم. وبعث إلى طائفة من العربان واستئصر بهم وخرج بمحلة ونزل 
بالملاسين وبه سميت واقعة الملاسين, وهو المكان الذي في طريق 
سيجوم فبعث إليهم الباي يجذرهم على فعلهم فلم يرجعوا عنه لأنهم جماعة 
من أشرار العسكر ورؤساؤهم لم تكن لهم عقول للتمييز» وغلبت أشرارهم 
5 فبعث الباي إليهم بعثا بعد بعث فكانوا يخرجون كل يوم إلى 
خارج البلد ويستنفرون معهم من هو على رأيهم وجاءتهمٍ مشايخ العربان 
وسخروا بهم وهونوا عليهم الامر وأخذوا منهم دراهم وثياباً على الرحيل» 
فلم يجدوا من يحملهم فلم تكن إلا أيام يسيرة حتى أقبل الباي إليهم 
بأجناده وزموله ونزل بمقربة من سيدي علي الحطاب ٠‏ وثأمب لقتالهم. فلما 
سمعوا به استنفروا بقية العسكر وخرجوا إلى المكان المذكور وأخرجوا 
مدافع كانت معدة لهم وتقدموا إلى مكان يعرف بعقبة الجزارء فطلعت 
عليهم الخيل من ناحية الباي وكان الباي في مراده إبقاء الحرب إلى غد 
فلما التقى الجمعان وتناوشوا القتال لم تكن إلا ساعة من نهار حتى ولوا 
على أعقابهم منهزمين. وأخذت مداقعهم وأمتعتهم وقتلت منهم مقتلة عظيمة 


4 


لم يسمع بمثلها فيما تقدم. ومن نجامنهم دخل المدينة والتجا إلى 
القصبة بقية الجماعة وأغلقوا عليهم الأبواب وتحصنوا يها. 

وهذه الواقعة كانت يوم الجمعة في النصف من صفر سنة خمس 
وثمانين وألف ومن غد أصبحت القصبة مغلقة الأبواب وأهل البلد في حيرة 
لم تكن في حساب». وعانتٍ الأعراب في أطراف البلاد وكان الخطب 
جليلاء ويوم الأحد قدموا دايا آخر وهو الحاج مامي جمل وبعثوا أكابر 
العسكر إلى الباي يعتذرون إليه فقبل منهم وأمرهم بإخراج المفسدين من 
بينهم فبعثوا إلى الجماعة المتحصنين بالقصبة فخادعرهم إلى أن 
أخرجوهم. ومشوا إلى زاوية الشيخ سيدي محرز فلم يغن عنهم فأخرجوا 
منها وقتلوا. وتتبع الباي كل من ركن إليهم ولافعالهم وقتل أكثرهم وما نجا 
إلا أقلهم واسترجع ما نهب من أمواله إلا ما قل. 

وهذه الطائفة فعلك الأوايد وأفسدت وخربت ولم يكن فيها 
صاحب عقل وكادت أن تخرب البلاد لولا أن تداركها الله بهذا النصر. وكانت 
هذه الواقعة عبرة لأهل العصر. وتدارك الباي المذكور أحوال البلاد فصرف عنها 
العرب الذين أتوا معه فردهم إلى أوطانهم وأمن الناس على ما بأيديهم. 
وكفى الله المؤمنين القتال وأقام بمنزله في باردو وأخذ يت يتتبع أهل الجنايات 
إلى أن أفنى بعضهم وأجلا بعضهم وكتب أوامر وبعثها مع ا من كبار 
العسكر إلى الباب العالي وجاءه الجواب على مقتضى مرادهء ومن 
هنا زادت صولته وعلت همته وسافر في سنته إلى افريقية كعادته والأمور 
الإحكامية تنفذ في الحضرة بأوامره ومشورته وزادت همته على من تقدمه 
من أبيه وجده. 

وفي هذه السنة أخذ أهل وسلات في الشقاق. وأعلنوا بالنفاق» وكان 
قد لجأ إليهم أبو القاسم الشوك, لأنه خاف من سطوة مراد باي لأنه تحقق 
عنده أنه كان ممن وانس عليهء وساعد بعض أعدائه سرا وكاتبه ومال إليه» 
فخاف على حشاشة نفسه. واعتصم بالجبل مع أبناء جنسهء لأآن هذه 
الواقعة المذكورة كشفت أحوال كثير من المفسدين. وأظهرت خفياتهم 
الباطنة ففعل بهم ما فعل بقوم آخرين» وكانت لها سمعة بين أهل البلاد 


لذفا 


الغربية» واتصل ذكرها بالبلاد الشرقية. وكانت مدحته على ذلك بقصيدة 
داليه فجاءت بسعادته على وفق المراد, وقرئثت بحضرته على المسامع 
الشريفة وحليتها باسم مراد, وهي أزيد من مائة بيت استوفيت فيها الواقعة 

من أولها إلى آخرها. وأظهرت أسمةه واسم أخيه وولديه وجعلتهما واسطتيٍ 
جواهرهاء وأول القصيدة من محاسن ما يذكر بين الناس. وها أنا أذكر شيئاً 
منها كما أذكر اسم الممدوح ولا بأسء أولها: 


زمان الصبا هل له أن يعاد 
وهل للشبيبة من رجعة 

وما زلت مستمراً في تغزلها 
وتخلصت إلى الممدوح بقولي: - 
ولله من عصية رفقتي 
يسائلني بعضهم في المسير 
ونطقته بعض ما في الضمير 
فقالوا نوم لبعض الملوك 
بتونس أنسها قدره 
أمير جيوش محال الهنا 
ننه هين لتك لشحينا 
إذا ما علا أظهر الصافنات 


ومنها: 


أيا ملكاً بين الملوك 
فلو عاش كسرى لهذا الزمان 


ومنها في ذكر ولديه النجيبين: 


محمد تحمد أوقاته 
هما كاليدين وكالمقلتين 


وإن كان ماضيه لا يستفاد 
تقابلني بعد ذاك البعاد 


وشكاية الدهر وما فعلت الأيام بأمثلها 


بعدم ركاب وعدم المزاد 
إلى أين قلت لقسم يراد 
وشاورت كلا على الانقراد 
فقلتكم أصبتم فهذا مراد 
فصارت كما قيل ذات العماد 
ورب الشنا لجميع البلاد 
وصورته عن ظهور الجياد 
يزحزح في الأرض صم الجماد 


وللضد والمال تفمف] أياد 


فلا تنس ذكر الكرام الجياد 
علي أخوه علي النجاد 
وكالنيرين لنفع العباد 


ولولا خوف الإطالة لأتيت بها عن آخرها. ومدحت بقصيدة لامية 
الأمير الأسعد أبا عبد الله محمد الحفصي وأتيت بما يليق بكل واحد منهم 
وحصلت الجائزة من الأخوين. جازاهما الله بثواب الدارين. ولكل واحد 
مأثر وحسنات تتلى. وكلهم مستحق المدح والمدح لهم أولىء والله تعالى 
هو المسؤول أن يذهب عن جميعهم الضير ويقيهم الآفات. ويلهمهم الرشد 
في الماضي والحال وما هو ات. 


ولنرجع إلى بقية أخبار المرحوم مراد باي. فلما تحقق عنده نفاق 
الجبل» أخذ في استعمال المكر به والحيل؛ وكاتب الشوك يخوفه ويحذره 
وهو متماد على تفاقه إلى سنة خمس وثمانين وألف حيث خخرج إليه 
بمحلتين عظيمتين واستنفر جمعاً عظيماً من أهل البلاد وخرج أخوه معه 
بمحلة من صبايحية ونازل الجبل وأداروا به من كل فج وبعثوا إلى أهله 
جماعة من الفقراء والمشائخ فلم يتفق لهم طاعة فعند ذلك أمر بقطع 
أشجارهم وضايق بهم الحصار إلى أن دهمهم وحل بدارهم ودخل الجبل 
عنوة وقطع منهم النخوة. وفر الشوك أمامه بعد قتال شديد. وقتل نفسه 
بيده وجيء برأسه وما ربك بظلام للعبيد. وكان هذا الفتح في شهر صفر 
من السئة المذكورة» ورجع بعساكره ومحلته المنصورة. 


ويوم دخوله إلى الحضرة عد من حسنات الأيام , وعام سعيد على 
أهل تونس يفتخرون به على الأعوام. ودخلت المحال على كرتين؛ وقسمها 
بين ابنيه الإثنين» دخل ولده الأكبر المولى محمد باي بالمحلة في أول 
يوم ومن غد دخل أخوه المولى علي باي. وهي أول محلة دخل بهاء 
وظهرت عليه ذلك اليوم مخائل الإمارة والبهاء ووقع للناس الفرجة في 
يومين. وعوذت الناس الأميرين الإثنين بثاني اثنين» ونشرت على رؤوسهما 
الأعلام الخاقانية وضره بت الطبول العثمانية. وكانت هذه الأيام من تمام 


السعادة. وبها ختمت حياته إلى أن ختم الله له بالسعادة. وهذه آخر 
سفراته» وآخر أيام حياته ولم تطل له الأيام من بعد. ونقدته من بين أقرانه 
والأيام مولعة بالنقد. 


لففا 


وتوفي بمنزله السعيد بباردو في العشر الأواخر من جماد الأولى سنة 
ست وثمانين وألف. وحمل على الأعناق وأدخل الحضرة ودفن في تربة 
أبيه وجده بجامعهم المشهور, وانفرد بعمله بعد ما كانت عامرة به المنازل 
والقصور وكانت جنازته حافلة وغلقت الأسواق وبكت عليه الناس» وبموته 
انفتح الحزق وجار على أهل البلد الشر والباس. عسى الله أن يرد كل 
خائف إلى مأمئه. ويلهم ولديه المتولي منهما إصلاح وطنه إنه مجيب 
الدعاء. 


ومن محاسنه. رحمه الله تعالى. إنشاؤه مسجداً ببلد باجة من أحسن 
المساجد وجعل إمامه من الطائفة الحنفية وأوقف عليه ما يحتاج إليه؛ 
وكذلك مدرسته بديعة الشكل عند باب الربع بمديئة تونس واشتهرت 
باسمه يقال لها المرادية» وبعضهم يقول لها مدرسة التوبة لانها كانت 
مسكناً للأجناد قبل بنائها ويقع فيها الفجوره فغير رسمها الأول وجعلها 
لتلاوة كتاب الله والعلم وبها إمام ومدرس وعدة بيوت للقاطنين بهاء ولهم 
مرتبات وأوقف عليها عدة حوانيت بإزائهاء وأوقافاً أخر بحيث تكمل جراية 
أهلها. وسئلت عن تاريخها فجاء بالجمل» مدرسة علم أثابه الله على ما 
فعل . 

ومن فخامة قدره. ما شاد بين الخافقين بذكره. الوليمة العظمى التي 
صنع لولده الأمجد مولى الفخر الجلي والقدر العلي. أبي الحسن المولى 
على ولأخيه حسن بايء أي أخحي مراد باي كانت من عجائب الدهرء 
وتذكرة لأهل العصرء ضاهى بها الولائم السابقة لأبيه. وأربى في التجمل 
كعادة أسلافه وزاد فيه» وكانت سنة ثمانين وألف واتفق الناس أنهم لم يروا 
مثلها إلا فيما سيق لأبيه وعليه الإجماع حصل. وعلموا أن هذا الفرع من 
ذلك الأصل. ختم الله لنا ولهم بالسعادة. وأثابهم الحسنى على صنيعهم 
الجميل وزيادة» إنه ولي ذلك والقادر عليه . 

ومن البايات الذين حصلت لهم الرئاسة وحصل الإجماع على 
تقديمهم إلى أن دخلتهم المنافسة فقاس كل واحد منهما ما قاسى . وهما الأميران 


يففا 


الأجلان الأخوان الشقيقان اللذان رضعا لبن السيادة من ثدي واحد. ولم 
يكن لذي عقل أن يفضل واحداً على واحدء إلا أن لله في خلقه أسرارء 
ويعلم ما جرحتم بالليل والنهار. ولولا قدر الله الذي سبق في علمه. لم 
يكن واحد منهما أن يتزحزح عن رتبته ورسمه. 

ولنات بنبذة مما وقع بينهما إلى أن منّ الله تعالى على أهل الحاضرة 
بمن صلح بينهماء وذلك يوم وفاة المرحوم مراد باي. كان ولده الأنجد أبو 
عبد الله محمد وهو أكبر ولده في المحلة كعادته لأن والده كان ينوبه في 
حياته وشقيقه أبو الحسن علي حاضر لوفاة والده. فلما سار إلى رحمة الله 
اتفق أهل الحل والعقد على تولية الإثنين لانهما كالنيرين ولا فرق بينهما 
ولا فضل لأحدهما في السياسة والتدبير. إلا كما يقال في المثل فضل 
الكبير على الصغير فسيروا له صحبة أخيه جماعة من أغوات العسكرء 
وصحبتهم خلع سلطانية وأوامر شريفة بولايتهما جميعاء وقرئت بالمحلة على 
العسكر ولبسا التشاريف وضربت الطبول ونشرت على رؤوسهما الأعلام 
الملوكية وتباشرت الناس بهذه الولاية المتجددة . 


فقام المكرم محمد باي بالأمر أحسن قيام. واستوفى خلاص رعيته 
على التمام, ونفذدت الأوامر على وفق مراد الأخوين. واستوفيا ما كان على 
الرعية من الدين. ورجعا إلى حضرتهما في شهر رجب من السنة. فلما 
قربا من المدينة خرج إليهما الناس على العادة للتسليم عليهما واجتمع 
يناي لابقع 1ف زلف لهجا كلا بالل تتفل بن وكادج أن كر 
فتنة لولا لطف الله ومن غد دخلا في موكبهما على العادة ولما حلا بدار 
عزهيا ا#تمل . التكرهوة. ينهم بالتمينةء. واظهيروا الكل : واخيد .متهما 
النصيحة. وأغروا بعضهما على بعض وكان بنيان الفتهما على أساس فأرادوا 
أن ينقض ففتح بينهما باب الفتن. 

وجرت بينهما مخاصمات في السر والعلن. وكل منهما يدعى أنه 
المبغي عليه. وأراد كل واحد منهما أن يعلم ما له وما عليه» وطلب 
المكرم محمد باي أن ينفرد بالأمر ما كان في زمن أبيه عليه. وطلب أخوه 


ويفا 


المكرم علي باي أن يكون مشاركاً له فيما لديهء وأبهى كل منهما أن يسلم 
الأمر لغيره فجرت بينهما مشاجرة وتخاصم. وأل أمرهما إلى التحاكم. 
وحضرا بالديوان المنصور وتنازعا بين يذي أكابر العسكر وكايد بعضهما 
بعضاً. 

واتفقا أن يسلما الأمر إلى عمهما الأكبر فرضيت جماعة أهل الديوان 
بذلك وقدموا عمهماء وجعلوا بيده التصرف في الحضرة والممالك فخلعت 
عليه خلع الولاية وركب بشعار السلطنة ونادى المنادي في البلد وأعلم 
الناس بولايته فجلس مجلس حكمه, وخرجت الأوامر باسمه. 


.مر اد باشا 


وهو الأمجد الأنجد المولى أبو عيد الله محمد الحفصي ابن المرحوم 
المولى أبي, عبد الله محمد الحفصي ابن المرحوم أبي عبد الله محمد 
باشا ابن المولى المرحوم برحمة الملك الجواد مولانا أبي الظفر مراد باشا 
غفر الله للجميع . 

ولما تم له الأمر أخذ في إصلاح شأنه وأنعم بالهبات والصلات على 
جميع من يستحق إحسانه فأنفت نفس المكرم محمد باي من تقديم عمه 
وكتم سره ولم يظهر لأحد خبره فعزم على الفرار من الحضرة ووافقه ابن 
عمته وبعض جماعته وغلمانه. وخرج إلى ظاهر البلد كعادته وأخذ متوجها 
إلى بلد الكاف أواخر شعبان سنة ست وثمانين فجد في سيره إلى أن بلغ 
الكاف. فكثرت في المدينة الأرجاف. وانقسم الناس واختلفت اراؤهم 
وأهواؤهم وتزايدت الأقاويل» واختلف القال والقيل. 


ولما حل بالكاف اجتمع إليه خلق كثير من كل الجهات فأئعم عليهم 
وأحسن إليهم واستخرج من ذخائر والده وانعم على وفده وتجهز لمحارية 
عمه , 


وكان من قدر الله أنه قبل خروجه من الحضرة أقبل الركب الحجازي 


نففا 


وشيخ الركب محرز بن هندة وكان من رجال الدولة في زمن الإلفة, فلما 
حدئت هذه الحوادث. خاف المولى الحفصي أن يتفاقم الأمر فحسم المادة 
بأن خلع نفسه ورد الأمر إلى حفيده. وبعث الشيخ المذكور إلى بلد الكاف 
لإصلاح ذات البين» فلما وصل الكاف حكم العداوة أكثر مما كانتت عليه 
وفي غيبته كثرت الأراجيف. وبقى أهل الأهواء في كر وفر وعظم على 
الناس الفتن وتسامعت أهل الحضرة أن الباي غزا من الكاف على باجة 
وأخذ منها ما يستعد به ثم غزا إلى ناحية القيروان وأخذ شيخ الزمالة 
أحمد الرقيعي وفتك به وأنه معول على المجيء إلى تونس لمحارية أخيه 


وعمه . 


المولى على باي ليجمعا أمرهما ووقعت هرجة في البلاد وفي أثناء ذلك 
رجع محرز بن هندة من الكاف فالتقى بهما وهون الأمر عليهما وذلك 
بخلاف ما في ضميره. فرجعا إلى البلد وخلف لهما العسكر أن لا يفضلوا 
أحداً على أحد ولكن عن مؤانسة من أكابرهم . 

ورجع محرز المذكور برسالة غير الأولى فزاد بمكيدته في تأكيد 
الشرء وترادفت الأخبار وتواتر أن الباي أقسم لا يدخل البلد وعمه فيها أو 
يفتك به وذلك في شهر رمضان المعظم من السنة فلما صح الخبر عند 
عمه كره إراقة الدماء بين الفريقين فعزم على الخروج من البلد وهيا مركباً 
حمل فيه ما يحتاج إليه وسلم ملكه ومتاعه وخرج بمن يليه وركب البحر 
من ناحية رادس ويوم خروجه تفتتت الاكباد. وتقطعت قلوب أح'به من أهل 
البلاد. وكان الهول عظيماً. والأمر جسيماً. ولا حول و قوة إلا بالله كيف" 
تفرق الشمل بعد التثامه. والعقد بعد نظامه. 

وهذا هو السبب في رحلته إلى الديار الرومية. والقدر يحمله إلى أن 
بلغ إلى الرتبة الملوكية؛ ورجع بشعار الباشوية إلى الديار التونسية» وقد مر 
له خبر قبل هذا في غير هذا المحل, ولما سمع حفيده بخروجه من 
الحضرة أقبل إلى البلاد؛ بمن صحبه من رؤساء وقواد. فخرج غالب الناس 


لقف 


إلى لقائه. وخرج أخوه مع من خرج فغض منه وأظهر له التنكر والحقد في 
باطنه أكثر وحل في منزله بباردو وجاءه الناس وهدتأوه. 


ثم وقع بينه وبين أخيه اتفاق على ما رضوه. ولم يتم ذلك والزمه 
الإقامة ببعض قصورهم خارج البلد وأن لا يدخل الحضرة في غيبته وتهياً 
بلد الجريد على العادة . 

وفي غيبته تقوى الطاعون بتونس ومات من أهل بيته جملة من 
أقاربه؛ وأخوه لم يحضر جنازة أحد منهم. وماتت زوجه ولم يحضر 
جنازتها. والأخبار واردة بما تغيرت منه النفوس وفي أثناء ذلك مات عمهما 
حسن باي ابن المرحوم محمد باشا فحضر المكرم علي باي في ذلك اليوم 
جنازته. وبعد أيام ظهر الخبر وذاع بين الناس أن المولى علي باي توجه 
إلى ناحية الغرب لسبب تحقق عنده وخخافه والله أعلم وسيأتي بعد. 


وأما المكرم محمد باي فاستخلص عادته من الجريد ورجع من هناك 
إلى إفريقية ورجعت المحلة إلى تونسء وزادت الأراجيف من أهل البلد 
واضطرمت نار الفتن» وخرجت المحلة “الصيفية من سئة سبع وثمانين 
لاستخلاص الوطن الإفريقي. وفي تلك الأيام وردت أخبار من الديار 
الرومية بأن عمهما وصل إليها ووردت أخبار آخر أضربنا عنهاء فرجع 
المكرم محمد باي إلى الحضرة واتفق مع أكابر الدولة بأنهم لا يقبلون 
أحداً من عمه وأخيه. ومال العسكر 0 قوله وعقدوا مجتشجراً بجامسع 
الزيتونة واتفقوا على كلمة واحدة. 

وفي اثناء ذلك جاء الخبر بأن المحلة التي للصبايحية وكانت قريبة 
من عمدون أخذها تابع المكرم علي باي. وهو القائد مصطفى سبنيول في 
عدد من الأعراب فخرج محيد باي من فوره من المسجد. وجِد في سيره 
ومن غد بعث برؤوس أعراب لتسكين الأحوال ولكن الأراجيف كل يوم 
تزداد. 


ولما فرغ من أمور إفريقية توجه من هناك إلى ناحية القيروان لأنه 


أشهفا 


بلغه نفاق وسلات فسار إليه بخيله ورجله وحاصره من كل جهاته. وبعث 
إلى أهل الجبل جماعة من المرابطين فرضوا بالطاعة وأداء المال فلم يقبل 
منهم إلا أن ينزلوا عند حكمه فخافوا من ذلك ورضوا بالموت في منازلهم. 
ثم بعث إلى الحضرة فأمدوه بعسكر ثان وذلك في شوال من سنة سبع 
وثمانين ورجع هو في أثناء ذلك إلى الحضرة واستحكم من العسكر بما 
أرادء وغالب العسكر ممتثل لأمره ونهيه منقاد إليه أحسن قياد ما منهم إلا 
من يفديه بنفسهء ورجع من فوره إلى محلته وتتابعت رسله إلى أهل الجبل 
ولم يتم له ما أراد. فعزم أن يستأصله من أوله إلى آخره فهيا له جموعه 
بعدما ترادفت عليه من كل الجهات. 


ودخل إلى الجبل من طرق شتى ودهم أهله يما لا قبل لهم به ولولا 
ها سبق في علم الله لجعله دكا. فلما توسط جل العسكر في الجبل ووقع 
الحرب بين الفريقين. وكادت أن تكون الدائرة على أهل الجبل. فكان من 
قضاء الله أن المكرم علي باي كان في الجبل بطائفة من جماعته. وكان 
قائد القائد مصطفى بكمين خارج الجبل فلما علم توسط العسكر في 
الجبل بادر هو إلى المحلة وكان بقي بها جماعة ليحرسوا الامتعة التي بها 
والدواب فأغار عليها من خارج الجبل وأخذ عدة من الخيل والجمال. وكاد 
أن يأتي على آخرها فحاربه من بها من العسكر ورموا عليه بالمدافع؛ 
وظهرت له في ذلك اليوم شجاعة وإقدام لم ير لأحد مثله حدث به من 
شاهده. 


فلما سمع من في الجبل من العسكر حس المدافع علموا بواقعة 
حدثت بعدهم فوجلت قلوبهم ودخلهم الرعب فقولوا منهزمين لا يلوي 
صديق على صديقه. ولا ينظر شقيق إلى شقيقه. فركب أهل الجبل 
أدبارهم وقتلوا منهم مقتلة لم يسمع بمثلها ولم ينج منهم إلا من وثق بأجله 
ومات غالب الرؤساء من مقدمي العسكر وخليفة الباي القائد محمد بن 
على وجماعة من فضلائهاء وكاد الباي أن يقع في المكروه لولا لطف الله 
به ونجا بنفسه وخلف المداقع التي دخل بها للجبل في مواضعهاء ورجع 


يشفا 


إلى الأخبية بمن نجا معه, ومن غد رجع إلى المدافع وأتى بها ورجع 
راحلاً إلى القيروان. 

وكادت هذه الواقعة تعد من الوقائع , وبها اتسع الخرق على الراقع . 
وكانت في دي القعدة من سنة صبع وثمانين وألف وردت الأخبار إلى 
الحضرة ولكن لن تشتهر والناس بين مصدق ومكذب. 

ثم بعث إلى العسكر يستنجل هم فأمدوه بعسكر ثالث ولكن لم 
يخرج إلا والفشل دب في أكثرهم وخامرهم الرعب. ولم تطمع نفوسهم 
بالنجاة إلى القيروان فلما وصلوا إلى من تبقى من أخوانهم من العسكر 
وسردارها محمد رايس عرف طاباق وقد مر ذكره عند ذكر الديات» كما 
سبق وقائده القائد مراد وبقي هو بمحلته وجاءه الخبر بأن أنخاه رحل من 
الجبل وأنه في جمع قليل فطمعت نفسه بلقائه فلحقه وظن أن ما أصابه 
إنما كان بأهل «الجبل» فجد السين :في .:طلبه إن أن لحقه بمكان: يعرف 
بسبيبة وكان يوم عيد الاضحى. والمكرم علي باي مقيم فلم يشعر إلا 
والخيل أقبلت وأخبرته أن أنخحاه قادم عليه فاستدرك أمره وهيا جمعه وذهمه 
أخوه بمن معه. وكان غالب من معه أدركهم التعب لعنف سيره والتحقوا 
إبلا كثيرة فأخذوا منها وبدأ النهب من العرب كعادتهم, فلما أمعنوا في 
حواري ا وممن كان في 
نجدته ذلك الس صهره وظهيره 2 ع لريب 2 سلطان بن متصووبن 
0 ساعة من نهار حتى هزموهم . 

وكان عسكر المحلة أدركه التعب فما وصلوا وبهم قوة» فلما رأوا 
المنهزمين نصبوا أخبيتهم وتحصنوا بهاء وبعث إليهم علي باي يأمرهم أن 
يدافعوا عن أنفسهم خيفة منه عليهم وقتل من الفريقين» وفر الباي بمن قدر 
معه. ورجمع إلى الكاف وغنم أصحاب الأمجد علي باي ما خلفه أخوه 
وعجز عن حمل وكان شيئاً مستكثراً لأنه رفع في وجهته هذه من الذخائر 
ما لا يوصف فملئثت أيدي العربان من المال والأمتعة. 


يفا 


ولما انفصل الحرب بعث إلى أكابر المحلة وأمنهم وسكن قلوبهم ثم 
بعث جماعة من أصحابه ممن يثق بهم إلى المحلة المتوجهة للجريد. 
فاستوثقوا بها وجبيت المجابي باسمه. ولما تيسر له هذا الفتح بعث بالخبر 
إلى تونس فكان وصول الخبر إليها يوم ثالث العيد فزاد الهول على أهل 
الدولة واختلفت آراؤهم ولم يفتح لهم باب إلى أن هيأوا جماعة من أكابر 
العسكر. وبعثوهم إلى المحلة وبعثوا جماعة من العلماء والمفتيين» فكان 
من أمرهم ما سبق ذكره من خلع الداي الحاج مامي جمل وتولية الحاج 
محمد بيشارة. 


واحتوى المكرم علي باي على منصبه وتصرفت الأمور عن إذنه وهذه 
آخر محلة خرجت في تصرف الأمير محمد وأول محلة دخلت في طاعة 
الأ تعر اول وله لتك متتته يياق ايند قت الرائمة ,متخينظا في 
الغمرات. طالبا أخذ الثارات» وأخوه مقابل له ني ذلك متعرض له 
حيث توجه من المسالك. وكل منهما له وقائع تذكر. وصولات وسطوات لا 
تنكر وتشكرء إلى أن أصلح الله ذات البين» وجمع كلمة الأخوين. بعد ما 
كان بينهما حرب ولا حرب الأخوين, عسى الله أن يقيهما الحوادث». ولا 
يدخل بينهما الث. إن شاء الله تعالى . 


علي باي 

ومن البايات الذين شاد ذكرهم في الأمصار. وانتشرت أعلامهم في 
هذه الديارء الأمير الشهير الأسد الضرغام. والبطل الهمام » صاحب القدر 
العلي أبو الحسن المولى علي. باي البلاد التونسية» والمتصنرف في 
المملكة الإفريقية. أحسن الله إليه. وأجرى الصالحات على يديهء» وهو 
الذي سار ذكره في الآفاق, وترئم الحداة باسمه وحلا ذكره بين بين الرفاق. 
رحل في رتبة المعالي في سماء العز وأشرق سناه شروق النيرين» وارتفع 
محله إلى أن صار قطب المملكة التونسيةوعلا وعلى محل السهى والفرقدين. 


وبلغ من السعادة ما لم يبلغه أبوه وجده. وبذل مهجته في طلب العلياء 


اخفا 


وركب الأهوال وساعده جده. وخاطر بنفسه في ركوب الأخطار. ولم يكل 
عزمه في طلب السرى وجد السير وركب الليل وامتطى النهارء وكافح 
الأبطال. وباشر النزال» ودخل وسط الحرب. وقابل الطعن والضرب. 
وهان عليه ركوب الأهوال. وأنفق الطارف والتليد والأموال. ولم يشح 
بروحه وإن كان غيره بها لم يسمح. وساس الأمور إلى أن دان له من جمح 
ومن لم يجمح. ولم يزل ممتطيا ظهور الصافنات في طلب الثارات إلى أن 
بلغ المرادء وجاءته السعادة منقادة لما يأمرها به وامتثلت لابن مراد. 
وتصرف في المملكة تصرف الملوك. وخضعت لدولته الأيام قائلة لله 
أبوك. 


تقف الأمراء إجلالاً لمهابته. وتخضع له الأسود خوفاً من سطوته 
وشهامته. كم أنار من حروب وباشرها إلى أن خضعت له الرقاب؛. وقارع 
الأبطال وقرع بابا لم يفتح لغيره وفئح له الباب. سرى في طلب العز 
كالهلال فعاد كبدر التمام,» واحتجب في سماء الهيجاء بين نجوم الأسنة 
وبروق البارق وظهر من تحت سحاب القتام. ونازعته نفسه في الرئبة 
الملوكية فقال أنا لها. واقتحم عظام الأمور إلى أن بلغها ونالها. فكم له 
من وقعات عجزت عن مثلها الأبطال وكم له من فتكات في أعدائه. 
عجزت عن مثلها الأبطال. كيف لا يحق له أن ينال مرامه وهو جالس في 
مكانه.» وكيف لمن لا يخاطر بروحه مخاطرته أن يعد من أقرانه. ورث 
السيادة عن آبائه وشيدها على ما كانت عليه؛ وإن جمحت عن غيره فقد 
جاءته منقادة بين يديه: وفي المثل: - بالسعود لا بالجدود ‏ وهذا جمع 
بين الإثنين وساعده الزمان مساعدة العبيد مواليها واقتضى ما كان له على 
الأيام من الدين. وفضله وقدره أكثر من أن يذكرء ومحاسن أيامه معلومة 
بين الناس فلا يحق لها أن تنكرء وإنما مد القلم لسانه لأنه وجد في هذا 
الميدان مجالء وإن كان يعد من الخرساء فقد انفتق وتمثل فقال: 


وقد وجدت مكان القول ذا سعة 2 فإن وجدت لساناً قائلا فقل 
وهذا الأمير مالك عنانئا وحاكم أوطائناء ومتصرف في زماننا. جمل 


>34 


الله بمحاسته الأيام» وجعل عليه كل نار حرب أضرمها أعداؤه برداً وسلاماً. 


وناتي بشيء من أخباره ونذكر شيئاً من آثاره. كان الله له وهو من 
الذين وضعوا لبان السيادةء وكان أبوه لا يفارقه حيث سار وهكذا جرت 
العادة. فكان يتخلق بأخلاق أبيه. إلى أن أذ الماء عن مجاريه وفيه 
سكينة ووقارء وتجنب عن العار.ء وبطش وشدة ولين وحدة وعقل رصين» 
وجانب متين: وثبات جنان, وكثرة إحسان, وكان والده يتفرس فيه الرئاسة 
وكذا كان. 

ولما قدر الله على والده الموت المحتوم كان حاضراً عنده وبلغني أنه 
دعا له بالخير ومات وهو راض عنه فقبل الله دعاءه فلم يزل في حفظ الله 
إلى أن بلغ مرامه. وكان من قدر الله على ما سبق في عمله أن يؤول الأمر 
إليه. وأرادوا خروجه عنه فجاءه الأمر إلى يديه. وما أحسن قول أبي 
دلامة: لما مدح المهدي وأخذ الكرامة: 

أتته الولاية منقادة إلييه تجرر أذيالها 

فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها 

ولو رامها أحد غيره لزلت الأرض زلزالها 

ولما قدر الله بإثارة الفتن كما سبق الخبر عنها في أول الفصل 
وخروج الأمر من يده وإلزامه الإقامة في منزله بمنزل عمرء وكان الطاعون 
في تلك الأيام ومات من أهل بيته جماعة وهوكالمحجور عليه وتواترت عليه 
الأخبار بما تشمئز منه النفوس» وكاتب بعضص أصدقائه وكاتبوه فكتم سره 
وعزم على الخروج من العمالة والقضاء يقول له: إنا رادوك إن شاء الله 
على أكمل حالة. 

وسافر في عدد يسيرء ورافقه من ختم الله له بالخير على هذا الأمر 
العسيره المر-نوم برحمة الملك الأوحدء الشلبي ابن يوسف داي أبو 
العباس أحمد. سقى الله ثراه من صوب الرحمة وساروا على غير الجادة 
ووقعت لهم في طريقهم أمورا ضربنا عنها لآن الخبر المأثور عنهم فيه 
الصحيح والسقيم . 


لكا 


ولما خلصهم الله من العدو الذي تعرض لهم ركبوا في البحر من 
مكان يعرف بمرسى الحرز. ومن العجب أن كيف حمل البحر المالح هذا 
العباب الفرات. وكيف علا فوقع الدر الفاخر إن هذه لإحدى المغريات. 
وسارت بهم المراكب وتلا القائل بسم الله مجراهاء إلى أن بلغوا ما منهم 
من بلد العناب فكان هئالك مرساهاء فتسامع به أهل البلد وحشر الناس 
ضحى إلى رؤيته وكان ذلك اليوم من أعجوبة الدهر عندهم ولقبه أهل 
البلد وأكرموا مثواه وقاباوه بما يستحقه. 


ومن هنالك أخذ في تمهيد أمره وبعث خاله إلى مدينة الجزائر لقصد 
نصرته. فكانت تربته وقبره والتحق به من كان ينسب إليه من رجال والده 
وأتته جماعة من ٠‏ أولاد سعيد وجمع غفير من دريد وتلاحقت به الناس » 
وتجمعت عليه الجموع وفرق الأموال في جميع الأجناس ووافقه باي 
الجزائر ووعده أن ينصره ولم يوف له وما النعين إلا قن عبد أنه بالضتر رن 
يشاء - إن ينصركم الله فلا غالب لكم. 

وجاءت محلة الجزائر إلى قريب من العمالة ورجعت. وأكثر 
المرجفون في المدينة بالأخبار التي ليس تحتها طائل. بحيث يقربونه مرة 
ويبعدونه أخرى وقد بعدت عنهم المراحل. وعاضده في غيبته هذه لما أراد 
الله مصاهرته لأكبر مشائخ العرب الشيخ سلطان بن منصور فتشرف الشيخ 
بمصاهرته هذا البطل. وسعد حيث دخل في سلك دولته إلى أن ضربت 
بسعادته المثل. 

والتحق به قائده القائد مصطفى سبنيول وهو من رجال دولتهء وفي 
أيام أبيه كان مقدماً على جماعة الصبايحية وتخرج بتربيته. وكذلك انتظم 
إليه الشيخ محمد ابن القائد حسن وأولاده. وهو من رجال العرب ودهاتهم 
وإن كان أصل أبيه من العجم إلا إنه ولد بين الإبل والخيل وتعلم نزال 
الفرسان ومقارعة الأبطال والغزو بالنهار والجرع بالليل وغير هؤلاء بشر 

فأول واقعة سمعنا بها في تونس أخذه لمحلة الصبايحية على يد قائده 


ذف 


القائد مصطفى سبئنيول وقد سبق خبرهاء ثم غزا غزوة ثانية إلى ناحية الكاف 
وساق إحدى الزمائل وسار بها كل ذلك والناس يستصغرون أمرهء ونار 
حربه أحرقت الإقليم وهم يكذبون خبره وبعث عدة أوراق إلى العسكر 
يعتذر ويحذر وينذر فلم يسمع له وكل من وجد ورقة من تلك الأوراق 
كتمهاء وذلك لما يريد به من نفاذ حكمه. وبعث إلى جبل وسلات فانقادوا 
إليه وأظهروا نفاقهم محبة فيه ولا زال أمره في صعود وكل يوم في إقبال 
إلى أن كانت الواقعة المذكورة قبل هذا عند كسره المحلة في الجبل 
المذكور وفك هناك كثيراً من الترك وفداهم بمال وعفا عنهم ولم يرد 
تعرضاً للعسكر بمكروه. 

ثم الطامة العظمى كسرت المحلة الثانية قريباً من سبيطلة بمنزلة 
المريقب يوم عيد الأاضحى سنة سبع وثمانين وألف وأخذ المحلة وعفا عن 
أهلها وأمنهم. وأتاه أكابر العسكر وبايعوه وأظهروا له الطاعة وهذه أول 
محلة نفذ أمره فيها وجاءت الأخبار إلى تونس ثالث العيد فطارت عقول 
أعدائه. وصار كل واحد منهم لا يعرف أرضه من سمائه. وخامر جل 
العسكر الفشل» واستولى على غيرهم الخوف والوجل» واشتغل كل من 
العوام بما لا يعنيه. ولكل امرىء منهم شأن يغنيه. وأتت المكاتيب من 
المحلة وأخبرت بما وقع وكانت في الحضرة هرجة عظيمة. 


واتفق أهل الحل والعقد أن بعثوا جماعة من أكابرهم وجماعة من 
أكابر البلد ومفتييها شيخ الإسلام الشيخ أبا عبد الله محمد عرف فتاتة شيخ 
مشائخ المالكية والشيخ أبا المحاسن يوسف درغوث مفتي مذهب السادات 
الحنفية, فلما وصلوا إلى الباي حفظهة الله عرف مقامهم وقابلهم بطلاقة 
وجه وأحسن نزلهم ومن معهم وأجرى لهم مؤونة, وقام بواجب حقهم ثم 
جمعهم وأكابر عسكرهم وعد عليهم ولامهم وحاججهم وقطع حجتهم 
وشهدوا له ذلك اليوم برجاحية العقل؛ لأنه كان في سابق الأمر لا يتعاطى 
شيئاً من المناصب لانه تحت حجر والده ولم يظهر منه تصرف بما 
يستحسن إلا ما كان يستحسن من خخلقته وخلقه وعقله زاده الله تماما على 


يننا 


الذي هو أحسن. ورفع قدره بين الرؤساء إلى أن ينال مراده ويتمكن, ولما 
اجتمع بفضلاء الحضرة اتفق معهم على خلع الحاج مامي جمل ومبايعة 
الحاج محمد بيشارة فبايعوه بالمحلة المذكورة في مكان يقال له باطن القرن 
قريب من القيروان. فرجعوا به إلى الحضرة وخلعوا الحاج مامي وجلس 
بيشارة في دار القصبة إلى أن كان من أمره ما تقدم . 


ثم إن الأمجد أبا الحسن علي باي رحل من هناك بعد أن كانت له 
واقعة مع القرويين أضربنا عنها وكانت سبباً لنفاقهم لما أراد الله لهم ورجع 
إلى أن 1 بالفحص وأقام به أياماً حتى تلاحق العسكر وجمع رأيه إلى 
التوجه إلى الكافء, فتزل 5 منه وبعث إلن تونس بطلب المداقع فسيروا 
له ما أراد وهنالك جمع جموعه وعساكره وقصد محاربة البلدء فنزل قريبا منه 
وركب المدافع عليه ورمى به وجعل العسكر نوبا في المتاريس ووقعت 
الحرب بينهماوأصابت المدافع أماكن من الحصار وكاد أن يتزعزع 
وتصدعت منه أماكن إلا إن الله تعالى جعل لكل شيء حدا. 


ومن قدر الله كان في العسكر جماعة لهم ميل إلى أخيه فبعثوا إليه 
يستنجدونه. وهونوا الأمر عليه وكان في ناحية 00 فجد في السير 
راجعا. ودخل إلى بلد الكاف ليلاً ومشت بينه وبين العسكر عدة أرسال 
واتفقوا معه ومكنوه من المحلة. وكان أبو الحسن ا شيءء من 
ذلك وكانت إقامته بمحلته الأخرى فلم يشعر والمدافع مالت إليه. والعسكر 
الذي كان معه صار عليه؛ ومال العسكر إلى أخيهء ووقع النهب في خيمه 
ومن يليه فطاح ما بيده ورحل من ساعته بجموعه وجنده وكر راجعاً إلى 
الجريد وكد في سيره خيفة أن تصل الأخبار إلى هنالك. 


ولما وصل لمدينة قفصة لم يظهر لاهل المحلة التي بها ما يرتابون 
منه وأمر برحيلها فرحلت وليس لأهلها علم بما وقع ورجع كعادته على 
الطريق الجادة وفشا الخبر بالمحلة وهرب منها أناس فلم يتم لهم مرادهم 
وأقبل إليه في وجهته جل مشائخ العربان مثل الشيخ أحمد بن نوير وجماعة 
من المحاميد والجمع الأعظم من نواجع دريد وشياطين العرب أولاد سعيد 


23414 


وسلطان العرب بخيله ورجله وجاءته الأحباب من كل فج عميق وأقبل 
بجمع لا يعلمه إلا الله. ولما قرب من القيروان أظهروا له الشر فلم يعبا 
بهم ووقع بعض مناوشة بينهم وبين جماعة من الصبايحية ورحل عنهم إلى 
أن نزل بالفحص والجموع تترادف إليه من كل مكان. 

ونرجع إلى خبر أخيه وقد تقدم أنه لما احتوى على المحلة وجدد. 
عهده مع أكابرها بعث الخبر إلى تونس فحين بلغ الخبر بمجردة؛ قام 
العسكر على ساق ومضوا إلى الحاج وكان مستترا في الزاوية فأخرجوه 
وطلعوا به إلى القصبة وأعادوه إلى منصبه وخلع بيشارة» وبعد أيام أمر بقتله 
وقد تقدم ذكره فيما سبق. ومن هنا بدأ التخالف وعظم الإرجاف وكثر 
الخلاف وتفرق الناس. ولم يبق للعقل قياس. وتبددت الآراء والعقول. 
وكل إنسان بما يختلج في صدره يقول, إلا إن غالب الناس على جهة 
واحدة ويتكلمون بكلام لا يحسن السكوت عليه ولا تصح به الفائدة وكل 
يوم تأتي أخبار ليس لها صحة في الخارج وترادفت وتزاحمت الأراجيف بما 
لا يعقل عند الداخل والخارج وبعث الداي جماعة من أصحابه ليأتوه 
بالخبر. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظرء ورفعت الأسعار وقطعت 
الأسفار. ووقع العسس بالليل والتهار. 

ولما زاد الوجل بأهل تونس أجمع رأيهم على إرسال جماعة من 
العلماء وأكابر المملكة من أهل البلد لإصلاح ذات البين» والجمع بين 
الأخوين. فغابوا مدة في ترددهم بين الإثنين» فرجعوا بخفي حنينء ولم 
يتم لهم الأمر الذي طلبوه. وكل من الأخوين طلب شيئا لم يساعده عليه 
أخوهء فلما رجعوا خائبين خاف الناس من نار الحرب التي وقودها الناس» 
وشياطين الأنس مشيدة لقصور الفتن وليس لبنيانهم أساس» وقام سوق 
الخوف من بعد الأمن» وانتشر النفاق في غالب الوطن. وقطعت الطرقات» 
وغلت الأقوات. وكل واحد من الفريقين يرجح من صاحبه بالكلام. ولم 
يبق لأهل تونس من العقل إلا قال قال والسلام» وهذا من أكبر أعاجيب 
الزمانٌ التي لم يقع مثلها والأخبار كل يوم متواترة بما ليس تحته طائل. 
والعسس في الأبواب كل يوم على الخارج والداخل. 


>346 


وجاءت الأخبار أن أبا الحسن علي باي قارب الفحص في جموعه 
والمحلة التي أتى بها من الجريد معه وبعث بهذا الخبر إلى تونس فلم 
يقبله أحد وبعثوا إلى من بالمحلة يأمرونهم بالهروب فهرب منهم جماعة . 
ولما سمع به أخوه تثاقل عن المجيء, ثم ثاب إليه رأيه وجمع جنع 
عظيما واستوثق من أهل محلته وجاء في نجدته الشيخ الحاج بن نصر 
وجماعته. وأقبل في عدد لا يعلمه إلا الله تعالى وجاءته الأخبار من العرب 
وهونوا عليه أمر أنميه فجد في السير إلى أن التقيا بالفحص. يقول من 
شاهد ذلك اليوم: رأيت من الفريقين ما يذهل العقل لما شاهدته من 
الفرسان ووقعت بإزاء شيخ يحرض الناس فعلمت أنه سلطان ورأيت من 
إقدام الباي أبي الحسن علي وهو ثابت الجنان. ويجول بين الفرسان. 
وقدمت العرب هوادجها كعادتها والتقى الجمعان وحملوا حملة رجل واحد 
فلم يقف أحد منهم ساعة واحدة إلا وقد رزق الله النصر إلى جماعة 
المعظم أبي الحسن علي باي؛ فغموا مغنماً عظيماً من الخيل والسلاح 
وهرب الحاج وجماعته وخلف امرأته قال من شاهدها وهي راكبة على بغل 
حين أتى بها عفا عنها وردها إلى صاحبها فلم يكن له ذكر بعد هذه 
الواقعة . 

ولما فتح الله هذا الفتح الغريب في الزمن القريس؛ وكان الحرب من 
الفريقين بين الخيالة ولم يكن للعسكر مدخل لأن المحلة التي جاءت من 
الجريد بعثها الباي علي إلى زغوان» وقال لهم أقيموا هنالك فإن كنتم لي 
رجعتم معي وإلا رجعتم إلى صاحبكم فحلفوا له فلم يقبل وكان سردار 
عسكرها محمد رايس عرف طاباق وقد تقدم ذكره والمحلة التي جاءت من 
الكاف كفاها إن منعت نفسها ونزلت بمكان عال وخندق عليها أهلها ومنع 
الباي علي من التعرض إليهاء ولما ارتفع الحرب بعث إلى أكابر المحلة 
فعدد ذنوبهم عليهم وكان ذلك آخر العهد بهم. ثم بعث إلى محلة زغوان 
فجاءته وبعث قائده مصطفى سبنيول إلى تونس وبلوك باشية ليخبروا بالواقع 
وهذه الواقعة كانت آخر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وألف. 


ولما جاءت خبار إلى تونس عظم البلاء وارتجفت قلوب الناس 


45مي > 


وكان الخطب جليلاً» وبعث قائده مصطفى فحاصر المدينة وضايق بها إلى 
أن أذعنوا له بالطاعة وبعث إليها سردار العسكر الداي محمد طاياق بعد ما 
بايعه بالمحلةء وقد مر خبره فيما مضى وطلع إلى إفريقية كعادته 
لاستخلاص وطنها وتمهيده وكانت له واقعة أخرى مع جموع أخيه كابن 
الحاج شيخ الحنانشة وأولاد أبي زيان وجماعتهم من دريد. ومعهم جموع 
من عرب إفريقية وغيرهم فكانت الطامة الكبرى ومات فيها الشيخ سلطان 
الحناشي لانهم دهموا عليه على غفلة عشية نهار؛ وباشر القتال بنفسه 
وكثرت عليه الجموع فطعن ومات ووقعت في عسكر أبي الحسن رجة لولا 
لطف الله به وثبات جاشه فبات على احتراس» ومن الغد اشتد الحرب 
واشتبك وزاد الخطب وصبر الفريقان صبراً لم يكن قبل ذلك اليوم ومات 
خلق كثير ووقعت الهزيمة على أولاد الشابي ومن معهم وغنم من أموالهم 
شيء كثيرء وملئت أيدي الأعراب ومن سواهم من الإبل والمتاع وكانت 
بمكان يقال له وادي تاسة وعدة من الوقائع التي يضرب بها المثل ورجع 
منصوراً إلى وطنه واستكمل مجباه وأحسن إلى الشيخ أحمد بن نوير ورده 
إلى بلاده فمات قبل أن يصل إلى وطنه قريبا من الحامة في معركة مع 
جنود محمد باي وأخذ غالب نجعه هناك. 

وفي هذه المدة كثرت الأراجيف بتونس وقيل أن الباي مات وأطلقت 
الأخبار الكاذبة واختبلت عقول الناس حتى إنهم كذبوا بالضروريات 
وصدقوا بالمحالات»؛ وبعد ذلك رده الله سالما إلى حضرته وصام بعض 
شهر رمضان فيها وخرج بمحلته الشتائية في آخر الشهر المذكور من هذه 
السنة وهي سنة ثمان وثمانين. وكان خروجه تحت السناجق كعادة ابائه 
وضربت البشائر وكان له زي عظيم وظهرت عليه مهابة الملك.ولم يكن 
خرج قبل ذلك اليوم على هذه الصورة فتبارك الله أحسن الخالقين على 
حسن خلقته وخلعته ولقد زانها حتى قلت فيه ذلك اليوم قصيدة مطلعها: 
بدر السما أم نور وجهك يزهر لما خحطرت بحليه تتبختر 
من سندس خلعت قلوب حواسد لكن بها أحبابكم تستبشر 
ما عاين الراؤون حسنك مشرقاً إلا وحقك هللوا أو كبّروا 


74 


وهي طويلة أضربت عنها عنها ولم تساعد الأقدار أن يسمعها وسار في 
وجهته هذه. ونزل على القيروان في آخر رمضان محاصراً لها ورمى عليها 
بالمدافع . ولولا أن العسكر كان 2 اختلاف لكان استأصلها لأنهم كانوا 
يقاتلون قتال تكلف بلا نية» وعيد عليها عيد الفطر عنهاء وذلك أنه جاءته 
الأخبار أن أخاه خالفه إلى بلاد الجريد فقصد الأهم وارتحل عن القيروان- 
ومن العجب أنه نازل القيروان وأقام عليها عدة أيام وأهلها يحلفون أنه مات 
وأن الذي بالمحلة غيره وهذا من أكبر الهذيان وشاهدنا بتونس ما هو أغرب 
من هذا نسأل الله تعالى أن يحفظ عقولنا ويلهمنا رشدنا. 


ثم توجه إلى بلاد الجريدء فوجد أخاه قد احتوى على كثبر منها 
وحصن حصار قفصة وشحنه فلما علم بقذومه فر أمامه ال الزاب» ودخل 
عدة مراحل في طليه فرجع من خلفه وحاصر من بالحصار المذكور وعمل 
له لغما فطلب من به الأمان فأمنهم واحتوى على الحصار وجعل فيه توبة 
من قبله . 


ولما أتم تشحينه واستكمل مجباه من بلاد الجريد كر راجعاً إلى 
الحضرة وكان اتصل به الخبر من الأعراب بأن أخاه قاصداً إلى تونس 
فبعث قائده مصطفى سبنيول في عسكر من الصبايحية لحراسة المديئة, 
فلم يغن شيئاً وكانت الطامة الكبرى التي لم يسمع بمثلها في بلاد المغرب 
وهي التي خرقت فيها الأبواب ونهبت" الأسواق وقامت الحرب على ساق 
ولقي أهل تونس فيها بلاء عظيماً وحوصر من بالقصبة وكانت الفتنة الكبرى 
وخرج جميع عسكر الحضرة إلى قتال أبي الحسن علي باي. وخرج في 
ذلك العسكر الداي الجديد ساقسلي وخرجوا بأموالهم وأولادهم ولم يبق 
منهم إلا القليل. وقد ذكرت هذه الواقعة في ترجمة الداي طاباق. 

واتصل الخبر بأبي الحسن علي باي. لطف الله به. في أثناء الطريق 
فجد في سيره وكان معه جمع عظيم وبعث إلى أكابر المحلة وأخبرهم 
بالقصة فحلفوا له على الموت فوعدهم بزيادة خخمسة نواصر ترقياً لكل 
واحد ورحل إلى أن قرب من الفحص فالتقى هنالك بالمحلة الخارجة من 


هخم 


تونس ومعها محلة من القيروان وغيرها من الكاف ومثلها من صفاقس 
وعربان اجتمعت معهم من الإقليم لا يعلم قدرهم إلا الله فالتقيا في أول 
المحرم من سنة تسع وثمانين وألف والتحم الحرب ورمى بعضهم على 
بعض بالمدافع والمكاحل وصادق بعضهم بعضا في القتال والتقت الخيل 
بالخيل واشتد البأس. وكثر المراس» وتقارب الصفان. واختلط الجمعان» 
وصارت كل محلة يقول أهلها نحن أخذناكم ب يعني أهل المحلة الأخرى. 
ولما اجتمع العسكران قالوا بكلمة واحدة ونكثوا أبمانهم وكان أبو الحسن 
علي باي بعيداً من الفريقين لموت أحد رجاله وخليفته في العسكر القائد 
مراد فأراد قتله فنجاه الله ومنع من بين ا و 
خديعتهم رجع على عقبه بمن معه من صبايحيته وزموله واجتمع العسكران 
وبعثوا إلى أخيه محمد باي وملكوا أمرهم فرحل بهم في إثر أخيه وقد 
انسحب أمامهم إلى مكان يعرف بالمتزل. 


فلما توسطوا به كر أبو الحسن بمن معه وتشجعت أصحابه وصادقوا 
في حملتهم فبددوا شملهم ومات من مات عن بينة وكان قدر الله آمراً 
محتوماً ومات خلق عظيم. ووقع القتال من عشية النهار إلى اللبل ولم ينج 
إلا من طال أجله ومن عاش أخذته العرب وغنموا منهم مغنماً لم يكن مثله 
فى السابق من ذهب وفضة وأثاث ما يجل عن الوصف. وكانت هذه 
الواقعة من أعظم وقائع أهل المغرب. 


ولما تم له ما تم أمر بقطع رؤوس القتلى وبعثها محمولة على 
الجمال. وكان يوم وصولها إلى تونس يوما أ مهولا وأغرب من هذا أن 
الرؤوس قبالة باب القصبة يشاهدونهاء والمرجفون يقولون ليس لذلك علم 
ولا أثر ومات ساقسلي أكبرهم ولم ينج إلا القليل ولا حول ولا قوة إلا بالله 
العلي العظيم» ولولا نفاذ ما سبق في علم الله لم تكن هذه الواقعة التي 
شاد خبرها في الثقلين. وأضرمت نار حربها بين العسكرين. واقتتلوا في 
محبة الأخوين, ولكن لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده 3 
الكتاب . 


546 


ثم جاءته رسل أهل القيروان يطلبون العفر قعفا عنهم ورحل ونزل 
قريباً منهم وأمنهم ولم يواخذهم بما فعلوا ما عدا ابن الشاطر الذي دعم 
أساس النفاق. وأجرى أهل القيروان على البغي والشقاق فإنه لم يعف 
عنه. ومات في سجنه وكر راجعاً إلى نونس وأخذه في طريقه مرض خيف 
0 منه فتداركه الله بلطفه ووصل إلى منزله بباردو وهو في أثناء مرضه 
واستبشر بقدومه أحبابه وفشا الخبر في البلد أنه مات. ولقد اتفق لي أني 
5 حاضراً يوم وصوله وعاينته بعين رأسي وسمعت ذلك اليوم رجلا يقول 
لآخر: إنه مات ودفن. فأخبرتهما بأني رأيته فحلفاني فحلفت لهما ولم أدر 
أصدقاني أم لا 

واتفق في تلك الأيام أن جاءته رسل من عند أخيه لقصد الصلح ولم 
يتم ذلك وبعد أيام يسيرة دخل إلى المدينة وعليه أثر الضعف ودخل إلى 
القصبة وحشر الناس إلى رؤيته وأطلقت البشائرء وكان وما مشهوداً عاينه 
فيه المحب الغال. والعدو القال. وعافاه الله من ذلك المرض ولله المنة. 


ثم استراح وخرج بمحلته الصيفية من السنة المذكورة لتحرك 
ا بإفريقية فعاجلهم قبل التثامهم وخلص مجباه كعادته ورجع إلى 
تونس قبل إبانه ليلتقي مع عمه لما أتى من الديار الرومية. مستوليا على 
منصب الباشوية. فجمع الله شملهما بعد الغربة؛ وتجدد فرحهما في هذه 
النوبة» وصاما بالحضرة شهر رمضان. وعيدا عيد الفطر في هناء وأمان. 
وحضرا للزينة التي وقعت في أول شوال من السنة المذكورة وقد سبق 
ذكرها وخرج قبل تمامها بيوم وتوجه إلى المنستير وقد استنفر إليها جمعاً 
من كل مكانء وكانت محلته قد سبقته بأيام فنزل قريبا منها وحاصرها 
وقطع ما قدر عليه من زيتونها وأشجارها وفعل بها الفاقرة. وكادت أن تكون 
له عليها الدائرة . 


لم وردت عليه الأخبار بأن أنخاه في جمع عظيم بإزاء جربة فاستدركه 
قبل أن يعيث في بلد الجريد فرحل من المنستير وتوجه إلى أخيه ففر 
أمامة ودخل الرمل فتبعه عدة مراحل ففاته ولم يلق قيداً ورجع إلى 


1 


الجريد فخلص مجباه على العادة ورحل عنها مؤيدا منصوراً وأخذ في 
رجعته على طريق صفاقس فشن غارته عليها وبعث الرعب إلى أهلها وأخذ 
جماعة من أهل البلد ممن خرج منها إلى بساتينهم على حين غفلة فعفا 
عنهم ولم يهرق دماءهم وكر راجعاً إلى وطنه ودخلت محلته إلى تونس في 
آخر صفر سنة تسعين؛ ولم يدخل معها وسار بمن معه من الأعراب 
والصبايحية إلى ناحية الغرب لأنه سمع بأخيه رج جع إلى تلك البلاد وخرجت 
طائفته في السنة المذكورة كمادتهاء وامتدت في 5 لخلاص مجباها وهو 
مقيم بعساكره من ناحية الحدادة لكيلا يأتيه من قبل أخيه شيء. 


واتصلت به الأخبار أن أهل توزر اختلفواٍ عليه وأخوه بنى بها حصاراً 
منيعاً وشحنه بما يحتاج إليهء فبعث إليهم مدا مع جماعة من الصبايحية 
فتلقتهم خيل أخيه هناك ومات ابن الجنان في تلك البعثة» ثم وجه 
محلة الشتاء مع خليفته القائد مراد والتفى بجموع لأخيه هنالك أيضاً 
وكانت بينهما واقعات وحروب انتصر القائد مراد فيها ونزل العسكر على 
البرج المذكورء وحاصره أياماً وجعلوا متاريس وصادقوهم القتال وحفروا 
تحته لغماً فهدم منه جانباً ودخله العسكر بالسيف. 


وجاءت الأخبار بأخذه إلى تونس واطلقت البشائر والمكابرون ينكرون 
ذلك كله ووصل الخبر إلى الأمجد أبي الحسن فرحل إلى الجريد واطلع 
على البلاد وهدتها وكمل مجباف. ورجع إلى ناحية المغرب ومن معه من 
العساكر أول سنة إحدى وتسعين وأقام قبلة أخيه ثلا يحدث حدثا في 
البلاد ونما إليه الخبر بأن جماعة من الأعراب من أهل إفريقية بعثوا إلى 
أخيهء فعاقب من قدر عليه منهم وسلبهم خيلهم وأقام بمن معه من العرب 
ومحلة الترك في ناحية الزوارين» وبعث إلى محلة الصيف فخرجت له قبل 
أوانها والثقت المحلتان هنالك واشتكى إليه العسكر من قلة ما بأيديهم 
فبعث إلى الحضرة يطلب الكتبة الموكلين بإعطاء المرتبات فساروا إليه 
ودفع لهم مرتباتهم في المحلةء ونصبت الأسواق في المحلة وجاء التجار 
والباعة من كل مكان وصارت عندهم أيام نزهة. 


للها 


وعزم في وجهته هذه أن ينازل بلد الكاف فبعث بالخبر إلى تونس 
بأن يرسلوا له المدافع وقرب من الكاف بجموعه ووقعت بينلهم مناوشة في 
الحرب في أيام وذلك أول ربيع الثاني سنة إحدى وتسعين وألف. وبعد ما 
خرجت محلة الصيف استنفر الحاكم الذي هو داي العسكر بالأمر الشديد 
وأرسلهم إلى الكاف نصرة وجاء الخبر إلى تونس أن الحرب وقع بين أهل 
الكاف وأصحاب المعظم أبي الحسن يوم الجمعة السادس والعشرين من 
ربيع الثاني . 
وبلغ الخبر إلى تونس أن المعظم أبا الحسن علي باي غزا يوم 
الأحد سادس ربيع الثاني أخاه. وكان قريباً منه فاحتوى على من كان معه 
ولم يفلت إلا القليل وأخذ شيخ النجع الذي معه وعفا عنه وأطلقت البشائر 
بتونس في السابع عشر منه وقعت الحرب بين أهل الكاف والعسكر وولت 
الهزيمة على العسكر. وجاء الخبر إلى تونس وفي الحادي والعشرين منه 
نادى المنادي في الحضرة من أراد مرتبه يمشي إلى الكاف نجدة لمن هناك 
من العسكر وتوقف المرتب ومنعوأ منه وحدد لهم الداي المذكور أن لا 
رجوع إلا لمن بيده تذكرة بطابع الباي علي فخرجت الناس أرسالاً وكان 
القتال بين أهل الكاف والعسكر عدة أيام ورحلوا عنه تاسع جمادى الأولى 
من السنة بعد القتال والحصار الشديد. 


وفي الثاني والعشرين من الشهر المذكور جاءت الرسل إلى تونس 
من قبل أهل الجزائر لقصد الصلح بعد ما التقوا مع الباي فأرسلهم إلى 
تونس فلم يقع بينهم اتفاق وقابلهم الداي بكلام جسن . وفي هذه الأيام 
صودر أهل المرتبات الذين تربصوا عن المسير إلى الكاف فمنعوا من 
مرتباتهم لقلة استماعهم . 

دفي أول رجب من السنة المذكورة خرج الباشا مغاضباً 00 
ومكث أياماً في منارة مرثاق. ثم توجه إلى الساحل وتعاطى خراجها ثم 
إلى القيروان واجتمعت إليه أولاد سعيد وغيرهم فكان في جمع 0 
وذلك أن أولاد سعيد أهل نفاق وشقاق جبلوا على خبث الطبيعة صاغراً عن 


لذ 


كابر وكانوا في زمن المرحوم برحمة الله محمد باشا في الحضيض الأوهد. 
حتى أن الرجل منهم ينتسب لليهودية. ولا ينتسب إلى السعيدية؛ ولم تقم 
لهم قائمة مدة حياته. وكذلك في أيام ولده من بعده إلى أن قدر الله تعالى 
بما سبق في علمه من إثارات الفتن كبرت شوكتهم ومالوا إلى باي الوقت 
فجابرهم ورفع منارهم فأحلهم البلاد وأطلق أيديهم فاكثروا قيها الفساد. 
وعائوا كيف شأؤوا وقطعوا الطريق ومنعوا الرقيق حتى صاروا لا يسلك أحد 
في طريق إلا ومعه منهم خبيرء وقاسموا أهل البلاد في غلاتهم وأخذوا ما 
قدروا عليه ولم يقدر أحد أن يقابلهم بشيء وتحكموا في غالب الإقليم 
وفعلوا ما لم تفعله الكفرة بالمسلمين. والباي مع ذلك معرض عنهم 
ويلاطفهم وبعض الأحيان يعنفهم ومع ذلك يزيد شرهم في كل يوم. 

ثبت عنده خبث طويتهم تربص بهم الدوائر وألغاهم وصار لا 
يلتفت إليهم. فظنوا أنه لا قدرة له عليهمء وأن ذلك عجز منه فاعتدوا 
وتمردوا وصاروا لا يلتقون به إلا أرسال خيفة منه إلى أن قدر الله تعالى 
بهلاكهم:. فلما توجه إلى الكاف كما قدمنا بعث إليهم يستنجدهم فثاقلوا 
عنه ولم يعبأوا به وتفرقوا في الوطن فمنهم من ذهب إلى الساحل وعاث 
فيه ومنهم من أقام بوطن الجزيرة بإزاء بلد سليمان. فوقعت بينهم وبين 
أهل البلد منازعة. فاقتتلوا ومات ابن الكراي هنالك لا رحمه الله فاشتدت 
حماستهم وضايقوا بالبلد وقتلوا من أهلها وأشرفوا على أخذها وحدثتهم 
أمانيهم الفاسدة بأن بعثوا للداي أن يبعث لهم نجدة من عسكر زواوه 
للاعانة على سليمان ومشت رسلهم للباي فمناهم دمرادهم وخادعهم 
ووعدهم بأخذ الدية. فزاد طمعهم, لعنهم الله فضايقوا على أهل سليمان 
فأحرج الداي نجدة من العسكر لأهل سليمان في السابع عشر من ربيع 
الثاني» وخرج من العسكر خلق كثير لقصد جهادهم لأن ضررهم أشد من 
ضرر النصارى فلما وصلهم الخبر بذلك رحلوا عن سليمان وجاءتهم 
الأخبار أن الباي عازم عليهم فانكسرت شوكتهم وتوجهوا إلى الساحل؛ 
وثبت عندهم أنهم إن وقعوا في يده لا يترك منهم أحداً فلما علموا 
بمغاضبة الباشا مالوا إليه وطمعوا فيما لديه فأرضاهم وساروا معه إلى 


>34 


القيروان واجتمع إليهم من يقول بقولهم إلى أن كان منهم ما سنذكره إن 
شاء الله تعالى . 

ولما وصل الخبر إلى الباي لطف الله به بأن العرب مجتمعون على 
عمه وأخيه وأن الحرب أضرمت نارها وتقوى شرارهاء بعث إلى الحضرة 
فعينوا له عسكراً وارتحل بزموله ومن معه إلى القيروان فالتقى بهم ووقعت 
الحرب بينهم ساعة من نهار فانهزم ذلك الجمع وهرب أولاد سعيد إلى 
ناحية المنستير ودخل الباشا إلى القيروان وقيل أن ذلك الجمع كان يقرب 
من عشرة آلاف فارسء» وأما الرجالة فلا تعد ولا تحصى ولا يعلم عددهم 
إلا الله تعالى وصرفت فيهم أموال جزيلة وكانت هذه الواقعة في العشر 
الأخيرة من شعبان سنة إحدى وتسعين وألف. والله يؤيد بنصره من يشاء. 


ورحل أبو الحسن علي باي من القيروان ونزل قريباً من المنستير وقد 
تحصن بها أخوه وأولاد سعيد وضايقهم بها إلى أن فنيت غالب إبلهم. ولم 
يجدوا إلى أين يكون ذهابهم ولما طال بهم الحصار وضاق خناقهم من 
شدة المحاصرة رجعوا إلى خداعهم وبعثوا جماعة يطلبون من الباي أن 
يرحل عنهم يسيراً لكي يخرجوا له وينزلوا على حكمه. إن شاء خدمهم 
واسترعاهم وزعموا أنهم مغلوبون من أخيهء وإن أظهروا الخروج على رضى 
منهم يعاقبهم ولم يخف عنه مكرهم فرحل عنهم ونزل قريبا من سوسة 
وأصل زحيله مما ضاقت البلاد على الجموع التي معه لأنه كان في أمم لا 
تحصى . 

فأقام هنالك بقية رمضان وأرسل إلى تونس لجماعة من فضلائها وذكر 
أسماءهم أن يتوجهوا إليه وحدثهم بمراده. وسمعت بعضهم يقول لله دره 
يعني الباي المذكور ما أجود ذهنه وما أقوى فراسته. وماذا عنده من حسن 
السياسة. وأنه ليقول قولوا كذا وإذا قال كذا أجيبوا بكذاء حتى كأنه مطلع 
على ما يختلج في الضمائر وهذا من إصابته في التدبير. ثم بعث بأناس 
دون أناس شح بهم أظهر أنه خاف عليهم من أن يعترضهم أحد في 
طريقهم بمكروه ولم يتم له ذلك. 


زلف 


وفي إقامته هنالك بعث أهل صفاقس له وطلبوا الأمان منه وأن يسلموا 
له مقاليدهم فأجابهم إلى ما طلبوه» وبعث معهم جماعة من أصحابه 
فسلموا البلد وهرب من كان بها من قبل أخيه وكفاه الله شرهم وعافاه من 
إهراق دمهم . 


وجاءت الأخبار إلى تونس وامتنع الداي أن يطلق المدافع كما جرت 
به العادة لأنه لم يأته كتاب من عند الباي. وأكثر المرجضون كعاتهم 
بالمكابرة» ثم بعد أيام جاءت أوامره وصح الخبر فاطلقت البشائر عند ذلك 
ورحل بعد العيد متوجهاً إلى القيروان فغلقوا الأبواب ولم يخرج إليه أحد 
فلم يتعرض لهم ونزل تحت جبل وسلات. 


وفي خامس شوال جاءت رسل الجزائريين إلى تونس مرة ثانية 
وأظهروا أنهم لم يكن لهم أرب إلا الصلح بين الأخوين وذاع في البلد أن 
قصدهم غير ما قالوه. وكثرت بين الناس الأقوال يالك أنهم نزلوا أولا عند 
الحدادة المعلومة» ثم جاء الخير أنهم دخلوا في الوطن وتسامعت أهل 
الحضرة فكرهوا ذلك. وبعض المفسدين 0 وبعث الداي إلى أشياخ 
البلد واستخبرهم على ما في ضمائرهم فقالوا له: نحن ندافع عن أنفسنا 
وأولادنا ولم تنرض بغير عسكرنا فشكرهم على قولهم وطلب من أهل باب 
السويقة أن يعطوه أناساً يكونون عنده رهتاء فاجابوه ولكن سلم الله ولو 
كانوا فعلوا ذلك لم يغن شيئاً. 


وجاءت الأخبار أن الباشا خرج من القيروان ولحق بأهل الجزائر 
ودخل بهم الوطن وأباحهم أن يأخذوا ما يحتاجون إليه من الروابط. 
وجاءت الأخبار أنهم بعثوا جماعة منهم إلى الكاف لأخذ المؤوئة وأنهم 
أرادوا الدخول إلى الحصار وأن يفتكوا يمن فيه فمنعهم كافل الحصار 
وفتكوا بأهل البلد وأظهروا فيها الفساد. وقد تقوى طمعهم في أخذ الكاف 
ومشت رسلهم إلى الباي وهو في منزله السابق فأجابهم بما رضييت به 
نفوسهم وقال لهم أنا قاصد إليكم ورحل وأخذهم معه كل ذلك والأخبار 
متواترة في الحضرة بكل إرجاف فمن مكثر ومقل. ولكل امرىء ما 


نالا 


ولولا ما سبق في علمه تعالى من جميل اللطف بعباده لدهمت أهل 
هذه البلد أمور مدهشة ويقاسون من الألم حتى يقول المار بها للقاطن تغير 
أسم بلدك عن المؤنسة. بل إنها هي الموحشة. ولما زاد الكرب بالناس» 
تداركهم الله بالفرج ولكن على غير قياس, لأن الأخبارالتي تصل إلينا عن 
حصانة الكاف شيء يحير العقل في توهمه وأنه جاء غصة في حلق البلاد. 
وكاد أن يكون عمالة مستقلة ولا أقرل كاد. ومن الناس من يقول يعجز عنه 
جميع العسكريين. وهو كالحاجز بين الوطئين. فكانوا يرون أنه إذا طال 
أمره تكثر الفتن. ويخرب الوطن. والله تعالى لطيف بعباده. والأمور جارية 


بحسب مراده. 


وفي الحادي والعشرين من شوال من سئة إحدى وتسعين جاءت 
الأخبار من الكاف ومكاتيب للداي من عند الحاكم فيه يطلب الغفو وبذل 
الطاعة. فأطلقت الندافع تلك الساعة وكان يوم مشهودا يعد من الأيام 
العظام وفشا في الناس الفرح وأمنوا ذلك اليوم على دمائهم وأموالهم 
وأولادهم . وفي. الثالث والعشرين منه جاءت الأوامر من عند الباي بذلك 
فصدق غالب الناس إلا ليلا منهم . 


وجاءت الأخبار بعد ذلك أن أهل الجزائر قهفروا إلى خلفهم لما 
سمعوا بالخبر وكان زعمهم أنهم يتحكمون عليه. وإذا حصل في أيدي 
صار لهم الوطن كله ووردت الأخبار أن الهمام أبا الحسن علي باي توجه 
إلى الزوارين وبعث عامله وجماعة معه إلى الكاف ولم يصل هو إليه وهذا 
من الغرائب. ورزانة العقل وثبات الجأش والرأي الصائب. فكأنه لم يكن 
له به اهتمام ولا قصدء ونازله هذا العام وذلك العام : والله إنه لمن الدهاة. 
ومن له الإصابة في الرأي والثبات. فالحمد لله الذي يسر له هذا الفتح 
الغريب. في الزمن القريب. ولولا غارة الله حفت به في جميع المواطن 
لما جاءه النصر. والعناية الربانية تعينه في مواطنيه كلها ولو دهمته أهل 
العصر. 


ولم تزل الأخبار في كل يوم تتواتر إلى سابع ذي القعدة جاء الخبر 


الذفا 


أن الباشا والباي اصطلحا ولم تأت المكاتيب من عند أحد. وبعد خمسة 
أيام جاءت الأوامر مخبرة بما وقع وقرئت في الديوان وسرت الناس. ومن 
الغد جاءت بلوكباشية بالخبر أيضا وأطلقت المدافع وأخبروا بأن الصلح 
وقع بينهم على التمام بما رضيت به نفوسهم بوفاء وأمان. وقيل لمن أراد 
الدخول بينهم بالفتن - قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. 


ولكن لم يحظ أحد بما وقع بينهم. وإنما هم أهل بيت جمعوا أمرهم 
بينهم وذهب عنهم إن شاء الله ترحهم وبينهم. وكانت أولاد سعيد التحقت 
بأهل الجزائر. وساعدهم عدد من المفسدين من القبائل والعشائر. وكادت 
أن تقوم الحرب بين الفريقين وأن تكون لها رجة تهز الثقلين. ومن الناس 
من يقول إنما جاؤوا للإصلاح بين الأخوين. ومن قائل يقول: إنما أرادوا 
حسم المادة من شر الأعرابف» وإنهم إن لم يتداركوا هذا الأمر يوشك أن 
يدخل عليهم الفتن من غير الباب ومن الناس من يقول أدركتهم حمية عن 
أيناء جنسهم وأنفة وبعضهم يقول لأمر ما جذع قصير أنفه. والله أعلم بحقائق 
الأمور. وما تخفيه الصدور. 


وعلى كل حال فلله جعل لكل شيء سببا والسر الخفي الذي جعل 
الصلح على يد سردار الجزائر واسمه حسن فكان هذا الإسم رزق السعادة 
من بركة دعاء النبي يك لما قال لولده الحسن عسى الله أن يجمع بولدي 
هذا بين فثتين عظيمتين فظهرت الإجابة في ولده في الزمن السابق وبقيت 
البركة في هذا الإسم فكان هو السبب في التثام الكلمة حتى صلح الله 
حال هذه الأمة وتدارك بلطفه أحوال العباد. وقام سوق الأمن بعد الخوف 
في جميع البلاد. وخمدت نار الحرب بعد إضرامهاء وبلغت كل نفس 
منيتها وفازت بمرامها , 

ولكن بعد ما بلغت النفوس التراق. واتصلت الحرب بالحرب خمسة 
أعوام متتابعة حتى قيل هل من راق. وكثرت العداوة بين البادي والحاضر 
وظن كل أحد أنه الفراق. وكم سيقت من نفوس إلى حتفها في عدة أيام 
وإلى ربك يومئذ المساق. وما قصر كل من الأخوين في طلبه لثأره. وقاوم 


يلذا 


كل واحد منهما صاحية في المحاربة. ورهى بئفسيه في الحرب واصطلى 
بناره. فكم تلفت من نفوس. وقطعت من “رؤوس. وكم أنفقوا من الأموال. 
وكم اتلفت دن رجال وأي رجال. وسمحت بين الإثنين أقوام بالنفوس 
وبالأموال النفائس. وسمعت عن حروبهما اهل المشرق والمغرب ما لم 
يسمع عن حروب الغبراء وداحس. وما منهما إلا من خاطر بنفسه في 
مقارعة الأبطال ومنازلة الفرسان وأدار رحى الحرب وعبست في وجهه 
الأسود عند اللقاء حتى قيل هذه حرب عبس وذبيان. ولم ينفك أحد منهما 
من حرب إلى حرب. وكم وقع في صدور الفرسان بالرمح والسيف من 
طعن ومن ضرب. وأظلمت الآفاق وقت النزال وارتفع القتام. وطلعت أسنة 
الرماح في سماء الهيجاء مطالع النجوم. ولاح برق الصوارم فارتقع الظلام . 
فالحمد لله على ذهاب هذه الغمة. وتجديد الإلفة بعد القطيعة باللطف من 
الله والرحمة. 


ولما شاع بين الناس ما وقع من الاتفاق واتصل اأءخبر بالداني 
والقاصي وتمشت الأخبار في الآفاق. استبشر الندس وكثرت ااخيرات 
ورخصت الأسعار ورفع الله الفتن. فتنعموا ز نعيم أهل الجنة وقالوا: الحمد 
لله الذي أذهب عنا الحزن واتصل الخبر إلينا ا التقيا ساعة من نهار. 
وسلم كل واحد لصاحبه ما طلبه الآخر بالرضا والاختيار. 


ومن هنالك توجه أبو عبد الله محمد باي إلى مدينة القيروان» وبقي 
أبو الحسن علي باي حتى أخحذ بخواطر أهل الجزائر ورجعوا إلي أوطاتهم » 
وأخذ يستجلب خواطر أولاد سعيد ويماكرهم. ورحل بهم أتباعاً له ليصلوا 
إلى وطنهم وفي ضمائره نار تتلظى من فعالهم الخبيثة. وأراد أن يجعل لهم 


1 بهم 7 الفحص ع طمأنيئة 00 9 يستاصلهم عن 0 
بعقن أعراتهم ١‏ من المفسطين: وأحاط بهم عند د ونزل ع 
فساء صباح المنذرين. فأنزل الله الرعب في قلوبهم وأخذوا أخذة رابية. 


144 


وتبدد شملهم ونهبت أموالهم فهل ترى لهم من باقية. وسبيت نساؤهم 
وبيعت أولادهم وحاق بهم مكرهم. وحل بهم من الهوان في السبي مالا 
رأته أباؤهم. ووصل الخبر إلى تونس يوم الأحد الثاني والعشرين من ذي 
القعدة سنة إحدى وتسعين وألف فاطلقت البشائر في الحضرة وفرح الناس 
بأخذهم كما يفرحون بأخذ الكفرة ولجأ أكثرهم إلى الاماكن التي تمنعهم 
من مساكن المرابطين» وقضي الأمر وقيل بعدا للقوم الظالمين ولم ينج من 
شياطينهم إلا من دخل تحت ثوب الغلس. أو من أخذ في رقعة ومنع 
بالنفس والفرس. عسى الله أن يقطع دابرهم من الأرض. ويسلط من 
بقي منهم بعضهم على بعض . 

ولما كمل الله لهذا الأمير بالتاييد والتصر. وصار ذكره خبراً لذوي 
أهل العصر. رحل من مكانه وتوجه إلى الجريد كعادته ونزل قريباً من 
القيروان واتفقت له أمور أضربنا عنها وتوجه من هنالك إلى قابس. وبعث 
محلته السلطانية كعادته ونزل قريبأ من جزيرة جربة. فصالح أهلها وأخذ 
في تمهيد من هنالك من رعيته وسار فيهم برفق وعاملهم بما في نفوسهم 
ونزل بإزاء الجبل لتسكين الفتنة التي وقعت به وهدن نفوس أهله ورجع إلى 
بقية ما له من المجابي في بلاد الجريد . ورجع إلى حفرته سالماً غائماً كما يريد. 


فلما قرب من القيروان خرج إليه أخوه لقصد السلام فعانق بعضهما 

بعضاً ورقت نفوس الناس عند النظر إليهما وافترقا ورجع كل واحد إلى 
مكانه وعزه وسلطانه. وقال سان حالهما هذه كرامة صرفها الله إلينا. وتلا 
قوله تعالى «أنا يوسف وهذا أخي قد من الله عليناا2'0# ورضي كل واحد 
منهما على ما اتفقا عليه. وتحكم في عمالته وأطلق ما شاء من يديه. 
- فالحمد لله على هذه النعمة وذهاب النحوس عن أهل الحضرة وإصلاح 

أحوال البلد وأتى الله بالرحمة. 

وانفرد أبو الحسن على باي بتدبير المحال السلطانية؛ وتصرفت . 
أحكامه في أهل الحضرة والرعية ونفذت أوامره في الإقليم كما يشاء. قل 


)١(‏ سورة يوسف» الآية رقم لت 


افا 


اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء ورجم إلى مستقره وأمنه وأموره 
جارية على الطريق المستقيم. ذلك الفضل من الله والله ذو الفضل 
العظيم. وكانت غيبته هذه ثلاثين شهرأًء ووصل إلى مستقر عزه يوم الثلاثاء 
ثالث ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وألف. 
وألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر 
وكان قبل وصوله بلغه الخبر بالواقعة التي كانت من قبل العسكر لما 
طالبوا الداي بأرزاقهم وكادت أن تكون فتنة في المدينة وغلقت الأسواق 
ومدوا السنتهم وأيديهم وقد مر سبب ذلك عند ذكر الداي المذكور 
وأضرمت نار الفتنة لولا تداركهم الله بمجيئه فهدن العسكر ولاطفهم 
وساسهم برأيه وأخمد نارهم وهذا من بعض لطف الله الخفي ونزل بمستقر 
عزه بباردو ولم يدخل إلى الحضرة. 
وفي أول جمادى الأول من السنة ابتدأ في إصلاح الوليمة التي ختن 
فيها أخاه وابن عمه وأراد أن يجعلها مختصرة فجاءت على وفق المراد, 
وأظهر فيها همته العلية والرتبة الملوكية. 
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرامها الأجسام 
واحتفل كعادة آبائه وهرعت الناس إلى التنزه والفرج وفتح الباب لهذه 
الوليمة فدخل لها الناس من باب الفرح والفرج. ونصبت الات السماع 
عربية وأعجمية وصنائسع المشعوذين» ومدت أسمطة الطعام للأكلين. 
والحلاوات والفواكه بالليل للمتنزهين. وكانت تعد من الأعمار ولا ينكر 
هذه الفعال لمن أمده الله بعنايته لأنه واياءه وأهل بيته كلهم ذووا شأن. وبر 
وإحسان. وهذا بنيانه في المعالي كبنيانهم. وبحره الزاخر في المكرمات 
وبحرك من جاعءه يا علي لم يقبل الدر إلا كبارا 
وحيث أتينا بهذه النبذة واكتفينا منها باليسير فإنها نقطة من بحرء 
وغرفة من نهر. وربما أعرب اليسير عن الكثيرء ولو تتبعنا جملة أخباره 
مفصلة لضاق بنا المجال, وعجز القلم في ميدان الطرس وما جال. 


0000 


وكيف تحصر أخبار من رقي إلى الرتب العلية بسيفه وجده. واحتوى 
على مفاخر وأضافها إلى مفاخر أبيه وجده؛ كم هزم من صفوف وكم انفق 
من ألوف. وكم من غارات أثارها. وكم من حرب أخمد ارهاء وكم باشر 
بنفسه من حروب,» وكم هيجاء باشرته بوجه قطوب وصبر في ساعة الحرب 
والنزال. وألقى بروحه إلى لقاء الأبطال. وصارت لوقائعه سيرة أغنت عن 
سيرة البطال. وإن قالوا عتترة الفرسان. قلنا لهم هذا عنترة هذا الزمان: 
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل 

وإن قدمت في أول الكتاب أخبار من سبقه من الملوك. فإني جعلته 
زمانناء والمتصرف في أوطاننا. والماسك لأزمة عنانناء ألهمه الله إلى طريق 
الخير والسداد. وجعل الرأفة والرحمة في قلبه لصلاح البلاد. وخلد عمله 
الصالح إلى يوم التناد. ولما طلع هذا البدر في سماء هذا المجموع. ثبت 
أن لا بد للكواكب من الطلوع. ولا بد للبدر من هالة ويراه الرائي على 
تلك الحالة» وهذا الأمير بدر الدولة إذا حل بموكبه. والهالة أصحابه 
ومواليه الحافون به. 

فمن الرؤساء القائمين بإصلاح دولته. والمساعدين له في فومته 
وقعدتهء والباذلين نفوسهم لنفسه. والصارفين همهم في يومه وأمسه. 
فمنهم المقتدي برأيه الصائب وعقله الثاقب. المشير والمستشير عند مقارعة 
الكتائب. أعجمي الأصل وعربي التربية واللسان الفارس النجيب محمد بن 
الحسن. وهو من أقرب أحبابه وأنصح أصحابه متخلق في لباسه وفي 
مواعده بأخلاق العرب. ومحافظ على إصلاح الدولة بحسن الأدب. تشهد 
العرب بذكاء عقله. وبمنازلة الحروب كأبيه من قبله. فهو عمدة وعدة. 
ويلجا لرأيه في كل شدة. وله لطف الله به أولاد يضرب بهم المثل. 
والشبل من الأسد ومن البطل البطل. 

ومنهم من يستخلفه في سفره. ولا يستغنى عنه في حضره. يقوم 
مقامه في محلته إذا غاب. وإذا حضر لازم خدمته وسد الباب. مولاه 


لضن 


وتربية نعماهء القائد مراد بن عبد الله رزقه الله تعالى رضاه. ورضى سيده 
ومولاه. وهو ممن تحبه الرعية لرفقه» وحسن نخلقه. وفيه لطافة ولين» 
وجانب متين . 

ومن مواليه من يعتمد عليه في الحضرة بأسراره . والمطلع على 
مكاتيبه الواردة بأخباره. الواقف عند باب الرؤساء وباب داره. القائد مراد 
أيضاً ابن عبد الله من رجال دولة أستاذه محافظ على الطاعة, وملازم 
للجماعة: وفيه تدين ومحبة للفقراء وأهل الصلاح» وله مشاركة في علم 
القوم يرجى له يبركتهم النجاح. هؤلاء أكبر مواليه وأقرب من يليه. 

ومنهم الفارس» والبطل الممارس» والمعتمد عليه في لقَاء الأعداء. 
الملازم لصهوات الخيل ولو طال المدا. الصابر على الغمرات إذا لقحت 
الحروب. والثابت الجنان إذا وجلت القلوب. القائد مصطفى سبنيول, 
وغير هؤلاء كثير لا يحضرني ذكرهم . 

ومن ذوي اليراعة والبراعة والآداب. جماعة من الكتاب. أكبرهم 
وأكرمهم نفسا الفقيه الأكمل النبيه. كاتب جده من قبل وكاتب أبيه. 
المتصرف في حسابات البلاد. وهو في هذا الفن وإصابة الرأي وتد من 
الأوتاد. صاحب الخط العجيب. والرأي المصيب. الزاهد في الدنيا 
وجودها عنده كالعدم . الوزير الأعظم . والفقيه الأفخم. والدستور الأكرم . 
صاحب العلم والقلم . ومنصف المظلوم ممن ظلم. جمال الإسلام 
والمسلمين. وأجمل الوزراء في العالمين. مهد الله تعالى به المملكة وشد 
أزرهاء ووصل أسباب الدولة وأعلى قدرها. كيف لا وهو صاحب تدبيرها 
والقائم بصلاح أمورهاء والحافل أمر صغيرها وكبيرها. من هو في الأرض 
ظل الرحمن. والمأمور بالعدل والإحسان. راجي غفران ربه الكريم. 
القاري بن القاري أحمد سليم» برد الله تعالى ضريحه. وأسكنه من 


بحبوحة الجنان فسيحه. امين. 
الفقيه عبد الرحمن بن أبي القاسم بن خلف. من ذرية أولياء ترجى له بركة 


لكا 


جده ورئها خلف عن سلف, وفيه حشمة ووقار. وتلاوة لكتاب الله 
ومحافظة للآثار. سدد الله حاله. وجعل الصالحات مأله. ومن الكتاب 
المعتمد عليهم في حسن الخطاب؛ والخط المتصرف في فون الآداب. 
الفقيه أبو عبد الله محمد عرف دحلاب. وكان قليل الاعتراف بالدنيا. 
هؤلاء من مشاهير الكتبة. سلمهم الله من كل نكبة. وغيرهم كثيرود. وما 
ذكرت هؤلاء الخدام إلا بياناً لشرف المخدوم . ولكي لا يظن الناظر فى 

هذه الأوراق أن هذه الدولة سدى. فلهذا أظهرت لكم علماً ليكون 7 


أمه هدى. 


ومن مشاهير الكتبة الفقيه الأورع المؤدب الكاتب البليغ صاحب 
الخط البديع الذي يضرب به المثل كابن مقلة وياقوت المعتصمين» 
وأنظارهما الفقيه محمد صدام عرف اليمني. 


ومنهم الكاتب المتقن أبو محفوظ محرز بن خلف حفيد الفقيه عبد 
الرحمن السابق الذكر. ومنهم الكاتب الفقيه محمد فارس. وله في علم 
الميقات ملكة وفيه نية وبلاهة وكانت بيني وبينه مطارحة في الشعر 
الملحون. وغير هؤلاء كثيرون. وإنما تعرف كل دولة برجالها. وتنصلح 
أمور الملك بإصلاح بطانته إذا أراد الله إصلاح حالهاء وهذه الدولة إن شاء 
الله تعالى حفت بالسعود. وأحيا بها الفرح في القصور المشيدة من باردر, 
وأخذ السعد في الصعود. والأيام ترفل في حلل شبابها كما يرفل صاحبها 
في شبابه» والنصر والظفر مصاحب له في ذهابه وإيابه. 

ولما طلع نور هذا البدر في سماء تلك القصورء. وتزينت تلك المئارة 
والقباب واحتفلت لفرح الطهور. وسمعت الناس أصوات المثالث والمثاني 
وطربت النفوسر, لما ترنمت ألحان المغاني فحنت ممن شاقه الطرب». وساقه 
الادب. فنظمت قصيدة وأشرت فيها إلى هذا الهناء. فإن أصبت فبسعادة 
الممدوح وإن لم أصب فمن أنا. والله تعالى يديم عزه وجنابه العلي . 
ويجعله كهفاً للملتجئين إليه ولمن يستغيث ولن يخيب من لجأ إلى حماه 
وقال: يا علي. وهذه القصيدة الموعود بها 


د 


أتاك هناء بالختان مشاب 
أقامك فوق النيرين فمن يرم 
فلا تخش كيدا من عدو فإنه 
علوت على دست الرئاسة يا على 
تباشرت الدنيا ببشرك في العلا 
وجددت بالدار الجديدة “مزسه] 
وبالقبة الحمراء عيشك يانع 
منازل أفراح لديك تجددت 
حللت بها كالبدر بين كواكب 
مفاخر عن جد بجد وعن أب 
وبابك مفتوح لقصد مكارم 
تهنا بهذا العز والدهر طيمٍ 
لك الله ما أبهى وأبهر سؤددا 
وإن كنت فى سن الشبيبة فالعدا 
وإنك بحر المكرمات لمن يرد 
لمن يرتجي عفوا لديك يناله 
إذا ما بدا بدر جمالك ضالماً 
ترفق فإن الرفق منك سجية 
فيأسك للأسد العرين مروع 
فكم من أعاد عن لقاك نحيروا 
وإن غرقوا في بحر بأسك فلتكن 
وإن جنت الأيام عنك فإنها 
فلا تبتشى من كيد ضد فإنما 
ولا زلت عن رتب السيادة والعلى 
وعمرك في عز وربعك عامر 
وذكرك ما بين المحافل ذائع 


وطالم سعد مقبل وشباب 
صعودا لمرقاه رماه شهاب 
وحقك: من سهم القضاء مصاب 
فطئها كما تبغى فأنت مشاب 
فكم كبد الجنا دفن تذاب 
سما عن بني حفص حضرت وعابوا 
يروقك منها سائغ وششراب 
تشرف منها مئزه وقباب 
ونورك باد ما عليه ضباب 
ورائة مجد ليس ذاك عجاب 
وقد سد عن نيل المكارم باب 
لديك وهاتيك الحواسد خخابوا 
لغيرك عندي لا تشد ركاب 
وحقك من صولات بأسك شابوا 
وغيرك فيه بلقسع وسراب 
وللضد يا نجل الكرام عذاب 
تمد إلى ذاك الجمال رقاب 
وإنك ما تدعو إليه يجاب 
وإنك في ذي الحالتين مهاب 
ولو مد ظفر من مطاه وناب 
وضاقت عليهم بيدة ورحاب 
نكال عليهم ما عليك عتاب 
أنابت وللجاني إليك متاب 
عليك من المولى الرؤوف حجاب 
ورأيك في كل الأمور صواب 
وعمر أعاديك البغاة خراب 
يغلى به لا زينب ورباب 


فخذ من ثنائي ما استطعت فإنه 
أقلد در المدح جيدك والنا 
فانت محل المدح إن جاء مادح 


بجهد مقل قد جفاه صحاب 
كما الدر في جيد الملاح سخاب 
وكل الذي قوق الدراب راب 


ولما ذكرت هذه القصيدة وأثبتها في هذا المحل وجب علي أن اثبت 
القصيدة التي مدحته بها يوم لبس الخلعة السلطانية, وخرج تحت الحاي 
الملوكية., وكان يوماً من أعجب الأيام . وطلع بين الصفين كالبدر من تحت 


الغمام . فقلت فيه: - 


بدر السما أم نور وجهك يزهر 
هي خلعة خلعت قلوب حواسد 
فأعجب لها من خلعة ديباجها 
حلل الجمال مع الجلال وزدنها 
ما عاين الراؤون حسنك يادياً 
تحت السناجق قد بدا لالاؤه 
يوم لبست المجد كان ثناؤه 
ما البدر في أفق السماء ونوره 
قاسوك بالشمس المنيرة يا علي 
لله سر في علاك وإنه 
ورأيت نعمانا 0 مشرقا 
وجه المزالة والغزال ولحظه 
ولقد رقيت من المعالي رتبة 
واستبشرت افاق تونس همذ بدا 
جر السحاب الذيل عن أرجائها 
من كان مثلك في الرئاسة معرقا 
الناس من ماء وطين أصلهم 
من جود الخال الزكي فلم يخب 
يا آل بيت شاد حسن صنيعكم 


رايكن 


يسبي العقول ونور وجهك أنور 
عن حسنها وجمال حسنك أبهر 
إلا وحقك هللوا أو كبروا 
نور على علم ووصفك أشهر 
بين الخلائق في المحافل يذكر 
بادي السناء فنور وجهك أبدر 
بين الكواكب في العلا تتبختر 
يا كامل الأوصاف سر مظهر 
أي من بها تلك الشقائق ملذر 
تحت البيارق غير أنك قسور 
الوصف بين الناس عنها يقصر 
سعد السعود على المنازل يقمر 
والرعد زمزم والحيا مستمطر 
لا عيب فيه إذ يقول ويفخر 
فأعجب لذاك وأصل مجدك عنبر 
نسلاً ومثلك بالرئاسة أجدر 
وروى ثناكم في البلاد المخبر 


الدهر منقاد لكم ما تأمروا 
طاب الزمان بكم وزان بفعلكم 
من قال تأثير الكواكب في الورى 
المجد مجدكم وعبد ركابكم 
عش يا علي في هنا مستقبل 
عطر الثنا يروي عليك ولم يكن 
الله أولاك البلاد فلم تزل 


طوعاً لديكم أوردوا أو قصروا 
كرمت أواخركم وطاب العنصر 
فالفعل منكم في النجوم يؤثر 
مهما فعلتم قللوا أو كثروا 
لا تختشي من دهرنا ما يحذر 
يوفي بحقك إن فخرك أعطر 
تنهي بما ترضى النفوس وتأمر 


وهذه القصيدة لم تعرض على سمعه الكريم وأثبتها هنا إضافة إلى 
ما لي وعسى أن نثبت غيرها فيما يستقبل وتقدمت لي قصيدة أخرى وهي 


وهي هذه: 5 


وئثقت بنصر الله نم لك النصر 
علي علوت الداس قدراً ورفعة 
فجدك منصرر وأنت مؤيد 
وإن مكر الأعدا بسوء فعالهم 
وما عذرهم والعفو منك سجية 
ألما يروا في يوم وسلات ما جرى 
وحجر سبيب في سبيبة قادهم 
وقد غرست أوراقهم بعروسة 
لك الله كم تعفر قبيح فعالهم 
فلا سيف إلا ما هززت ولا فتى 
ويوم التقى الصفان يوم محجل 
بعثت لهم بالرعب كل كتيية 
وجيش خميس بالكماة تمذه 
على صافنات من جياد سوابق 


وعند احتباك العسر جاملك اليسر 
تساعدك الدنيا ويخدمك الدهر 
وربك فعال وقد قضي الأمر 
فصاحب مكر السوء حل به المكر 
أكان نهار الكاف في غدرهم عذر 
فلن «طيخره او كان مبتغير لطر 
إلى أسرهم والعفو من به الحر 
وبعد عروس لا يكون لهم عطر 
وليس لهم عما مننت به شكر 
حرويا فلا زيد هناك ولا عمرو 
سواك لها يرجى إذا صعب الأمر 
فاوله حشر وآخسره نشر 
طيورا تؤم الحرب يقدمهم صفر 
على الأرض يمشي ليس يحمله البحر 
قوادمها شهب لواحقها شقر 


لحان 


رأوا عجباً ما يذهل العقل دونه 
سماء قتام والنجوم أسئة 
فووا جيارى: زالككانا موابع 
وقد وردوا حوض الردى بصدودهم 
كتبت بهندي خطوطاً وأعجمت 
فأمسوا سكارى هن كؤوس منية 
وكم هارب تحت الظلام بروحه 
يود ظلام الليل مد رواقه 
وفرق بين الهام والجسد الذي 
وإن بكت الخنساء عن فقد صخرها 
تقاسمت الأفعال منك ومنهم 
وكم نظموا كيداً فلم يفن عنهم 
علي همام زاده الله رفعة 
تراه إذا ما جنته في مهمة 
عليه من المرحمن كل تحية 
ولا زال أهلا للمحخامد والنا 


وإن كان جل القوم ليس لهم حجر 
بوارقها برق أهلتها البشر 
تمر بهم زحفا وقد قصر العمر 
بخطيها والنقط يقبله السطر 
منفعة في السم نكهتها الخمر 
ولا عجب للرأس مال به السكر 
واخر ملقى في جوارحه بتر 
إلى أحد من عظم روعته قطر 
وظل على الآفاق ليس له فجر 
تكنفها رمي وفارقه الستر 
زمانً فعنهم ناحباً كم بكى الصخر 
فمنك لهم روع ومنهم لك العمر 
إذا كنت ممن شأنه النظم والنثر 
إمام مقام في علاه سرى البدر 
وباي بلاد الغرب واتضح الأمر 
يلوح على مرأى محاسئه البشر 
تمد بأعوام ويتبعها الدهر 
وفيه وفي علياه ينتظم الشعر 


وهي قصيدة طويلة ولكن اقتصرنا على بعضها. وما قضى الله تعالى 
ويسر بالسعادة عرضت على مسامعه ما أمليته من بعض محاسته ومحاسن 
أبيه وجده ولم يكن لي فضل فيما جمعته إلا أني التقطث الجواهر من 
بحرهم» ونظمته في سلك الأماجد الذين من قبلهم. وإن كان لهم التقدم 
بالسابقية فإن في الخمر معنى ليس في العنب وإن كنت ممن ليس له يد 
بهذه الصناعة. وأتيت إلى سوق فضله بهذه المزجاة من البضاعة. فقبلها 
بقبول حسن. جعله الله في بركات سميه أبي الحسن. فغمرني بفضله 
وإحسانه. وأجازني جائزتين بيده ولسانه. وما عسى أن أقول في من ألهمه 


ب 


الله لتدبير الرعاياء وأجرى على يديه الأحكام والعطايا. أصلح الله حاله في 
دنياه واخرته. واتاه كقلين من رحمته. 

ولما عزم ركابه الشريف على التوجه بالمحلة كعادته ابتدأ بزيارة 
الزوايا للتبرك كعادة أبيه وجده. فزار الشيخ سيدي محرز بن خلف والشيخ 
سيدي أبا الفاسم الجليزي والسيدة عائشة المنوبية وطلع لجبل الجلاز 
وصعد لمقام الشيخ سيدي أبي الحسن الشاذلي على أقدامه. تقبل الله 
سعيه وزار عدة أماكن أخخر وأحسن إلى أهلها وبعث لعدة مشائخ 
بالإحسان. ثم رجع إلى منزله بباردو 

وأول جمعة من رجب الاصم دخل إلى تونس وزار الشيخ سيدي 
أحمد ابن عروس؛ وصلى الجمعة بالجامع الأعظم وعند انفصاله خرج إلى 
زيارة والده وتطاولت الأعناق لرؤيته فأدى حق الزيارة ودخل إلى دار سكنى 
أبيه وجده. وجاءه حاكم الوقت إلى مكانه فقضى حقه بالتسليم ثم عاد إلى 
منزله بباردوء ويوم الأحد ثالث رجب توجه إلى القنطرة وأقام بها ثلانا. 

ومن هناك سافر إلى عمله أعاده الله سالماً. وحيث ذكرت القنطرة 
وجب أن نذكر بعض محاسنها لأنها من المتنزهات الغريبة في الإقليم الإفريقي 

وهذه القنطرة من بناء جده الإمام المرحوم برحمة الله تعالى 56 
الخيرات والصدقات أبي المحاسن يوسف داي رحمه الله بناها من 
ماله احتساباً لله لينتفع المسلمون بها وأنفق عليها أموالاً جمةء وكان بنازها 


سنة خمس وعشرين والف فجاءت من أحسن ما يكون وجعل بها أرحاء 
تدور بالماء وبنى بها برجا لطيقا. 


ولما سار إلى رحمة ربه تولع بها خادمه نصر الطواشي فزاد فيها عدة 
بساتين» ومن بعده تولع بها المرحوم أحمد شلبي وشيد فيها المنارة الرفيعة 
واهتم بها غاية الاهتمام حتى جاءت صنع الله. ولما سار إلى رحمة ربه 
ووقعت الفتن كاد أن يتلاشى حالها فتداركها بعزمه وحزمه المكرم علي باي 
فزادت محاسنها على ما كانت عليه. وصارت من الأماكن التي يضرب بها 
المثل. وغدت أحسن مما كانت قبل. فلو نظرها بديع مراكش لقلنا له انت 


4 


بدعة وهذا هو البديع. وإن شمخ إيوان كسرى فإنه تهدم وعلا هذا البنيان 
الرفيع. وإن فخر النعمان بن المنذر ببناء الخورنق والسديرء قلنا هذه 
القنطرة ومنازهها والوادي والغدير. كيف لا تفتخر هذه البقعة وهي ذات 
المنازه والقباب التى حيطانها ذات العماد. وشيدت معالمها وتزخرفت 
بالنقوش المذهبة حتى قيل لم يخلق مثلها في البلاد. وصنعت العجائب 
على حافتي الوادي. وجاءه طائعاً فتياً لثمود الذين جابوا الصخر بالوادي. 
وبكت حمامة بدموع نواعرها وزاد حنينها لما صارت أختها بالغرب. ودارت 
دوائر نواعرها -وفقدت قلبها فهي تدور على القلب. وكان هذا الدولاب 
الذي أحدث بالقنطرة على طابع مجردة أحسن مما عمل في حماه وأولى . 

وإن كانت نواعير حماه أسبق بالزمان فالآخرة خير لك من الأولى . 
وهذه الأبنية التي 2 تمت محاسنها تذهب عن قلب ناظرها الوحشة. فلو راها 
أنو شروان لقال لصاحبها أنت أنا وهذه قصور الدهشة. فمن نظر إلى تلك 
التمائيل المصورة حكم بذوقه أن ليس لها مثيل. ومن يرد الإكثار في 
وصفها فعليه بالقال والقيل. وبهاء فردوسها يشوق ناظره إلى فردوس الجنة. 
وبه من الفواكه العجيبة ما لا يوصف وذلك فضل الله يوّتيه من يشاء وله 
الفضل والمنة. ولقد تنزهت في تلك المحاسن. ونظرت إلى عذب الماء 
الذي هو غير اسن. وقد جرت جداوله ودخلت البستان فدخلت مروجاً 
وتطلعت إلى البرج العالي المطل عليه فتلوت تبارك الذي جعل في السماء 
بروجا. ونظرت إلى الكشك الذي في صدر الإيوانز وهو مطل على 
الخليج . فعاينت من نقوشه وصناعته التي أوتيت من كل حسن بهيج » 
فجعلت فيه عدة أبيات تحسن أن تكون تاريخاً لمحاسنهاء وتفاءلت بالسعد 
في مصارع التاريخ وهو طلع السعد لساكلها. فقلت: - 


فردوس قنطرة يا طيب الأرج تبارك الله عن ذي المنظر البهج 
وبرجك الضخم كالإيوان نشأته والكشك في البرج كالإيوان للفرج 
إن حل في الصدر صدر الملك قلت له لقد حللت بصدر غير ذي حرج 


وعدد التاريخ في المصراع الأخير وهو قد جاءك السعد في العالي 


الى 


من البرج - وهذا دليل السعد إن شاء الله تعالى ولا بأس بإيراد هذه 
القصيدة ليجتمع كل قريب بأقاربه وتكون بتمامها إن شاء الله تعالى مفيدة 


وهي هله. 
فردوس قنطرة يا طيب الأرج 
وبرجك الضخم كالإيوان نشأته 
إن حل في الصدر صدر الملك قلت له 
وشاهق في علاه مثل سيده 
سماءه ذهب حيطانه عجب 
سعادة بسعيد الملك قارنها 
بهمة من همام فيض راحته 
وقبة الملك قد شدت دعائمها 
جاءت كذات عماد في محاسنها 
0 البلاد علي القدر واحدها 
شع لم تدع ب لناظرها 
يشوق للخلد من ينظر عجائبها 
كل المحاس: قد اتقنت صاعتها 
إن جاءها ليسلي القلب قاصدها 
ويسرح الطرف في مرأى بدائعها 
والنهر يجري إلى الدولاب منعطقاً 
وصوت دولابه في حسه نغم 
وحافة النهر إن مر النسيم بها 
والروض لما تحيا بالصبا عبقت 
ومنية النفس ملء العين رؤيته 
يا أيها الملك الميمون طلعته 
تبارك الله عن لفظ يؤرخها 


تبارك الله عن ذي المنظر البهج 
والكشك في الصدر كالإيوان للفرج 
لقد حللت بصدر غير ذي حرج 
بغاية النقش ما يغني عن السرج 
نقوشه نخب والباب من سبح 
سعد السعود بأعلى الأفق في الأرج 
لا تشتكي بذل انفاق ولا زعج 
على استواء بلا ميل ولا عوج 
عمادها بين مبيض ومنضرج 
عماد بيت المعالي كهف كل لج 
يصبو لها كل قلب بالغرام شج 
وينفق العمر بالساعات والدرج 
زد فى علاك بلا لوم ولا حرس 
يفتح لخاطره باب من الفرج 
بزخرف النقش أو بالماء والمرج 
تراه منعرجا في إثر منعرج 
أصوات معبد في الثاني من الهزج 
ازماره وذكت عن طيب الأرج 

فصير الترب طيياً ليناً لزج 
تل تفي الهموم على ذي الباطن السمج 
تعدى من الضيم بالأرواح والهج 
قد جاءك السعدفي العالي من البرج 


اننا 


وهذه المنارة التي بالقنطرة من أعجب المنتزهات. وأعجب من ذلك 
السعادة التي حفت بها من باي البايات. 


وكان الناظر على بنائه. المنصرف في إتقانه برأيه. الباذل همته. 
الملازم خدمته. الواقف عند الأوامر الشريفة , المشيد لتلك البناءات 
المنيفة . الناصح الوافي . عبد الرحمن عرف الرفرافي . وهو من رجال 
الدولة العلوية. وله عقل ثاقب وأخلاق مرضيه. وفيه طلاقة وجه ولين وعقل 
رزين. والخادم يدل على المخدوم . ولكل مقام مقال معلوم . ولما حل 
ركابه الشريف بها أقام ثلاثة أيام. ورحل عنها كالهلال وعسى أن يعود 
كبدر التمام. فتوجه إلى الكاف متوكل على ربه. فنال أمنيته وبلغ ما أراد 
من إربه. ولقد سمعنا بيوم وصوله فكان وصول. ويوم دخوله قابله أهل 
البلاد بأحسن قبول» وخرج إلى لقائه ابن خرطان وابن يوسف بمن معهما 
من جماعة الصبايحية. وأديا حق الطاعة فرضيت عنهما تلك الأخلاق 
الرضية. ودخل البلاد بهمة ملوكية. وتفرجت أهل البلد في تلك الطلعة 
البهية ولم يبق من أهل الكاف صغير ولا كبير إلا من كان تحت اللحود. 
وكان يوما مشهوداً سر به الشاهد والمشهود. وأطلقت البشائر في البرج 
وتكلمت بأفواه المدافعم. وتمشت أصواتها وأتطت من به صمم وقالت: 
هذا عو الفخر المي ليس . داق ' وباخذي :1 عدخ المداء 5 ع علقت 
ذلك اليوم تنيف على السبعين. 0 يحصى أحد عدد الزرابز والخزائن 
وبقيت من أول النهار إلى حين. وتم الفرح بهذا الفتح الجسيم. وذلك 
الفضل من الله والله ذو الفضل العظيم . 

ولما استقر في دار سكناه. وبلغ ما تمناهء أقبل الناس بالسلام 
عليه. وما منهم إلا من خضع وقبل يديه. وهنا نكتة تدل على ما فيه من 
الظرافة . وتعلم أن أخلاقة مجبولة على السياسة والرأفة. وهي أن جماعة 
من المتعصبين كاتبوا من بالحصار وحذروهم بطشه. فأراد بسياسته أن 
يذهب عنهم الوحشة. فبعث إليهم صاحب سرهء الواقف عند نهيه وأمره. 
المتخلق بأخلاق العرب. المنتمي إلى العجم في النسبء» الشيخ محمد 


ليلس 


ابن الحسن. وكان سفيراً بينهم في أول الأمر وفي آخره بالغ فاحسن. وكان 
أهل الحصار في ريب فأزالها. وأمانيهم متعلقة بالخوف ففك عقالها. 

ولما أراد اغا الحصار أن يؤدي حق الطاعة. وأن ينتظم في سلك 
الجماعة. هبط من الحصار على وجل . وتردد خاطره بين الأمن والأجل. 
فقال بعض أصحابه لمحمد بن الحسن: سر معه ليحصل له الأمان. فأقسم 
أن لا يبرح من مكانه إلا أن يرجع صاحبكم حيث كان. وهذا من ظرفه 
وهو به أمثل . والرسول صفة المرسل. ولما وصل الآغا إلى حضرة الباي 
قابله بأحسن. وجدد له ما كان أعطاه قبل ذلك من الأمان. وخلع عليه 


كركاً كان أعده له من قبل ونشرت رايات العز على رأسه وضرب الطبل» 
ورجع إلى مكائه سالماء وبالقبول والإحسان من الباي غانماً. 


خط بيقه ايحند الحليين. كامية الختصار المذكور نرممة الإضاباية 
فقابلهم باله.ات والسرور. وكان دخوله إلى الكاف في الخامس عشر من 
رجب الفرد. فئال من بركة هذا الشهر ما لم يئله أحد. وبقيت البشائر ثلاثة 
أيام . وظهر فيها من الطاعة ما ظهر من العصيان في خمسة أعوام . وفي 
السابع عشر منه تزوج بكريمة من كرام الأقيال. جعلها الله بالوفاء والبنين والإقبال. 

وطلع في العشرين إلى الحصار (تنزه في منظره. وأحاط خبره بما 
فيه من أوله إلى أخرهف وأنعم على من به بإحسانه ولسانه وبالغ في الإكرام 
وتنصلوا بالاعتذار وهربوا من نار العصيان إلى جنة الطاعة فصارت عليهم 
برداً وسلاماً وهو متأهب للرواح إلى منزله ودياره. ليصوم شهر رمضان 
المعظم ويتملاً من ماربه وأوطاره. والله يبلغ كل نفس مشتاقة إلى رؤية 
أهلها. ويعيد شمس طلعته إلى بروج سعادتها والشمس تجري لمستقر 
لها. وهنا ما انتهى به خبري؛. وما أمليته من ذكري. وما التفطت هذه 
الجواهر إلا من بحره. ولا تعلمت النظم إلا من نثره. وإن مد الله في 
الأجل.» وجعل فسحة في العمر والأمل. لأجعلنٍ كتابه مستقلاً وأشحئه 
بجميع ماثره . وأرصعه بدرر محاسنه من أوله إلى آخره , إن شاء الله . والله 


يبلغ كل نفس ما تتمناه. 


ينلذنا 


ونيها أربعة فصول 


لضن ضررل 


قد تقدم في أول الكتاب التعريف بتونس وما نقلته من أقوال 
المؤرخين هل هي قديمة أو محدثة. والذي صح عنده أنها محدثة مشى 
على قول العلامة ابن الشماع ولكن لم يشف الغليل فيما نقله عن 
المؤرخين وهو من العلماء الراسخين وكان في أيام ملوك بني أبي حفص 
اواسط دولتهم. وكانت تونس في زمانه في غاية الشرف مشحونة بالفضلاء 
والعلماء ومن يقتدى بهم وصنف كتابه للخليفة أبي عمر وعئمان والعجب 
له كيف رضي بهذا القدر اليسير وقصر في أماكن كثيرة ونبهت على بعضها 
وعجزت عن البعض لحشمتي منه لاني لست بكفء له. 


ولما تكام على أصل تونس وبنائها لم يستوف الكلام عليها إلا إنه 
قال: أحدثت بعد الثمانين من الهجرة إلى آخر ما ذكر وقد تقدم في أول 
الكتاب وعللت بعض أمور مما ذكرها وربما ذيلت عليه وعللت ما قاله 
غيره ولكن بقيت أمور تمس بهذا المحل نأتي بها إن.شاء الله ونذكر بعض 
أمور حدثت في هذه الدولة التركية وبعض أمور وقوانين أحدثت بعد الدولة 


ايض 


الحفصية وبعض أمور باقية على حالها كما كانت عليه إلى أن نستوفي ما 
نقدر على جمعه ليكون سلما لمن يأتي بعد أن شاء الله تعالى . 


وقد تقدم أن الذي صح عندي أنها قديمة من بناء الأول. وإنما 
فتحت في زمن حسان أو في زمن زهير على اختلاف في ذلك بين 
المؤرخين وأنها كانت مسورة ولها خندق يدور بها. ثم ذكرت أن الجاري 
على ألسنة أصلها أن السور من بناء الشيخ سيدي محرزء وهذا القول عليه 
جماع أهل تونس وكنت اعتذرت في الأول وعللت قولهم بقولي ولعله 
جدده بعد المحنة التي وقعت على أهل إفريقية من أبي يزيد الخارجي وقد 
تقدم أكثر هذا الخبر. 


والآن أقول: إن السور الموجود في زمانتا هذا هو غير السور الذي 
بناه الشيخ سيدي محرز رحمه الله والذي بناه الشيخ دثر ولم يبق منه 
شيء والله أعلم وأظنه هو الذي كان دائراً بالأرباض الذي منه باب 
الخضراء وباب 3 سعدون وباب الأقواس وباب الفلاق وباب عروة ؤغير 
ذلك مما هو معلوم عند أهل توح رينيد لها عا دكرة اب الماع أن 
ابن تافراجين جعل نصف كراء المعاصر أو ثلثه وقفا على بناء السور 
ال "00 نز الأوقاف اللي هي الآن عا., السور من تنك "1 اف والله 
تعالى أعلم . وبقيت امن هنا السور بقية إلى آخر أيام بني أبي حفص لأن 
أحوال البلد تغيرت وتلاشت في آخر الدولة مما كان يقع بينهم من الافتان 
والمحن في طرف من ذلك نسأل الله اللطف بمنه وكرمه وكذلك المكان 
الذي يقال له القلعة بمقربة من الجبارة خارج الربض القريب من مقابر 
الجلاز وإنما سمي بذلك لأنه كان ثلمة في السور المذكور ولما دهم أهل 
تونس العدو من النصارى وفروا بأنفسهم خرجوا من هنالك خيفة أن تؤخذ 
عنهم الأبواب» فخرج أكثرهم من هنالك فكان يقول بعضهم لبعض 
أخرجوا من الفلة أو خرجنا من الفلة وهذا الإسم باق إلى اليوم . وسمعت 
أيضاً هذا الخبر من رجل حدثني عمن أدرك تلك الحادئة والله أعلم بحقيفة 
ذلك, 


"11 


وكذلك لم تكن تونس في أول أمرها قاعدة من القواعد لأنها إن 
كانت مما هتح فتكون أحوالها تلاشت أو لم تكن عامرة كغيرهاء وإن كانت 
محدثة فقد تكون صغيرة في أول أمرها ثم تزايد أمرها بعد ذلك ولكن 
الذي نقله ابن الشماع مخالف لما ذكرناه لأنه قال: كان أبو جعفر المنصور 
العباسي إذا جاءه رسول من القيروان يقول له ما فعلت إحدى القيروانين» 
تعظيماً لها وهذا يدل على أنها كانت في غاية العمارة في ذلك العصر والله 
أعلم . 

وأيضاً لم أجد من تصدى لها أو دون فيها إلا ما ذكره ابن الشماع أو 
من تعرض لها عفواً من غير قصدء ويمكن أن تكون فيها عدة دواوين إلا 
إنها نهبت في تلك الفتن أو أن عمالها كانوا يحتقرون أهل هذا الفن 
لحقارته عندهم» ولكن ابن خلدون كان من علماء هذه البلاد وله تاريخ 
بعد من التواريخ العظام. حتى أنه لما حصل في يد تيمور فما أنجاه من 
شره إلا هذا التاريخ لغرابته ولولا خوف الملالة لاستوفيت قصته إلى 
اخرها. 

ولنرجع إلى تونس فنقول: إنها كانت أحوالها متلاشية ولم يكن لها 
ذكر مع القيروان وإنما ابتدأت في الزيادة والنمو لما سكن بها بنو الأغلب. 
ولما نديرت دولتهم, :بي عبيذ كانت دولتهم بالمهدي: و:.. نصورية والقيروان 
ولما تملك صنهاجة على إفريقية كانت عمالهم بتونس وعصت عليهم غير 
مرة وقدم أهلها أحمد بن خراسان ورضوا به فكان يذب عنهم وبئوه بعده 
فكانت أحوالهم مثل الشابيين بالقيروان وأحدهم الشيخ الذي بمقبرة 
السكاجين بإزاء دار الحاج محمد لاز والناس يقولون: إنه من السلاطين 
العادلين» ولم أقف له على ترجمة لأصحح خبره. 

ثم لما أراد الله بإصلاح حالها قامت بها الدولة الحفصية فعظم قدرها 
بين البلاد وما ذلك إلا لأنهم قاموا مقام الخلفاء وخطب لهم بامير المؤمنين 
وجاءتهم البيعة من الأندلس ومن مكة شرف الله تعالى قدرها سئة سبع 
وخمسين وستمائة» فحينئذ ضخم أمر تونس وشدت إليها الرحال وهوجر 


نلضنا 


إليها من كل البلاد وكنت متشوقاً إلى الكشف عن هذه البيعة وأي شيء 
كان سببهاء وسألت من له اعتناء بعلم التاريخ فلم يكن عنده جواب. إلى 
أن فتح الله على بعد زمان. 


وذلك أن الخلافة العباسية كانت ببغداد وانقرضت في سنئة ست 
وخمسين وستمائة على أيدي التار لما قتلوا الخليفة المعتصم . وبقيت بلاد 
المشرق ثلاثة أعوام بلا خليفة إلى أن بويع بمصر الخليفة العباسي سنة 
ستين وستمائةء وكذلك بلاد المغرب ضعفت بها الخلافة المؤمنية وانهدمت 
قواعدها فاحتاج الناس إلى خليفة, فلم يكن أقرب منهم لما ادعوه من 
النسب وأنهم من قريش من بني عدي من جماعة عمر بن الخطاب» رضي 
الله عنه فحينئد ارتفع ذكرهم وعمرت البلاد وجاءها الناس من أقطار 
الارض وكثر علماؤها وانتشر ذكرها في الآفاق بحيث إذا قالوا علماء 
إفريقية في هذه المدة إنما يعنون بها تونس. وكان بنو أبي حفص يجلون 
العلماء ويحافظون على الشرع ممتثلين لأمره وأخبارهم في ذلك شهيرة. 


وكان بتونس أربعة قضاة: قاضي الجماعة. وقاضي الأنكحة. 
وقاضي المعاملات. وقاضي الأهلة. وقاضي الجماعة عبارة عن قاضي 
القضاة بالمشرق. وكان بالحضرة عدة من المفتيين فمنهم من يكون 
متصدراً لها بالقلم ومنهم من يتصدر للأخبار فقط وإنما تنفذ الأحكام على 
يد قاضي الجماعة ينصرف في الأحكام الشرعية من غير مطلع عليه. 


وفي المائة التاسعة ظهرت رتبة المفتي وصارت أرفع درجة من درجة 
القاضي. وإذا أشكل على القاضي بعث إلى المفتي يسأله ولا سيما في 
هذه الدولة التركيةء فإن القضاة تجيثها من بلاد الترك والغالب عليهم 
العجمة ومذهبهم مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأهل 
الحضرة على مذهب الإمام مالك إمام دار الهجرة رضي الله عنه. فاحتاجوا 
إلى نائب يكون بين يدي القاضي فيكون بمثابة فاضي الخصومات 
والقاضي التركي مقام قاضي الجماعة. 


لض 


وكان بنو أبي حفص يجعلون يوم الخميس لاجتماع القاضي والعلماء 
في مجالسهم وتنفذ بين أيديهم المسائل المعضلة والمباحث بين 
العلماء والأحكام تتصرف بين يدي السلطان فلا يقم بين يديه من الأحكام 
إلا ما هو مشهور بين العلماء وذلك المجلس ساعة من نهارء وباقي الأيام 
يتصرف القاضي في أحكامه في داره أو مكان يختص به. 


ولما جاءت الدولة التركية وصارت القضاة من تلك الديار» كما 
قدمناء احتاجوا إلى مجلس كما جرت به العادة فجعلوه بين يدي العامل. 
وهو المعبر عنه بالباشا بلغتهم. فيحتفل في مجلسه في دار الخلافة,» وهي 
التي يقال لها دار الباشا وإن لم يحضره فالخليفة الذي له ويحضر القاضي 
والمفتيون وثقيب الأشراف تبركاً بالسب الشريف» وتلقى بين أيديهم 
المسائل المشكلة. وذلك لما جرت به العادة والعمل بالحضرة أن المدعى 
عليه إذا لزمه شيء عند القاضي وخاف من الميل عليه يقول أنا بالله 
وبالشرع وبالمجلس فيتوقف أمره إلى يوم الخميس» فإذا حضر اليوم 
المعلوم رضي بما يحكم به عليه هذه القاعدة إلى يومنا هذاء ويزيادة وأنه 
لما صار الحاكم بها كما قدمنا سرداراً على العسكر وأنه كالناظر على 
العامل وهو الدولاتلي بل إن العامل لا حجة له معه صارت الأحكام 
تتصرف في المجلس وبعد تمامها يخرجون بأجمعهم القاضي والمفتيون 
ويمضون إلى داره ويخبرونه بما وقع ويجميع ما حكموا به وربما يتوقفون 
في معضل لا يتم أمره إلا بين يديه. أما لتشاعب بين الخصمين أو لالتجاء 
أحدهما ببعض الأمراء فلا يتم إلا بحضرته وهلم جرا. 


وفي الدولة التركية كان يحضر بهذا المجلس المذكور أربعة من 
المفتيين حتى إذا مات أحدهم قام آخر عوضه. إلا إن في يومنا هذا ليس 
بها إلا مفتيان لا غير. وفي أول ولايتهم لم يكن لهم مفتي حنفي إلا 
القاضي. وكان الشيخ محمد بن أبي ربيع ممن يتعاطى حل المسائل من 
مذهب أبي حنيفة حي نشات منهم جماعة تعاطوا المذهب هناك وذاع 
بينهم وشاع فقدموا مفتياً على مذهب الإمام أبي حنيفةء وأول من تصدر 


نضا 


لهذه الرتبة الشيخ أبو العباس أحمد الشريف الحنفي وذلك بعد الأربعين 
والالف. 

وأما الذين على مذهب الإمام مالك بن أنس فكانوا في أول الدولة 
أربعة ولا يتقدم أحد لهذه الرتبة إلا صاحب دين وعفاف., وكذلك 
الباشوات الذين كانوا في أول الدولة غالبهم كان على منهاج وفيهم من 
كانت له خبرة بالعلوم . وسمعت ما حكي عن أحدهم وهو فاضلي 
باشا وكان بعد العشرين والألف من الهجرة. وهو آخر باشا كان مقامه بالقصبة 
ولم يحكم بها أحد بعده من الباشوات. كتب بين يديه كاتبه تذكرة لمن 
يتعاطى حسابات المعاصر فكتب هذه اللفظة بالسين فقال المعاسر. ولما 
وقف الباشا المذكور على هذه الكلمة قال يا حسرتاه على فاضلي باشا 
كاتبه لم يفرق بين السين والصاد وهذا دليل معرفته ونباهته رحمه الله فإذا 
كان الباشا بهذه المثابة فأحرى أن تكون العلماء أعفى من ذلك وكانوا إذا 
حضروا بالمجلس إنما يكون منهم الأخبار بالأمور الشرعية إذا سئلوا عنها 
وينفد أحكامه حاكم الوقت. 

وأول من أظهر لهذه الرتبة تعظيماً وزادها بشهامته تفخيماً الشيخ أبو 
الحسن النفاتي ابن الشيخ سالم النفاتي» وكان الشيخ سالم مفتياً في أول 
الدولة معاضرا للشيخ قاسم عظوم والشيخ إبراهيم والشيخ محمد قشور 
وكلهم على طريقة حسنة رحم الله الجميع . د لم 
الفتيا لعجزنا عن حصرهم لفوات عصرهم ويعز علي إذ لم أرهم وإنما ا 
من أدركته وشاهدته والشيخ أبو الحسن ممن رأيته وكانت بينه وبين والدي 
صداقة وكان عظيم الحجاب رفيع الجناب وعاصره في وقته الشيخ أبو 

يحى الرصاع . وتصرفٍ في حياته والشيخ محمد أبو زبسع وهو ممن 
شاهدته أيضا وكان صديقاً لوالدي والشيخ أبو الحسن أنفذهم كلمة وأعلاهم 
جاهاً فكان يتصرف في المملكة تصرف الوزير المستشار بحيث أنه في 
أحكامه ‏ إذا قالت حذام فصدقوها ‏ 6 البيت معروف. 


وكان قبل ذلك أهل الحضرة إذا ترتب على أحدهم حق بالأحكام 
الشرعية وحكم الحاكم أو أفتى المفتي 0 رفع أمره إلى بعض 


14 


العلماء فيخبرونه بما عليه العمل. وربما أطلعوه على محل النازلة» أو 
يولون له المسألة في كتاب كذا وفي موضع كذاء وإن كانت له خبرة أوقفوه 
على مسألته ثم إذا حضر بالمجلس الشرعي تكلم بحجته وقال: مسألتي 
كذا وكذا وتقع المشاجرة بينه وبين من قال بخلاف قوله وهذا مما يتجرأ به 
العوام على أهل العلم . 

ولما سافر الشيخ أبو الحسن المذكور إلى الديار الرومية في مهمة 
اقتضت إرساله جاء ومعه خط شريف من الباب العالي» وأنه لا يسأل عن 

نص أفتى به ولا يرد ما حكم به فانحسمت هذه المادة ولم يتعرض أحد 
لذلك فيما بعد وبه جرت العادة إلى يومنا هذا ولم يزل في رتبة عالية مدة 
حياته. ومات من كان معاصراً له. وانفرد بالكلمة هو وأخوه الشيخ علي 
التفاتي والشيخ محمد النفاني . 


ولما كانت سنة تسع وأربعين وألف وشي به عند حاكم الوقت يوسف 
داي وشنعت على الشيخ أبي الءعسن مسائل شنعها عليه بعض الكارهين 
له. فتغير عليه حاكم الوقت المذكور فخرج الشيخ إلى ناحية المشرق 
لزيارة النبي عليه الصلاة والسلام فمات في الطريق في مكان يقال له الينبع 
وقبر هناك, وقبره مشهور وقام أخواه مقامه من بعده. 


فلما تولى أسطا مراد الدولاتيه نكبهما وأقام بدلا منهما الشيخ أبا 
الفضل المسراتي والشيخ أحمد راع وكانت بين الشيخ أبي الحسن 
والشيخ أبي الفضل المسارتي ضغائن في النفوس موجبها حب الرئاسة. 
فلما حلت بأخويه هذه النازلة كان ممن أنتى بقتلهما فضلاً عن العقوبة. 
فنجاهما الله وصودرا بالمال. 


ولما تولى أحمد حُوجة منصب الدايات بعد أسطا مراد طلبا منه 
الإذن إلى الحج الشريف فأذن لهماء ولما بلغا إلى الديار المصرية 
والخازت وكتبا سؤالا على حسب النازلة التي نزلت بهما وبما أفتى يه 
الشيخ المسراتي. فأفتى علماء المشرق بما وافقهماء وبعد تمام الحم 


المض 


رجعا إلى الديار الرومية وعرضا أمرهما على الأبواب السلطانية فقبلت 
حجتهما وكتب الأوامر على وفق مرادهماء وأقام الشيخ .محمد في تلك 
البلاد وترقى إلى رتبة الموالي. إلى أن مات هنالك في حدود السبعين 
والألف وله عقب هنالك. 

ورجع الشيخ علي النفاتي إلى تونس واستقل بمنصب الفتيا من غير 
منازع وعزل المسراتي وصاحبه أحمد الرصاع. ولم يزل في رتبته نافذ الأمر 
وموافقه في المنصب الشيخ أحمد الشريف الحنفي السابق ذكره؛ ومن بعده 
الشيخ محمد بن مصطفى الأزهري نزيل تونس إلى أن مات الشيخ علي 
في عزه بعد الستين والألف فعند ذلك استقل الشيخ محمد بن مصطفى» 
وانفرد بالمذهبين إلى أن توفاه الله سنة ست وستين وألف. 

فأقيم بدله الشيخ مصطفى بن عبد الكريم. فتولى رئاسة الحنفية لا 
غيرء وأعيد الشيخ المسراتي والشيخ الرصاع إلى مكانهما. 

ولما كانت سنة أربع وسبعين صرف الشيخ مصطفى عن ولايته 
الحنفية وأقيم بدله الشيخ أبو المحاسن يوسف درغوث فباشر المنصب 
بتعفف وإمساك وصلابة في الحق ووقوف عند الكلمة فكانت تحدث من 
الشيخ المسراتي هفوات يأخذها عنه الشيخ يوسف المذكور ولم يتمم له 
فولا ويعارضه في سقطاته إلى أن تسبب في عزله وبقي معه الشيخ أحمد 
الرصاع وليس له مع الشيخ يوسف إلا الاسم. والشيخ يوسف صاحب 
الحل والعقد إلى أن مات في الواقعة المتقدم ذكرهاء رحمة الله عليه. 

ولما قدر الله تعالى بالطامة الكبرى وهي الواقعة التي كانت بين 
العسكر والمرحوم مراد باي وقد تقدم ذكرها كان الشيخ المسراتي أحد 
أسبابها وهو الكاتب من إملائه الحجة التي شنعت عليه فلما لم يتم ما 
أراده وانتصر الباي المذكور وعاقب من عاقب عن بينة وعفا عمن عفا عن 
بينة صادر الشيخ المسراتي ونكبه وأراد قتله فشفع فيه صهره أبو العباس 
الشيخ أحمد الشريف؛, فشفعه فيه وذلك سئة أربع وثمانين. 

ثم ظهر للمرحوم برحمة الله مراد باي أن يولي هذا المنصب الشريف 


رض 


لمن يكون أهلا له. فوقع اخختياره على شيخ الوفت بالإطلاق» ومن شدت 
الرحال إليه من جميع الآفاقء' الشيخ العالم العلامة. والحبر الفهامة شيخ 
مشائخ الديار التونسية ومن يشار إليه بالبنان في العلوم الموسوية» ومن 
تفتخر به الفضلاء من أمة محمد. ومن سعى بسعيه المشكور وعمله 
المبرور وأدركته بركة سميه لما سمي بمحمدء المتفنن في العلوم النقلية 

بما رواه عن الثقاة» المتصرف في الغوامض العقلية بممارسة العلوم 
وبالحفظ والثبات. الذي طلع في سماء البلاغة بعلم البيان فأظهر القطب» 
ونحا نحو المعرفة ففاخرنا به العرب. الهمام الأمجد الشيخ أبي عبد الله محمد 
المدعو بفتاتة. سلم الله من كل الحوادث ذاته. وصرف عله كيد 
الكارهين: ومتع أحبابه بعلومه الشريفة وحياته إلى حين. وبشهادة الله لم 
استوف حقه فيما قلته. ولم أك من المتعصبين في مدحه بما نقلته؛ ولم 
يكابر إلا من طبع على قلبه. وانقطع سببه من سبه. 


ومن يقل للمسك أين الشذا ‏ كذبيه في الحال من شمه 


ولما عرض عليه المرحوم مراد باي أن يتولى هذا المنصب أبى 
ذلك. وامتنع من التعرض لهذا الأمر الخطير والدخول في ضيق هذه 
المسالك. وتقرر امتناعه عند أهل البلاد فعظم عند الناس قدره وزاد مكانه 
وعلم الخاص والعام أن تمنعه تنزهاً وديانة» وكنت تطفلت على ذوقه 
السليم بأن مدحته بعدة أبيات وقابلت سبائك أبريزه بما سبكته من مثاقيل 
النحاس» فستر عني بستائر حلمه وهكذا فليفعل الناس بالناس وأردت أن 
أبث بعض ما قلته على جهة الإيناس وتغزلت في أول القصيدة لمساعدة 
كنيته على الروي فقلت: 


بديع الحسن لىو أبصرت ذاته رأيت الحسن مَجسوْغا شتاته 


وأنا مستمر في تغزلي إلى التخلص وهو المراد. وفيه إشارة 
لإعراضه : 


فسأعرض جانباً وازور عني كما أعرض عن الفتيا فتاته 


كم 


ولولا خحشية الإطالة لأتيت بها. ثم بعد أيام اضطر الباي إليه لأنه لم 
يجد من هو أفهم منه سلمه الله لما كان يعرف من ديانته وعلوه على غيره 
فى منصبه فألزمه على كره منه. وهذه كانت تعد من حسنات الباي رحمه 
الله فامثل لأمره ذلك. ورضي بما قضى به المالك, فسر به أهل الصلاح 
والسداد واقتدوا به إلى طريق الرشاد. فأخذتني أريحية أدبية» ومدحته 
بقصيدة رائية. وجاءت براعة استهلالها وتخلصها صنع الله الذي اتقن كل 
شيء ببركة نيته الصادقة ومطلع القصيدة وفيه تغزل وتورية حيث قلت: 


تمنع يوم الوصل واستعظم الأمرا وأعرض إجلالاً فقلت له صبرا 
مليح جرى ماء النعيم بوجهه وفي كل قلب من حرارته جمرا 
ورحت وأنا مستمر إلى أن تخلصت وأنه من المخالص العجيبة التي 
حصلت لي ببركته أيضاً فقلت: 
تعلم من شيخ الأنام تمنعاً ولكن ولي الأمر ألزمه جبرا 
ولا يخفى على أهل الأدب ما أشرت به في فولي تمنع واستعظم 
وفي التخلص ولكن ولي الأمر ألزمه جبراً فلا تخفى هذه الكلمات إلا على 
أكمة لا ييصر القمر وما اطلعت من ذكره إلا بما يستحقه من الفضائل ولم 
أبلغ إلى كنه وصفه والحق يقال والشيخ المذكور ممن اعتقد حبه في ال 
لا لشيء إلا لشرف علومه وإن كنت حرمت أن أغترف من بحره ولم 
يساعدني الحال أن التقط من درره فلقد أصابني رذاذ من وابله وذلك أن 
نجله السعيد النجيب الشاب الأنجد الشيخ أبا العباس أحمد بن الشيخ 
المذكور: عندي له يد أفادني بمسائل فتق ذهني بها واستفدت به زاد الله 
في حسناته وهو ممن ترجى بركة أبيه إن شاء الله لأنه تصدر للتدريس في 
حياة والدهء وله مسائل دقيقة على كتب القوم وعدة علوم زاده الله من 
فضله وكذلك أخوه إبراهيم ممن أحبه في الله وبحبني فيه. وأظن إن شاء 
الله أن والدهما كذلك. ولولا خشية الملالة لأمليت في مناقبهما عدة 
كراريس وفي هذه النبذة كفاية» وأحلف بالله: ما رقمت هذه الكلمات إلا 
بوقاحة مني لأني لست من أهل التعرض إلى ذكره. 


فض 


ولما تم له من الأمر بهذه الرتبة ما تم. باشرها بتواضع ووقار ولم 
يغير من هيئته بل زاد في تواضعه يفضي حوائجه بنفسه ويباشر أموره لا 
يكلف بها أحداً. ولم يأخذ على ما يكتبه أجراً. عامله الله بنيته وحفظه في 
ذريته. وأعجب من هذا أنه لما امتحن في الواقعة التي سلمه الله منها 
بسعاية الكارهين. لما قبض عليه وعلى الشيخ يوسف درغوثء وقد تقدم 
ذكرهماء وقتل الشيخ يوسف ونجى الله من ذلك الشيخ محمد المذكور. 
.كل هذا من بركة العلم الشريف لأنه لم يدلس فيه ولم يدنس. 

وكنت كتبت له رسالة هنأته. ولكن لم تصل إليه ومنعتني منه الحشمة 
وافتتحها بقولي «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا 276‏ والحمد لله الذي أنزل 
على عبده أن أسر بأهلك بقطع من الليل ‏ «إنا منجوك وأهلك إلا 
امراتك »2 _ وألهم عبده لما حصل في وثاق الأعداء أن فر من بين العسس 
فكتب له النجاة الا وأعوذ بالله من قوم ليس لهم عهد يعد ولا ذمة لذمام 
ولا يراعون فيكم آلآء وهي طويلة أضربنا عن ذكرها وهو حفظه الله تعالى 
ملازم للاشتغال بالقراءة وله عدة دروس في الجامع الأعظم وفي مسجده 
بمقربة من كتاب الوزيرء وفي داره هذا مع اشتغاله بما ينفع الناس. أذهب 
الله تعالى عنه الكدر والوسواس والبأس 

ومن نيته الصالحة أن جعل الله رفيقه المفتى على مذهب الحنيفة 
الشيخ أبا السعادة عبد الكبير ابن المرحوم الشيخ أبي المحاسن يوسف 
درغوث» قدم بعد وفاة والده للخطبة بجامع المرحوم يوسف دايء ثم قدم 
للفتيا بعد تمنع واستعفاف فسار بسيرة مرضية. ولم تجر أحكامه إلا على 
القواعد الشرعية. وهو في عنفوان الشباب. ولم تظهر له صبوة في السابق 
يلزم منها العتاب. وهو حفظه الله من أهل الصلح بين الخصمينء وغالب 
أوقاته في المساعدة بين الناس بلا منه. وكان تقديمة أول سنة تسع 
وثمانين وألف عن كره منه وجبره على ذلك علي باي لطف الله به وهو 
حسنة من حسناته كما أن رفيقه حسنة من حسنات والده رحمه الله . 
)١(‏ الآية 1 سورة الإصراء. 
(9) الآية 77 سورة العنكبوت. 


افيفنا 





در 59 
ريكب يدك 


فسن (لرة 


فيه حوادث ظهرت في الديار التونسية غير ما كانت عليه في 
الدولة الحفصية 


كانت أيام بني أبي حفص في أول بدايتهم من غرر الأيام» وانتشرت 
دولتهم حتى عمت بلاد الإسلامء وتقدم من ذكرهم ما فيه كفاية. ولكن 
نأنتي بطرف من ذلك ليكون خبرة لأهل الدراية» وكانت دولتهم على 
أسلوب العرب وعدتهم الرماح والسيوف والنبال ولم تكن المكاحل ظهرت 
في مبتدأ أمرهم وإنما ظهرت في آخر أيامهم في أيام ألفنش الأحول 
صاحب قشتالة. لعنه الله ومن هنالك أخذت صناعتها في الزيادة إلى أن 
كثرت في غالب المعمور. 


وكانت عساكرهم يدعون بالموحدين لأنهم من أتباع ابن تومرت كما 
تقدم ذكره لأنه سماهم بالموحدين لزعمه أنه قائم بالتوحيدء أي بكلمة 
التوحيد. وجعل لأصحابه توحيدا بلسان البربر فمن لا يقوم بحفظه لا دين 
له فبقيت أشياعه من بعده على دعوته واقتدوا بإمامته. 


والطبقة الأولى من بني أبي حفص امتد سلطانهم من تلمسان إلى 
طرابلس الغرب ولما تقهقرت دولة بني عبد المؤمن من بلاد المغرب 


ففرا 


وكثرت الفتن بين أبناء الخلافة منهم تسمي بنو أبي حفص بالخفاء وجاءتهم 
البيعة من الاندلس وغيرها وجاءتهم أيضاً من مكة المشرفة لعدم الخلافة 
بالمشرق» ولم يزل أمرهم على أحسن حال حتى وقع بيلهم التحاسد 
وافتراق الكلمة فأخذت دولتهم في الإدبار إلى أن كانت دولة السلطان محمد بن 
الحسن خرجت طرابلس عن حكمه وأخذها عسكر آل عثمان وكذلك 
الجزائر» ولم يبق بيده إلا تونس وبلد العناب . وفي أيام ولده الحسن 
نافقت القيروان على أيدي الشابيين ونافق القليعي بسوسة والمهدية. 


وفي أيام السلطان أحمد بن الحسن وصل العسكر العثماني إلى 
الحمامات. وطالت أيام السلطان أحمد في الدولة وأحيا بعض : درس 
منها وكان عسكره لا يزيد على ألفي فارس وسماهم الزمازمية ويركبون الخيل 
وكان مغرما بالتنجيم وأهله وبعلوم الاجفار. وكانوا يخبرونه بزوال الدولة 
يركب الخيل فذهب به رأيه كل مذهب فلم يجد ملكأ على هذه الحالة. 
فاتخذ جنداً من العبيد تفاؤلاء وصارت لهم دولة يقال لها الدولة الجناوية » 
ثم قتلهم وكذلك سمى مملوكاً له على باشا لما كان يحذره والله غالب 
على أمره. 

مر 


ولما جاءت الدولة التركية ظهر ما كان يحذرهء لأنهم مشاة على 
الأقدام وكبيرهم الذي يقال له الداي. كذلك فهو بمنزلة السلطان على 
الحنفية لأنه المتصرف بحكمه في الإقليم فصحت الأخبار التي أخبر 
بها ولما تمكن حكمهم ودانت لهم البلاد اتخذوا اصطلاحاً وأحدثوا أموراً 
غير ما كانت عليه أولاء فمن ذلك أن لهم جماعة يقال لهم أوده باشية 
وأحدهم أوده باشي . معناه رأس الدارء لأنهم يقدمون المضاف إليه فلفظة 
أوده هي الدار وياشي هو الرأس وأصله باش والياء زائدة عندهم إلا إنها 
كأحد الضمائر؛ وتحت يد كل واحد منهم جماعة نحو العشرين وأكثر وأقل 
ولذلك الواحد النظر على جماعته وأعلى من هؤلاء جماعة يقال لهم بلوك 
باشية وأحدهم بلوك باشي والبلوك اسم - للجماعة. والباش للرأس 


فضا 


تقدم , ومعناه رأس الجماعةء وهو أعلى من لفظة أوده أعلى رتبة مله 
وكلهم بالترقي فمن الأوده باشي إلى بلوك باشي ومن البلوك باشية يصير 
اغتهم وهو كبيرهم لا يصدرون ولا يردون إلا عن مشورته . 


وكان الآغا في ميتدأ أمر, هم تأتيه الأوامر السلطانية من الباب العالي» 
من عند الآغا الذي هناك ثم انخرمت هذه القاعدة فصار يلي هذه الرتبة 
أكبرهم » ولم يحتاجوا إلى ار سلطاني وعدد الأوده باشية قبل اليوم مائة 
وخمسون. ولما تزايد العسكر زيد فيهم أيضا. فعددهم ني زماننا مائتان 

وإذا نقص واحد منهم حطوا بدله, ولهم لباس يتميزون به عمن سواهم 

ولهم أقبية بأكمام طويلة واسعة من عند المرافق وفم الكم ضيق ويضم عند 
الكوعين بصناعة محكمة. وعلى رؤوسهم طراطير من الجوخ بصنتاعة مكلفة 
يمتاز بها ويمتاز البلوك باشي بعمامة يكبرها قليلاك فيعرف بها وكذلك 
الآغا له عمامة مفردة لا تكون لغيره ولها رجل مكلف بإصلاحها ومن تحته 
جماعة يقال لهم إبه باشية . معناه الحجة الكبرى. لهم علامة على 
رؤوسهم يقال لها إسكفة مزركشة بالقصب يلبسونها ساعة من نهار في 
مواكبهم وهم ركبان أمام اغاتهم . 


وكان في أول الأمر الحكم للاغا والجماعة التي ذكرنا إلى أن كان 
من أمرهم ما تقدم عند ذكر مقتل البلوك باشية وتولية الحاكم الدولاتلي» 
فصار غالب النظر في الأحكام له إلا ما قل ولهم مكان يحضرون فيه كل 
يوم ساعة من نهارء فيحضر الآغا وهذه الجماعة المذكورة في ذلك المكان 
ويسمونه دار الديوانء ولهم شواش سنة ولباسهم مثل الأوده باشيه. إلا إن 
الذي على رؤوسهم فيه بعض خلاف فيعرفون بذلك فإذا اجتمعوا في 
المكان المذكور جلس الآغا على كرسي في الصدر ثم الذي يليه بحيث لا 
يتقدم أحد عن رتبته» ولهم كتبة وترجمان ولهم أربعة من أكابر الأوده باشية 
يقال للواحد منهم باش أوده. معناه كبير رؤوس الديارء ويصلون إلى هذه 
الرتبة بالترقي ثم إذا انفصل عن هذه الرتبة صار من البلوك باشية ويترقى 
إلى أن يلي منصب الآغا وعادة الآغا ستة أشهر لا يخرج من بيته إلا إلى 


يفضا 


الديوان أو في يوم معلوم. ثم إذا جلس في الديوان يكون أكبر الشواش 
قائماً بين كتفيه والترجمان 1 الغا فإذا أخذوا مراتبهم قام خطيبهم 
فدعا بدعوات للسلطان وللعسكر وقرأت الفاتحة ثم يخرج مناديهم عند 
الباب يقول من له دعوة فليدخل. فإذا دخل قابله الترجمان وأخذ دعوته من 
لسان ثم يلقيها للآغا ثم ينادي مناديهم إلى الباش أودات الأربعة, 
فيحضرون بين يدي الآغا ويعرض عليهم تلك الدعوة. فإن كانت من 
الأمور الشرعية ردوها إلى الشرع وإن كانت قانونية فعلوا بأرائهم أو بما 
جرت به العادة بينهم: وإن كانت مسألة معضلة أخروها إلى مشورة حاكم 
الوقت. وإن كانت صدرت عن إذنه أمضيت فإذا تمت أحكامهم حط 
لاكابرهم طعام أكلوه. ثم ينصرفون إلى ماربهم. إلا أن اغتهم يروح إلى 
بيته وإذا افترق ذلك الجمع انصرف من أكابرهم جماعة مثل الخوجات 
وأكبر الشواش. ومضوا إلى حاكم الوقت فيخبرونه بجميع ما حكموا به إلا 
النادر الذي لا يعبا به هكذا دأبهم كل يوم إلى انقضاء سئة أشهر يعزل 
ذلك الآغا ويقوم مقامه الذي يليه وهلم جرا. 


ولهم مواكب يظهرون فيها أبهة الملك وينشرون ناموساً للسلطنة؛ 
وذلك أنهم إذا أرادوا إخراج المحلة على حسب العادة نادى مناديهم وهم 
الشواش يركبون الخيل ويلوجون في الأسواق ويخبرون جماعة العسكر 
ويأمرونهم بالتأهب للخروج ومن الغد يصبحون وقد لبسوا آلة حريهم 
ويجتمعون عند باب القصبة ويكون الحاكم هناك. ثم يمضي الأغا والأودة 
باشية إلى دار الخلافة.» ويحضر هناك الخوجات الذين يحملون البيارق 
فينشرونها ويحضر الباي المعين أو خليفته فيخلع عليه الباشا خلعة 
سلطانية. ثم يخرج كاهية الباشا معه وبين أيديهم الشطار والأبياك مشاة 
على الأقدام وت تنشر الر اياث الملوكية وتدق النوبة العثمانية بالطبول والأنفرة 
والزنجهارات. ويخرجون بادب وسكينة من دار الخلافة إلى باب القصبة 
ويكون العسكر قد اجتمع هنالك., فإذا قرب الديوان أي الجمع الذي فيه 
الآغا والباي إلى باب القصبة قام الداي بنفسه إن شاء ومشى في أول 
الصف وإن شاء قدم أحد الأكابر من جماعته وأمره بالمسير عوضه وذلك 


لضن 


تعظيما له بحيث يكون هو المتصرف تلك الساعة وأمره نافذ على ذلك 
الجمع, فإذا خرجوا من المدينة إلى ظاهرها حيث يكون الوطن والأخبية 
المهيئة للسفر دخل الباي والآغا والجماعة المستعدة للسفر ورجع الباقرن 
إلى البلدء ويكون قد تعين على المسافرين منهم جماعة يتعاطون الأحكام 

في السفر مثل الآغا والأودة باشية والبلوك باشية ومن يقوم مقام الداي فيهم 
مدة إقامتهم في السقر إلى أن يرجعوا إلى الحضرة. 


ولهم أدب في رحيلهم وإقامتهم وأمور آخر أضرينا عنهاء فإذا رجعوا 
من سفرهم بعثوا أرسالاً يخبرون بوقت مجيئهم في يوم كذا فيتأهبون للقائهم 
على العادة التي قدمناء إلا إن في يوم دخولهم زيادة على ما ذكرنا وذلك 
أن العسكر الذي يخرج من البلد إذا صاروا من خارج المدينة وتقابل 
العسكران يجعلون بُروزأء وهو أن يرموا بمكاحلهم ثلاث لمر 
المسافرون بثلاث لم يجتمع يجتمع العسكران ويدحلون البلد ويكون يوماً شهرنا 
تجتمع الناس للعاندين ويمضي أكابر العسكر إلى دار الخلافة ويخلع 
هناك على الباي أو على خليفته خلعة سلطانية ويرجع بأكابر الديوان إلى 
منزله وتدق هنالك الطبول ساعة ثم ينصرف ذلك الجمع هكذا دأبهم في 
كل عام مرتين وهذا الناموس لم يكن مثله في البلاد الغربية التي تحت 
أيدي العساكر العثمانية. جعل الله أعلامهم بالعدل منشورة. وأحكامهم 
بالتوفيق مذكورة وجعل سيف هذا السلطان قاطعاً في رقاب الكافرين» 
وحكمه نافذاً لإصلاح الدنيا والدين. 


4 





ليان 


فيما تميزت ابه الديار التونسية وما تفتخر به بين أحبابها 


إعلم أيها الواقف على هذا المجموع أن لتونس مفاخر جمة لو 
استقصيناها لطال بنا المجال وخرجنا عن الحد ولكن نأتي من كل شيء 
بطرف. وقد كانت قبل هذا الزمان في غاية من الشرف. ‏ وأهلها في النعيم 
والترف. بحيث لم تكن بلد تضاهيها. ونفوس أهلها مطمئنة بأمنها 
وأمانيها. وكانت محط الرحال. ومبلغ الآمال. إلا إن في زماننا هذا تلاشى 
أكثر نعمتها. ولكن بقيت منها بقية ستتلى عليك لتعلم بمزيتها. وإذا 
افتخرت مدينة من مدن المغرب فما أحق الفخر بتونس. وإذا حل بها 
غريب نال التانس من تونس. 

والدليل على ما كانت عليه من رفاهية أهلها في القديم وبقيت آثارى 
هو أن غالب أهلها كانت لهم جنات وبساتين يخرجون إليها بعيالهم في 
زمن الصيف والخريف؛ وتكون الناس في أسواقهم يتعاملون إلى أخخر النهار 
ومبيتهم في بساتينهم ومن الغد يبكرون إلى البلد ولهذا كان سوق الربع 
وهو أكبر أسواقهم لا يفتح إلا بعد طلوع الشمسء. وجرت هاته العادة إلى 
اليوم ولهم غير ذلك من الأعياد والمواسم والتفاخر بالأعراس الحافلة 


بغرا 


وإظهار التنعم حتى بالماتم وناهيك أن أعيادهم مشهورة» فمما يستعملونه 
في أيام العيد من الحلاوات والأطعمة التي لا توجد إلا في الحضرة. 
«المقروض» الذي يتفاخرون به وهو مشهور بينهم لا يحتاج إلى تعريف وهو 
أطيب حلاواتهم وليس بعده شيء: حتى أني التقيت بمن أكله في الحضرة 
فأعجبه غاية الإعجاب فقال: عجبت لمن في بيته «المقروض» كيف ينام 
الليلء وكذلك اللحم الذي سموه المروزية نسبة إلى مروز مدينة ببلاد 
العجم يطبخونه بأبزار تفوح لها قيمة وبرون أكلها عقيب الصوم من 
التطيب. 

وكذلك الخبز المعلوم في أعيادهم لم ير مثله في المعمور 
ويتفاخرون بعظمه ونقاوته. حتى أن الرغيف الواحدلو وضع بين جماعة من 
الناس من عشرين فصاعداً لكفاهم. ويطول مكث هذا الخبز إلى نحو شهر 
وأكثر وهو في غاية الحسن. 

وسبب تكبيره عندهم له ذكر فالمتقرر بينهم أن بعض العمال كان بها 
في الزمن السابق دامت ولايته واشتد سلطانه. فسعى به بعض الكارهين إلى 
استاذه وادعى أنه أسفل بالأمر وخرج عن الطاعة وحرضه على الفتك به» 
فتحرك إليه أستاذه يعسكره فلما قرب منٍ تونس خرج العامل بذات نفسه. 
وقيل أنه ابن خراسان وصحب معه رغيفاً من أعجب ما يكون فلما وقعت 
عينه على أستاذه ترجل وقبل بركابه وأخرج ذلك الرغيف وناوله له فأخذه 
من يده وقبله ورده إلى صاحبه ورجع من مكانه وقال لخاصته هذا مستمر 
على طاعتنا والإشارة لذلك خطابه بلسان الحال أن هذا ما أنعمت به علي 
فإن أردته فهر مردود إليك. فعلم حسن طويته فأبقاه على عمله ورجع 
مسروراء فمن هنالك استمر الحال على تكبير هذا الرغيف وقد يكون اتفق 
ذلك اليوم أنه يوم عيد أو أنهم تفاءلوا بسلامة عاملهم بسبب ذلك الرغيف 
إلى أن صارت لهم عادة في كل عيد هذا هو المأثور بينهم ويغلب على 
ظني غير ذلك وهو أن حريمهم أي حريم هذه المدينة أكثر انهماكاً من 
رجالهن ويكرهن الأمتهان بالخدمة عدة أيام بعد العيد فلهذا جمعن بين 
الخبز والمروزية لطول بقائهما. 


وكذلك العادة التي جرت بين أهل الحضرة أن مدة أعيادهم خمسة 
عشر يوماً وهذا المعهود بينهم وجرى العمل به وأدركنا قبل اليوم أن 
أسواقهم لا تفتح إلا بعد تمام الخمسة عشر يوماً وتكون أيام تنزهات خارج 
المدينة وتلاشى البعض وبقي البعض . 


ومن أيامهم المشهورة اليوم العاشر من شهر المحرم يحتفلون له غاية 
الاحتفال ويصرفون فيه أموالاً وافرة في الأطعمة والفواكه. وقل أن تجد من 
لا يصرف شيئاً ولو قل ولو حصر إنفاق ذلك اليوم لبلغ مقداراً غريباً وكذلك 
اليوم التاسع منه يواظبون فيه على أكل الدجاج والطعام الذي يقال له 
الدويدة. وهو بمثابة الكنافة عند المصريين ولكن الدويده أضخم عند أهل 
الحضرةء ويعبرون عن طعامهم هذا فيقولون الفطير وما يطير ويعظمون هذا 
اليوم وإن كان عظيما إلا إنهم أكثروا في تعظيمه عمن سواهم ويرون 
الإنفاق فيه من التوسعة على العيال وملازمة أكل الدجاج على جهة 
التطيب؛ لأن الحكماء قالوا لا بأس به مرة في السنة والمداومة عليه تورث 
النقرس. أعاذنا الله منه. 


وكذلك جرت العادة بزكاة أموالهم يخرجونها في هذا اليوم ويلازمون 
على حرمته والإنفاق فيهء تزين الحوانيت التي تباع فيها الفواكه اليابسة 
ويكون لها .منظر عجيب وتنفق الناس من عندهم على قدر أقدارهم حتى لا 
يخلو مكان أحد من الفاكهة إلا القليل منهم. 


ولقد حضرت لرجلين تفاخرا أحدهما من الجزائر والآخر من تونس 
فقال التونسي للجزائري : وددت أن هذه الحوانيت يعني بها الفاكهة في 
يوم عاشوراء 8 ليلا وتحط في الجزائر فإذا أصبح أهل الجزائر ورأوها 
على هذه الحالة ثم أعيدت ليلا إلى مكانها أظن أن نساءكم يطلقنكم ويأتين 
إلى بلدنا. وهذه مبالظة أتى بها ومن رأى ذلك اليوم شهد بما قلناه وهذا 
من الأيام المشهورة عند أهل تونس. وتباع فيه من آلات الطرب والملاهي 
لصبيانهم بما لا حصر له وهذا من رفاهية عيشهم وانهماكهم. وكذا جرت 
عادتهم وهي باقية إلى الآن. 


ومن أعيادهم المشهورة ومواسمهم المذكورة ومساعيهم 
المشكورة تعظيمهم ليلة المولد الشريف. وذلك لأجل محبتهم لمن ولد فيه 
وهو سيد الكائنات ويةِ. وأول من اعتنى بتعظيمه في البلاد الغربية وأظهر 
فيه شعائر الولادة المحمدية السلطان أبو عنان المريني شكر الله سعيه ثم 
اقتدى به بنو أبي حفص في الديار التونسية وأولهم أمير المؤمنين أبو فارس 
عبد العزيز وكان في أول الماثة الثامنة» واحتفل بتشبيد شعائر هذا اليوم 
المبارك جعل الله ثوابه في صحائفه وأظله في ظل النجاة يوم لا ظل إلا 
ظل عرشه واقتدى به بنو أبي حفص من بعدهء ولم تزل عادتهم مستمرة 
على تعظيمه عاملهم الله بنياتهم فإنهم يعظمون ليلة الثاني عشر من شهر 
ربيع الأول وينشدون الأشعار في المكاتب. ويختلفون لتلك الليلة ويزينون 
المكاتب وريما يجعلون ديدبانات وهي المعبر عنها بالاصطلبات وتقرأ فيها 
التخاميس وتنشد الأبيات الشعرية التي تضمنت مدائح خير ر البرية؛ وتوقد 
القناديل وتسرج الشموع وتكون تلك الليلة أشهر ليالي سنتهم. ويصنعون 
الأطعمة الفاخرة احتتسابا لله وربما يجعلها بعضهم للمباهات 0 ولكل 
أمرىء ما نوى. وتكون ليلة عظمى بدار نقيب الأشراف يحضرها الأجلة من 
الناس والقراء والفقهاء ويقع فيها السماع والأناشيد بالمدائح النبوية ويهرع 
الناس إليها من أطراف البلد وتكون عندهم من الليالي العقم» ولنقيب 
الأشراف عادة يأخذها من السلطنة من زيت وشمع وما يحتاج إليه وهذه 
العادة جارية من زمن بني أبي حفص ودامت هذه الدولة عليها وأدركنا قبل 
اليوم بالزاويتين ن المشهورتين القشاشية والبكرية محاسن جمة. بحيث تدوم 
زينتهما خمسة عشر يوماً لا تخليان من المدائح وتهرع الناس للتفرج 
والمبيت وقد تلاشى الحال. وأما غيرهما فبحسب الإمكان والأوقات وهذا 
الشهر المبارك له حرمة عند أهل الحضرة لتعظيمهم لهذا اليوم؛ زاد الله في 
حسناتهم » وربما وقع فيه ها يذمه الشرع وذلك لجهل العوام ويرون ذلك 
صلاحاً ومن أراد تفصيل ذلك فليطالع المورد في أخبار المولد للعلامة 
جلال الدين السيوطي. فإن فيه شفاء الغليل. 


ومن أيامهم المشهورة أول يوم من شهر مايو فإنهم ينفقون فيه أموالاً 


نننا 


لا تحصى . ويتفاخرون فيه بالأطعمة الفاخرة التي لا توصف. ويكثرون من 
الإنفاق فيه ويجتهدون في صناعة المرقاز حتى لا يخلو منه إلا مساكن 
الضعفاء. ويكثرون من 0 والبقول ويباع في هذا اليوم من النارنج 
والليم الحلو والليمون بقدر ما بيع في السنة كلها ومن الحشائش مثل 
الحمص والباقلاء الخضراء والخس وغير ذلك ما يقوم بالمدينة سنة في 
غير هذا اليوم» ويجعلون أخصاصاً في بيوتهم مزينة ويعبر عنها بالحوانيت 
وتعلق فيها جميع البقولات والرياحين الموجودة حتى لا تخلو دار من 
ديارهم من مثل ما ذكرنا إلا ما قل» ويتجاوزون إلى المغاني وآلات الطرب 
لما لا حد له وانهماكهم في هذا اليوم أكثر من أيام الأعياد. 


وأدركنا بعد الخمسين والألف من الهجرة مكاناً لهم عند باب 
الخضراء يسمونه بالوردة» يجتمع فيه أهل الخلاعة والبطالة ويكثرون من 
المجون هنالك من مغان ومطربين ومشعوذين. وتباع فيه الفواكه اليابسة 
والحلواء وتخرج أهل الخلاعة أرسالاً بعد صلاة العصر إلى وقت الغروب» 
ويكون هناك مسر عظيم أبهج من أيام العيد ويستمرون على هذه الحالة 
خمسة عشر يوباً هذا دأبهم في كل سنة» توارثوا ذلك خلفاً عن سلف 
وأبطلت هذه الأيام في زمن أسطا مراد. ثم أعيدت من بعذه ولكن على 
غير هيثتها الأولى. ثم أبطلها أحمد خوجة ولم تعد بعد. 

ولقد أدركت للقوم في هذه الأيام خلاعة لم تكن لغيرهم في غالب 
المعمورة. في هذا المكان الذي يقال له الوردة» ولم أدر لماذا سمي بهذا 
الأسم إلا إنه بظني أنه كانت به حديقة بالورد فسمي بهاء والله أعلم 
وانقرضت هذه الحالة ولم يبق إلا اسمهاء وأما الذي يستعملونه في الديار 
فهو باق على حالته وبزيادة: وعند النسوة تفاخر بينهن لما يبدين من الزينة 
والأطعمة ولم يعلم أحد من أهل الحضرة ما السبب لإظهار هذا اليوم إلا 
لمنكر عنهم فيه حيث يقول هذا اليوم عيد لفرعون لعنه الله فكيف 
يعظمونه ويستدل بقوله تعالى «موعدكم يوم الزينة74؟ والمجيب عنهم 


)١(‏ الآية وك سورة طهة. 


يقول فيه نصر الله موسى عليه السلام على فرعون وكل ليس تحته طائل 
لأنا غير مكلفين بهذا اليوم ولا هو في شريعة غيرنا وهذا من خرافات 
العوام . 

وسمعت من مشيخة الحضرة ما يقارب الظن وهو أن أول يوم من 
شهر مايو تكون الشمس فيه مضرة بالصبيان الذين هم دون البلوغ فلهذا 
يجعلون تلك الحوانيت لتقى صبيانهم الحر بحيث يلعبون فيها وتغنيهم عن 
اللعب خارج الديار. وكذلك يجعلون في أنوف صبيانهم شيئاً من القطران 
لخاصية في رائحته والله أعلم. ومنهم من يقول هذا اليوم هو النوروز 
ويحكم بصحته وليس عنده علم ما هو النوروز ولا لأي شيء وضع في هذا 
اليوم» ولم لم يكن في غير هذا الشهر ولم اختص به هذا الشهر دون غيره 
إلى غير ذلك إلا إنها جبلة مجبولون عليها صاغراً عن كابر إلى يومنا هذا 
والذي صح عندي أنه هو النوروز لا شك فيه. إلا إن النوروز كان في غير 
هذا الشهر ثم صار إليه. 

ولذلك حكاية تطول ولكن نأتي ببعضها ليعلم من يقف عليها أن 
الأولين من أهل الحضرة لم تكن أفعالهم سدى وسيتلى عليك إن شاء الله 
تعالى ذكر أهل السير والأخبار'أن النوروز كلمة أعجمية معناها اليوم الجديد 
لأن نوهو الجديد وروزهو اليوم لأن العجم يقدمون المضاف إليه على 
المضاف وأول من أظهر هذا اليوم بأرض فارس ملك من ملوك الفرس 
اسمه جمشيد من الطبقة الأولى من ملوك الفرس. الذين يقال لهم 
البيشدانية وهو الثالث من ملوكهم وكان قبل إبراهيم عليه السلام, وجمشيد 
معناه شعاع القمرء لآن جمع اسم القمر وشيد اسم الشعاع. وكان ملك 
الأقاليم السبعة وسلك السيرة الصالحة ورتب الناس على طبقاتهم 
كالحجاب والكتاب وألزم كل , صاحب طبقة مكانه لا ينتقل منه إلى سواهء وجعلٍ 
النوروز عيداً يتنعم الناس فيه وكان صاحب عدل ووضع لكل أمر خائماً 
مخصوصاً به فخاتم الحرب متكوب عليه الرفق والمدارة» وخاتم الخراج 
العدل والعمارات. وخاتم البريد والرسل والانات المدق ا 1 
وخاتم المغارم الإنصاف والسياسات, وبقيت تلك الآثار إلى أن محاها 


افونا 


الإسلام وأخر حاله تكبر وتجبر وترك السيرة الصالحة فتنكر عليه الخواص 
وقام عليه بيوارسب فقتله واستقل مكانه. 

وكان النوروز أول يوم من يناير ويسمونه أيضاً دينماه معناه غرة الحول 
الجديد والمهرجان يجعلونه سادس عشرين برهمات» هذا اصطلاحهم في 
ذلك الزمان وأول من أحدثه من ملوك القبط بمصر مقلاوش بن مقناوش» 
وهو أول من عبد البقر واستخرج الحكمة وأول من عمل العجل يجرها 
البقرء وفي زمانه بنيت البهنسا من أعمال مصر ودام ملكه ثمانماثة وثلاثين 
سنةء ودفن في الأعرام الصغير ودفن معه من الأموال والعجائب شيء كثير 
منها أصنام مدبرة على الكواكب السبعة التي يرى بها الدفائن والخبيات 
وألف سراج من الذهب والفضة وعشرة لاف جام من ذهب وفضة. وألف 
عقار لفنون الأعمال من الكيمياء وغيرهاء وله أخبار غير هذه ليس هذا 
محلها وإنما جذبنا مساق الحديث. 


ونرجع إلى ذكر النوروز. وأما الصابيون فهو عندهم يوم دخول 
الشمس برج الحمل وهو من أعظم الأعياد عندهم لأن الشمس حلت في 
برج شرفهاء ثم إن الفرس جعلوه في الخامس من حزيران لأن فيه استواء 
الزرع عندهم وإذا حل خرجت العمال لاستفتاح الخراج. وكان هذا العيد 
عندهم لإدراك الغلال يستبشرون بالسنة فيظهرون فيه من الماكل 
والمشارب ويتهادون بينهم ويهادون رؤساءهم وهو من أعظم الأشياء عندهم 
ولم يزالوا على ذلك إلى أن أتى الله بالإسلام وهم ياقون على حالهم . 

وفي أول الإسلام كانت السنون متقارباً بعضها من بعض والزمان 
متقارب بين الشمسي والقمري في حساب السنين» وملة الإسلام خراج 
أهل ذمتها وزكاة أموالها ومواقيت حجها بالسئة القمرية وجميع شعائر 
الإسلام كذلك. 

وأما أعشار الغلال فتكون عند تمامها وحساباتها بالسنة الشمسية 
ثلاثمائة يوم وخمس وستوزيوما وكسورء فيكون التفاضل بينهما أحد عشر 


ب 


يوما على التقريب» والروم كانوا يكبسون سنينهم يوماً في كل أربع سنين» 
وأما الفرس فإنهم يكبسون شهراً تاماً بعد مائة وعشرين سنةء. فإذا انقضت 
هذه المدة ودخل شهر أيار ألغوه ورجعوا إلى حزيران فكان النوروز من 
الخامس من حزيران إلى الخامس من أيار لا يتجاوز أكثر من ذلك, 

ولما كانت خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان وكان عامله على 
العراق خالد بن عبد الله القسري وجاء وقت التكبيس عند أهل العراق 
أعلموا خالداً المذكور فمنعهم. فبذلوا له أموالاً فأبى وبعث إلى هشام 
يخبره ويقول له هذا من الذي قال الله تعالى إنما النسي زيادة في الكفر 
يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماء فآتاه ا بمنعهم 
فمنعواوصار النوروز لا يتعدى زمانه وفيه يكون افتناح الخراج والسنة تتقدم 
إلى أن تنفاوت جدا. 


ومائتين تجبى في سنة اثئتين واربعين ومائتين فتنبه لهذا الأمر وأمر أن تلغى 
سنة إحدى وأربعين وتذكر سنة اثنتين» ولولا خشية الإطالة لاستوفيت السبب 
في ذلك وكيف تنبه وفيه قصة يطول شرحها. وفي تلك السنة جيبت البلاد 
بذكر سنة إحدى وأربعين واثنتين واربعين وخحرجت بذلك الكتب إلى العمال 
ومات المتوكل على الله ولم يتم له ما أراد ومن بعده رجع الأمر إلى الحالة 
الأولى . وفي خلافة المعتضد بالله جعنل النوروز على حساب الروم» 
وكذلك رتب المصريون حسابهم ووافقهم حساب القبط وفي أيام المعتضد 
كانت سئة ست وسبعين ومائتين تجري في سنة سبع وسبعين وماثتين فنقلت 
وكان المعتمد على الله العباسي أخر النوروز عن وقته ستين يوماً 
وجرت جباية البلاد على هذا التمط وقدم المهرجان يوما واحداً ولم يزل 
مخلفاء بني العباس يؤخرون النوروز غن وقته عشرين يوم وأكثر وأقل ليكون 
سيباً لتأخير الخراج * وفي خلافة المطيع لله العباسي وسلطنة معز الدولة بن بن 
بويه والوزير المهلبي؛ كان النقل من سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وكتب 


ارقا 


في ذلك العصر الصافي رسالة وأودع فيها من الصناعة الفلكية ما يعجز عنه 
الكتبة. وهي رسالة مشهورة» ولولا الإطالة لأوردتها بكمالها لحسن 
صناعتهاء كما أن رسالة القاضي عبد الرحيم البيساني كثيرة الإيجاز 
والإعجاز وكان هذا النقل أغفل في الديار المصرية. حتى كانت سنة تسع 
وتسعين واربعمائة تجري مع سنة إحدى وخمسمائة وكذلك منة خمس 
وستين وخمسمائة تجري مع تسع وستين وخمسمائة. فنقلت برسالة من 
إنشاء القاضي الفاضل عبد الرحيم المتقدم الذكر ورسالته موجودة في أيدي 
الناس ولو لم يكن له من الرسائل إلا هذه الرسالة لكفته فخراً. 


وكان الخلفاء من بني العباس وسلاطين وقتهم مولعون بأيام النوروز 
وتعظيمه» وكذلك الرؤساء والكتاب ولهم فيه مجالس أنس مشهورة؛ وتهدى 
لهم فيه الهدايا الجليلة وتمدحهم فيه الشعراء ولهم فيه الأشعار المستحسنة 
ومجالس الأنس التي يتفاخر بها بعضهم على بعض وغير ذلك مما هو 
مشهور. وجرت به دولة بني أمية بالأندلس ولكن ليس لي علم به أي وقت 
كان عندهم. إلا إن لهم فيه مجالس مذكورة بين أكابرهم وهدايا جرت بها 
عادتهم إلى انقراض دولتهم . 


وأما تونس حرسها الله تعالى فحساباتهم بشهور الروم وذلك أنهم 
يكبسون يوما في السئة الرابعة. فكان النوروز لا يتعدى وقته في كل سنة. 
إلا إن الفرس كانوا يجعلونه في الخامس من شهر أيار. وأيار هو شهر مايو 
بحساب الروم وإنما يجعلونه في حزيران في السنة الكبيسة لأنهم إذا أرادوا 
تكبيس سنينهم كما جرت به عادتهم بعد المائة والعشرين سنة كما تقدم 
به الخبر. جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهراً فإذا صاروا في شهر حزيران 
الذي هو يونية بحساب الروم ألغوا ذلك الشهر ورجعوا القهقرى إلى شهر 
مايو. فلهذا كان اختلاف حال النوروز عندهم كما ذكرنا ومنعهم خالد بن 
عبد الله القسري على فعلهم.؛ وزعم أنه من النسي الذي ذكره الله تعالى 
في كتابه العزيز والنسي المذكور غير هذاء وليس هذا محل بيانه» وتمشى 
اصطلاح النوروز في مديئة تونس أول يوم من شهر مايو لأن غالب سنينهم 


وم 


يطيب فيها زرعهم وتخرج الجباة إلى أطراف البلاد وكذلك جملة ثمار 
تظهر في هذا الشهر وأهل تونس يقولون تظهر يوم مايو سبع غلال ويعدونها 
ولهم اختلاف في عددهاء وليس لهم في زعمهم إلا ظهور هذه 
الفواكه في هذا اليوم وجرت به العادة من زمن بني أبي حفص إلى يومنا 
هذا. 

ولولا خشية الإطالة لأتيت بجملة من القصائد والمقطعات التي قيلت 
في النوروز» وما ذكرت هذه النبذة إلا ليعلم من يقف على كتابي هذا أن 
أهل الحضرة لم يكن عندهم سدى كل ما هو متعامل بينهم. لأن السلطنة 
في تونس كانت ضخمة وملوكها يعدون من الخلفاء وهذا مما هو مشهور عند 
أهل الأمصار, إلا إنه لما تغيرت الدول جهلت مسائل كثيرة مما كانت عليه 
واندرست قواعد كان الاهتمام بها وصعب الأمر على ردهاء كما كانت عليه 
فمن بعضها ما يناسب النوروز مما كانت تهتم به الملوك في أول الزمان 
مثل النقل للسنين كما ذكرناء وهذا اليوم جار في وطن الساحل ويعنونه 
بالمحول وذلك أن جباة أعشارهم من الحبوب والزيتون تباينت عن مراتبها 
حتى أنهم يذكرون في تذاكر أعشارهم سنة ثمان وثمانين تجبى سنة إحدى 
وتسعين ولم يتفطن أحد إلى هذا الأمر وإن تمادى الحال على مر السنين 
تفاقم إلى أكثر من ذلك. وهذا من الازدلاف بسبب المبايئة بين السنة 
الشمسية والقمرية لأن القواعد تلتزم على حساب السنة القمرية والاعشار 
م ا ا ا ا 
قمرية واستمر العمل بها واتسع الخرق على الراقع والكلام يطول ولكن 
جذبتنا المادة وفي هذا 206 كفايةء والله أعلم بحقائق الأمور وما تخفي 
الصدور. ولهم اصطلاحات غير ما ذكرنا لو تتبعناها لطال بنا الإكثار 
وخرجنا عن حد الاختصار. 

وأما تعظيمهم لليلة النصف من رجب وليلة السابع والعشرين مله 
وكذلك لليلة النصف من شعبان وليلة السابع والعشرين منه أيضاً فلا يخفى 
على أحد من الناس هذا التعظيم» وإن كان لغيرهم مشاركة في هذه الأيام 
فإن تعظيم أهل الحضرة أعظم من غيرهم وكذلك شهر رمضان المعظم 


لقنا 


قدره فإبهم يحتفلون فيه غاية الاحتفال ويقومون بواجبه وواجب حقه أتم 
القيام» ويختمون في غالب المساجد القران العظيم في صلاة التراويح إلا 
فيما قل من المساجد. 


وكذلك اعتناؤهم بختم المسند الصحيح للإمام البخاري. رضي الله 
عنهء وبقية الأسانيد الستةء إلا إن البخاري عندهم أشهر وروايته أظهر 
وإنت كان غيرهم من المغاربة يقدمون كتاب الإمام مسلم بن الحجاج. 
رضي الله عنهء على كتاب البخاري وكلهم على حقيقة وصحة. فاهل 
تونس لهم ولع بالرواية لكن المشاهير من علمائهم وغيرهم مولع بالختم لا 
غير وأردته أن يأتي بصورة الختم ليتم به الختم ويحصل لنا حسن الختم 
إن شاء الله ولكن نأتي ببعض ونذكر بعض علماء الحضرة الذي ين أدركتهم 
في هذه الأيام تبركاً بأسمائهم لأنهم فرسان هذا الميدان وعلماء هذا الشأن 
ولم أتعرض لغيرهم ممن تقدم لكثرتهم وفواتهم. وربما تمس الحاجة 
لبعضهم فتأتي به عفوأ إن شاء الله تعالى . 


فمن المشاهير من علماء الحضرة الشيخ الإمام علم الأعلام القدوة 
البركة المقتدى به المتبرك به المعمر الذي ألحق الأصاغر بالأكابر. 
وتخرجت به جماعة من الأعلام في أيام حياته» ورأى من تلامذته ما قرت 
به عينه وله الإسناد العالي, ورحل إلى الديار المصرية والأماكن الحجازية 
والتقى بالرجال وأخذ عن جمع غفير وأجيز وأجاز وأفاد واستفاد بالحرمين 
الشريفين وأرض الحجاز الأمجد الشيخ أبو العباس أحمد الشريف زاده الله 
شرفأء وهو اليوم بركة هذا الإقليم وملازم لإفادة الطالبين بجامعه المبارك 
بإزاء دار الباشاء وهو من المحافظين على رواية المسند زاد الله في علومه 
ونفع به المسلمين يبدأ من أوله إلى آخره في مدة الثلائة أشهر إلى أن يتمه 
على وفق المراد» فيكون الختم على بابه وهو حفظه الله باق إلى يومنا هذا 
متمتعاً بسمعه وبصره ملازماً للتدريس بجامعه المعروف به ملاصقاً لدار 
الخلافة وهو في سن الشيخوخة في الثمانين وفيه خشوع ورقة وتخرج به 
جماعة وسلكوا طريقته زاد الله في شأنه بمنه وكرمه. 


غ4" 


ومنهم الشيخ المعروف النحرير المخبر الخبير الفقيه المتكلم 
المنطقي المحكم المفوض العروضي الأصولي البياني الأديب المهذب 
الورع المرحب. الذي جمع بين المعقول والمنقول مفتى الحضرة العلية 
وشيخ شيوخ البلاد الإفريقية المشهور في أدبه بابن نبانة الشيخ أبو عبد الله 
محمد عرف فتاتة» أبقى الله بركته» وقد تقدم شيء من ذكره ولا باس 
بإعادته تعظيما لقدره وهو باق إلى يومنا ملازماً لإفادة الطالبين وله عدة 
دروس منها في المسجد الأعظم وغيره مع ما ينظر فيه من مصالح 
المسلمين وتخرج به جمع غفير وتصدروا ني حياته لنفع المسلمين نفع الله 
ببركته . 

ومنهم شيخنا وصديقنا الشيخ الفقيه والحبر النبيه الوجيه الشيخ 
الأمجد أبو عبد الله محمد عرف ابن الشيخ. متضلع بعلوم شتى ملازم 
للاشتغال والإفادة بجامعه المغلق بمقربة من سوق الخضارين وبالمدرسة 
المنتصرية. وقد سبق التعريف به في أول الكتاب وهو من المحافظين على 
التعليم لعلوم الدين» وتخرج به جماعة كثيرة وهو من بدار الشيخ أحمد 
الشريف وبه تخرج وأخذ عن جماعة غيره متع الله بحياته المسلمين. 


ومنهم الشيخ العلامة وحيد دهره وفريد عصره المتصرف في علوم 
كثيرةء إلا إنه بعلم المنطق أشهر من علم كشهرة أبيه من قبله بهذا الفن 
وهو مدرس بالمدرسة المرادية المحدئة عند باب الربع وهو وتد من أوتاد 
العلماء الأنجاد الحاج الشيخ أبو عبد الله محمد عرف الغماد زاد الله في 
حسناته . 

ومنهم الشيخ البركة القدوة المدقق المحقق المتكلم الورع المتبرك 
به المشتهر بالورع في هذه البلاد الشيخ أبو الحسن علي عرف الغمادء» 
أبقى ألله بركته, وهو من المدرسين في الجامع الأعظم من تونس وله درس 
بجامعه المشهور به في حومة الدباغين وبالزاوية الحلفاوية في ربض باب 
السويقة متع الله المسلمين بحياته. 

ومنهم الشيخ المعمر العلامة المتورع المتبرك به الشيخ أبو العباس. 


انا 


أحمد عرف المهدوي. وهو الآن خطيب بجامع الحلق قريباً من باب 

ومنهم الشيخ الفقيه المتفئن الورع العفيف الشيخ سعيد الشريف» 
وهو من بدار الشسخين الشيخ سيدي أحمد الشريف والشيخ سيدي محمد 
فتاتة وتصدر في حياتهما للإفادة بالجامع الأعظم . وفيه وقار وسكينة. زاده 
الله من فضله. 

ومنهم الشيخ الفقيه عبد القادر الجبالي وهو من المدرسين بالجامع 
لأعظم ومن تلامذة الشيخ فتاتة وفيه نية وتدين وعفاف. 

ومنهم الشيخ الفقيه المدرس المتصرف في عدوم كثيرة. إلا إنه بعلم 
باب الجزيرة. وفيه نية وتدين وعفاف زاده الله من فضله. 

ومنهم الشيخ الفقيه المدرس أبو عبد الله محمد عرف قويسم من 
أهل باب السويقة ولأهل ربضه فيه اعتفاد. 

ومنهم الشيخ الفقيه المدرس المتعفف أبو القاسم الغماري من أهل 
باب السويقة أيضأ إمام بجامع حومة الأندلس وفيه تدين. 

هؤلاء من مشاهير المالكية وغيرهم خلق كثيرون ولكن لم يبلغوا شأو 
من ذكرنا وغيرهم لم يحضرني أسماؤهم إلا عند ذكرهم . 

ومن مشائخ الحنفية الشيخان الفقيهان الشيخ محمد بن شعيان إمام 
جامع المرحوم يوسف داي وخطيب جامع المرحوم محمد باشاء والشيخ 
مصطفى بن عبد الكريم المنفصل عن الفتيا وهو اليوم إمام جامع المرحوم 

ومنهم الفقيه النبيه الشيخ أبو الحسن علي عرف الصوفي عنده ملكة 
في العربية والصرف والففه وعلم الحديث. 


ايذانا 


الشماعية» وعنده ملكة في علم الحساب والميقات والفرائض ومختص 
بعلم الهيئة والهندسة . 

ومنهم الفقيه الشيخ أبو عبد الله محمد المهتار وهو راو للحديث في 
جامع القصبة. 

هؤلاء الذين بلغوا درجة الرواية للمسند الصحيح وغير هؤلاء جماعة 
يتعاطون الرواية» وإنما دخلوا بمخالبهم بين ذوي الاقتناص وأكثرهم بين 
بناء وغواص ولم يكن بالديار التونسية من يوم حل بها العسكر العثماني 
من تعاطى الرواية والدراية إلا الشيخ العالم العلم الرباني الشيخ أبو عبد 
الله محمد تاج العارفين العثماني . سقى الله ثراه من صوب الرحمة والرضوان. 
وكان مجلسه بالجامع الأعظم من أجل المجالس وتحضره الأجلاء من أهل 
العلم وتدور بينهم المباحث الجميلة في العلوم الجليلة؛ ولا يخلو مجلسه 
من فوائد في الثلائة أشهر رجب وشعبان ورمضان إلى يوم الختم وهو اليوم 
السادس والعشرون من رمضان. 


ثم تلاه ولده العلم الشهير والعالم النحرير الشيخ أبو بكرء فسار 
بسيرة والده وقام بعلم الحديث الشريف أحسن قيام وشهد له بالدارية 
علماء الإسلام. فكان في هذا الفن نسيج وحده وحصل له سر أبيه وبركة 
جده إلى أن سار إلى رحمة ربه في سنة ثلاث وتسعين وألف» فتغيرت 
تلك القاعدة وصارت رواية لا غير وجرت بها العادة للتبرك وانقطعت المادة 
من السير لأن ولديه لم يبلغا مبلغه ولا سعيا سعيه. إلا إن الله تبارك وتعالى 
من بمن أقام مقامه بملازمة الرواية للتبرك بالحديث النبوي وهو الشيخ 
العالم العامل البركة سيدي علي الغماري فسح الله في مدته هو الذي 
يتعاطى الرواية في الجامع الأعظم إلى يومنا هذا ولله الحمد. 

وحيث بلغنا في خاتمة الكتاب إلى ذكر ختم البخاري الشريف». 
وجب أن نذكر صورة الختم عسى أن يحصل لي ببركة الختم ومجانسته 
الختم والختم إن شاء الله تعالى. لا إله غيره ولا خير إلا خيره وهو نعم 
المولى ونعم النصير. 


إغنا 


(فؤسل (ثرلار 


في تعظيم أهل الحضرة لخنم البخاري 


ولهم اهتمام عظيم يحتفل الشيخ لذلك اليوم غاية الاحتفال. ولهم 
أماكن معلومة وأيام معدودة بحيث يكون يوم كذا في المسجد الفلاني عند 
الشيخ فلان فتهرع الناس إلى محله وتوقد الشموع وتسرج القناديل ويبخر 
المكان بأنواع الطيب. وقد تكلم الوالدء رحمه الله على تعظيم أهل 
إفريقية لختم البخاري وله في ذلك تصنيف سماه تأهب الراوي الفصيح 
لفتح الجامع الصحيح. ونقل عن أشياخه من العلماء جملة من اداب 
الميحدث واستفتاح مجلس الأملاء. لم قال واستحسن الشيوخ عند الإملاء 
افتتاح مجلس الإملاء بقراءة قارىء لشيء من القران العظيم ثم يستنصت 
لسماع الحديث» لم قال قلت وعليه عمل الناس اليوم بإفريقية عند ختمهم 
البحاري يقرأون قبل افتتاح المحدث من سورة الملك إلى سورة عم إلى 
آخر سورة من قصار المفصل ويختمون بآية الكرسي وآخخر البقرة» ويصلون 
على سيدنا محمد و ثم يقرأ الراوي لحديث رسول الله يق ثم قال: 
ولختم جامع البخاري في القيروان بلدنا شأن عظيم ومشهد كريم. 


ومن تعظيمهم له وإجلالهم إياه أنهم يشتغلون به عن أهم شيء من 


يناريا